الاحتسابُ
الفَرْعُ الأول: أَخْذُ الأُجْرة
استحبَّ أهلُ العلم أن يكونَ المؤذِّنُ محتَسِبًا لا يأخُذُ على أذانِه أجرًا، واختلفوا في حكم أَخْذِ الأَجرِ على الأذانِ على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوَّل: يَحْرُمُ أَخْذُ الأُجرةِ على الأذانِ، وهذا مذهبُ الحنابلة، وقولُ أبي حنيفةَ ومتقدِّمي الحنفيَّة، وقولٌ للمالكية، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة، واختاره ابنُ المنذرِ، وابنُ حزمٍ ، وابنُ عُثَيمين.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عُثمانَ بنِ أبي العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، اجعْلَني إمامَ قومي، قال: أنتَ إمامُهم، واقتدِ بضَعيفِهم، واتِّخذْ مؤذِّنًا لا يأخُذُ على الأذانِ أَجرًا)) .
ثانيًا: لأنَّه استئجارٌ على الطاعةِ، وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ الإنسانَ في تحصيلِ الطاعةِ عاملٌ لنَفْسِه؛ فلا يجوزُ له أَخْذُ الأُجرَةِ عليه.
ثالثًا: لأنَّها قُرَبٌ يعودُ نَفعُها على آخِذِ الأُجرةِ، والعِوض والمعوَّض لا يَجتمعانِ لشخصٍ.
القول الثَّاني: يجوزُ أخْذُ الأُجرةِ على الأذانِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة، والشَّافعيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ، وهو قولُ داودَ الظاهري.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي مَحذورةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((خرجتُ في نفرٍ فكنَّا ببعضِ الطريق، فأذَّن مؤذِّنُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصَّلاةِ عندَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَمِعْنا صوتَ المؤذِّن ونحن عنه متنكِّبون فصَرَخْنا نَحكيه نهزأُ به، فسمِعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فأرسل إلينا قومًا فأقْعَدونا بين يديه، فقال: أيُّكم الذي سمعتُ صوتَه قد ارتَفع؟ فأشار إليَّ القومُ كلُّهم وصَدَقوا، فأرسل كلَّهم وحبَسني، وقال لي: قمْ فأذِّن. فقمتُ ولا شيء أكره إليَّ من أمْر رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا ممَّا يأمرُني به، فقمتُ بين يدَي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَلْقى عليَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التأذينَ هو بنفسِه، فقال: قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسول الله، ثم قال لي: ارفعْ فمُدَّ صوتَك: أشهد أنْ لا إلهَ إلا الله، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، ثم دَعاني حين قضيتُ التأذينَ فأعطاني صُرَّةً فيها شيء من فِضَّةٍ..)) .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَعطاه صُرَّةَ الفِضَّةِ أُجرةً على أذانِه.
ثانيًا: لأنَّه عملٌ معلومٌ يجوزُ أَخْذُ الرِّزقِ عليه؛ فيجوز أَخْذُ الأجرةِ عليه، كالأُجرَةِ على كِتابةِ المصاحِفِ.
الفَرْعُ الثاني: أخذُ الرِّزق من بيتِ المالِ
يجوزُ أخذُ الرزق على الأذان من بيت المال مقابلَ الأذانِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكية، والشَّافعية، والحنابلةِ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ الظاهريِّ، وحُكي الإجماعُ على ذلك .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ ما يُؤخَذ من بيتِ المالِ ليس عِوَضًا وأُجرة، بل رِزقٌ للإعانةِ على الطاعة.
ثانيًا: لأنَّ بالمسلمين حاجةً إلى الأذان، وقدْ لا يوجد متطوِّع به، وإذا لم يُدفعِ الرِّزق فيه يُعطَّل.
ثالثًا: لأنَّ بيتَ المالِ مُعَدٌّ لمصالح المسلمينَ، ومنها الأذانُ.