عندما يُخلق الحب ميتاً..!!


"1"


بين خوفه على والده وهو على سرير المشفى يصارع آلامه ..وبين وحدته وتخبطه القاسي الذي كان يعيشه

كان اللقاء...

جاءت مسرعة لتنهي ما كلفت به..امسكت يد الوالد المسجى على السرير وبرفق تام غرست في يده "الابرة" ..ومن ثم اخذت قياساً للضغط وقالت للشاب المرافق له دون ان تنظر اليه : هل يتألم كثيراً؟؟ هل يعاني من عدم النوم؟؟
اجاب الشاب : نعم...لا يستطيع النوم بسبب الالم...
سكت برهة ثم اضاف :كيف حالته الان؟
اجابت : " احسن" ولكن يجب ان نفعل له شيئاً لإن حرارته مرتفعة بعض الشيء...هل هو والدك؟؟
الشاب : نعم..
قالت : " الله يشفيه"..حالته ان شاء الله في تحسن..
الشاب : اشكرك للطفك..!!
قالت : حسناً اذا اردت اي شيء فقط اضغط على الجرس المعلق فوق السرير وسأكون هنا في لمح البصر..
قال الشاب : اشكرك جداً ..سأفعل..

خرجت الممرضة مسرعة..التفت الوالد الى ابنه وقال في صعوبة بالغة : ما بك يا بني؟؟
الشاب : لا شيء ابي..لا شيء..
فكر الشاب كثيراً بإمر هذه الممرضة...هناك اسئلة تدور في نفسه لا يجد لها اي اجوبة...فقد اعجب بالممرضة التي رآها ...لدرجة الضياع بين سؤالين ...هل هو فعلاً حب ام اعجاب فقط؟؟

لم يكن يتصور ان يدق قلبه فجاة..لم يكن يتخيل بإن اللحظة التي طالما انتظرها قد اخترقته صدفة..
طرد من رأسه الافكار التي سكنت به للحظة ..وذهب ليحضر "خافض حرارة" لوالده من خارج المستشفى...


"2"

رن جرس الهاتف ليلاً...كان المتكلم "هي"..اجاب الشاب وسمع صوتها على الطرف الاخر
- كيف والدك؟؟ "سألت"
- اجاب : الحمدلله صحته تتحسن ..
- قالت : هل ينتظم في اخذ مواعيد الدواء؟؟
- نعم.." قال الشاب"
- حسناً..اردت الاطمئنان عليه فقط...
- اشكرك جداً

توالت المكالمات كل ليلة على مدار شهر ونصف..كانت مشاعره تائهة..ومشاعرها واثقة...قلبه يدق بعنف محاولاً الاتزان وقلبها تمرد على كل شيء...
كان كل ما يريده فقط هو الاتزان...وكانت كل ما تريده هي الاحتواء والحب الصادق...لم تستطع ان تكبح جماح مشاعرها تجاه الشاب...وهو لم يستطع ايضاً ذلك..ولكن مشاعره كانت مختنقة بذلك الواقع الذي فرضه على نفسه..ليحدد طبيعة العلاقة بينهما..!! فهو شاب ليس مستعداً لعلاقة لا يعرف نهايتها..ولا يريد للفتاة ان تتألم بسببه ...فهي فتاة تملك من المشاعر الرقيقة ما يكفي امة بإكملها...

"3"

وذات يوم اتفقا على ان يلتقيان كأول مرة بعد لقائهما الاخير في المستشفى...وكان اللقاء..جاءت بكل هدوء وجلسا في مقهى عام جداً...اخذت تنظر اليه وكانها تلتقيه لإول مرة :
- ما بك تنظرين الي هكذا؟؟ " سألها"
- لا شيء..فقط اقارن بينك وبين الذي التقيته اول مرة " اجابت بنفس الهدوء "
- وما نتيجة المقارنة؟؟
- قالت وقد خانها التعبير : شخصية اخرى تماماً ليست كالشخص الذي....وسكتتُ...
- الذي ماذا؟؟ " قاطعها"
- اقصد ..الذي وجدت نفسي به..وارتاحت له كلماتي..
- حسناً...هذا انا اذن...وما الذي تغيير بالضبط؟؟
- لا ادري..كانك لست انت..!! فانا عرفتك الانسان ..والمثقف..والحساس ذو المشاعر الراقية..
- انا لست لي...ويا صديقتي انا انا.. لم اتغير ..
- يا صديقتي؟؟!! " قالت بإستغراب"
- نعم ..صديقتي..!! ما بك؟؟
- لا شيء..لا شيء..!! "قالت بتذمر"


وقطعا الوقت بالصمت تارة..وبالنظر الى الناس تارة اخرى...!!

