• دخول الاعضاء

    النتائج 1 إلى 6 من 6

    الموضوع: ما هى فضيلة الشعــــــر

    1. #1
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Mar 2015
      المشاركات
      6,865
      معدل تقييم المستوى
      52

      افتراضي ما هى فضيلة الشعــــــر

      فضيلة الشعــــــر

      مقصورة على العرب /



      حين أخذت أتحدث عن ترجمة الشعر ، أول مامر بخاطرى .. عبارات الجاحظ الشهيرة التى وردت فى كتابه ( الحيوان ) والتى تقول :

      ( إن الشعر لا يستطاع ان يترجم ، ولا يجوز عليه النقل ، ومتى حُول تقطع نظمه ، وبطل وزنه ، وذهب حسنه ، وسقط موضع التعجب فيه ، لا كالكلام المنثور )

      وأول ماأسترجعت من دلالات عبارات الجاحظ ، فى سياق الحديث ، هو معناها النقدى الذى ينزل ترجمة الشعر منزلة فعل الخيانة الذى يكشف سر الأصل ، والذى لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة مايخون إلا بضرب من الخلق الذاتى الذى يوازى فيه النص المترجم فى اللغة المنقول إليها النص الأصلى فى اللغة المنقول عنها ، وكانت إستحالة ترجمة الشعر ، من منظور هذا المعنى ، مرتبطة بنظمه الفريد الذى لابد أن يختل عند الترجمة ، على نحو مانص الجاحظ

      الذى كان حازماً فى قوله ( إنه متى تحول الشعر عن لغته تقطع نظمه ، وبطل وزنه ، وذهب حسنه ، وسقط موضع التعجب فيه ) وتلك عبارات تجمع بين النظم والوزن فى قران واحد ، وترد الحسن إلى النظم بالقدر الذى ترده إلى التصوير ، جاعلة منهما المبدأ الذى يرجع إليه سر التعجب أو سر ( اللذة ) التى يخلفها الشعر فى نفوس المتلقين له ، ويعنى ذلك أن هذه العبارات تؤكد تميز الشعر عن النثر فى السياق البلاغى لكتابات الجاحظ وتؤكد تقديره لخاصية النوعية للشعر ، من حيث هى خاصة تؤكد حضور النظم والتصوير الذين يتقوم بهما الشعر من حيث هو قيمة جمالية ، ويتميز بهما على ماعداه من أنواع الكلام ، فيجاوز تصورات اللغويين والوعاظ الذين حسبوه مجرد صياغة موزونة للأفكار والمعانى ..

      **وليس الجاحظ وحــده :

      ولكن عبارات الجاحظ لا تحتمل هذا المعنى النقدى وحده ، فهناك معان عدة يمكن أن تتداخل مع هذا المعنى النقدى ، أو تلتبس به ، أو تعكر على قيمته البلاغية الصافية ، وأهم هذه المعانى معنى قومى يتصل بفخر الجاحظ الدائم للعروبة ، فى مواجهة طوائف الشعوبية وهو فخر دفعه إلى تصور أن فضيلة الشعر مقصورة على العرب وحدهم ، وعلى من تكلم بلسانهم ، وإن هذه الفضيلة ترجع إلى خصائص ذاتية لا تعرفها إلا اللغة العربية ، ولذلك كان شعرها غير قابل للترجمة إلى لغة أخرى ، ويرتبط بهذا المعنى القومى ، ولكن على نحو مختلف فى الأتجاه ، معنى آخر يتصل بنظرية الترجمة .. أو مانسميه هذه الأيام ( علم الترجمة ) حيناً أو ( شعرية الترجمة ) حيناً ثانياً .. أو ( نظرية الترجمة ) حيناً أخيراً ..

