ذهب الحمـار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

لدينا ما يستحق الشماتة. غزا نتنياهو الكونغرس الأميركي. تنحى الرئيس الأميركي جانباً.

خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي. صفقوا له وقوفاً عشرات المرات.

غاب بعض الديموقراطيين، لكن معظمهم وكل الجمهوريين كانوا حاضرين.

كان الرئيس الأميركي يعترض على حدوث الخطاب؛ لكن الكونغرس الأميركي اعتبر أنه بحاجة إلى إرشادات ومباركة روحية من غير رئيس،

بل من نتنياهو. عادة ما ينهي الرؤساء خطاباتهم في الكونغرس وغيره بعبارة «ليبارك الله أميركا».

موضوع الخلاف هو النووي الإيراني وما إذا كان من حق أميركا أن تعقد اتفاقاً مع إيران حول الموضوع من دون مشاركة إسرائيل؛

وهي تعرف التفاصيل بالطبع لكنها تريد أن تكون لها موافقة مسبقة.

تعرف إسرائيل وأميركا أن هذه الأخيرة لن تعقد اتفاقاً لغير مصلحة إسرائيل، لكن هذه المصلحة تقررها الدولة الصهيونية وحدها،

لا أميركا بمفردها. ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم؛ وهذا مبدأ استخدم في لبنان سابقاً ولا ندري إذا كان مأخوذاً عن الإسرائيليين؟

لم يستعمل النووي كسلاح إلا مرة واحدة في التاريخ.

استخدمته أميركا ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية بعد الاستسلام لا قبله.

طوال الحرب الباردة (أو ما يلقب بالحرب العالمية الثالثة) لم يستخدم النووي،

برغم كثرة الحروب التي خاضتها الدولتان الأميركية والسوفياتية، أحياناً مباشرة،

وأحياناً بالنيابة عنها، أي بدعم كل منهما لطرف من المتقاتلين في بلدان العالم الثالث.

على كل حال، هو نظام عالمي لا يستطيع الاستمرار من دون الحروب، فهناك اتفاق كبير على السلاح.

والسلاح يحتاج إلى مقاتلين، والقتال يؤدي إلى موت وخراب ودمار.

موت الناس ليس هماً؛ أما الخراب فهو يحتاج إلى إعادة إعمار، وهذا مصدر رزق آخر لرأسمالية النظام العالمي.

الرعب المتبادل هو ما كان يمنع استخدام النووي في الحرب الباردة.

أما إسرائيل فهي تنوي استخدامه. سياستها منذ بداية إنشاء دولتها وقبل ذلك قائمة على الرعب والإرعاب.

بواسطة ذلك تمّ تهجير الشعب الفلسطيني. تعرف إسرائيل أن التهديد الحقيقي يأتيها من العرب،

هذا في حال استمرارهم كأمة، وفي حال توحدوا وامتلكوا أسباب القوة.

وهذا أمر لا يمكن أن يحدث من دون بناء مجتمع حديث منتج متماسك. يبدو الأمر بعيد المنال.

لا يشكل العرب حالياً خطراً على إسرائيل. لكن امتلاكها للنووي ضروري لإبقاء حالة الرعب لدى العرب.

إيران مسألة أخرى. لا نعرف إذا كان في برنامجها سحق دولة إسرائيل. لكنها دولة معادية لإسرائيل.

يوم امتلك الشاه النووي بدعم وإمداد غربي لم يكن في الأمر ما يقلق إسرائيل. ما يقلقها هو تحول إيران ضدها؛

هو تحول الوضع الإيراني في المنطقة العربية. الشعوب العربية مشغولة بحروبها الأهلية، وهي موضع الصراع الإقليمي والعالمي.

الصراع إذن على السلطة في المنطقة العربية بين أطراف خارجية (إسرائيل، أميركا، إيران)

في حين أنه يتوجب أن يكون تقرير المصير بيد أهل المنطقة لا غيرهم.

