فحسبك خمسة يبكى عليهم


وموت فتىً كثير الجود محل.......فإن بقاءه خصب ونعمة



اللهم لك الحمد على قضائك ...
أحسن الله عزاء الوطن في وفاة ابن الوطن البار ..
كم هي لحظات صعبة عاشها الوطن وهو يسمع خبر وفاة ابنه البار، الذي ظل لأكثر من ثلاثين سنة وهو خادم محب لتراب هذا الوطن ، عاشق متيم لأمته، مدافع عن قضاياها ...
رحمك الله أبا يارا ... أحببت لقاء ربك أيها الغازي .. فكان انتقالك للرفيق الأعلى في شهر الرحمة الغفران ..
هيئا لك هذا العلو وبحق علو في الحياة وفي الممات ، خبر وفاتك تناقلته محطات العالم كلها ، وأصبح حديث المجالس، فهل هذا لكل وزير أم لكل أديب أم لكل مثقف ... أم لك وحدك أيها الغازي ...
أرتجلت الكلمات فلا أعرف من أين أبدأ مع هذا النجم الذي أفل، هذا النجم الذي نال كل ما يمكن أن يتمناه شخص ما ..
أليس الراحل الأكاديمي ، والسياسي ، والسفير ، والشاعر والروائي،
أن كنت أعيش لحظة حزينة لفراق حبيب ألفت العيش مع حرفه لأكثر من سبع عشرة سنة ، فإني أعيشها من عام أو أكثر حينما وقعت عيني على ديوان " حديقة الغروب " وكم هي قاسيها تلك القصيدة التي افتتح الراحل بها ديوانه، وهي رثاء مبكر من الشاعر تجاه نفسه ..
غرفت وقتها أن ذلك الغازي لم يعد كما كان ، وهناك أمر في الخفاء يثقل كاهله،
خـمسٌ وسـتُونَ.. في أجفان إعصارِ...................أمـا سـئمتَ ارتـحالاً أيّها الساري؟
أمـا مـللتَ مـن الأسفارِ.. ما هدأت.....................إلا وألـقـتك فـي وعـثاءِ أسـفار؟
أمـا تَـعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا.....................يـحـاورونكَ بـالـكبريتِ والـنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَت ................ْســوى ثُـمـالةِ أيـامٍ.. وتـذكارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا................قـلبي الـعناءَ!... ولكن تلك أقداري

نعم أنه اليوم الذي فيه الفارس ، ولن يرحل به الساري مرة أخرى، أنه اليوم أبايارا الذي أراح الكثير من الأعداء ... وما أصعبه على الأحباب ..

اللحظة التي أحسست معها أني فقدت هذا الداهية عندما قرأت هذه الأبيات
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما.................رأيـتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الـطيرُ هَـاجَرَ.. والأغـصانُ شاحبةٌ ...............والـوردُ أطـرقَ يـبكي عـهد آذارِ
لا تـتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي ................فـبـين أوراقِـهـا تـلقاكِ أخـباري
وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بطلاً.................وكــان يـمزجُ أطـواراً بـأطوارِ

وليقرأ الوطن هذه الأبيات ليرد ردا يليق بعظمة الراحل وبما قدمه طيل السنوات
اقرأ أيها الوطن هذه الأبيات :
ويـا بـلاداً نـذرت العمر.. زَهرتَه ..................لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
تـركتُ بـين رمـال الـبيد أغنيتي ....................وعـند شـاطئكِ المسحورِ. أسماري
إن سـاءلوكِ فـقولي: لـم أبعْ قلمي ..................ولـم أدنّـس بـسوق الزيف أفكاري
وإن مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بَطَلاً...................وكـان طـفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري

صدقت أيها الغازي فلم تبع قلمك ، وصدقت أيضا فقد رحلت وتركت قصائدك، وكتبك تعيش معنا، وهي عزاءنا الوحيد ...

ثم يناجي ربه الذي أختار خير الشهور لقبض روحه فانظروا ماذا يقول :
يـا عـالم الـغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه .................وأنـت تـعلمُ إعـلاني.. وإسـراري
وأنــتَ أدرى بـإيمانٍ مـننتَ بـه.................عـلي.. مـا خـدشته كـل أوزاري
أحـببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي...............أيـرتُـجَى الـعفو إلاّ عـند غـفَّارِ؟

لم يخب ربك رجاءك فكانت وفاتك في سيد الشهور ، كما كنت سيد الأدباء والشعراء ...
لم تكن المرة الأولى التي يصرح بها غازي أنه يحب لقاءك ربه ...
وأحسنت ظنك بربك ، وأسأله تعالى أن لا يخيب ظنك ...
اللهم اغفرله فأنت غفار السموات والأرض ...

كان رحمه الله مثالا يحتذى في النزاهة، والعمل المتقن، تخليوا أن هذا الرجل الفذ حظي يثقة ملوك المملكة قاطبة من سعود حتى الملك عبدالله، وبيقي على منصبه حتى وفاته، فبرغم مرضه قبل عام وحتى اليوم، لم يعفى من منصبه، وكأن هذا اعتراف من قبل الوطن أنه أكبر من أن يعفى كما يعفى أي شخص أو مسؤول ...

رحمك الله الله أبايارا ...
رحلت وبقيت كتبك وأشعارك ، ورواياتك شاهد على عصرك ، وشاهد على نقائك ....