      وذلك معنى ينتقل بنا من الممارسة إلى التنظير ، ومن فعل الترجمة إلى الوعى بهذا الفعل ، من حيث خصائصه وحدوده وأبعاده وطرائقه وشروطه ، إلى آخر مايمكن أن يعالجه ( العلم ) الذى يجتلى نفسه فى مرآته الذاتية ، خاصة حين يتحول من ( علم ) ينشغل بوقائعه المباشرة المحسوسة أو الملموسة أو المتعينة إلى ( علم شارح ) ينشغل بنفسه من حيث هو علم يتعقل وعيه الذاتى الذى تتأسس به فلسفة العلم ، وأقتصر هذه المرة على المعنى القومى لعبارات الجاحظ من حيث سياقها الذى يومىء إليه ماتنطوى عليه العبارات من فخر عرقى ، قاده إلى تصور أن فضيلة الشعر مقصورة على العرب دون غيرهم من الأمم ، ولم يكن الجاحظ ، بالطبع ، يجهل أن لأمة اليونان شعراءها الكبار ، شأنها شأن أمة الهند أو الفرس أو غير هاتين من الأمم التى سمع عنها وقرأ ماترجم من ميراثها ، على نحو ماأشار فى كتبه أو تحدث فى رسائله .. لكنه فى الوقت الذى كان يسلم فيه ببلاغة الأمم غير العربية فى المنثور من الكلام ، خاصة على مستوى الكتابة ، لم يكن يسلم إلا لأمة العرب وحدها بفضيلة الشعر الذى رآه فخرها وعلامة مجدها البلاغى الخاص ..

      ولنلاحظ إبتداء ، أن هذا النوع من الفخر لم يكن مقصوراً على الجاحظ وحده مع أنه بدأ به فيما أعلم ، فقد مضى غيره من العلماء فى الأتجاه نفسه ، متابعين للجاحظ فيما يبدو ، متأثرين مثله بحماسة الرد على دعاوى الشعوبية ، ومضيفين إلى كلامه مغزى دينياً لم يقصد إليه ، فذهبوا إلى أن الأعاجم لم تتسع فى المجاز أتساع العرب الذين ظل كلامهم فى المرتبة العليا من الفصاحة ، بالقياس إلى غيره / لما فيه من وحى وأشارات وأستعارات ، ومجازات ..

      هكذا تحدث أبن قتيبة فى القرن الثالث للهجرة عما خص الله تعالى به العرب من العارضة والبيان وأتساع المجاز وقال : إنما يعرف ( فضل القرآن ) من فهم مذاهب العرب وأفتتانها فى الأساليب ، وما خص الله به لغتها دون جميع اللغات ، فإنه ليس فى جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة ، والبيان ، وأتساع المجاز ، ماأوتيته العرب خصيصة من الله تعالى ، لما أرهصه فى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأرده من اقامة الدليل على نبوته بالكتاب ، فجعل علمه من أشبه الأمور بما فى زمانه المبعوث فيه ، وهو البلاغة وقوة العارضة ، فقد كان الخطيب من العرب ، إذا أرتجل كلاماً ، لم يأت به من واد واحد ، بل يفتن ، فيختصر تارة إرادة التخفيف ، ويطيل تارة إرادة الأفهام ، ويكرر تارة إرادة التوكيد ، ويخفى بعض معانيه حتى يغمض على أكثر السامعين ، ويكشف بعضها حتى يفهمه بعض الأعجمين ، ويشير إلى الشىء ، ويكنى عن الشىء وتكون عنايته بالكلام على حسب الحال ، وقدر الحفل ، وكثرة الحشد ، وجلالة المقام ..

      وألفاظ العرب مبنية على 28 حرف ، كما ظن العرب متفردة بالمجازات فى الكلام ... وقد ذهب أبن وهب صاحب كتاب ( البرهان فى وجوه البيان ) إلى القول : بأن الأستعارة إنما أحتيج إليها فى كلام العرب لأن الفاظهم أكثر من معانيهم ، وليس هذا فى لسان غيرهم ..

      ** وذهب ( أبن فارس ) فى القرن نفسه : إلى أن لغة العرب افضل اللغات وأوسعها ، وان فى قوله تعالى ( وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين ) الشعراء

      ماخص اللسان العربى بالبيان وأكد أن سائر اللغات قاصرة عنه وواقعة دونه ، والدليل العقلى على ذلك ، فى حجاج أبن فارس ، أننا لو أحتجنا أن نعبر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذلك إلا بأسم واحد ، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة ، وكذلك الأسد والفرس وغيرها من الأشياء المسماة بالأسماء المترادفة ، فأين هذا من ذلك ؟ وأين لسائر اللغات من السعة ماللغة العرب ؟ ... هذا مالا خفاء به على ذى نهية ( عقل ) ..

