وإن مما فُرِض علينا القرآن العظيم: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
[القصص:85]، فهذا القرآن مفروض علينا معرفته وتلاوته والعمل به والحكم به والتحاكم إليه وتبليغه إلى الناس كافة... ومِن منطلق هذه الفرضية
وبناءً عليها يكون أحب ما يتقرب به إلى الله تعالى ويقربنا إليه فيقترب منا سبحانه، ويَقْرُب منا عَوْنُهُ ونصرُه وحِفْظُه ورحمتُهُ...
كل هذا لا بد أن نتزوده من القرآن خاصة خلال شهر القرآن، ولا نظن أن التراويح لمجرد الأجر أو التبرك وإن كان ذلك منه!
علينا أن ينطبع في قلوبنا في كل شهر رمضان أن الدين كَمل والنعمة قد تمَّت بهذا القرآن الكريم...
فعن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إن جبريل عليه السلام كان يلقاه،
في كل سنة، في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود
بالخير من الريح المرسلة»( البخاري، صحيح البخاري، برقم:[6] ومسلم؛ صحيح مسلم، برقم:[ 2308])
وفي رواية: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْرِضُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَلَى جِبْرِيلَ، فَيُصْبِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَيْلَتِهِ الَّتِي
يَعْرِضُ فِيهَا مَا يَعْرِضُ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي هَلَكَ بَعْدَهُ، عَرَضَ فِيهِ عَرْضَتَيْنِ»(الإمام أحمد،
المسند، برقم:[ 3010]). فلاحظ في هذا الحديث أمورًا:
أن قراءة القرآن في رمضان، ليست مجرد تلاة نتمتع بها بصوت المقرئ، أو تقليدًا ألفناه عن الآباء والأجداد، وليس فُرجة تقضي عليها الأفلام
ومبارايات أكأس العالم، وليس حتى تعبُّدًا محضًا نبتغي الأجر وكفى؛ بل هو مدارسة وتعَلُّمٌ وتفَهُّمٌ، ففي الحديث يُدارسه القرآن وإذا لم يكن فيه مجالس
تفسير وفقه وأصول؛ فإن الناس كانوا على السجية والفقه بالطبيعة واللسان، فقراءته نفسها دروس.
ثم لا حظ ليس فقط اقتران مدارسة القرآن بالعمل الصالح، وبتطبيق ما فيه من أعمال الهداية، ففي الرواية الأولى تبيِّن أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان جوادًا، وفي رمضان أكثر، حين يلقاه جبريل، ويفتح معه مائدة القرآن يكون أجود من الريح المرسلة، سرعة في الخير وقوة وعذوبة ملمس.
أما الرواية الثانية فتبين أثر هذه المدارسة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو بعد المدارسة وبعد قراءة أوامر وتوجيهاته، والتزود بروحانياته يزداد
عملا واستجابة: « فَيُصْبِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَيْلَتِهِ الَّتِي يَعْرِضُ فِيهَا مَا يَعْرِضُ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا
أَعْطَاهُ»
المفضلات