• دخول الاعضاء

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
    النتائج 1 إلى 15 من 21

    الموضوع: قصص الانبياء

    1. #1
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي قصص الانبياء

      آدم (عليه السلام)
      أخبر الله -عز وجل- ملائكته بخلق آدم -عليه السلام- فقال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} _[البقرة: 30] فسألت الملائكة الله -عز وجل- واستفسرت عن حكمة خلق بني الإنسان، وقد علمت الملائكة أن من الخلق من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فإن كانت الحكمة من خلقهم هي عبادة الله، فهم يعبدونه، فقالوا لله: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فأجابهم الله -عز وجل- عن استفسارهم بأنه -سبحانه- يعلم الحكمة التي تخفى عليهم، فإنه -سبحانه- سيخلق بني البشر ويجعل فيهم الرسل والأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء، والعلماء والعاملين لدين الله، والمحبين له، المتبعين رسله، قال تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30].
      وخلق الله -سبحانه- آدم من تراب الأرض ومائها، ثم صوَّره في أحسن صورة
      ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو إنسان حي من لحم ودم وعظم، وكان ذلك يوم الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)_[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزْن (الصعب)، والخبيث والطيب) [الترمذي].
      ولما صار آدم حيًّا، ودبَّت فيه الحركة علمه الله -سبحانه- أسماء كل شيء ومسمياته وطرائق استعماله والتعامل معه من الملائكة والطيور والحيوانات
      وغير ذلك، قال تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31] وأراد الله
      -عز وجل- أن يبين للملائكة الكرام فضل آدم ومكانته عنده، فعرض جميع الأشياء التي علمها لآدم على الملائكة، وقال لهم: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة:31] فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } [البقرة:32].
      فأمر الله آدم أن يخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجزوا عن إدراكها، فأخذ آدم يذكر اسم كل شيء يعرض عليه، وعند ذلك قال الله -تعالى- للملائكة:
      {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33].
      ودار حوار بين آدم -عليه السلام- والملائكة حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلق الله آدم -عليه السلام- طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فَسَلِّم على أولئك -نفر من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحية ذُرِّيتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله..."_[متفق عليه].
      وأمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم تشريفاً وتعظيماً له فسجدوا جميعًا، ولكن إبليس رفض أن يسجد، وتكبر على أمر ربه، فسأله
      الله -عز وجل- وهو أعلم: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} [ص:75] فَرَدَّ إبليس في غرور: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص: 76] فطرده الله -عز وجل- من رحمته وجعله طريدًا ملعونًا، قال تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} _[ص: 77-78].
      فازداد إبليس كراهية لآدم وذريته، وحلف بالله أن يزين لهم الشر، فقال إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلَصين} [ص: 82-83] فقال الله -تعالى- له: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص:85] وذات يوم نام آدم -عليه السلام-، فلما استيقظ وجد امرأة تجلس إلى جانبه فسألها: من أنتِ؟ قالت: امرأة، قال: ولِمَ خُلِقْتِ؟ قالت: لتسكن إليَّ، ففرح بها آدم وأطلق عليها اسم حواء؛ لأنها خلقت من شيء حي، وهو ضلع
      آدم الأيسر.
      وأمر الله -سبحانه- آدم وزوجته حواء أن يسكنا الجنة، ويأكلا من ثمارها ويبتعدا عن شجرة معينة، فلا يأكلان منها؛ امتحانًا واختبارًا لهما، فقال تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة:35] وحذَّر الله -سبحانه- آدم وزوجه تحذيرًا شديدًا من إبليس وعداوته لهما، فقال تعالى: {يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} طه:[117-119].
      وأخذ إبليس يفكر في إغواء آدم وحواء، فوضع خطته الشيطانية؛ ليخدعهما فذهب إليهما، وقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى}
      [طه:120] فَصَدَّق آدم وحواء كلام إبليس بعد أن أقسم لهما، ظنًّا منهما أنه لا يمكن لأحد أن يحلف بالله كذبًا، وذهب آدم وحواء إلى الشجرة وأكلا
      منها.. وعندئذ حدثت المفاجأة؟‍‍!!
      لقد فوجئ آدم وحواء بشيء عجيب وغريب، لقد أصبحا عريانين؛ بسبب عصيانهما، وأصابهما الخجل والحزن الشديد من حالهما، فأخذا يجريان نحو الأشجار، وأخذ يقطعان من أوراقها ويستران بها جسديهما، فخاطب الله
      -عز وجل- آدم وحواء معاتبًا: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] فندم آدم وحواء ندمًا شديدًا على معصية الله ومخالفة أمره وتوجها إليه -سبحانه- بالتوبة والاستغفار، فقالا:
      {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
      [الأعراف: 32] وبعد الندم والاستغفار، قبل الله توبتهما ودعاءهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والعيش عليها.
      وعاش آدم وحواء على الأرض، وبدءا مسيرة الحياة عليها.. ووُلد لآدم وهو على الأرض أولاد كثيرون، فكان يؤدبهم ويربيهم، ويرشدهم إلى أن الحياة على الأرض امتحان للإنسان وابتلاء له، وأن عليهم أن يتمسكوا بهدى الله، وأن يحذروا من الشيطان ومن وساوسه الضَّارة.
      قصة ابني آدم:
      وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابني آدم حينما تقدم كل منهما بقربان إلى
      الله -سبحانه- فتقبَّل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فما كان من
      هذا الابن الذي لم يتقبل الله قربانه إلا أن حسد أخاه وحقد عليه وقتله ظلمًا وعدوانًا، قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين . إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
      [المائدة: 27-30].
      ولما قَتَلَ ابن آدم أخاه لم يعرف كيف يواري جثمانه، فأرسل الله إليه غرابًا يحفر في الأرض؛ فعرف ابن آدم كيف يدفن أخاه، فدفنه وهو حزين أشد الحزن لأنه لم يعرف كيف يدفن جثة أخيه، قال الله تعالى: {فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين}_[المائدة: 31] وظل آدم يعيش وسط أبنائه يدعوهم إلى الله، ويعرِّفهم طريق الحق والإيمان، ويحذِّرهم من الشرك والطغيان وطاعة الشيطان، إلى أن لقى ربه وتوفي بعد أن أتم رسالته، وترك ذريته يعمرون الأرض ويخلفونه فيها.
      وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في رحلة المعراج
      مَرَّ بآدم -عليه السلام- في السماء الأولى، وقيل له: هذا أبوك آدم فسلِّمْ
      عليه، فسلم عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وردَّ آدم -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- السلام، وقال: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح)_[متفق عليه].
      ويخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يوم القيامة يذهبون إلى
      آدم -عليه السلام- فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ ولكن آدم -عليه السلام- يتذكر أكله من الشجرة فيستحي من الله، ويطلب من الناس أن يذهبوا إلى غيره من الأنبياء. [البخاري].

    2. #2
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      إدريس (عليه السلام)
      نبي كريم من أنبياء الله -عز وجل- ذكره الله في القرآن الكريم مرتين دون أن يحكي لنا قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم، قال تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين} [الأنبياء: 85] وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًّا . ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 56-57].
      وقد مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإدريس ليلة الإسراء والمعراج، وهو في السماء الرابعة، فسلَّم عليه فقال: (.. فأتيتُ على إدريس فسلمتُ، فقال: مرحبًا بك من أخ ونبي) [البخاري].
      ويروى أن نبي الله إدريس -عليه السلام- كان خياطًا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله! فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، وذكر بعض العلماء أن زمن إدريس كان قبل نوح -عليه السلام- والبعض الآخر ذكر أنه جاء بعده، واختلف في موته فقيل إنه لم يمت بل رفع حيًّا، كما رفع عيسى -عليه السلام- وقيل: إنه مات كما مات غيره من الرسل، والله أعلم.

    3. #3
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      نوح (عليه السلام)
      كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر رجالا صالحين أحبهم الناس، فلما ماتوا حزنوا عليهم حزنًا شديداً، واستغل الشيطان هذه الفرصة فوسوس للناس أن يصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ففعلوا، ومرت السنوات، ومات الذين صنعوا تلك التماثيل، وجاء أحفادهم، فأغواهم الشيطان وجعلهم يظنون أن تلك التماثيل هي آلهتهم فعبدوها من دون الله، وانتشر الكفر بينهم، فبعث الله إليهم رجلا منهم، هو نوح -عليه السلام- فاختاره الله واصطفاه من بين خلقه، ليكون نبيًّا ورسولا، وأوحى إليه أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
      وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك
      عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأعراف:59] فاستجاب لدعوته عدد من الفقراء والضعفاء، أما الأغنياء والأقوياء فقد رفضوا دعوته، كما أن زوجته وأحد أبنائه كفرا بالله ولم يؤمنا به، وظل الكفار يعاندونه، وقالوا له: {ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود:27].
      ولم ييأس نوح -عليه السلام- من عدم استجابتهم له، بل ظل يدعوهم بالليل والنهار، وينصحهم في السر والعلن، ويشرح لهم برفق وهدوء حقيقة دعوته التي جاء بها، إلا أنهم أصرُّوا على كفرهم، واستمروا في استكبارهم وطغيانهم، وظلوا يجادلونه مدة طويلة، وأخذوا يؤذونه ويسخرون منه، ويحاربون دعوته.
      وذات يوم ذهب بعض الأغنياء إلى نوح -عليه السلام- وطلبوا منه أن يطرد الفقراء الذين آمنوا به؛ حتى يرضى عنه الأغنياء ويجلسوا معه ويؤمنوا بدعوته فقال لهم نوح: {ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قومًا تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون}
      [هود:29-30] فغضب قومه واتهموه بالضلال، وقالوا: {إنا لنراك في ضلال
      مبين } [الأعراف:60].
      فقال لهم: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف:61-62] واستمر نوح -عليه السلام- يدعو قومه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، دون أن يزيد عدد المؤمنين، وكان إذا ذهب إلى بعضهم يدعوهم إلى عبادة الله، ويحدثهم عن الإيمان به، وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، وإذا ذهب إلى آخرين يحدثهم عن نعم الله عليهم وعن حسابهم يوم القيامة، وضعوا ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه، واستمر هذا الأمر طويلا حتى قال الكفار له:
      {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من
      الصادقين} [هود:32].
      فقال لهم نوح: {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين . ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [هود: 33-34] وحزن نوح -عليه السلام- لعدم استجابة قومه وطلبهم للعذاب، لكنه لم ييأس، وظل لديه أمل في أن يؤمنوا بالله -تعالى- ومرت الأيام والسنون دون نتيجة أو ثمرة لدعوته، واتَّجه نوح -عليه السلام- إلى ربه يدعوه، ويشكو له ظلم قومه لأنفسهم، فأوحى الله إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود:36].
      وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين (950 سنة) دون أن يجد منهم استجابة، فقال: {رب إن قومي كذَّبونِ . فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء:117-118] ودعا عليهم بالهلاك، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} [نوح: 26-27] فأمره الله أن يصنع سفينة، وعلَّمه كيف يتقن صنعها، وبدأ نوح -عليه السلام- والمؤمنون معه في صنع السفينة، وكلما مر الكفار عليهم سخروا منهم واستهزءوا بهم؛ إذ كيف يصنعون سفينة وهم يعيشون في صحراء جرداء لا بحر فيها ولا نهر، وزاد استهزاؤهم حينما عرفوا أن هذه السفينة هي التي سوف ينجو بها نوح ومن معه من المؤمنين حينما ينزل عذاب الله.
      وأتمَّ نوح -عليه السلام- صنع السفينة، وعرف أن الطوفان سوف يبدأ، فطلب من كل المؤمنين أن يركبوا السفينة، وحمل فيها من كل حيوان وطير وسائر المخلوقات زوجين اثنين، واستقر نوح -عليه السلام- على ظهر السفينة هو ومن معه، وبدأ الطوفان، فأمطرت السماء مطرًا غزيرًا، وتفجرت عيون الماء من الأرض وخرج الماء منها بقوة، فقال نوح: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود:41] .
      وبدأت السفينة تطفو على سطح الماء، ورأى نوح -عليه السلام- ابنه، وكان كافرًا لم يؤمن بالله، فناداه: {يا بني اركب معنا ولا تكن من
      الكافرين} [هود:42] فامتنع الابن ورفض أن يلبي نداء أبيه، وقال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} [هود:43] فقد ظن أن الماء لن يصل إلى رءوس الجبال وقممها العالية، فحذره نوح -عليه السلام- وقال له: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43].
      ورأى المشركون الماء يملأ بيوتهم، ويتدفق بسرعة رهيبة، فأدركوا أنهم هالكون فتسابقوا في الصعود إلى قمم الجبال، ولكن هيهات .. هيهات، فقد غطى الماء قمم الجبال، وأهلك الله كلَّ الكافرين والمشركين، ونجَّى نوحًا -عليه السلام- والمؤمنين؛ فشكروا الله على نجاتهم، وصدر أمر الله -تعالى- بأن يتوقف
      المطر، وأن تبتلع الأرض الماء: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44] وابتلعت الأرض الماء، وتوقفت السماء عن المطر، ورست السفينة على جبلٍ يسَمَّى الجودى.
      ثم أمر الله نوحًا -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين بالهبوط من السفينة، قال تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود:48] وناشد نوح -عليه السلام- ربه في ولده، وسأله عن غرقه استفسارًا واستخبارًا عن الأمر، وقد وعده أن ينجيه وأهله، فقال سبحانه: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود:46] وكان ابن نوح من الكافرين فلم يستحق رحمة الله، فامتثل نوح لأمر الله، وهبط من السفينة ومعه المؤمنون، وأطلق سراح الحيوانات والطيور، لتبدأ دورة جديدة من الحياة على الأرض، وظل نوح يدعو المؤمنين، ويعلمهم أحكام الدين، ويكثر من طاعة الله من الذكر والصلاة الصيام إلى أن توفي ولقى ربه.