      ويضيف أبن فارس : ماسبق أن ذكره أبن قتيبة من أن للعرب من الأستعارة والتمثل والقلب والتقديم والتأخير وغيره من سنن العربية فى القرآن مالا يقدر أحد من التراجم على أن ينقل إلى شىء من الألسنة كما نقل الأنجيل من السريانية إلى الحبشية والرومية ، وترجمت التوراة والزبور ، وسائر كتب الله تعالى بالعربية، لأن العجم لم تتسع فى المجاز أتساع العرب ..

      وتلك أقوال جعلت ( أبن رشيق ) فى القرن الخامس للهجرة .. يذهب إلى أن الأستعارة هى من أتساع العرب فى الكلام أقتداراً ودالة ، وليس ضرورة ، لأن ألفاظ العرب أكثر من معانيهم : وليس ذلك فى لغة أحد من الأمم غيرهم ، فإنما أستعاروا مجازاً وأتساعاً ، ألا ترى أن للشىء عندهم أسماء كثيرة وهم يستعيرون له مع ذلك ؟

      **الجرجانى وآخرون /

      ويضيف السيوطى فى كتابه ( المزهر فى علوم اللغة وأنواعها ) إلى أمثال ذلك ماينقله عن الفارابى فى كتابه ( ديوان الأدب ) من أن اللسان العربى كلام أهل الجنة ، وهو المنزه من بين الألسنة من كل نقيصة ، والمعلى من كل خسيسة ، والمهذب مما يستهجن ، أو يستشنع ، وأن العرب تميل عن الذى يلزم كلامها الجفاء إلى مايلين حواشيه ويرقها ، وقد نزه الله تعالى لسانها عما يجفيه ، فلم يجعل فى مبانى كلامها جيماً تجاورها قافاً متقدمة ولا متأخرة ، أو تجامعها فى كلمة صاد أو كاف ، إلا ماكان أعجمياً أعرب ، وذلك لصلابة هذا اللفظ ، ومباينة ماأسس الله تعالى عليه كلام العرب من الرونق والعذوبة ..

      ويضيف السيوطى ماسبق أن أكده الزمخشرى فى كتابه ( ربيع الأبرار ) من أن لم تكن الكنى لشىء من الأمم إلا للعرب ، وهى من مفاخرها ..

      ** وينقل عن ( المطرزى ) ماردده من أن الله تعالى أختص العرب بأربع :

      العمائم تيجانها / والحب حيطانها / والسيوف سيجانها / والشعر ديوانها .

      وقال : إنما قيل : الشعر ديوان العرب ، لأنهم كانوا يرجعون إليه عند إختلافهم فى الأنساب والحروب ، ولأنه مستودع علومهم ، وحافظ آدابهم ، ومعدن أخبارهم ... ولهذا قيل :

      الشعر يحفظ ماأودى الزمان به *** والشعر أفخر ماينبى عن الكرم

      لولا مقال زهير فى قصائده ماكنت *** تعرف جوداً كان فى هرم

      ** صحيح أنه وجد من بين علماء العرب من أنكر هذا الفخر الجاهل بحقائق اللغات ، وذلك أبتداء من ( عبد القاهر الجرجانى ) الذى ذهب إلى أن المجاز موجود فى كل اللغات ، وإنه لا يميز لغة عن أخرى ، وأن اللغة العربية مثل غيرها من اللغات فى خصائص المجاز والتقديم والتأخير والحذف والوصل ، وقد تعلم عبد القاهر مما وصل إليه مترجماً من كتابات أفلاطون وأرسطو عن الشعر والبلاغة ، أن لكل أمة من الأمم بلاغتها ، ولليونان شعرها الذى حاول أرسطو أن ينظر له فيما كتبه عن ( فن الشعر ) بعامة ، وخطابتها التى لا تخلو من مجاز تأثر به العرب فيما كتبوا بعد ذلك ..

