🔺 حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم ؛
فجعلتُ أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ؛
فأنشأ رجل كان إذا لاحى يُدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟
فقال أبوك حذافة ؛
ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من سوء الفتن .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صُوِّرت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط ..
فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية [يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم]
وقال عباس النرسي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة أن أنسا حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بهذا وقال كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي وقال عائذا بالله من سوء الفتن أو قال أعوذ بالله من سوأى الفتن .
و قال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد ومعتمر عن أبيه عن قتادة أن أنسا حدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقال عائذا بالله من شر الفتن .
✏ الشرح :
قلنا أن الفتنة مصلحة للإنسان ؛ وبها يظهر المؤمن من المنافق .. طيب كيف يكون هذا ثم نستعيذ من الفتن ؟
لاحظ أن في الحديث ذُكر (ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من سوء الفتن) .
كأنه يقول من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التعوذ من الفتن .
👈 إذن يصح لنا أن نتعوذ من الفتن ؛
والدليل : أن عمر رضي الله عنه تعوذ وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعوذه .
لاحظ أن الراوي في الأحاديث الثلاثة هو أنس رضي الله عنه ؛ وكان صغيرًا ؛ فهو عبارة عن حديث واحد ورُوي برجال مختلفين وكلهم يعودون إلى أنس رضي الله عنه .
إذن أورد البخاري رحمه الله الأحاديث التي تدل على مشروعية التعوذ من الفتن .
👈 ولماذا نستعجب أن نتعوذ من الفتن ؟
بمعنى أنها لابد وأن تقع ومع ذلك لا يمنعك ذلك من التعوذ منها .
🔹 التعوذ :
المقصود بها عبادة الإستعاذة ؛ وهي من العبادات القلبية التي أُمرنا بها في مواطن كثيرة .
⬅ معناها :
العائذ لائذ يلوذ إلى ربه خائفًا من عدوه ؛
فيُشترط للعائذ أن يكون :
- صادقًا في خوفه من المستعاذ منه .
- صادقًا في توحيد ربه باللجوء .
يعني واحد يقول أعوذ بالله من الفتن (بلسانه فقط) ⇜ إذن ما عبد .
وواحد يقولها (صادقًا خائفًا) ⇜ هذا عبَد الله بعبادة الإستعاذة لما أتى بالإثنين معًا .
ونحن طوال النهار نقول أعوذ بالله من الشيطان وبعد ذلك نجده جالسًا معنا ..!
والسبب ما فيه خوف صادق ولا نرى له أثرًا .
👈 إذن الخوف بصدق هو (( الخطوة الأولى )) ؛ أما المستأمن عدوه تجد قلبه باردًا في الإستعاذة وليس فيه خوف حقيقي من غضب الله ولا خوف من الفتن .
(( الخطوة الثانية )) هي توحيد المستعاذ به وهو الله تبارك وتعالى ؛
فتحتاج صدق في توحيده وقت اللجوء ؛
فلما تقول أعوذ بالله من الفتن وأنت حاسس أن فكرك قوي وقادر تأخذ قرار وأن أحدًا لا يستطيع أن يضحك عليك ويخدعك ⇜ فهل أنت بهذا صادقًا في توحيد الله بالإستعاذة ..!
لكن لو صادقًا فستكون مشاعرك أن لا أحد يعيذني لا فكري ولا قدرتي ولا تاريخي ولا ولا ... فتخرج من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته .
فلازم نخاف من الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف على أمته من الشرك الأصغر وهو الرياء وهو خطر عظيم وما فيه حل إلا أن نستعيذ بالله من الشرك الأكبر والشرك الأصغر .
فلا تقل نحن موحدين الحمد لله وبلدنا بلد التوحيد وليس لديك صدق في الإستعاذة .
فتجد من يقول بلسانه خائف على مالي يدخل فيه الربا .. وقلبه يتمنى أن ينمو ماله ..!
لكن لو فيه صدق الإيتعاذة سيكون في القلب خوف فيكون فيه صدق اللجوء .
ومثله لما نقول في دعاء الإستفتاح (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) .. فالصادق يقوله وهو خائفًا من ذنوبه ؛ ومثله دعاء سيد الإستغفار فيه تعترف بذنوبك وخائف أن توبقك .. فالصادق فيه حقيق بأن يكون من أهل الجنة إذا مات .
▲ فالقصة ليس ما يجري على اللسان ولكن ما يمتلئ به الوجدان .
فلما أخاف من الفتن ⇜ أدرس ما هي الفتن ؛ وأُخَوِّف نفسي لما أرى هذا الذي حافظ للقرآن كيف انفتن وهذا وهذا ....
لأن نفسك أحيانًا تأتيك وتقول لك أنت فعلت أفعالًا كثيرة وذكرت الله ⇜ فيطمئن قلبك ..!
فالطريقة الصحيحة للخوف تدفعك للعمل لكن يُشَل عن العمل ويترك العمل هذا ليس خوف شرعي ولا طريق أهل السُّنة .