    4. #4
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      نوح (عليه السلام)
      كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر رجالا صالحين أحبهم الناس، فلما ماتوا حزنوا عليهم حزنًا شديداً، واستغل الشيطان هذه الفرصة فوسوس للناس أن يصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ففعلوا، ومرت السنوات، ومات الذين صنعوا تلك التماثيل، وجاء أحفادهم، فأغواهم الشيطان وجعلهم يظنون أن تلك التماثيل هي آلهتهم فعبدوها من دون الله، وانتشر الكفر بينهم، فبعث الله إليهم رجلا منهم، هو نوح -عليه السلام- فاختاره الله واصطفاه من بين خلقه، ليكون نبيًّا ورسولا، وأوحى إليه أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
      وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك
      عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأعراف:59] فاستجاب لدعوته عدد من الفقراء والضعفاء، أما الأغنياء والأقوياء فقد رفضوا دعوته، كما أن زوجته وأحد أبنائه كفرا بالله ولم يؤمنا به، وظل الكفار يعاندونه، وقالوا له: {ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود:27].
      ولم ييأس نوح -عليه السلام- من عدم استجابتهم له، بل ظل يدعوهم بالليل والنهار، وينصحهم في السر والعلن، ويشرح لهم برفق وهدوء حقيقة دعوته التي جاء بها، إلا أنهم أصرُّوا على كفرهم، واستمروا في استكبارهم وطغيانهم، وظلوا يجادلونه مدة طويلة، وأخذوا يؤذونه ويسخرون منه، ويحاربون دعوته.
      وذات يوم ذهب بعض الأغنياء إلى نوح -عليه السلام- وطلبوا منه أن يطرد الفقراء الذين آمنوا به؛ حتى يرضى عنه الأغنياء ويجلسوا معه ويؤمنوا بدعوته فقال لهم نوح: {ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قومًا تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون}
      [هود:29-30] فغضب قومه واتهموه بالضلال، وقالوا: {إنا لنراك في ضلال
      مبين } [الأعراف:60].
      فقال لهم: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف:61-62] واستمر نوح -عليه السلام- يدعو قومه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، دون أن يزيد عدد المؤمنين، وكان إذا ذهب إلى بعضهم يدعوهم إلى عبادة الله، ويحدثهم عن الإيمان به، وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، وإذا ذهب إلى آخرين يحدثهم عن نعم الله عليهم وعن حسابهم يوم القيامة، وضعوا ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه، واستمر هذا الأمر طويلا حتى قال الكفار له:
      {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من
      الصادقين} [هود:32].
      فقال لهم نوح: {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين . ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [هود: 33-34] وحزن نوح -عليه السلام- لعدم استجابة قومه وطلبهم للعذاب، لكنه لم ييأس، وظل لديه أمل في أن يؤمنوا بالله -تعالى- ومرت الأيام والسنون دون نتيجة أو ثمرة لدعوته، واتَّجه نوح -عليه السلام- إلى ربه يدعوه، ويشكو له ظلم قومه لأنفسهم، فأوحى الله إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود:36].
      وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين (950 سنة) دون أن يجد منهم استجابة، فقال: {رب إن قومي كذَّبونِ . فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء:117-118] ودعا عليهم بالهلاك، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} [نوح: 26-27] فأمره الله أن يصنع سفينة، وعلَّمه كيف يتقن صنعها، وبدأ نوح -عليه السلام- والمؤمنون معه في صنع السفينة، وكلما مر الكفار عليهم سخروا منهم واستهزءوا بهم؛ إذ كيف يصنعون سفينة وهم يعيشون في صحراء جرداء لا بحر فيها ولا نهر، وزاد استهزاؤهم حينما عرفوا أن هذه السفينة هي التي سوف ينجو بها نوح ومن معه من المؤمنين حينما ينزل عذاب الله.
      وأتمَّ نوح -عليه السلام- صنع السفينة، وعرف أن الطوفان سوف يبدأ، فطلب من كل المؤمنين أن يركبوا السفينة، وحمل فيها من كل حيوان وطير وسائر المخلوقات زوجين اثنين، واستقر نوح -عليه السلام- على ظهر السفينة هو ومن معه، وبدأ الطوفان، فأمطرت السماء مطرًا غزيرًا، وتفجرت عيون الماء من الأرض وخرج الماء منها بقوة، فقال نوح: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود:41] .
      وبدأت السفينة تطفو على سطح الماء، ورأى نوح -عليه السلام- ابنه، وكان كافرًا لم يؤمن بالله، فناداه: {يا بني اركب معنا ولا تكن من
      الكافرين} [هود:42] فامتنع الابن ورفض أن يلبي نداء أبيه، وقال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} [هود:43] فقد ظن أن الماء لن يصل إلى رءوس الجبال وقممها العالية، فحذره نوح -عليه السلام- وقال له: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43].
      ورأى المشركون الماء يملأ بيوتهم، ويتدفق بسرعة رهيبة، فأدركوا أنهم هالكون فتسابقوا في الصعود إلى قمم الجبال، ولكن هيهات .. هيهات، فقد غطى الماء قمم الجبال، وأهلك الله كلَّ الكافرين والمشركين، ونجَّى نوحًا -عليه السلام- والمؤمنين؛ فشكروا الله على نجاتهم، وصدر أمر الله -تعالى- بأن يتوقف
      المطر، وأن تبتلع الأرض الماء: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44] وابتلعت الأرض الماء، وتوقفت السماء عن المطر، ورست السفينة على جبلٍ يسَمَّى الجودى.
      ثم أمر الله نوحًا -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين بالهبوط من السفينة، قال تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود:48] وناشد نوح -عليه السلام- ربه في ولده، وسأله عن غرقه استفسارًا واستخبارًا عن الأمر، وقد وعده أن ينجيه وأهله، فقال سبحانه: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود:46] وكان ابن نوح من الكافرين فلم يستحق رحمة الله، فامتثل نوح لأمر الله، وهبط من السفينة ومعه المؤمنون، وأطلق سراح الحيوانات والطيور، لتبدأ دورة جديدة من الحياة على الأرض، وظل نوح يدعو المؤمنين، ويعلمهم أحكام الدين، ويكثر من طاعة الله من الذكر والصلاة الصيام إلى أن توفي ولقى ربه.