      وقال عبد القاهر كلماته الحاسمة التى تؤكد أن المجاز أمر يستوى فيه العربى والعجمى ، وتجده فى كل جيل ، وتسمعه من كل قبيل ، فالوجه أن يضاف إلى العقلاء جملة ، ولا تستعمل لفظة توهم أنه من عرف اللغة العربية وطرقها الخاصة ، وذلك فهم رحب للطبيعة الأبداعية للغات الشعوب ، نقلها أبن خلدون عن عبد القاهر ومن تأثروا به ، فأكد فى مقدمته : أن الشعر لا يختص باللسان العربى لأنه موجود فى كل لغة ، سواء كانت عربية أو أعجمية ، وقد كان فى الفرس شعراء ، وفى اليونان كذلك ، وذكر منهم أرسطو فى كتاب المنطق هوميروس الشاعر وأثنى عليه فيما يقول أبن خلدون . ولست فى حاجة إلى تأكيد أن هذه النظرة الموضوعية من عبد القاهر وأبن خلدون أنبتت على علم حقيقى بحقائق اللغات ، وعلى وعى متطور بعمليات المقارنة بين الآداب المختلفة ، وهى تخلو من الفخر الأجوف الذى يؤمن بنقاء العرق والأفضلية المطلقة للجنس ، الفخر الذى يسقط أفعل التفضيل من الدين على اللغة ، ويخلط بين ماهو دينى إلهى وبشرى دنيوى ، تأكيداً لنزعات عرقية ، هى تعبير سياسى أجتماعى بشرى فى آخر المطاف ..

      وأحسب أن تداخل البعد السياسى الأجتماعى والبعد الفكرى هو الذى دفع إلى ترجمة التراث القصصى للأمم السابقة على العرب ، دون الشعر ، وذلك لما وجده المترجمون فى هذا التراث من إمكان الوفاء بحاجات فكرية ومطالب سياسية ودعاوى أجتماعية حرصوا على توصيلها من وراء أقنعة الترجمة ..

      وكما ترجم ( أبن المقفع ) ( كليلة ودمنة ) ترجمة كانت نوعاً من إعادة التأليف الذى يؤكد معانى خطرة ، وينطق خطاباً مسكوتاً عنه من أهداف قصد إليها أبن المقفع قصداً ، ولم يستطع التعبير عنها تعبيراً مباشراً ، وكانت ( ألف ليله وليلة ) ترجمة تأليفية موازية ، تؤدى من الأغراض مايكمل المرامى الكامنة وراء ترجمة ( كليلة ودمنة ) فى لغة النثر التى أقترنت بخطاب العقل والحكمة التى أصبحت نقيض الشعر ( ديوان العرب ) القديم ..

      ومع ذلك فقد وجد من بين القدماء ، خاصة من أصحاب الأتجاه النقلى ، من رفض ترجمة أمثال ( كليلة ودمنة ) وغيرها من آداب الهند والفرس ، محتجاً على ذلك بما ذهب إليه أبن قتيبة من أن الشعر هو علم العرب الذى هو وحده ، العلم الظاهر للعيان ، الصادق عند الأمتحان ، فاللعرب دون غيرهم الحكمة وفصل الخطاب ، وأصحاب هذا المذهب هم الذين رددوا ماقاله ( الشافعى ) : من أن الناس ماجهلوا ولا أختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس ، ومضوا فى تسفيه صنيعالفارابى وأبن سينا وغيرهما من حكماء اليونان . وأنتهى أصحاب هذا المذهب إلى أنه مامن كلمة تؤثر عن الأمم السابقة على العرب ، ولا قول يسطر ، ولا معنى يجير ، إلا وللعرب مثل معانيه ، محصوراً بقوافيه ، موجزاً فى لفظه ، مختصراً فى نظمه ، ومن ثم فليس العرب فى حاجة إلى الترجمة ، وبخاصة ترجمة الشعر ، فشعرهم ينطوى على كل مايغنيهم ويحول بينهم والحاجة إلى غيرهم من أبناء الأمم الأخرى ..

