( ومن أعرض عن ذكري )

**هنووودة** · 25-01-2010, 08:57 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعلى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) سورة طه : 123

( ومن أعرض عن ذكري ) أعرض ؛ أمتنع من الحق, وترك,و ولاه ظهره. ( ضنكا ) ؛ هو الضيق و الشدة . أي : ضيق العيش, ومعناه هنا والله أعلم , أن هذه المعيشة الضنك في نار جهنم, وقيل هو عذاب القبر.(أعمى ) عن النظر في الحجج والبراهين الإلهية.
أي : من أعطى أمتنع وترك الكتاب الذاكر لي, والرسول الداعي إلي , والذكر يقع على القران وغيره من كتب الله تعالى, فسيكون له في هذه الدنيا معيشة ضيقة؛ لما يكون فيه من القلق والحرص على الدنيا, والتهالك على ازديادها, والخوف من انتقاصها, فترى الشح غالبا عليه, والبخل راسخا في أعراقه, بخلاف المؤمن الطالب للآخرة, مع أنه قد يضيق الله عليه بشؤم الكفر, ويوسع بركة الإيمان. فمن اتبع هداه وتمسك بدينه, فإنه يعيش عيشا هنيئا , غير مهموم ولا مغموم, لقوله عز وجل : ( فلنحيينه حياة طيبة), وجعل لمن اتبع هواه وأعرض عن دينه, أن يعيش عيشا ضيقا في تعب ونصب, مع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب, فهو في الآخرة أشد تعبا, وأعظم ضيقا, وأكثر نصبا, وذلك معنى قوله : ( نحشره)؛ أي نبعثه يوم القيامة أعمى ؛ فاقد البصر , وقيل أعمى عن جهات الخير, لا يهتدي إلى شيء منها, أو جاهلا بوجود الحق, كما كان جاهلا في الدنيا ؛ أي : فإذا خرج من القبر, خرج بصيرا. وإذا سيق إلى المحشر عمي, فإذا دخل النار زال عماه؛ ليرى محله وحاله.
( قال رب لم حشرتني أعمى ...) يقول المعرض ويستفهم استفهام استخباري: رب لما بعثتني فاقد البصر وقد كنت أبصر في الدنيا؟
قال ربه مجيبا هذا السائل: أمرنا وفعلنا بك ذلك وحشرناك أعمى مثل الذي فعلت في الدنيا, من إعراضك عن الحق. فقد أتتك آيات الكتاب, أو دلائل القدرة, أو علامات الوحدة, واضحة نيرة بحيث لا تخفى على أحد فأعرضت عنها وتركتها ترك المنسي الذي لا يذكر أصلا, ولم تنظر فيها. فكذلك اليوم تنسى مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا. فتترك في العمى والعذاب, جزاء وفاقا, لكن لا أبدا كما قيل: بل إلى ما شاء الله , ثم يزيله عنه؛ ليرى أهوال القيامة, ويشاهد مقعده من النار, ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب, كذلك البكم والصمم, يزيلهما الله عنهم.