    5. #5
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      صالح
      في منطقة الحِجْر التي تقع بين الحجاز والشام، والتي تسمى الآن (بمدائن صالح) كانت تعيش قبيلة مشهورة تسمى ثمود، يرجع أصلها إلى سام بن نوح، وكانت لهم حضارة عمرانية واضحة المعالم، فقد نحتوا الجبال واتخذوها بيوتًا، يسكنون فيها في الشتاء؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم من حين لآخر واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف.
      وأنعم الله -عز وجل- عليهم بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فأعطاهم الأرض الخصبة، والماء العذب الغزير، والحدائق والنخيل، والزروع والثمار، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود والنكران، فكفروا بالله -سبحانه- ولم يشكروه على نعمه وعبدوا الأصنام، وجعلوها شريكة لله، وقدَّموا إليها القرابين، وذبحوا لها الذبائح وتضرعوا لها، وأخذوا يدعونها، فأراد الله هدايتهم، فأرسل إليهم نبيًّا منهم، هو صالح -عليه السلام- وكان رجلاً كريمًا تقيًّا محبوبًا لديهم.
      وبدأ صالح يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك ما هم فيه من عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:73] فرفض قومه ذلك، وقالوا له: يا صالح قد كنت بيننا رجلا فاضلاً كريمًا محبوبًا نستشيرك في جميع أمورنا لعلمك وعقلك وصدقك، فماذا حدث لك؟! وقال رجل من القوم: يا صالح ما الذي دعاك لأن تأمرنا أن نترك ديننا الذي وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا، ونتبع دينًا جديدًا ؟! وقال آخر: يا صالح قد خاب رجاؤنا فيك، وصِرْتَ في رأينا رجلا مختلَّ التفكير.
      كل هذه الاتهامات وجهت لنبي الله صالح -عليه السلام- فلم يقابل إساءتهم له بإساءة مثلها، ولم ييأس من استهزائهم به وعدم استجابتهم له، بل ظل يتمسك بدين الله رغم كلامهم، ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويذكِّرهم بما حدث للأمم التي قبلهم، وما حلَّ بهم من العذاب بسبب كفرهم وعنادهم، فقال لهم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [الأعراف: 74] ثم أخذ صالح يذكِّرهم بنعم الله عليهم، فقال لهم: {أتتركون في ما هاهنا آمنين . في جنات وعيون . وزروع ونخيل طلعها هضيم} [الشعراء:146-148].
      ثم أراد أن يبين لهم الطريق الصحيح لعبادة الله، وأنهم لو استغفروا الله وتابوا إليه فإن الله سيقبل توبتهم، فقال : {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} [هود: 61] فآمنت به طائفة من الفقراء والمساكين، وكفرت طائفة الأغنياء، واستكبروا وكذبوه، وقالوا: {أبشرًا منا واحدًا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر . أؤلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} [القمر: 24-25].
      وحاولت الفئة الكافرة ذات يوم أن تصرف الذين آمنوا بصالح عن دينهم وتجعلهم يشكون في رسالته، فقالوا لهم: {أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه} _[الأعراف:75] أي: هل تأكدتم أنه رسول من عند الله؟ فأعلنت الفئة المؤمنة تمسكها بما أُنْزِلَ على صالح وبما جاء به من ربه، وقالوا: {إنا بما أرسل به مؤمنون} [الأعراف: 75] فأصرَّت الفئة الكافرة على ضلالها وقالوا معلنين كفرهم وضلالهم: {إنا بالذي آمنتم به كافرون} [الأعراف: 76] ولما رأى
      صالح -عليه السلام- إصرارهم على الضلال والكفر قال لهم: {يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} [هود: 63].
      وكان صالح -عليه السلام- يخاطب قومه بأخلاق الداعي الكريمة، وآدابه الرفيعة ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، ويجادلهم تارة أخرى في موضع
      الجدال، مؤكدًا على أن عبادة الله هي الحق، والطريق المستقيم. ولكن
      قومه تمادوا في كفرهم، وأخذوا يدبرون له المكائد والحيل حتى لا يؤمن به أكثر الناس، وذات يوم كان صالح -عليه السلام- يدعوهم إلى عبادة الله، ويبين لهم نعم الله الكثيرة، وأنه يجب شكره وحمده عليها، فقالوا له: يا صالح ما أنت إلا بشر مثلنا، وإذا كنت تدعي أنك رسول الله، فلابد أن تأتينا بمعجزة وآية.
      فسألهم صالح -عليه السلام- عن المعجزة التي يريدونها، فأشاروا على صخرة بجوارهم، وقالوا له: أخْرِجْ لنا من هذه الصخرة ناقة طويلة عُشَراء، وأخذوا يصفون الناقة المطلوبة ويعددون صفاتها، حتى يعجز صالح عن
      تحقيق طلبهم، فقال لهم صالح: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بي وتصدقونني وتعبدون الله الذي خلقكم؟ فقالوا له: نعم، وعاهدوه
      على ذلك، فقام صالح -عليه السلام- وصلى لله -سبحانه- ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
      وبعد لحظات حدثت المعجزة، فخرجت الناقة العظيمة من الصخرة التي أشاروا إليها، فكانت برهانًا ساطعًا، ودليلاً قويًّا على نبوة صالح، ولما رأى قوم صالح هذه الناقة بمنظرها الهائل آمن بعض قومه، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم، ثم أوحى الله إلى صالح أن يأمر قومه بأن لا يتعرضوا للناقة بسوء، فقال لهم صالح: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73].
      واستمر الحال على هذا وقتًا طويلاً، والناقة تشرب ماء البئر يومًا، ويشربون هم يومًا، وفي اليوم الذي تشرب ولا يشربون كانوا يحلبونها فتعطيهم لبنًا يكفيهم جميعًا، لكن الشيطان أغواهم، فزين لهم طريق الشر، وتجاهلوا تحذير صالح لهم فاتفقوا على قتل الناقة، وكان عدد الذين أجمعوا على قتل الناقة تسعة أفراد، قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}
      [النمل: 48] ثم اتفقوا مع باقي القوم على تنفيذ مؤامرتهم، وقد تولى القيام بهذا الأمر أشقاهم وأكثرهم فسادًا، وقيل اسمه قدار بن سالف..
      وفي الصباح، تجمع قوم صالح في مكان فسيح ينتظرون مرور الناقة لتنفيذ مؤامرتهم، وبعد لحظات مرت الناقة العظيمة فتقدم أحدهم منها، وضربها بسهم حاد أصابها في ساقها، فوقعت على الأرض، فضربها قدار بن سالف بالسيف
      حتى ماتت، وعلم صالح بما فعل قومه الذين أصروا على السخرية منه
      والاستهزاء به، وأوحى الله إليه أن العذاب سوف ينزل بقومه بعد
      ثلاثة أيام، فقال صالح -عليه السلام- لهم: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}
      _[هود:65] ولكن القوم كذبوه واستمروا في سخريتهم منه والاستهزاء به، ولما دخل الليل اجتمعت الفئة الكافرة من قوم صالح، وأخذوا يتشاورون في قتل صالح، حتى يتخلصوا منه مثلما تخلصوا من الناقة، ولكن الله -عز وجل- عَجَّلَ العذاب لهؤلاء المفسدين التسعة، فأرسل عليهم حجارة أصابتهم وأهلكتهم..
      ومرت الأيام الثلاثة، وخرج الكافرون في صباح اليوم الثالث ينتظرون ما سيحل عليهم من العذاب والنكال، وفي لحظات جاءتهم صيحة شديدة من
      السماء، وهزة عنيفة من أسفلهم، فزهقت أرواحهم، وأصبحوا في دارهم هالكين مصروعين.. قال تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون . وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} [النمل: 52-53] وهكذا أهلك
      الله -عز وجل- قوم صالح بسبب كفرهم وعنادهم وقتلهم لناقة الله، والاستهزاء بنبيهم صالح -عليه السلام- وعدم إيمانهم به، وبعد أن أهلك الله الكافرين من ثمود، وقف صالح -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين ينظرون إليهم، فقال صالح -عليه السلام- : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} _[الأعراف: 79].
      ولقد مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على ديار ثمود (المعروفة الآن بمدائن صالح) وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع من الهجرة، فأمر أصحابه أن يمروا عليها خاشعين خائفين، كراهة أن يصيبهم ما أصاب أهلها، وأمرهم بعدم دخول القرية الظالمة وعدم الشرب من مائها. [متفق عليه].

    6. #6
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      إسماعيل
      كان إبراهيم -عليه السلام- يحب أن تكون له ذرية صالحة تعبد الله -عز وجل- وتساعده في السعي على مصالحه، فعلمت السيدة سارة ما
      يريده زوجها، وكانت عاقرًا لا تلد فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها؛ لعلها تنجب له الولد، فلما تزوجها إبراهيم -عليه السلام- حملت منه، وأنجبت له إسماعيل، وبعد مرور فترة من ولادة إسماعيل أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يذهب بزوجته هاجر وولده إلى مكة، فاستجاب إبراهيم لأمر ربه، وسار بهما حتى وصلوا إلى جبال مكة عند موضع بناء الكعبة، وظل معهما فترة قصيرة، ثم تركهما في هذا المكان وأراد العودة إلى الشام، فلما رأته زوجته هاجر عائدًا أسرعت خلفه، وتعلقت بثيابه، وقالت له: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد عليها إبراهيم -عليه السلام- وظل صامتًا، فألحت عليه زوجته هاجر، وأخذت تكرر السؤال نفسه، لكن دون فائدة، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم: نعم، فقالت هاجر: إذن لن يضيعنا، ثم رجعت.
      وسار إبراهيم -عليه السلام- وترك زوجته وولده، وليس معهما من الطعام والماء إلا القليل، ولما ابتعد عنها إبراهيم، رفع يده داعيًا ربه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم واصل السير إلى الشام، وظلت هاجر وحدها، ترضع ابنها إسماعيل، وتشرب من الماء الذي تركه لها إبراهيم حتى نفد ما في السقاء، فعطشت، وعطش ابنها فتركته وانطلقت تبحث عن الماء، بعدما بكى الطفل بشدة، وأخذ يتلوى، ويتمرغ أمامها من شدة العطش.
      وأخذت هاجر تمشي حتى وصلت إلى جبل الصفا، فصعدت إليه ثم نظرت إلى الوادي يمينًا ويسارًا؛ لعلها ترى بئرًا أو قافلة مارة من الطريق فتسألهم الطعام
      أو الماء، فلم تجد شيئًا، فهبطت من الصفا، وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته وأخذت تنظر بعيدًا لترى مُنقِذًا ينقذها هي وابنها مما هما فيه، إلا أنها لم تجد شيئًا كذلك، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرة أخرى لعلها تجد النجاة وظلت هكذا تنتقل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا سبع مرات.
      وقد أصبح هذا السعي شعيرة من شعائر الحج، وذلك تخليدًا لهذه الذكرى، قال تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم } [البقرة:158] وبعد أن تعبت هاجر، وأحست بالإجهاد والمشقة، عادت إلى ابنها دون أن يكون معها قطرة واحدة من الماء، وهنا أدركتها رحمة الله -سبحانه- فنزل الملك
      جبريل -عليه السلام- وضرب الأرض، فتفجرت وتدفقت منها بئر زمزم وتفجر منها ماء عذب غزير، فراحت هاجر تغرف بيدها وتشرب وتسقى ابنها، وتملأ سقاءها، وشكرت الله -عز وجل- على نعمته، وعلى بئر زمزم التي
      فجرها لها.
      ومرت أيام قليلة، وجاءت قافلة من قبيلة جرهم -وهي قبيلة عربية يمنية- فرأت طيرًا يحوم فوق مكان هاجر وابنها، فعلموا أن في ذلك المكان ماء، فأقبلوا نحو المكان الذي يطير فوقه الطير، فوجدوا بئر زمزم فتعجبوا من وجودها في هذه المكان، ووجدوا أم إسماعيل تجلس بجواره، فذهبوا إليها، وعرفوا قصتها فاستأذنوها في الإقامة بجوار هذه البئر، فأذنت لهم، وعاشت معهم هي وابنها وتعلم منهم إسماعيل اللغة العربية، وأخذت هاجر تربي ابنها إسماعيل تربية حسنة وتغرس فيه الخصال الطيبة والفضائل الحميدة، حتى كبر قليلاً، وصار يسعى في مصالحه لمساعدة أمه.
      وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر وولده إسماعيل من حين لآخر لكي يطمئن عليهما، وذات يوم رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل الذي جاء بعد شوق طويل، فلما قام من نومه، علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، فذهب إبراهيم إلى ابنه، وقال له: {يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات:102] فقال إسماعيل: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات:102]..
      وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى مِنَى ثم ألقاه على وجهه كي لا يرى وجهه عند الذبح، فيتأثر بعاطفة الأبوة، واستسلم إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل ليذبحه، وقبل أن يمر السكين سمع إبراهيم نداء الله تعالى يقول له: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات:104-106] وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم الملك جبريل -عليه السلام- ومعه كبش عظيم، فأخذه إبراهيم وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل.
      لقد أراد الله -عز وجل- أن يختبر إبراهيم في التضحية بابنه إسماعيل، فلما وجده قد امتثل لأمره دون كسل واعتراض كشف الله هذا البلاء، وفدى إسماعيل بكبش عظيم، وقد أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمين يسمي بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله وتخليدًا لهذه الذكري الطيبة، وعاد إبراهيم بولده إلى البيت، ففرحت الأم بنجاة ولدها فرحًا شديدًا، وكبر إسماعيل حتى أصبح شابًّا قويًّا، وتزوج امرأة من إحدى القبائل التي استقرت حول بئر زمزم.
      وذات يوم زار إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل، فلم يجده في بيته، ووجد زوجته وكانت لا تعرفه، فسألها إبراهيم عن زوجها إسماعيل، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقًا، فسألها عن عيشهم، فقالت: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إبراهيم : إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه، فلما عاد إسماعيل سأل زوجته: هل زارنا أحد اليوم؟ قالت له: نعم، زارنا شيخ صفته كذا وكذا، فقال إسماعيل: هل قال لك شيئًا؟قالت: سألني عنك وعن حالتنا وعيشتنا، فقال لها: وماذا قلت له؟ قالت: قلت له: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إسماعيل: وهل أوصاك بشيء؟ قالت: قال لي: قولي لزوجك عندما يعود أن يغير عتبة بابه، فقال إسماعيل: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فألحقي بأهلك فطلقها إسماعيل، وتزوج بغيرها.
      ومرت فترة من الزمن، ثم عاد إبراهيم لزيارة ابنه إسماعيل، ولم يجده أيضًا، ووجد زوجته، وكانت هي أيضا لا تعرفه، فسألها أين زوجك إسماعيل؟ قالت له: خرج يبتغي لنا رزقًا، فقال إبراهيم: وكيف أنتم؟ قالت: نحن بخير وسعة، ففرح إبراهيم بهذه الزوجة، واطمأن لحالها، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له مني السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل أخبرته زوجته بما حدث، وأثنت على إبراهيم، فقال إسماعيل: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك. [البخاري].
      وعاد إبراهيم إلى فلسطين، وظل بها مدة طويلة يعبد الله -عز وجل- ثم ذهب لزيارة إسماعيل، فوجده يبري نبلاً له قرب بئر زمزم، فلما رآه إسماعيل قام إليه واحتضنه واستقبله أحسن استقبال، ثم قال إبراهيم لابنه: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمرٍ. فقال إسماعيل: اصنع ما أمرك به ربك، فقال إبراهيم: وتعينني عليه؟ قال إسماعيل: وأعينك عليه، فقال إبراهيم: إن الله أمرني أن أبني هنا بيتًا، كي يعبده الناس فيه، فوافق إسماعيل أباه، وبدأ ينقل معه الحجارة اللازمة لبناء هذا
      البيت، وكان إبراهيم يبني، وإسماعيل يعينه، حتى إذا ما ارتفع البناء واكتمل جاء جبريل بحجر من الجنة، وأعطاه لإبراهيم، ليضعه في الكعبة، وهو ما يسمى بالحجر الأسود.
      وبعد أن انتهى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من بناء الكعبة وقفا يدعوان ربهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل -عليه السلام- ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة، وأنه كان يأمر أهله بأدائها، قال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} [مريم:54-55].
      وكان إسماعيل رسولاً إلى القبائل التي سكنت واستقرت حول بئر زمزم، وأوحى الله إليه، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة:163] وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [النساء:163] وكان إسماعيل -عليه السلام- أول من رمى بسهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجع الشباب على الرمي بقوله: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا) [البخاري].
      وإسماعيل -عليه السلام- هو جد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو العرب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم].