      ** وقد وصل الأمر بواحد من أصحاب هذا المذهب المتأخرين هو / محمد بن حسين اليمنى ، إلى تأليف كتاب ، حققه الدكتور / محمد يوسف نجم ، بعنوان ( مضاهاة أمثالكتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب ) ليثبت أن كل شىء فى ( كليلة ودمنة ) حواء شعر العرب الذى هو القول الفصل والحكمة الأخيرة ..

      ويعنى ذلك كله أن النظرة الموضوعية المقارنة التى تميزت بها كتابات أمثال / عبد القاهر وأبن خلدون .. لم تكن هى النظرة السائدة تراثياً ، فقد سيطرت النظرة المناقضة التى رفعت اللغة العربية فوق كل اللغات ، ووضعت مجازات العرب فوق كل المجازات ، وخصت العرب دون غيرهم بالفصاحة والبلاغة ، وجعلت الشعر فى الذروة من هذه الفصاحة والبلاغة ، ومن ثم ظل ماجزم به الجاحظ ، فى القرن الثالث للهجرة ، من أن فضيلة الشعر مقصورة على العرب ومن تكلم بلسان العرب ، هو القول المأثور الذى يؤددون به قول الجاحظ عن أستحالة ترجمة الشعر الذى لا يمكن تحويل خصائصه العربية الخالصة إلى لغة أخرى ..

      ***أدراك متأخر :

      والمفارقة اللافتة للأنتباه فى هذا المجال أن حماسة الجاحظ العقلانى فى الدفاع عن الشعر العربى ، فى مواجهة دعاوى الشعوبية ، قد سارت فى طريق غير عقلانى بواسطة فعل التقليد للجاحظ وأتباع أفكاره التى لا تدعو فى مجملها إلى الأتباع ، وفى الوقت الذى أكد فيه الجاحظ الأنفتاح السمح على ثقافات العالم القديم ، على نحو كانت كتاباته تجسيداً فعلياً لهذا الأنفتاح ، كانت حماسته فى النظرة إلى الشعر العربى الذى لا يترجم ، وتقديره النقدى لنظم الشعر الفريد الذى يفقد جماله عند الترجمة ، سبباً من الأسباب التى أدت إلى أنصراف العرب عن ترجمة أشعار الأمم الأخرى ، والنظر إلى التراث الشعرى الأنسانى نظرة الأستخفاف بالقياس إلى الشعر العربى الذى تصوره المتحمسون له أفضل شعر عرفته البشرية على الأطلاق ، لأنه منظوم بأشرف لغة عرفها البشر ، ومع أن فلسفة الجاحظ الأعتزالية كانت ترى العقل أعدل الأشياء توزعاً بين الناس ، ومن ثم لا تميز بين البشر على أساس من الجنس أو العرق بل على أساس من أنجاز العقل .. فإن هذه الفلسفة لم تصل إلى مداها المنطقى الذى يجعل الأبداع الشعرى قسمة عادلة بين الأمم ، وجهداً مشتركاً يتقاسمه أبناء المعمورة الأنسانية على أختلاف لغاتهن وأجناسهم ..