الصراع العربي الإسرائيلي مؤجل، وكلهم يهمهم أن يكون توازن الرعب لصالحه، أي أن يكون الأساس عدم التوازن.

لكن عدم التوازن هو ما يدفع إلى الرعب لدى أهل المنطقة.

وحشية «داعش» أيضاً تهدف إلى بث الرعب. يبدو أنها تلميذ لأساتذتها وأصحاب مدرسة الرعب الذين يمارسون اللعبة النووية.

وكل ذلك يمارس انطلاقاً من مبدأ مضمر: ما يحق لي أن أفعله لا يحق لك به.

أنت دوني أخلاقياً ومعنوياً؛ أنت لا يحق لك سلاماً لا يليق إلا بالشعوب المتمدنة والمتحضرة.

هي وحدها تعرف كيف تتصرف بالأمر. أنت دون المستوى، وستبقى دون المستوى ما لم نعترف بك وبأهدافك.

أنت بحاجة إلى من يراقبك دائماً ويفتش ما لديك، لئلا تفعل ما لا يليق. ربما كانت لديك النية. إذن نحاسبك على النوايا.

وقد سبق لأحد قضاة إيران أن طبق المبدأ على المساجين، فحكم عليهم بالإعدام لقاء النوايا.

الآن يطبق النظام العالمي هذا المبدأ على إيران. والعقاب ابتدأ بالعقوبات التجارية والمالية.

أين الشعوب العربية من ذلك؟ إيران شعب آري يستحق النقاش، أما العرب فلا.

لا يحق لهم التفكير بموضوع نووي. نعرف كيف كانت نازية هتلر قد أدرجت العرب في سلم الارتقاء البشري.

ربما كان الأمر كذلك لأنه ليس للعرب دولة تستحق الذكر، سواء كانت شرعية أو غير شرعية، ديموقراطية أو غير ديموقراطية.

هم لا يستحقون أن يكونوا أكثر من مسرح للعمليات. هم دون الدون في نظر المتحاورين المتصارعين.

ليس لديهم ما يهتم به النظام العالمي سوى النفط، وهذا لم يعد ملك تصرفهم.

تابعنا نقاشات واشنطن السامة. أكثر ما فيها سماً وإهانة لنا، ولكل العرب،

هو أن النووي موجود بين أحضاننا وهو أمر لا يخضع للنقاش لدينا أو معنا.

ما يحق لإسرائيل من أمن وقوة لا يحق لنا. ربما كان ضعفنا أحد أسباب ذلك.

نحن مسؤولون عن ضعفنا، ولا شك. ربما تغيرت أوضاعنا في المستقبل.

في الوقت الحاضر ليس لنا إلا التفرج على صراع يدور حولنا، لكننا لسنا أطرافاً فيه.

في كل المقابلات مع ممثلي الشعب الأميركي، على الفضائيات، عقب خطاب نتنياهو، بدت هناك رهبة لديهم من قول ما يجب أن يقال.

السطوة الصهيونية على الوعي الأميركي تتعدى المسألة القومية.

بين حرصهم على أمن إسرائيل، المزعوم، وأمن أميركا المزعوم، لم يستطيعوا القول إن أمن إسرائيل أهم لديهم من أمن وطنهم الأميركي،

فهذا أمر يمس بالوطنية الأميركية. يصعب عليهم القول إن أمن إسرائيل أهم بالنسبة لهم من أمن أو مصالح الولايات المتحدة.

مصدر الصعوبة هو الناخبون. إسرائيل في قلب المجتمع الأميركي وفي ضميره، بغض النظر عن المصالح والضرورات الأمنية.

لا يستطيع النواب الأميركيون مخالفة إسرائيل لأنهم لا يريدون ذلك، وإذا أرادوا ذلك فإن الناخبين لن يصوتوا لهم وسيخسرون مراكزهم.

اللعبة بعيدة عنا.

لكنها تطالنا نحن العرب بكل أبعادها.