رأيتها في نمرة

بالأمس ذهبتُ إلى نمرة ورأيتُ أحدهم يدخل إلى الصيدلية ليشتري دواءً,
ورأيت آخر يدخل إلى المطعم ليشتري طعامًا.
رأيت أحدهم يساعد ابنه المعاق كي يسير بجواره بمشية بطيئة غير منتظمة,
ورأيت آخر يسابق ابنه وضحكاتهم تتعالى في المكان وصداها يدخل المحلات ومسامع الناس.
رأيت أحدهم يدفع ابنه الرضيع في عربة صغيرة تحفّها الألعاب من كل جانب,
ورأيت آخر يدفع والده المشلول في عربته المتحركة.
رأيت امرأة تسير مع زوجها وأبنائها على بساط السعادة والترف والنعيم,
ورأيت أخرى تسير مع أيتامها على بساط الحزن والفاقة والتعب.
رأيت أولادًا يحملون ألعابًا اشتراها لهم والدهم من محلّ الألعاب,
ورأيت آخرون يمدّهم والدهم بجرعات من الصبر قائلًا: ((إذا تحسّنت الظروف بجيب لكم كل اللي نفوسكم فيه)) .
رأيت فتاة تسير مع زوجها وهي مثقلة بشتى أنواع الهدايا,
ورأيت أخرى عانسًا تسير وحيدة تنتظر المجهول أن يقرع باب منزلهم ذات يوم.
رأيتُ أمًّا وأبًا والسعادة تحفّهما وهما متّجهان لزيارة ابنهما في منزله الذي اشتراه حديثًا,
ورأيت أمًّا وأبًا والحزن قد خيّم عليهما وهما متجهان بحسرتهما لزيارة ابنهما الذي يقبع في السجن.
رأيت أحدهم يقول لصديقه بارك الله لك في المولود الجديد,
ورأيت آخر يقول لصديقه رحم الله ميّتكم وأسكنه فسيح الجنان.
رأيت أحدهم يتّجه بأسرته إلى مهرجان المخواة الترفيهي ليعيشوا أجمل اللحظات,
ورأيت آخر يسير بأسرته إلى المستشفى بعد أن تسمّموا من وجبة الغداء.
رأيت شيخًا كبيرًا والفرح يغمره لأن أولاده يتحلّقون حوله ويقضون حوائجه وكأنه ملكٌ وهم حاشيته,
ورأيت شيخًا آخر يتوكأ على عصاه ويتدثّر وحدته, يقضي حوائجه بيده المرتعشة ,يمشي تارة ويقف تارة لينظر حوله وكأنه يسأل نفسه كيف وصل بي الحال إلى هذه النهاية المرهقة.
رأيت شابً والسعادة ترفرف فوق رأسه لأنه تحصّل على وظيفة جديدة,
ورأيت آخر مازالت قدماه تغوص في وحل البطالة المقيتة.
رأيت....ورأيت.....ورأيت...... ورأيت......
وأدركت أنّ الحياة تعجّ بسيناريوهات متناقضة قد يعيشها الإنسان ويقاسيها أو يقاسي بعضًا منها ولكن المهم أن يكون ديدنه الصبر على كل ما يحلّ به وأن يكون إيمانه بقضاء الله هو المتكأ الذي يتكئ عليه دائمًا , وأن لا يتضجّر من تفاصيل حياته وتقلباتها المستمرة . فنحن مخلوقون في كبد وتعب .
كان الإمام أحمد يؤلف الكتب فاحترق بعضها وأخذ بتأليفها من جديد فدخل عليه ابنه فسأله مشفقًا عليه: متى الراحة يا أبي؟؟
فقال الإمام أحمد الراحة يا بنّي عندما تطأ بقدمك اليمنى الجنّة. وفي رواية أخرى أنه قال: الراحة يا بنيّ إذا خلّفت جسر جهنّم وراء ظهرك.
ومضة/
تعبٌ كلها الحياةُ فما أعجـ بُ إلّا من راغبٍ في ازديادِ