      والمؤكد أن النتيجة الأولى المباشرة التى ترتبت على شيوع التسليم بهذه النظرة العرقية التى كانت ثمرة الحماسة المتطرفة للشعر العربى هى : إنصراف العرب عن ترجمة أشعار غيرهم من الأمم إلى لغتهم ، خاصة الأشعار التى وردت فى تراث الأمم السابقة عليهم ، والتى نظر إليها العرب نظرة الأعلى إلى الأدنى ، على نحو تواصل وأستمر إلى أيام / رفاعة الطهطاوى الذى تحدث فى ( تخليص الأبريز ) عن تفرد العرب دون الفرنسيين بالبلاغة والفصاحة فى الشعر ..
      وكان من الطبيعى أن يتقبل علماء العرب قبل رفعة الطهطاوى بقرون ، مبدأ ترجمة ماكتبه أفلاطون ، ومن بعده أرسطو ، عن فنى الشعر والخطابة ، فقام الفلاسفة والبلاغيون والنقاد بتفسير كتاب أرسطو عن الشعر بوجه خاص ، وأختتم أبن سينا فى القرن الخامس هجرى تلخيصه لما جاء فى كتاب أرسطو عن علم الشعر بقوله : إنه لا يستبعد أن نجتهد نحن العرب فنبتدع فى علم الشعر المطلق وفى علم الشعر العربى كلاماً شديد التحصيل والتفصيل ، وجاء ( حازم القرطاجنى ) الناقد بعد أبن سينا بحوالى قرنين ليحقق ماتطلع إليه سلفه الفيلسوف من الأبتداع فى علم الشعر المطلق كلاماً شديد التحصيل ، مدركاً أن السبيل الأول إلى ذلك هو النظرة المقارنة الموضوعية ، النظرة التى آمنت بأن أرسطو لو وجد فى شعر اليونانيين مايوجد فى شعر العرب من كثير من الحكم والأمثال وأختلاف ضروب الإبداع فى فنون الكلام لزاد على وضع من القوانين الشعرية ، ولكن هذه النظرة المقارنة لم تفرض لنفسها تياراً مؤثراً، ولم تفرض على حازم دراسة الشعر اليونانى أو غيره من أشعار الأمم الأخرى ، ولم تقترن عند السابقين على حازم برغبة ، أو حتى فضول يدفع إلى ترجمة الشعر اليونانى ، خاصة بعد أن ترجم العرب وشرحوا ماكتبه أرسطو عن هذا الشعر ـ ولذلك ظلت كلمات مثل ( التراجيديا ) و ( الكوميديا ) حبيسة سوء فهم لمعنى الشعر الدرامى الذى تم أسقاط معنى الشعر الغنائى عليه ، ومن ثم فهم التراجيديا والكوميديا على أنهما نوعان من المديح والهجاء ، كما ظل الشعر اليونانى نفسه ، شأنه شأن بقية أشعار الأمم الأخرى ، أقل شأناً من أن يترجم ، وأكثر هواناً من أن ينظر إليه العرب نظرة تسوى بيننه وشعرهم فى القيمة والمكانة .. ولقد ظل الشعر الأجنبى أهون من حكمة اليونان ونثر الفرس ، وتحقيق ماللهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة .. وظل العرب على أقتناعاتهم بما زعمه الجاحظ حين قال فى حسم الحماسة الواثقة : ( وفضيلة الشعر مقصورة على العرب ، وعلى من تكلم بلسانهم ) ورتب على هذا القول جزمه الآخر الذى أنتقل من الخصوص إلى العموم ، خاصة حين ذهب إلى أن الشعر بعامة لا يستطاع أن يترجم ، ولا يجوز عليه النقل ، ولكنه سرعان ماعاد من العموم إلى الخصوص ، فقال إن كتب الهند قد نقلت إلى العربية ، وترجمت حكم اليونانية ، وحولت آداب الفرس ، فبعضها أزداد حسناً، وبعضها ماأنتقص شيئاً ، وذلك قول يعنى أن الحسن المضاف يرجع إلى ماتتميز به لغة العرب التى تضيف إلى غيرها من اللغات المنقولة عنها .. أما دقة الترجمة التى لا تنتقص شيئاً من الأصل فهى دليل على تمكن المترجمين العرب من النقل ..



      هوميروس فى العزلة :