    7. #7
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      إسحاق
      بعد أن رزق الله إبراهيم -عليه السلام- بإسماعيل من زوجته هاجر، كان إبراهيم يدعو الله أن يرزقه بولد من زوجته سارة التي تحملت معه كل ألوان العذاب في سبيل الله، فاستجاب الله له، وأرسل إليه بعض الملائكة على هيئة رجال، ليبشروه بولد له من زوجته سارة، وأخبروه بذهابهم إلى قوم لوط للانتقام منهم، ولما جاءت الملائكة إلى إبراهيم استقبلهم أحسن استقبال، وأجلسهم في المكان المخصص للضيافة، ثم أسرع لإعداد الطعام لهم، فقد كان إبراهيم رجلاً كريمًا جوادًا، وفي لحظات جاء بعجل سمين، وقربه إليهم، فلم يأكلوا أو يشربوا أي شيء، فخاف إبراهيم -عليه السلام- منهم، وظهر الخوف على وجهه، فطمأنته الملائكة، وأخبروه أنهم ملائكة، وبشروه بغلام عليم..
      كل هذا، وسارة زوجة إبراهيم تتابع الموقف، وتسمع كلامهم، وذلك من خلف الجدار، فأقبلت إليهم، وهي في ذهول مما تسمعه، وتعجبت من بشارتهم، فكيف تلد وهي امرأة عجوز عقيم، وزوجها رجل كبير، فأخبرتها الملائكة بأن هذا أمر الله القادر على كل شيء، فاطمأن ابراهيم، وذهب عنه الخوف، وسكنت في قلبه البشرى التي حملتها الملائكة له؛ فخر ساجدًا لله شاكر له.
      وبعد فترة، ظهر الحدث المنتظر والمعجزة الإلهية أمام عين إبراهيم وزوجته؛ حيث ولدت سارة غلامًا جميلاً، فسماه إبراهيم إسحاق، والقرآن الكريم لم يقص علينا من قصة إسحاق -عليه السلام- إلا بشارته، وكذلك لم يذكر لنا القوم الذي أرسل إليهم وماذا كانت إجابتهم له، وقد أثنى الله -عز وجل- عليه في كتابه الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} [ص:45-47].
      كما أثنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إسحاق، فقال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام) [البخاري] ورزق الله إسحاق ولدًا اسمه يعقوب، ومرض إسحاق ثم مات بعد أن أدَّى الأمانة التي تحملها.

    8. #8
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      يعقوب عليه السلام
      نبي من أنبياء الله-عز وجل-، اصطفاه الله، فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام-، بشرت الملائكة به إبراهيم -عليه السلام- زوجته سارة، قال تعالى: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) [هود: 71].
      ولد يعقوب -عليه السلام- محاطًا بعناية الله ورحمته، سائرًا على منهج آبائه، وكان ليعقوب اثنا عشر ولدًا سمَّاهم القرآن الكريم بالأسباط، وكان أجلهم قدرًا، وأنقاهم قلبًا، وأسلمهم صدرًا، وأزكاهم نفسًا، وأصغرهم سنًا، يوسف -عليه السلام-، لذا كان يعقوب -عليه السلام- يحوطه بمزيد من العناية والحنان وهذا شيء طبيعي، فالأب يحنو على الصغير حتى يكبر، وعلى المريض حتى يبرأ.
      وكان يعقوب -عليه السلام- مثالاً يحتذى للأب الذي يقوم بتربية أولاده على الفضيلة، فيقوم بأمرهم، ويسدي لهم النصح، ويحل مشاكلهم، إلا أن الشيطان زين للأبناء قتل أخيهم يوسف لما رأوا من حب أبيهم له، لكنهم بعد ذلك رجعوا عن رأيهم من القتل إلى الإلقاء في بئر بعيدة، لتأخذه إحدى القوافل المارة، وحزن يعقوب على فراق يوسف حزنًا شديدًا، وأصابه العمى من شدة الحزن، ثم ردَّ الله إليه بصره، وجمع بينه وبين ولده.
      وبعد فترة من الزمن مرض يعقوب-عليه السلام- مرض الموت، فجمع أبناءه وأخذ يوصيهم بالتمسك بالإيمان بالله الواحد وبعمل الصالحات، قال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدًا ونحن له مسلمون) [البقرة: 133].

    9. #9
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      يوسف عليه السلام
      في ليلة من الليالي رأى يوسف -عليه السلام- وهو نائم رؤيا عجيبة، فقد رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فلما استيقظ، ذهب إلى أبيه يعقوب -عليه السلام- في هذه الرؤيا. فعرف أن ابنه سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم، ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد.
      وكان يعقوب يحب يوسف حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه ويداعبه، مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له مؤامرة تبعده عن أبيه.
      فاقترح أحدهم أن يقتلوا يوسف أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله، ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتل يوسف، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة، فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه.
      ولقيت هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذ يوسف وتنفيذ ما اتفقوا عليه، ففكروا قليلا، ثم ذهبوا إلى أبيهم وقالوا له: (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون)[يوسف: 11].
      فأجابهم يعقوب -عليه السلام- أنه لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، وقال لهم: (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون)[يوسف: 13]
      فقالوا: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)[يوسف:14]. وفي الصباح، خرج الأبناء جميعًا ومعهم يوسف -عليه السلام- إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم، وما إن ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها، وشعر يوسف بالخوف، والفزع، لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك.
      وبعد أن نفذ إخوة يوسف مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، واخلعوا يوسف قميصه، وذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص يوسف.
      وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسف معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوا يوسف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم.
      فرأى يعقوب -عليه السلام- القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه، فقال لهم: عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا بيوسف أكله دون أن يقطع ملابسه. ثم قال لهم مبينًا كذبهم: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون)[يوسف: 18].
      أما يوسف فكان لا يزال حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك، مرت عليه قافلة متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به يوسف، فنظر في البئر فوجد غلامًا جميلاً يمسك به، ففرح الرجل ونادى رجال القافلة، فأخرجوا يوسف، وأخذوه معهم إلى مصر ليبيعوه.
      وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضون يوسف للبيع، فذهب إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة.
      ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض فأصبح محاطًا بعطف العزيز ورعايته.
      ومرت السنون، وكبر يوسف، وأصبح شابًا قويًّا، رائع الحسن، وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم، وازداد إعجابها به لحظة بعد أخرى، فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة والتعريض، لكن يوسف -عليه السلام- كان يعرض عنها، ويتغافل عن أفعالها، فأخذت المرأة تفكر كيف تغري يوسف بها.
      وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر، فتعطرت وتزينت، ولبست أحسن الثياب، وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته حجرتها، وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة.
      لكن يسوف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت، ورد عليها ردًّا بليغًا حيث قال: (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) [يوسف: 23].
      ثم أسرع يوسف -عليه السلام- ناحية الباب يريد الخروج من المكان، لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة تفوتها، فجرت خلفه، لتمنعه من الخروج، وأمسكت بقميصه فتمزق.
      وفجأة، حضر زوجها العزيز، وتأزم الموقف، وزاد الحرج، لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها أمام زوجها، فاتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها، وقالت لزوجها: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)[يوسف: 25].
      وأمام هذا الاتهام، كان على يوسف أن يدافع عن نفسه، فقال: (هي راودتني عن نفسي)[يوسف: 26].
      فاحتكم الزوج إلى رجل من أهل المرأة، فقال الرجل من غير تردد انظروا: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)[يوسف: 26-27].
      فالتفت الزوج إلى امرأته، وقال لها: (إنه من كيدكم إن كيدكن عظيم)[يوسف: 28]، ثم طلب العزيز من يوسف أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتحدث به أمام أحد، ثم طلب من زوجته أن تستغفر من ذنبها وخطيئتها.
      واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا يعرفه أحد، ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف، وطلبها للفاحشة، وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع فتاها، وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها، فغضبت غضبًا شديدًا، وأرادت أن تظهر لهن عذرها، وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها تفعل ذلك، فأرسلت إليهن، وهيأت لهن مقاعد مريحة، وأعطت كل واحدة منهن سكينا، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن.
      فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته، فلما رآه النسوة انبهرن بجماله وحسنه، وقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك، وظن جميع النسوة أن الغلام ما هو إلا ملك، ولا يمكن أن يكون بشرًا. فقالت امرأة العزيز: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)[يوسف: 32].
      واقتنع النساء بما تفعله امرأة العزيز مع يوسف، فلما رأى ذلك منهن قال: (قال رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)[يوسف: 33].
      وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف، فرأى القائمون على الأمر في مصر أن يسجن يوسف إلى حين، فسجنوه، وظل يوسف -عليه السلام- في السجن فترة، ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي، ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به، فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما، (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 36]
      ففسر لهما يوسف رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه.
      وقبل أن يخرج ساقي الملك من السجن طلب من يوسف أن يذكر أمره عند الله، ويخبره أن في السجن بريئًا حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن، ولكن الساقي نسى، فظل يوسف في السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف.
      وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه، فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم ذلك، وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به، فقالوا: (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)[يوسف: 44].
      لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر على معرفة تفسيرها، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك، ففسر يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك.
      ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج.
      ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له يوسف. ففرح الملك فرحًا شديدًا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، فقال الساقي: يوسف. فقال الملك على الفور: ائتوني به.
      فذهب رسول الملك إلى يوسف وقال له: أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة.
      فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله: ما رأينا منه سوءًا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا.
      عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء فقال يوسف: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم)[يوسف: 55]. فوافق الملك على أن يتقلد يوسف هذا المنصب لأمانته وعلمه.
      وتحققت رؤيا الملك، وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك.
      وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، أبناء أبيه يعقوب -عليه السلام-، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه.
      فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون).
      [يوسف: 59-60].
      فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم.
      وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وقالوا: (يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون)[يوسف: 63]، فرفض يعقوب.
      وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير.
      فقال لهم أبوهم: (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل)[يوسف: 66]، ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، فقال لهم: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)[يوسف: 67].
      وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه.
      ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم: (إنكم لسارقون) [يوسف: 70].
      فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير.
      وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك. فقال الحراس: (فما جزاؤه إن كنت كاذبين)[يوسف: 74].
      هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان يوسف -عليه السلام- يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم. فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل.
      وتذكر إخوة يوسف ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، فقالوا: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 78].
      فقال يوسف: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) [يوسف:79].
      وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
      فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، وقال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 83]، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه وقالوا: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين)[يوسف: 85].
      فرد يعقوب -عليه السلام- عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف مازال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا.
      وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.
      ولما وصلوا مصر دخلوا على يوسف، فقالوا له: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين)[يوسف: 88]. ففاجأهم يوسف بهذا السؤال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) [يوسف:89]، فتنبهوا إلى رنين هذا الصوت، وإلا هذه الملامح التي ربما يعرفونها، فقالوا: (أئنك لأنت يوسف)
      [يوسف: 90].
      فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم يوسف عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، فقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين)[يوسف: 93].
      فأخذوا القميص وخرجوا من مصر متوجهين إلى فلسطين وقبل أن تصل العير قال يعقوب لمن حوله: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)[يوسف: 94]، فقالوا له: تالله إنك لفي ضلالك القديم)[يوسف: 95]
      وبعد أيام عادة إخوة يوسف إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره.
      وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء.
      وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف وإكبار لوفائه، وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه، فقال: (يا أبت هذا تأويل رُءياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 100].
      ثم توجه يوسف -عليه السلام- إلى الله -عز وجل- يشكره على نعمه، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين)
      [يوسف: 101].
      وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس. فقال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال: "فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" [متفق عليه].