إذن نحتاج :
- صدق وخوف من المستعاذ منه .
- صدق وخوف من المستعاذ به .
- صدق وخوف في اللجوء إليه .
وهي عبادة يؤجر عليها الإنسان ويزيد بها إيمانًا ؛ فالإستعاذة الصادقة مثل الصلاة والحج .... فهي إحدى الأركان في أعمال القلب ؛ وأكثر ما تكرر في القرآن الإستعاذة والإستعانة .
يعني لما تجاهد من قلبك وتخوف نفسك مثلًا من الحرام ومن الصحبة السيئة ثم تفزع إلى الله فقد عبدت الله وتؤجر على العبادة ؛ والله يعيذك .
والناس يتفاوتون ليس في أعمال الأبدان وإنما في أعمال القلوب .
فعليك أن تنتبه ولا تقيس الفتنة على آراء الناس ؛ فمثلًا يكون عمرك خمسون عامًا ثم تقولين مثلي في المجتمع لا يُظن فيها أنها تنظر للرجال والناس مستبعدين هذا .. وهي مطلعة على نفسها وتعرف أن ممكن يقع منها نظرة لأحد فيقع في قلبها رغم تقدم سنها .
فهي تتعوذ بالله من الفتن خاصة فتنة الرجال .
ومثله لما يكونوا مجموعة صديقات متحابين ويقال مشاعرهم تمام ثم تبدأ واحدة منهم تشعر أن العلاقة ما هي تمام وأن فيه مشاعر تعلق ..
فليس شرطًا أن الناس يسمعون صوتك هذا الذي تشعر به ولكن يكفي أن ربك يسمع قلبك فتضع يدك على جرحك وتستعيذ .
فالصادق ليس الذي لا يقع في قلبه الفتن ولكنه صادقًا لا يكذب على نفسه وعرف عيب نفسه فاستغاث بالله عز وجل ؛ وكل ما يقع عليه فهي مكفرات لذنوبه .
طيب أهم شيئ وصلنا للشاهد من الحديث ثم نبدأ نفهم الحديث على وجه العموم :
🔸 عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة :
يعني ألحُّوا عليه ؛ وهذا يخالف الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ومن كلام ابن عباس رضي الله عنهما أن هؤلاء كانوا منافقين وكانوا يسألون في شأن غير مسألة البلاغ ( الدين ) فمثلًا أحدهم يفقد ناقته ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم أين ناقتي ؟ أو يفقد ماله أو او ...
⇜ وهذا إما استهزاءً منه أو بعضهم يسأل اختبارًا له .
(فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر ) صعود غضب عليهم لما في أسئلتهم من استهزاء وتشكيك في النبوة وإشغال النبي صلى الله عليه وسلم عن التبليغ .
(فقال لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي) يقصد كبار الصحابة رضي الله عنهم كل واحد أدخل رأسه في ثوبه يبكون .
( فأنشأ رجل كان إذا لاحى ) يعني إذا حصلت مشكلة بينه وبين أحد يطعنون في نسبه ويقولون أنه ابن زنا .
( يُدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي فقال أبوك حذافة ) .
(ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من سوء الفتن) ؛ وقول عمر رضي الله عنه سيعلل لنا لماذا بكا الصحابة ردا على كلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكأنه إشارة إلى عدم رضا المنافقين بالله ولا بالنبي .
( فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط )
(فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ..
إذن هذا سنربطه بقول عمر (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا) ؛
يعني الراضي له علاقة بالسؤال وبطريقته ؛ فكثير يحصل سوء أدب ونحن نسأل عن أحكام الله أو شرع الله أو دين الله .. وهذا مبني على أن الإستسلام الذي هو مبنى الإسلام غير موجود لدينا .
👈 وما العلاقة بين السؤال والرضا ؟
في قصة البقرة يتبين لك ذلك ؛ أسئلتهم التعنتية دليل على استجابتهم ورضاهم ؟
لا .. إنما جدل في جدل ؛ ونحن اليوم نعاني من الفلسفة والجدل على أنها هي الثقافة والتفكير ؛ وعلى أن الإستسلام تبعية ..
ومعلوم إذا ما تابعوا كلام الله وكلام الرسول تابعوا الساقطين ..!
ولهذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم لأن الإسلام كله يدور حول الإستسلام والرضا والقبول ؛ ولا أحد يظن أننا نحجر على العقل ونقول لا تسأل ؛ ولكن المقصود ألا نسأل عن أشياء لا يصح السؤال عنها .
بكا الصحابة لما علموا أن هذه الأسئلة ستجعلهم نموذجًا مثل بني إسرائيل وتجعلهم في حال مثل حال من سأل عن البقرة .
فالآن انظر لمن يقولون عن أنفسهم أنهم انتقلوا من الإسلام إلى الإلحاد بكل صراحة استجابة لشهوتهم ؛ يريدون أن يفعلوا كل ما يريدون ولا أحد يمنعهم ⇜ فيُنكر وجود الله حتى لا يكلمه أحد عن محاسبة الله له ؛ رغم أن الفطرة تقول أن كل موجود لابد له من موجد .
