ما المعاني العميقة المتجلية في هذا الاسم؟ كلنا نعلم إخوتي في الله أن الله جل في علاه يحفظ مخلوقاته ويحميها، ولكن هذا الاسم يحمل عدة معاني وتفسيرات يستقيها المؤمن القريب من ربه، ولا تمر عليه مرور الكرام ؛ بل يتدبرها ويرقُب أثرها في نفسه ونمط حياته.

عن أبي العباس عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:" يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رواه الترمذي ، وأحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957) .


عندما ندعو الله سبحانه باسمه (الحفيظ)، فإننا نسأله أن يحفظ لنا نعمةً ورزقاً وهبنا إياه مسبقاً راجين منه أن يديم العطيةَ علينا، وهنا يتجلى الفرق بين هذا الاسم واسم (المجيب، الرزاق، الوهاب) ففي دعاء العبد ربه بها، طلباً لنعمة غير موجودة وقت الدعاء. وإذا حفظنا الله عز وجل في نفوسنا وقلوبنا، فسينعم علينا بدوام حفظ الدين واستقراره فيها ..

معنى اسم الله (الحفيظ) :

1. المدلول الأول: حفظٌ عام، لجميع الخلق بما في ذلك المؤمن والكافر والبر والفاجر وحتى من يبارز الله سبحانه بالعصيان والجحود؛ فإن الله عز وجل بكرمه ورحمته وفضله يحفظ أجساد هؤلاء من الهلاك، ويقيهم السقم والوصب، ويهيئ لهم المأكل والمشرب والهواء وكل معينٍ على حظ البدن وسلامة العقل.

2. المدلول الثاني: حفظٌ خاص، يحظى به المؤمنين وأولياء الله الصالحين. فيمُن الله عز وجل عليهم بحفظ الدنيا لهم (الصحة والمال والبنين وكل شؤونهم الدنيوية، والأهم من ذلك؛ يحفظ لهم دينهم الذي هو عصمة أمرهم ونجاتهم). وصلاح النفس مورّثٌ للحفظ، قد يمن الله عز وجل عليك بالصلاح ويفتح لك أبواب الدنيا على مصراعيها بسبب عمل صالح قمت به أنت أو قام به أحد والديك أو زوجك ! أن يكرمك الله بحفظه له مسببات كثيرة مثل قصة الغلامين اليتيمين في سورة الكهف؛ اللذان أرسل الله عز وجل لهما الخضر وموسى عليهما السلام ليخرجا الكنز لهما والسبب؟ : (وكانَ أبوهما صالحاً).

كيف يحفظ الله عز وجل لنا الدين :

كلما حرص الوالدين والزوجين على حفظ أوامر الله عز وجل ونواهيه، حفظ الله لهم الدين في قلوبهم وحفظ لهم ذرياتهم وذويهم! كونوا مع الله دوماً طائعين، وسيصلح لكم أبناءكم ويقذف في قلوبهم حب الصلاة والطاعة ويبعد عنهم رفقة السوء، وعلى العكس من ذلك، فإنه كلما وُجدت الذنوب وكثرت وانتُهِكت المحرمات، فاعلموا أن حفظ الله لكم ولهم قد أُزيل! فحذاري من أن نصل إلى هذه المرحلة حيث تُنتزع البركة من حياتنا وتختفي طاعاتنا وحفاظنا عليها شيئاً فشيئا؛ فوالله إننا لأفقر الناس إلى رب الناس، وأحوجهم إلى حفظه تبارك في علاه.

وتذكروا هذه العبارة دوماً؛ كلما حافظ المرء على الدين في قلبه من النقصان، كلما زاد حفظ الله لإيمان المرء ودينه وأبقاه له، وحفظ له أيضاً أهله وبيته وماله وذريته.

هذا والله أعلى وأعلم.

أسأل الله عز وجل باسمه الحفيظ أن يحفظ لنا ديننا الذي تستقيم به دنيانا. ويحفظ آباءنا وأمهاتنا وأخواننا وأخواتنا المسلمين في كل مكان.