    10. #10
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      يوسف عليه السلام
      في ليلة من الليالي رأى يوسف -عليه السلام- وهو نائم رؤيا عجيبة، فقد رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فلما استيقظ، ذهب إلى أبيه يعقوب -عليه السلام- في هذه الرؤيا. فعرف أن ابنه سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم، ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد.
      وكان يعقوب يحب يوسف حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه ويداعبه، مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له مؤامرة تبعده عن أبيه.
      فاقترح أحدهم أن يقتلوا يوسف أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله، ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتل يوسف، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة، فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه.
      ولقيت هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذ يوسف وتنفيذ ما اتفقوا عليه، ففكروا قليلا، ثم ذهبوا إلى أبيهم وقالوا له: (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون)[يوسف: 11].
      فأجابهم يعقوب -عليه السلام- أنه لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، وقال لهم: (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون)[يوسف: 13]
      فقالوا: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)[يوسف:14]. وفي الصباح، خرج الأبناء جميعًا ومعهم يوسف -عليه السلام- إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم، وما إن ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها، وشعر يوسف بالخوف، والفزع، لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك.
      وبعد أن نفذ إخوة يوسف مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، واخلعوا يوسف قميصه، وذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص يوسف.
      وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسف معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوا يوسف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم.
      فرأى يعقوب -عليه السلام- القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه، فقال لهم: عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا بيوسف أكله دون أن يقطع ملابسه. ثم قال لهم مبينًا كذبهم: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون)[يوسف: 18].
      أما يوسف فكان لا يزال حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك، مرت عليه قافلة متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به يوسف، فنظر في البئر فوجد غلامًا جميلاً يمسك به، ففرح الرجل ونادى رجال القافلة، فأخرجوا يوسف، وأخذوه معهم إلى مصر ليبيعوه.
      وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضون يوسف للبيع، فذهب إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة.
      ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض فأصبح محاطًا بعطف العزيز ورعايته.
      ومرت السنون، وكبر يوسف، وأصبح شابًا قويًّا، رائع الحسن، وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم، وازداد إعجابها به لحظة بعد أخرى، فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة والتعريض، لكن يوسف -عليه السلام- كان يعرض عنها، ويتغافل عن أفعالها، فأخذت المرأة تفكر كيف تغري يوسف بها.
      وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر، فتعطرت وتزينت، ولبست أحسن الثياب، وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته حجرتها، وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة.
      لكن يسوف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت، ورد عليها ردًّا بليغًا حيث قال: (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) [يوسف: 23].
      ثم أسرع يوسف -عليه السلام- ناحية الباب يريد الخروج من المكان، لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة تفوتها، فجرت خلفه، لتمنعه من الخروج، وأمسكت بقميصه فتمزق.
      وفجأة، حضر زوجها العزيز، وتأزم الموقف، وزاد الحرج، لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها أمام زوجها، فاتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها، وقالت لزوجها: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)[يوسف: 25].
      وأمام هذا الاتهام، كان على يوسف أن يدافع عن نفسه، فقال: (هي راودتني عن نفسي)[يوسف: 26].
      فاحتكم الزوج إلى رجل من أهل المرأة، فقال الرجل من غير تردد انظروا: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)[يوسف: 26-27].
      فالتفت الزوج إلى امرأته، وقال لها: (إنه من كيدكم إن كيدكن عظيم)[يوسف: 28]، ثم طلب العزيز من يوسف أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتحدث به أمام أحد، ثم طلب من زوجته أن تستغفر من ذنبها وخطيئتها.
      واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا يعرفه أحد، ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف، وطلبها للفاحشة، وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع فتاها، وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها، فغضبت غضبًا شديدًا، وأرادت أن تظهر لهن عذرها، وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها تفعل ذلك، فأرسلت إليهن، وهيأت لهن مقاعد مريحة، وأعطت كل واحدة منهن سكينا، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن.
      فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته، فلما رآه النسوة انبهرن بجماله وحسنه، وقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك، وظن جميع النسوة أن الغلام ما هو إلا ملك، ولا يمكن أن يكون بشرًا. فقالت امرأة العزيز: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)[يوسف: 32].
      واقتنع النساء بما تفعله امرأة العزيز مع يوسف، فلما رأى ذلك منهن قال: (قال رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)[يوسف: 33].
      وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف، فرأى القائمون على الأمر في مصر أن يسجن يوسف إلى حين، فسجنوه، وظل يوسف -عليه السلام- في السجن فترة، ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي، ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به، فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما، (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 36]
      ففسر لهما يوسف رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه.
      وقبل أن يخرج ساقي الملك من السجن طلب من يوسف أن يذكر أمره عند الله، ويخبره أن في السجن بريئًا حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن، ولكن الساقي نسى، فظل يوسف في السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف.
      وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه، فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم ذلك، وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به، فقالوا: (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)[يوسف: 44].
      لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر على معرفة تفسيرها، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك، ففسر يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك.
      ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج.
      ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له يوسف. ففرح الملك فرحًا شديدًا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، فقال الساقي: يوسف. فقال الملك على الفور: ائتوني به.
      فذهب رسول الملك إلى يوسف وقال له: أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة.
      فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله: ما رأينا منه سوءًا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا.
      عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء فقال يوسف: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم)[يوسف: 55]. فوافق الملك على أن يتقلد يوسف هذا المنصب لأمانته وعلمه.
      وتحققت رؤيا الملك، وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك.
      وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، أبناء أبيه يعقوب -عليه السلام-، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه.
      فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون).
      [يوسف: 59-60].
      فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم.
      وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وقالوا: (يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون)[يوسف: 63]، فرفض يعقوب.
      وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير.
      فقال لهم أبوهم: (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل)[يوسف: 66]، ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، فقال لهم: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)[يوسف: 67].
      وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه.
      ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم: (إنكم لسارقون) [يوسف: 70].
      فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير.
      وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك. فقال الحراس: (فما جزاؤه إن كنت كاذبين)[يوسف: 74].
      هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان يوسف -عليه السلام- يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم. فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل.
      وتذكر إخوة يوسف ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، فقالوا: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 78].
      فقال يوسف: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) [يوسف:79].
      وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
      فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، وقال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 83]، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه وقالوا: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين)[يوسف: 85].
      فرد يعقوب -عليه السلام- عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف مازال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا.
      وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.
      ولما وصلوا مصر دخلوا على يوسف، فقالوا له: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين)[يوسف: 88]. ففاجأهم يوسف بهذا السؤال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) [يوسف:89]، فتنبهوا إلى رنين هذا الصوت، وإلا هذه الملامح التي ربما يعرفونها، فقالوا: (أئنك لأنت يوسف)
      [يوسف: 90].
      فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم يوسف عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، فقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين)[يوسف: 93].
      فأخذوا القميص وخرجوا من مصر متوجهين إلى فلسطين وقبل أن تصل العير قال يعقوب لمن حوله: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)[يوسف: 94]، فقالوا له: تالله إنك لفي ضلالك القديم)[يوسف: 95]
      وبعد أيام عادة إخوة يوسف إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره.
      وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء.
      وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف وإكبار لوفائه، وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه، فقال: (يا أبت هذا تأويل رُءياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 100].
      ثم توجه يوسف -عليه السلام- إلى الله -عز وجل- يشكره على نعمه، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين)
      [يوسف: 101].
      وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس. فقال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال: "فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" [متفق عليه].

    11. #11
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      أيوب عليه السلام
      كان أيوب -عليه السلام- نبيا كريمًا يرجع نسبه إلى إبراهيم الخليل -عليه السلام-، قال تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون)[الأنعام: 84].
      وكان أيوب كثير المال والأنعام والعبيد، وكان له زوجة طيبة وذرية صالحة؛ فأراد الله أن يختبره ويمتحنه، ففقد ماله، ومات أولاده، وضاع ما عنده من خيرات ونعم، وأصابه المرض، فصبر أيوب على ذلك كله، وظل يذكر الله
      -عز وجل- ويشكره.
      ومرت الأيام، وكلما مر يوم اشتد البلاء على أيوب، إلا أنه كان يلقى البلاء الشديد بصبر أشد، ولما زاد عليه البلاء، انقطع عنه الأهل، وابتعد عنه الأصدقاء، فصبر ولم يسخط أو يعترض على قضاء الله.
      وظل أيوب في مرضه مدة طويلة لا يشتكي، ولا يعترض على أمر الله، وظل صابرًا محتسبًا يحمد الله ويشكره، فأصبح نموذجا فريدًا في الصبر والتحمل.
      وبعد طول صبر، توجه أيوب إلى ربه؛ ليكشف عنه ما به من الضر والسقم: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)[الأنبياء: 83]، فأوحى الله إلى أيوب أن يضرب الأرض بقدمه، فامتثل أيوب لأمر ربه، فانفجرت عين ماء باردة فاغتسل منها؛ فشفي بإذن الله، فلم يبق فيه جرح إلا وقد برئ منه، ثم شرب شربة فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، وعاد سليمًا، ورجع كما كان شابًا جميلاً، قال تعالى: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر)[الأنبياء: 84].
      ونظرت زوجة أيوب إليه، فوجدته في أحسن صورة، وقد أذهب الله عنه ما كان به من ألم وأذى وسقم ومرض، وأصبح صحيحًا معافى، وأغناه الله، ورد عليه ماله وولده، قال تعالى: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا)[الأنبياء: 84].
      وقد جعل الله -عز وجل- أيوب -عليه السلام- أسوة وقدوة لكل مؤمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه. قال النبي ص: "بينما أيوب يغتسل عريانًا خرَّ عليه رِجْل جراد (جماعة من الجراد) من ذهب، فجعل يحثي (يأخذ بيديه) في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك" [البخاري].

    12. #12
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      ذو الكفل عليه السلام
      أحد أنبياء الله، ورد ذكره في القرآن الكريم مرتين، فقد مدحه الله -عز وجل- وأثنى عليه لصبره وصلاحه، وصدقه، وأمانته وتحمله لكثير من المصاعب والآلام في سبيل تبليغ دعوته إلى قومه، ولم يقصَّ الله -عز وجل- لنا قصته، ولم يحدد زمن دعوته، أو القوم الذين أرسل إليهم.
      قال تعالى: (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين. وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين)[الأنبياء: 85-86].
      وقال تعالى: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار)
      [ص: 48].
      وقد روي أن نبيًّا من الأنبياء قال لمن معه: أيكم يكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب، ويكون معي في درجتي ويكون بعدي في مقامي؟ قال شاب من القوم: أنا. ثم أعاد فقال الشاب: أنا، ثم أعاد فقال الشاب: أنا، ثم أعاد فقال الشاب: أنا، فلما مات قام بعده في مقامه فأتاه إبليس بعدما قال ليغضبه يستعديه فقال الرجل: اذهب معه.
      فجاء فأخبره أنه لم ير شيئًا، ثم أتاه فأرسل معه آخر فجاءه فأخبره أنه لم ير شيئًا، ثم أتاه فقام معه فأخذ بيده فانفلت منه فسمي (ذا الكفل) لأنه كفل أن لا يغضب.[ابن جرير وابن المنذر وأبي تمام].