      قد نجد المصادر العربية القديمة فيها مايشير إلى أن هوميروس الشاعر اليونانى كان معروفاً فى بيئات خاصة من بيئات العلماء فى بغداد لعهد العباسيين ، وأن هذا الشعر كان ينشده بأصله اليونانى ، أحياناً ، بعض التراجمة من نقلة الكتب المقربين من الخلفاء . ودليل ذلك مايذكره أبن أبى اصيبعه فى كتابه ( عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ) عن أسحق المعروف بأبن الخصى الذى أدبته خرشى جارية الرشيد الرومية بآداب الروم إلى أن تعلم من اللسان اليونانى ماكانت له فيه رئاسة .. ويذكر بعض معارف أبن الخصى أنه عاده فى مرض له ، فإذا فى منزله حنين بن أسحق المترجم ، ينشد شعراً بالرومية لهيميروس ، ولكن مثل هذه الأخبار ترد على سبيل الأستثناء ، وتحتمل الشك ــ ولا تدل ــ ــ حتى لو صحت ــ على معرفة بشعر هوميروس الذى لا نسمع عنه سوى شىء من مثل ماجاء فى طبقات أبن أبى أصيبعة من أن أرسطاطاليس كتب كتاباً فى مسائل من عويص شعر هوميروس فى عشرة أجزاء ، أو ماذكره البيرونى فى ( الآثار الباقية ) من أن هوميروس هو الشاعر المتقدم عند اليونانيين كامرىء القيس عند العرب ، أو ماذكره الشهرستانى فى ( الملل والنحل ) من أن هوميروس الشاعر كان من القدماء الكبار ، يجريه أفلاطون وأرسطاطاليس فى أعلى المراتب ويستدلان بشعره لما كان يجمع فيه من إتقان المعرفة ومتانة الحكمة وجودة الرأى وجزالة اللفظ ,,, ولكن هل وصل إتقان المعرفة ومتانة الحكمة وجودة الرأى إلى مايحث على ترجمة هذا الشاعر المتقدم عند اليونانيين كأمرىء القيس عند العرب ؟



      د / جـــابر عصفـــــــور



    2. #2
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية بروق الفجر
      تاريخ التسجيل
      Jun 2016
      المشاركات
      2,999
      معدل تقييم المستوى
      39

      افتراضي رد: ما هى فضيلة الشعــــــر

      أشكر لك علي انتقاءك الباذخ
      رآق لي ماوجدت هنا
      و نآل استحسان ذائقتي
      قوافل نرجسية لـ روحك
      *,
      و آمتنآن كثيف لـ جهودك

    3. #3
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية قمر الخليج
      تاريخ التسجيل
      Dec 2014
      المشاركات
      10,768
      معدل تقييم المستوى
      61

      افتراضي رد: ما هى فضيلة الشعــــــر

      داعبت الكلمات بطريقتك المعهوده
      فانسابت من بين اناملك
      عذبه رقراقه ,,
      فالاحرف تتخايل بين يديك
      كاعجوبه سماويه....
      ابداع متالق....

      ومداد لا يجف من قلمك
      مع خالص تقديري

    4. #4
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية بنت الديره
      تاريخ التسجيل
      Dec 2014
      المشاركات
      12,518
      معدل تقييم المستوى
      65

      افتراضي رد: ما هى فضيلة الشعــــــر

      يعطيكي الف عافيه
      طرح رائع

    5. #5
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية دارين
      تاريخ التسجيل
      Feb 2015
      المشاركات
      12,569
      معدل تقييم المستوى
      64

      افتراضي رد: ما هى فضيلة الشعــــــر

      لا جديد سوى رائحة التميز
      تثور من هنا ومن خلال هذا الطرح
      الجميل والمتميز ورقي الذائقه
      في استقطاب ما هو جميل ومتميز

    6. #6
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية مشتاقه للجنه
      تاريخ التسجيل
      Dec 2014
      المشاركات
      13,301
      معدل تقييم المستوى
      66

      افتراضي رد: ما هى فضيلة الشعــــــر

      يسسسسسسسسلمو
      ننتظر جديدك دائما
      لك شششششكري

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تعليق وحلول من فضيلة الشيخ أد عبدالعزيز الفوزان علي تصريح وزير الإسكان مؤخرا 24-1-1437
      بواسطة الحسام في المنتدى اخبار ينبع مناسبات افراح وفيات
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 16-11-2015, 06:36 PM
    2. الاعتراف بالخطأ فضيلة
      بواسطة نسمات الجنة في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 04-01-2015, 07:25 PM
    3. مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 03-09-2012, 04:23 PM
    4. رساله لكل شيعي من فضيلة الشيخ عايض القرني
      بواسطة عايدي اصيل في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 14
      آخر مشاركة: 09-11-2010, 03:50 PM
    5. اذكر لٍتُُذكَر ( فضيلة الشيخ عبدالرحمن السحيم)
      بواسطة حنين الشوق في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 02-09-2010, 07:27 AM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com