فلا تكذب على فطرتك السليمة الواضحة فتُنكر وجود الله ؛ لأن هؤلاء يعلموهم و غالبًا من يربوهم يتخطى أسئلتهم عن الشرع ؛ ولهذا يدخلون في السُّكْر والزنا والمخدرات .
فهذا ليس معناه ترك الأسئلة ولكن نحدد المجال الذي يصح للإنسان أن يسأل فيه وما لا يصح أن يسأل فيه ؛
فقبل ما أجيب السائل لازم أعرف ماذا يريد وما مقصده ؟ هل تعنت أم طلبًا للحقيقة ؟
والمتعنت لماذا يتعنت ؟
اتباعا للهوى ؛ للشهوات ؛ للكسل ؛
مثل لما تطلب من ابنك يحضر لك كوب ماء ؛ فيسألك بارد أم حار ؟ كوب ممتلئ أم ناقص ؟
حتى تصل أن تقول له لا أريد شيئ !
والأسئلة ليست للبر وإنما للتعنت لأنه رافض الإستسلام .
👈 طيب لماذا لا يستسلم ؟
١ - الكِبر :
من أهم الأسباب ؛ متكبر على الحق ؛ نقترح عليه شيئ يوافق هواه لا يفعله لأنه أتى منك وليس منه .
٢ - الشهوات .
👈 إذن هذا مقصود السائل الذي يصبح بسؤاله متعرضًا للفتنة .. وهذا سبب دعاء عمر رضي الله عنه في الحديث .
ومن الفتن التي ربما تُفتَح عليه الشرك صغيره وكبيره .
🔸 ما نموذج الأسئلة التي يصل بها الإنسان إلى أن يهتدي ؟
هل في أي شيئ لو سأل يُفتن ؟
١ - كل ما يتصل بالغيب إن سأل متعنتا يقع في الفتنة ؛
فيسأل كيف عرض الجنة ؟ كيف ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل والأرض فيها نهار وفيها من عندهم ليل ؟
٢ - ما يتصل بالقرآن وحقائقه ؛
فالمتعنت يشكك يعني يقول لماذا ربنا قال في هذه السورة كذا وكذا وفي هذه السورة قال كذا وكذا ؟
فحتى لو كان فيه شك عندك فالسؤال مسموح إن كنت صادقًا وتأدبت فيقال لك تعال نتناقش حتى يزول الشيطان عنك ..
لكن المشكلة كلها في التعنت ( الكِبر والهوى ) .
٣ - مسائل تتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛
لماذا تزوج تسعة ؟ لماذا فعل لماذا قال ؟
نعوذ بالله من الشيطان ؛ فسؤال التعنت سوء أدب وتعدي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الدين .
لهذا قال عمر (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا) .
٤ - في الشئون الغير مهمة المتصلة بأحوال الصحابة أو بعض الصالحين ؛
فأول شيئ تعرفه أن ما شجر بينهم شيئ لا يهمك ؛
ومن جهة أخرى لو كنت تسأل لتُخرج عيوبهم نقول لك هؤلاء قال الله عنهم رضي الله عنهم ورضوا عنه ؛
فكونك تتتبع عوراتهم يتتبع الله عورتك حتى يفضحك في بيتك .
واعلم أن أكثر ما قيل فيهم كذب ؛ وإن قيل وكان حقا فهذه طبيعة بشرية ؛ فقد كانوا قوم يباتون على الشرك وشرب الخمر ثم يأت لهم الأمر من أول مرة يستسلموا لله عز وجل .. لكن نحن نشعر بثقل أن نحملها .. فهل نحاسب الصحابة الذين اختارهم الله عز وجل لنبيه ..!
فيُنذَر من يفعل مثل هذا بالفتنة .
طيب وما هي النية في السؤال ؟
- بمقصد العلم (لمصلحة .. فيه مسائل معينة سنتكلم عنها) .
- إزاحة الشك إذا وقع فيه .
🔺 وما هو الضابط ؟
أن يحصل بعد الإجابة الإستسلام وليس الجدل .
فلما يسأل مثلًا أحد عما شجر بين الصحابة .. نقول له عقيدتنا السكوت عما شجر بينهم ؛ والترضي عنهم ؛ ونشر الخير عنهم .
فالأخبار عنهم :
- إما كذب .
- وإما حق خُلط بباطل .
- وإما حق وهو قليل جدًا .
ومن يسألك كيف ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا وفي الأرض ليل في مكان ونهار في مكان .. قل له لا تقيس قوانين الأرض على رب العالمين ؛ فصفاته عز وجل بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ؛
فهو الأول الذي ليس قبله شيئ وهو خالق السماوات والأرض في ستة أيام ؛ وهو الآخر الذي ليس بعده شيئ وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيئ وهو الباطن الذي ليس دونه شيئ .
وهذا افعله مع طفلك ؛ كرر عليه ليس كمثله شيئ حتى يقطع الطمع في الإجابة وينصرف الشيطان عنه .