    13. #13
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      يونس عليه السلام
      في أرض الموصل بالعراق، كانت هناك بلدة تسمى "نينوي"، انحرف أهلها عن منهج الله، وعن طريقه المستقيم، وصاروا يعبدون الأصنام، ويجعلونها ندًّا لله وشريكًا له، فأراد الله أن يهديهم إلى عبادته، والى طريقه الحق، فأرسل إليهم يونس -عليه السلام-، ليدعوهم إلى الإيمان، وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، لكنهم رفضوا الإيمان بالله، وتمسكوا بعبادة الأصنام، واستعمروا على كفرهم وضلالهم دون أن يؤمن منهم أحد، بل إنهم كذَّبوا يونس وتمردوا عليه، واستهزءوا به، وسخروا منه.
      فغضب يونس من قومه، ويئس من استجابتهم له، فأوحى الله إليه أن يخبر قومه بأن الله سوف يعذبهم بسبب كفرهم.
      فامتثل يونس لأمر ربه، وبلغ قومه، ووعدهم بنزول العذاب والعقاب من الله تعالى، ثم خرج من بينهم، وعلم القوم أن يونس قد ترك القرية، فتحققوا حينئذ من أن العذاب سيأتيهم لا محالة، وأن يونس نبي لا يكذب، فسارعوا، وتابوا إلى الله سبحانه، ورجعوا إليه وندموا على ما فعلوه مع نبيهم، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات خوفًا من العذاب الذي سيقع عليهم، فلما رأى الله -سبحانه- صدق توبتهم ورجوعهم إليه، كشف عنهم العذاب، وأبعد عنهم العقاب بحوله وقوته ورحمته.
      قال تعالى: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) [يونس: 98].
      وبعد خروج يونس من قريته، ذهب إلى شاطئ البحر، وركب سفينة، وفي وسط البحر هاجت الأمواج واشتدت الرياح، فمالت السفينة وكادت تغرق.
      وكانت السفينة محملة بالبضائع الثقيلة، فألقى الناس بعضًا منها في البحر، لتخفيف الحمولة، ورغم ذلك لم تهدأ السفينة، بل ظلت مضطربة تتمايل بهم يمينًا ويسارًا فتشاوروا فيما بينهم على تخفيف الحمولة البشرية، فاتفقوا على عمل قرعة والذي تقع عليه؛ يرمي نفسه في البحر.
      فوقعت القرعة على نبي الله يونس، لكن القوم رفضوا أن يرمي يونس نفسه في البحر، وأعيدت القرعة مرة أخرى، فوقعت على يونس، فأعادوا مرة ثالثة فوقعت القرعة عليه أيضًا، فقام يونس-عليه السلام-وألقى بنفسه في البحر، وكان في انتظاره حوت كبير أرسله الله له، وأوحى إليه أن يبتلع يونس دون أن يخدش له لحمًا، أو يكسر له عظمًا؛ ففعل، قال تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون. فساهم فكان من المدحضين. فالتقمه الحوت وهو مليم) [الصافات: 139-142].
      وظل يونس في بطن الحوت بعض الوقت، يسبح الله -عز وجل-، ويدعوه أن ينجيه من هذا الكرب، قال تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضبًا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)[الأنبياء: 87-88].
      وأمر الله الحوت أن يقذفه على الساحل، ثم أنبت عليه شجرة ذات أوراق عريضة تظلله وتستره وتقيه حرارة الشمس، قال تعالى: (فنبذناه بالعراء وهو سقيم. وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)[الصافات: 145-146].
      وأمر الله يونس أن يذهب إلى قومه؛ ليخبرهم بأن الله تاب عليهم، ورضى عنهم، فامتثل يونس لأمر ربه، وذهب إلى قومه، وأخبرهم بما أوحى إليه، فآمنوا به فبارك الله لهم في أموالهم وأولادهم. قال تعالى: (أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين)[الصافات: 147-148].
      وقد أثنى الله -عز وجل- على يونس في القرآن الكريم، قال تعالى: (وإسماعيل والسع ويونس ولوطًا وكلا فضلنا على العالمين)[الأنعام: 86].
      كما أثنى النبي ص على يونس-عليه السلام-فقال: "لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى"[متفق عليه].
      وقد أخبر النبي ص أن الذي تصيبه مصيبة أو شر ثم يدعو بدعاء يونس-عليه السلام-، يفرِّج الله عنه، فقال ص: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له" [الترمذي].

    14. #14
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      شعيب عليه السلام
      على أرض مدين، وهي منطقة بالأردن الآن، كان يعيش قوم كفار يقطعون الطريق، ويسلبون أموال الناس الذين يمرون عليهم، ويعبدون شجرة كثيفة تسمى الأيكة.
      وكانوا يسيئون معاملة الناس، ويغشُّون في البيع والشراء والمكيال والميزان، ويأخذون ما يزيد عن حقهم.
      فأرسل الله إليهم رجلاً منهم هو رسول الله شعيب-عليه السلام-، فدعاهم إلى عبادة الله وعدم الشرك به، ونهاهم عن إتيان الأفعال الخبيثة، من نقص الناس أشياءهم، وسلب أموال القوافل التي تمر بديارهم.
      فقال لهم: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)[الأعراف: 85].
      وظل شعيب يدعو قومه ويبين لهم الحق، فآمن به عدد قليل من قومه وكفر أكثرهم، لكن شعيبا لم ييأس من عدم استجابتهم، بل أخذ يدعوهم، ويذكر لهم نعم الله التي لا تحصى، وينهاهم عن الغش في البيع والشراء.
      لكن قومه لم يتقبلوا كلامه، ولم يؤمنوا به، بل قالوا له على سبيل الاستهزاء والتهكم: (يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد)[هود: 87].
      فرد عليهم شعيب بعبارة لطيفة، يدعوهم فيها إلى الحق (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقًا حسنًا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)[هود: 88].
      وهكذا كان نبي الله شعيب قوي الحجة في دعوته إلى قومه، وقد سماه المفسرون خطيب الأنبياء لبراعته، ثم قال لهم ليخوفهم من عذاب الله: (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد)[هود: 89].
      فأخذوا يهددونه ويتوعدونه بالقتل لولا أهله وعشيرته، وقالوا له: (يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)[هود: 91].
      فقال لهم: (يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا إن ربي بما تعملون محيط)[هود: 92].
      ثم أخذ يهددهم ويخوفهم من عذاب الله إن استمروا على طريق الضلال والعصيان، وعند ذلك خيره قومه بين أمرين: إما العودة إلى دين الآباء والأجداد، أو الخروج من البلاد مع الذي آمنوا معه، ولكن شعيبًا والذين آمنوا معه يثبتون على إيمانهم، ويفوضون أمرهم لله.
      فما كان من قومه ألا أن اتهموه بالسحر والكذب، وسخروا من توعده إياهم العذاب، ويستعجلون هذا العذاب إن كان حقًّا. فدعا شعيب ربه قائلاً: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين[الأعراف: 89]، (أي احكم بيننا وبين قومنا بالعدل وأنت خير الحاكمين).
      فطلب الله سبحانه من شعيب أن يخرج هو ومن آمن معه؛ لأن العذاب سينزل بهؤلاء المكذبين، ثم سلط الله على الكفار حرًّا شديدًا جفت منه الزروع والضروع والآبار، فخرج الناس يلتمسون النجاة، فإذا بسحابة سوداء، فظنوا أن فيها المطر والرحمة، فتجمعوا تحتها حتى أظلتهم، لكنها أنزلت عليهم حممًا حارقة، ونيرانا ملتهبة أحرقتهم جميعًا، واهتزت الأرض، وأخذتهم صيحة أزهقت أرواحهم، وحولتهم إلى جثث هامدة لا حراك فيها ولا حياة.
      ونجي الله شعيبًا والذين آمنوا معه من العذاب الأليم، قال تعالى: (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود)[هود: 94-95].

    15. #15
      • ريشـہ مـبـدع
      تاريخ التسجيل
      Jul 2014
      المشاركات
      736
      معدل تقييم المستوى
      42