كم كان اللقاء بارداً...وكم كان يتالم الشاب لإجلها...كان يريد ان يخلع الخمار عن كلماته ..كان يريد ان يقول لها : احبك ...نعم...كان يريد ذلك ..ولكنه لم يستطع..فقد الجم بلجام من الخوف...الخوف عليها ومنها...!! كان يخاف عليها كثيراً...لا يريد ايذائها ابداً...ولا بإي شكل من الاشكال...لا يريد ان يتكرر جرحه من قصة حب فاشلة عاشها قبلها..وخرج منها كـــ جرح بملامح إنسان...!! كان يحاول ان يقنع نفسه بإن هذه الفتاة ستغير شكل الحب وستعوضه عن كل شيء...

قطع صوتها حبل افكاره وقالت:
- اتريد ان ترى المكان الذي ارتاح به؟؟
- ماذا تقصدين؟ "سألها"
- المكان الذي ابكي واضحك فيه..وانسى كل همومي...هيا تعال معي لنذهب الى هناك...تعال لنذهب الى عالمي..!!

كان عالمها جبل رائع يطل على ضاحية من ضواحي عمان.... مليء بالاشجار ..وملئ بالهدوء..
اخذت تشرح له عن المكان كطفلة بريئة ..تضحك..وتحتضن شجرة سمتها بإسمها.. المكان تميز بالعذوبة .مثلها تماماً...


"4"

بعد لقائهما الاخير بإسبوع واحد ..رن جرس الهاتف..لم يكن يدري ذلك الشاب بإن هذه هي المرة الاخيرة التي سوف يسمع صوتها ..ولم يكن يدري ايضاً بإن هذه المكالمة سوف تكون الاخيرة .وسوف تضع حداً للقصة التي اتعبته نفسياً لدرجة عدم التمييز بين مشاعره تجاهها وخوفه من تكرار قصته السابقة التي تكللت بالفشل ..سمع صوتها عبر السماعة :


- لماذا كلُّ هذا الحذر في المجيء؟ لماذا كل هذه الجرأة في الغياب؟" سألته معاتبة"
- لا ابداً..كنت منشغلاً بعض الشيء.." اجابها"
- عجبت من حالك ايها الرجل الشرقي..!! " قالت"
- لا..لا تنظري الى الامور هكذا ..
- كيف تحب ان انظر اليها ؟؟ " قاطعته بغضب"
- صرخ الشاب : اتتكلمين عن ذلك الشاب الذي لا يعرف وجهته؟ ام عن ذلك الرجل الشرقي الذي يملك ضميراً مستيقظاً يطغى على قلبه المقهور ..يمزقه الى اشلاء ...ولا يهتم به ابدا حتى ولو على حساب راحته؟
- تربت يداك..."صرخت" واكملت قائلة : لكن وبكل تجرد ما الذي دفع ضميرك لسحق قلبك ؟؟ اجبني؟؟ اهو الخوف من المجهول؟؟ ام تحسباً لتبعات الحب والهوى؟؟
- قال لها الشاب : منذ اول لقاء احسست بمشاعرك نحوي...
- ولكنني لم ابح ..!! " قاطعته قائلة"
- بلى ..فأنا يا صديقتي إنسان ..واكثر شيء يتعبني في هذه الحياة هو احساسي...لقد سمعت كلمة احبك من حروفك مئة مرة...!! وتالمت بسببك الف مرة..!!
- قالت : اتذكر لقائنا في المقهى؟؟ لقد سحق هذا اللقاء مشاعري...وكان اللقاء الفاصل بين الحقيقة والحلم...
- قال الشاب : لماذا؟ هل لإن ضميري مستيقظا؟ ام لإنني رجل شرقي؟ ام لإنك رسمت صورة لي بخيالك لا اعرف شكلها وعند اللقاء تناثرت اجزائها في كل زوايا المقهى ؟

- قالت : بل قلبي الذي تناثر في ارجاء المقهى....انا اسفة..اسفة لإنني كنت مندفعة بمشاعري تجاهك..اسفة لإنني اقتحمت حياتك دون اذن منك.. سألملم نفسي وارحل عنك دون رجعة..لإنك حلم صعب المنال...ولم اعتد ان احلم احلاما لا تتحقق..!!
- اذن انت اتخذتي قرارك؟؟ " اجابها"
- قالت : لست انا ..انت من اتخذ قراري..انت اجبرتني على قرار لا ارغبه..لقد وضعت لي حداً منذ البداية..بماذا تفسر بعدك؟؟ وتغيرك ..وقلة اهتمامك؟؟
- قال : لقد كبحت جماح نفسي..فأنا اتنفس الواقع
- قالت : وجدت فيك ما ابحث عنه...وجدت نصفي الاخر الذي لم يكتمل..ووجدت روحاً احتاجها..وجدت فكراً افتقده..اصبحت ابحث عنك هنا وهناك..ولكنك سرعان ما اختفيت...لذلك قررت الرحيل..
- اجابها : خوفي عليكي هو ما منعني من الاقتراب منكِ.. فأنا لا احترف اللعب مع النساء..
- قالت " بصوت مختنق" : لا تخف علي وتبتعد...لا اريدك ..اتفهم؟؟


انتهت المكالمة.ولم تنتهي القصة...مشاعرهما سحقت لإن الحب بينهما خلق ميتاً..!!