      افتراضي رد: قصص الانبياء

      موسى وهارون عليهما السلام
      في الزمن الماضي كان يعيش في مصر ملك جبار طاغية، يعرف بفرعون، استعبد قومه وطغى عليهم، وقسم رعيته إلى عدة أقسام، استضعف طائفة منهم، وأخذ في ظلمهم واستخدامهم في أخس الأعمال شرفًا ومكانة، وهؤلاء هم بنو إسرائيل الذين يرجع نسبهم إلى نبي الله يعقوب-عليه السلام- وقد دخلوا مصر عندما كان سيدنا يوسف -عليه السلام- وزيراً عليها.
      وحدث أن فرعون كان نائمًا، فرأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس، فأحرقت مصر جميعها إلا بيوت بني إسرائيل، فلما استيقظ، خاف وفزع من هذه الرؤيا، فجمع الكهنة والسحرة وسألهم عن تلك الرؤية فأخبروه بأن غلامًا سيولد في بني إسرائيل، يكون سببا لهلاك أهل مصر، ففزع فرعون من هذه الرؤيا العجيبة، وأمر بقتل كل مولود ذكر يولد في بني إسرائيل، خوفا من أن يولد هذا الغلام.
      ومرت السنوات، ورأى أهل مصر أن بني إسرائيل قل عددهم بسبب قتل الذكور الصغار، فخافوا أن يموت الكبار مع قتل الصغار، فلا يجدون من يعمل في أراضيهم، فذهبوا إلى فرعون وأخبروه بذلك، ففكر فرعون، ثم أمر بقتل الذكور عامًا، وتركهم عامًا آخر.
      فولد هارون في العام الذي لا يُقتل فيه الأطفال. أما موسى فقد ولد في عام القتل، فخافت أمه عليه، واحتار تفكيرها في المكان الذي تضعه فيه بعيدًا عن أعين جنود فرعون الذين يتربصون بكل مولود من بني إسرائيل لقتله، فأوحى الله إليها أن ترضعه وتضعه في صندوق، ثم ترمي هذا الصندوق في النيل إذا جاء الجنود، قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)[القصص: 7].
      فجهزت صندوقًا صغيرًا، وأرضعت ابنها، ثم وضعته في الصندوق، وألقته في النيل عندما جاء جنود فرعون، وأمرت أخته بمتابعته، والسير بجواره على البر لتراقبه، وتتعرف على المكان الذي استقر فيه الصندوق.
      وظل الصندوق طافيًا على وجه النهر وهو يتمايل يمينًا ويساراً، تتناقله الأمواج من جهة إلى أخرى، ثم استقرت به تلك الأمواج ناحية قصر فرعون الموجود على النيل، ولما رأت أخته ذلك أسرعت إلى أمها لتخبرها بما حدث. وكانت السيدة آسية زوجة فرعون تمشي في حديقة القصر كعادتها، ويسير من خلفها جواريها، فرأت الصندوق على شاطئ النهر من ناحية القصر، فأمرت جواريها أن يأتين به، ثم فتحنه أمامها، ونظرت آسية في الصندوق، فوقع نظرها على طفل صغير، فألقى الله في قلبها محبة هذا الطفل الصغير.
      وكانت آسية عقيمًا لا تلد، فأخذته وضمته إلى صدرها ثم قبلته، وعزمت على حمايته من القتل والذبح، وذهبت به إلى زوجها، وقالت له في حنان ورحمة: (قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون)[القصص: 9].فلما رأى فرعون تمسك زوجته بهذا الطفل، وافق على طلبها ولم يأمر بقتله، واتخذه ولدًا.
      ومرت ساعات قليلة وزوجة فرعون تحمل الطفل فرحة مسرورة به، تضمه إلى صدرها وتقبله، وفجأة بكى موسى بشدة، فأدركت السيدة آسية أنه قد حان وقت رضاعته فأمرت بإحضار مرضعة لترضعه، وتهتم بأمره، فجاء إلى القصر عدد كثير من المرضعات، لكن الطفل امتنع عن أن يرضع منهن، مما جعل أهل القصر ينشغلون بهذا الأمر، واشتهر هذا الأمر بين الناس، فعرفت أخته بذلك، فذهبت إلى القصر، وقابلت السيدة آسية زوجة فرعون، وأخبرتها أنها تعلم مرضعة تصلح لهذا الطفل. ففرحت امرأة فرعون، وطلبت منها أن تسرع، وتأتي بتلك المرضعة، فذهبت إلى أمها فوجدتها حزينة على ابنها حزنًا كبيرًا، فأخبرتها بما حدث بينها وبين زوجة فرعون، فهدأت نفس أم موسى وارتاح بالها.
      ذهبت أم موسى مع ابنتها إلى قصر فرعون، ولما دخلته أتوها بالرضيع، وبمجرد أن قدمت له ثديها أقبل عليه الطفل وشرب وارتوى، وأخذت الأم ابنها إلى بيته الذي ولد فيه، فعاش موسى فترة رضاعته مع أبيه وأمه وإخوته، ولما عاد إلى قصر فرعون اهتموا بتربيته تربية حسنة، فنشأ وتربى كأبناء الملوك والأمراء قويًّا جريئًا متعلماً.
      كبر موسى، وصار رجلاً قويًّا شجاعًا، وذات يوم، كان يسير في المدينة فرأى رجلين يتشاجران، أحدهما من قومه بني إسرائيل، والآخر قبطي من أهل مصر، فاستغاث الإسرائيلي بموسى، فأقبل موسى، وأراد منع المصري من الاعتداء، فدفعه بيده فسقط على الأرض ميتًا، فوجد موسى نفسه في موقف عصيب، لأنه لم يقصد قتل هذا الرجل، بل كان يريد الدفاع عن مظلوم فقط، وحزن موسى، وتاب إلى الله ورجع إليه، وأخذ يدعوه سبحانه أن يغفر له هذا الذنب.
      ولكن سرعان ما انتشر الأمر في المدينة، وأخذ الناس يبحثون عن القاتل، ليعاقبوه، فلم يعثروا عليه، ومرت الأيام، وبينما موسى كعادته يسير في المدينة؛ فوجد الرجل الإسرائيلي نفسه يتشاجر مع مصري آخر، واستغاث مرة ثانية بموسى فغضب موسى من هذا الأمر، ثم تقدم ليفض هذا النزاع، فظن الإسرائيلي أن موسى سيقبل عليه؛ ليضربه لأنه غضبان منه، فقال له: (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس)[القصص: 19].
      وعلم المصريون أن موسى هو القاتل، فأخذوا يفكرون في الانتقام منه، وجاء إليه من ينصحه بأن يبتعد عن المدينة. فخرج موسى من المدينة وهو خائف، يتلفت يمينًا ويساراً يترقب أهلها، ويدعو الله أن ينجيه من القوم الظالمين.
      خرج موسى وليس في ذهنه مكان معين يتوجه إليه، ثم هداه تفكيره إلى أن يذهب إلى أرض مدين، فتوكل على الله، وواصل السير إليها.
      فلما وصل إلى مدين، توجه ناحية شجرة بجوار بئر، وجلس تحتها فوجد فتاتين، ومعهما أغنامهما تقفان بعيدًا عن الازدحام حتى ينتهي الناس، فتقدم موسى منهما، وسألهما عن سبب وقوفهما بعيدًا، فأخبرتاه أنهما لا يسقيان حتى ينتهي الناس من سقي أغنامهم، ويخف الزحام، وقد خرجا يسقيان لأن أباهما شيخ كبير لا يستطيع أن يتحمل مشقة هذا العمل، فتقدم موسى وسقى لهما أغنامهما، ثم عاد مرة أخرى إلى ظل الشجرة ليأخذ المزيد من الراحة بعد عناء السفر. وأخذ يدعو ربه قائلاً: (رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير)
      [القصص: 24].
      ولما عادت الفتاتان إلى أبيهما، قصتا عليه ما حدث، فأعجب الأب بهذا الرجل الغريب وشهامته ومروءته، وأمر إحدى ابنتيه أن تخرج إليه، وتدعوه للحضور حتى يكافئه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين لتخبره بدعوة الأب، فلبى موسى الدعوة، وذهب إلى إحدى الفتاتين لتخبره بدعوة الأب، فلبى موسى الدعوة، وذهب إلى هذا الرجل الصالح، فسأله الرجل عن اسمه وقصته، فقص عليه موسى ما حدث، فطمأنه الشيخ، وطلبت إحدى الفتاتين من أبيها أن يستأجر موسى ليعينهما فهو رجل قوي أمين.
      وقد عرض الشيخ على موسى-عليه السلام-أن يزوجه إحدى ابنتيه في مقابل أن يعمل عنده أجيرا لمدة ثماني سنوات، أو عشرًا إذا شاء.
      فوافق موسى على هذا الأمر، وتزوج إحدى البنتين، واستمر يرعى الغنم عند ذلك الشيخ عشر سنين، ثم أراد موسى الرحيل والعودة بأهله إلى مصر، فوافق الشيخ الصالح على ذلك، وأكرمه وزوده بما يعينه في طريق عودته إلى مصر.
      سار موسى بأهله تجاه مصر، حتى حل عليهم الظلام، فجلسوا يستريحون من أثر هذا السفر، حتى يكملوا المسير بعد ذلك في الصباح، وكان الجو شديد البرودة، فأخذ موسى يبحث عن شيء يستدفئون عليه، فرأى ناراً من بعيد، فطلب من أهله الانتظار؛ حتى يذهب إلى مكان النار، ويأتي منها بشيء يستدفئون به.
      توجه موسى وفي يده عصاه ناحية النار التي شاهدها، ولما وصل إليها نداء يقول: (يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. فلا يصدنك نها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى)[طه: 11-16]. ثم سأله الله-عز وجل-عما يحمله في يمينه. فقال موسى: (هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)[طه: 18].
      فأمره الله-عز وجل-أن يلقي هذه العصا، فألقاها فانقلبت العصا وتحولت إلى ثعبان كبير يتحرك ويسير بسرعة، فولى موسى من الخوف هاربًا، فأمره الله
      -عز وجل-أن يعود ولا يخاف، وسوف تعود عصا كما كانت أول مرة، فمد موسى يده إلى تلك الحية ليأخذها، فإذا بها عصا كما كانت.
      وكان موسى أسمر اللون، فأمره الله-عز وجل-أن يدخل يده في ثيابه ثم يخرجها، فخرجت بيضاء ناصعة البياض، فكانت هاتان معجزتين من الله لنبيه موسى، لتثبيته في رسالته المقبلة إلى فرعون وملئه، ثم أمره الله-عز وجل-بالذهاب إلى فرعون لهدايته وتبليغه الدعوة، فاستجاب موسى لأمر ربه، ولكنه قبل أن يذهب أخذ يدعو ربه بأن يوفقه لما هو ذاهب إليه، ويسأله العون والمدد، فقال: (رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيرًا من أهلي. هرون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرًا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا)[طه: 25-35].
      فاستجاب الله-عز وجل-دعاءه، فتذكر موسى أنه قتل رجلاً من المصريين، فخاف أن يقتلوه، فطمأنه الله-سبحانه-بأنهم لن يصيبوه بأذى، فاطمأن موسى.
      وعاد موسى إلى مصر، وأخبر أخاه هارون بما حدث بينه وبين الله-عز وجل-، ليشاركه في توصيل الرسالة إلى فرعون وقومه، ويساعده في إخراج بني إسرائيل من مصر، ففرح هارون بذلك، وأخذ يدعو مع موسى ويشاركه في نشر الدعوة.
      وكان فرعون شديد البطش والظلم ببني إسرائيل فتوجه هارون وموسى
      -عليهما الصلاة والسلام-إلى ربهما يدعوانه بأن ينقذهما من طغيان فرعون. فقال لهما الله تعالى مطمئنًا ومثبتًا: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى. فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى. إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى)
      [طه: 46-48].
      فلما ذهب موسى مع أخيه هارون إلى فرعون قاما بدعوته إلى الله، وإخراج بني إسرائيل معهم، لكن فرعون راح يستهزئ بهما، ويسخر منهما، ومما جاءا به، وذكر موسى بأنه هو الذي رباه في قصره وظل يرعاه حتى قتل المصري وفرَّ هاربًا، فأخبره موسى أن الله قد هداه وجعله نبيًّا، لكي يدعوه إلى عبادة الله وطاعته، ولكن فرعون لم يستجب له، فعرض عليه موسى أن يأتي له بدليل يبين له صدق رسالته. فطلب فرعون منه الدليل إن كان صادقًا، فألقى موسى عصاه فتحولت إلى حية كبيرة، فخاف الناس وفزعوا من هذا الثعبان، فمد موسى يده إليها وأخذها فعادت عصا كما كانت. ثم أدخل يده في جيب قميصه ثم أخرجها فإذا هي بيضاء ناصعة البياض.
      ولكن فرعون يعلن في قومه أن موسى ساحر، فأشار عليه القوم أن يجمع السحرة من كل مكان لمواجهة موسى وسحره، على أن يكون هذا الاجتماع يوم الزينة، وكان هذا اليوم يوم عيد فرعون وقومه، حيث يجتمع الناس جميعًا، في مكان فسيح أمام قصر فرعون للاحتفال.
      وسارع فرعون في إعلان الموعد لجميع الناس، ليشهدوا هذا اليوم، وكتب إلى كل السحرة ليعدوا العدة لذلك اليوم.. وجاء اليوم المنتظر، وتسابق الناس إلى ساحة المناظرة، ليروا من المنتصر؛ موسى أم السحرة؟
      وقبل أن يخرج فرعون إلى موسى اجتمع مع السحرة، وأخذ يرغبهم ويعدهم ويمنيهم بآمال عظيمة إذ ما انتصروا على موسى وأخيه وتفوقوا عليهما، وكان السحرة يطمعون فيما عند فرعون من أجر ومكانة.
      وبعد لحظات خرج فرعون ومن خلفه السحرة إلى ساحة المناظرة، ثم جلس في المكان الذي أُعد له هو وحاشيته، ووقف السحرة أمام موسى وهارون
      -عليهما الصلاة والسلام-.
      بعد ذلك رفع فرعون يده إيذانا ببدء المناظرة. وعرض السحرة على موسى أحد أمرين؛ إما أن يلقي عصاه أولاً أو يلقوا عصيهم أولاً. فترك لهم موسى البداية.
      فألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فسحروا أعين الناس، وتحولت جميع الحبال والعصيان إلى حيات تسعى وتتحرك أمام أعين الحاضرين، فخاف الناس من هول ما يرونه أمامهم، حتى موسى وهارون-عليهما السلام-أصابهما الخوف، فأوحى الله لموسى ألا يخف ويلقي عصاه، فاطمأن موسى وأخوه لأمر الله، ثم ألقى عصاه فتحولت إلى حية عظيمة تبتلع حبال السحرة وعصيهم. فلما رأى السحرة ذلك علموا أنها معجزة من معجزات الله وليست سحرًا، فشرح الله صدورهم للإيمان بالله وتصديق ما جاء به موسى فسجدوا لله الواحد الأحد، معلنين إيمانهم برب موسى وهارون.
      وهنا اشتد غيظ فرعون وأخذ يهدد السحرة، ويقول لهم: (آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى)[طه: 71].
      لكن السحرة لم يخافوا ولم يفزعوا من كلامه وتهديداته، بعد أن أدخل الله في قلوبهم نور الحق والإيمان، فقالوا: (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى. إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى. جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى)[طه: 72-76].
      فغضب فرعون غضبا شديدا، وأخذ المضللون من قومه يحرضونه على موسى وبني إسرائيل، فأصدر فرعون أوامره لجنوده أن يقتلوا أبناء الذين آمنوا من بني إسرائيل، ويتركوا النساء، واستطاع فرعون بهذه التهديدات أن يرهب الضعاف والذين في قلوبهم مرض من قوم موسى، فلم يؤمنوا به خوفًا من فرعون وبطشه، وحتى أولئك الذين آمنوا لم يسلموا تمامًا من الخوف والرهبة من فرعون.
      فلما رأى موسى ما أصاب قومه من خوف وهلع، توجه إلى الله بدعاء أن ينجيه والمؤمنين من كيد فرعون.
      وأخذ فرعون يفكر في حيلة للخلاص من موسى، وذات يوم جمع أعوانه وعشيرته وأعلن لهم ما توصل إليه، وهو أن يقتل موسى.
      وبعد أن انتهى من كلامه إذا برجل من قومه وعشيرته قد آمن بموسى سرًّا يقول له: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)[غافر: 28]، ثم أخذ يدعو المصريين للإيمان بالله ويحذرهم من العذاب. فأعرض فرعون عنه ولم يستمع إلى نصيحته.
      ومرت الأيام، وأخذ فرعون وأعوانه في تعذيب بني إسرائيل وتسخيرهم في العمل، ولم يسمع لما طلبه منه موسى في أن يتركه وقومه يخرجون من مصر إلى الشام فسلط الله عليهم أعوام جدب وفقر حيث قل ماء النيل، ونقصت الثمار، وجاع الناس، وعجزوا أمام بلاء الله-عز وجل-، وأنزل الله بهم أنواعًا أخرى من العذاب إضافة إلى ما هم فيه كالطوفان الذي أغرق زروعهم وديارهم، والجراد الذي أكل ما بقي من زروعهم وأشجارهم وسلط عليهم السوس، فأكل ما اختزنوه في صوامعهم من الحبوب والدقيق، وأرسل إليهم الضفادع، فأقلقت راحتهم، وحوَّل مياههم التي تأتي من النيل والآبار والعيون دمًا.
      كل هذه البلايا أصابت فرعون وقومه، أما موسى ومن آمن معه فلم يحدث لهم أي شيء، فكان هذا دليلاً وبرهانًا على صدق ما جاء به موسى وأخيه هارون.
      ومرت الأيام، واستمرت تلك البلايا، بل إنها كانت تزداد يومًا بعد يوم، فذهب المصريون إلى فرعون يشيرون عليه أن يطلق سراح بني إسرائيل مقابل أن يدعو موسى ربه أن يكشف ذلك الضر عنهم، ويشفع لهم عند ربه هذا العذاب والضيق.
      فدعا موسى ربه، حتى استجاب له، وكشف ما أصاب فرعون وقومه من عذاب وبلاء.
      وزاد فرعون في عناده وكفره بالله، ولما رأى موسى إصرار فرعون على كفره وجحوده، وتماديه في غيِّه وتكذيبه بكل الآيات التي جاء بها، رفع يديه إلى السماء متوجهًا إلى الله متضرعًا ومتوسلاً إليه سبحانه أن يخلص بني إسرائيل من يدي فرعون وجنوده، وأن يعذب الكفرة بالعذاب المهين.
      واستجاب الله-سبحانه وتعالى-دعاء نبيه ورسوله موسى، وجاء الأمر الإلهي إلى موسى أن يخرج مع بني إسرائيل من مصر ليلاً، ولا يخاف من العاقبة، وأخبره أن فرعون سيتبعه، ولكن الله منجيه هو ومن آمن معه وسيغرق فرعون وجنوده.
      فأخبر موسى بني إسرائيل بالخبر، وطلب منهم أن يتجهزوا للخروج معه إذا جنَّ الليل، فأسرع قوم موسى يتجهزون للرحيل من مصر، فهي الساعة التي طال انتظارهم بها.
      وسار موسى وقومه في اتجاه البحر، وبعد ساعات طويلة كان موسى ومن معه قد قطعوا شوطًا طويلاً على أقدامهم، ووصل خبر خروج بني إسرائيل من مصر إلى فرعون فهاج هياجًا شديدًا، وأصدر أوامره أن يجتمع إليه في الحال جميع جنوده.
      وفي لحظات اجتمع إلى فرعون عدد كبير من الجنود والفرسان، فأخذهم وخرج بهم يترقب أثر موسى وقومه حتى أدركهم عند شروق الشمس، وهنا تملك بني إسرائيل الرعب والفزع من هول الموقف الذي هم فيه، فالبحر أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم، فراحوا يتخيلون ما سيوقعه فرعون بهم من ألوان العذاب والنكال، وظنوا أن فرعون سيدركهم لا محالة.
      فأخذ موسى يطمئنهم ويذكرهم بأن الله سينصرهم وينجيهم، فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر، ففعل، فانشقَّ طريق يابس، فاندفع بنو إسرائيل فيه قبل أن يصل فرعون وجنوده إليهم، ولما وصل فرعون ومن معه إلى الشاطئ، كان بنو إسرائيل قد خرجوا إلى الشاطئ الآخر، ولما رأى فرعون أن الطريق الذي سلكه بنو إسرائيل مازال موجودًا، اندفع هو الآخر بجنوده للحاق بهم، ولما وصل فرعون وجنوده إلى منتصف البحر، تحول الطريق إلى ماء، وغرقوا جميعاً. ولما أدرك فرعون أنه سيغرق أراد أن ينجو بحيلة فقال: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)[يونس: 90].
      لكن هيهات لقد نفذ أمر الله، وغرق فرعون وعاين الموت، وأيقن أنه لا نجاة له منه، وفي هذا الوقت لا تنفع التوبة، ولا ينفع الندم، لقد بلغت الروح الحلقوم، وجاء إيمان فرعون متأخراً فقد حضر الموت، وفات أوان التوبة.
      وبعد أن لفظ فرعون أنفاسه الأخيرة، حملت الأمواج جثته، وألقتها على شاطئ البحر ليراها المصريون، ويدركوا جميعًا أن الرجل الذي عبدوه وأطاعوه من دون الله، لم يستطع دفع الموت عن نفسه، وأصبح عبرة لكل متكبر جبار.
      وبعد أن عبر بنو إسرائيل البحر، ساروا متوجهين إلى الأرض المقدسة، وفي الطريق رأوا قومًا يعبدون أصنامًا، فطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا مثل هؤلاء الكفار، فصبر موسى عليهم وبين لهم جهلهم، وبين لهم نعم الله عليهم التي لا تحصى، وأن الله فضلهم على خلقه، وأنه نجاهم من فرعون وجنوده، وهو وحده المستحق للعبادة والطاعة.
      وواصل موسى ومن معه المسير، وحرارة الشمس تلفح وجوههم، فذهب بنو إسرائيل إلى موسى يشكون له ذلك، فسخر الله لهم الغمام يقف معهم إذا وقفوا، ويسير معهم إذا ساروا، ليظلهم ويقيهم ليهيب الشمس الحارقة. ولما عطشوا أوحى الله إلى موسى أن يضرب بعصاه التي يحملها معه الحجر، فرفع موسى عصاه وهوى بها على حجر في الجبل وإذا بمعجزة جديدة من معجزات موسى تحدث أمام عيون بني إسرائيل، حيث تتفجر بمجرد وقوع العصا على الحجر اثنتا عشرة عينًا، بعدد قبائل بني إسرائيل الذين كانوا معه، مما جعل موسى يخصص لكل قبيلة عينًا تشرب منها.
      ولما جاعوا أدركتهم نعمة الله، حيث ساق لهم المن، وهو نوع من الحلوى، والسلوى وهو نوع من الطير يشبه السمان، فأخذوا يأكلون منه، ولكنهم سرعان ما سئموا هذا الطعام وملُّوا منه، فذهبوا إلى موسى يشكون له ذلك فقالوا: يا موسى (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها)[البقرة: 61].
      فتعجب موسى، ثم أخبرهم بأن ذلك يكون في الأرض، فليذهبوا إلى مكان يزرعون فيه ويعملون حتى يتحقق لهم ما يطلبون.
      وعاش بنو إسرائيل في أمان واطمئنان، وأصبحوا في حاجة إلى قانون يحتكمون إليه، وشريعة تنظم حياتهم، فأوحى الله إلى موسى أن يخرج بمفرده إلى مكان معين، ليعطيه الشريعة التي يتحاكم إليها بنو إسرائيل وتنظم حياتهم، فاستخلف موسى أخاه هارون على قومه، ووعظه وذكره بالله، وحذره من المضلين الذين يحاولون أن يفسدوا غيرهم.
      ثم ذهب الجبل الذي تلقى فيه بربه عندما كان عائدًا من مدين إلى مصر، وعنده أنزلت عليه التوراة، ولما رأى موسى إكرام ربه له، وتفضله الزائد عليه، طلب من الله أن يمكنه من رؤيته سبحانه، ظنًا منه أن رؤية الله ممكنة في الدنيا، فرد الله على موسى مبينًا أن الإنسان بتكوينه هذا لا يقدر على رؤية الله-عز وجل-، وحتى يطمئن قلب موسى، فقد أخبره الله أنه سيتجلى للجبل، وما على موسى إلا أن ينظر إلى الجبل، ويلاحظ ما سيحدث، ونظر موسى إلى الجبل، فرآه قد اندك وتهدم.
      ولقد صور لنا القرآن ذلك: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخر موسى صعقًا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين)[الأعراف: 143].
      فأخذ موسى الألواح التي فيها التوراة، وكانت تتضمن المواعظ والأحكام التي بها تنتظم حياة بني إسرائيل وتستقيم.
      وحدث في بني إسرائيل بعد أن تركهم موسى أن قام رجل منهم يعرف بالسامري، وجمع ما معهم من الحلي والذهب، وصنع لهم صنما مجوفًا على هيئة عجل إذا دخل فيه الهواء من جانب خرج من الجانب الآخر محدثا صوتًا يشبه صوت العجل، وأخبرهم أن هذا هو إلههم وإله موسى، فصدقه بنو إسرائيل، وعبدوا العجل وتركوا عبادة الله الواحد الأحد، فتوجه إليهم نبي الله هارون ينصحهم ويعظهم، وأنهم قد فتنوا بهذا الأمر، لكنهم استمروا في جهلهم، ولم ينتفعوا بنصح هارون، بل اعترضوا عليه وكادوا أن يقتلوه، وأعلنوا له أنهم لن يتركوا عبادة هذا العجل، حتى يرجع إليهم موسى.
      ولما عاد موسى ووجد قومه على تلك الحالة، غضب منهم غضبًا شديدًا، ومن شدة حزنه وغضبه مما فعله قومه ألقى الألواح التي فيها التوراة من يديه، وتوجه إلى أخيه هارون وأمسك برأسه وجذبه إليه بشدة، وقال له بصوت ظهر فيه الغضب: (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري)
      [طه: 92-93].
      فقال هارون: (يا بنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي)[طه: 94]، وأخبره أن القوم كادوا أن يقتلوه، فتركه موسى وتوجه إلى السامري؛ ذلك الرجل الذي صنع هذا العجل، وسأله عن الأمر، فأخبره السامري بما حدث، فأحرق موسى ذلك العجل حتى جعله ذرات صغيرة، ثم رمى بتلك الذرات في البحر.
      هنا أحس بنو إسرائيل بسوء صنيعهم فندموا عليه، وأعلنوا توبتهم إلى الله، وسألوه الرحمة والمغفرة، فأوحى الله-عز وجل-إلى موسى أن هارون برئ منهم وأنه حاول معهم كثيرًا ليبتعدوا عن عبادة العجل، فاطمأن قلب موسى إلى أن أخاه لم يشارك في ذلك الإثم، فتوجه إلى الله تعالى مستغفرًا لنفسه ولأخيه، قائلاً: (رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين)
      [الأعراف: 151].
      واختار موسى سبعين رجلاً من خيرة قومه، وذهب بهم إلى مكان حدده الله-عز وجل-، فلما وصلوا إلى ذلك المكان، فإذا بهم يطلبون أن يروا الله جهرة، فغضب موسى منهم غضبًا شديداً، وأنزل الله عليهم صاعقة دمرتهم، وأخذت أرواحهم. فأخذ موسى يدعو الله ويتضرع إليه أن يرحمهم.
      وشاء الله-عز وجل-ألا يخزي نبيه موسى، فاستجاب له وأحيا أولئك الذين قتلتهم الصاعقة لعلهم يشكرون الله على نعمة إحيائهم من بعد موتهم، ورجع موسى بهم إلى قومه فأخذ التوراة وراح يقرؤها على بني إسرائيل ويشرح لهم ما فيها من مواعظ وأحكام، وأخذ عليهم المواثيق والعهود ليعلموا بما فيها من غير مخالفة، فلما وعدوه أن يلتزموا بما فيها أخذهم وسار في اتجاه الأرض المباركة وهي فلسطين، لكنهم راحوا يتنكرون للتوراة وما جاء فيها من أوامر وأحكام، فأراد الله أن ينتقم منهم، فرفع من الجبل صخرة كبيرة وحركها حتى صارت كأنها سحابة تظلهم، ففزعوا منها، وحسبوا أن الله سيلقيها عليهم، فتوجهوا إلى الله بالاستغاثة والدعاء، وتابوا إلى الله لينقذهم من الهلاك، فصرف الله عنهم تلك الصخرة رحمة منه وفضلاً.
      ثم أوحى الله إلى موسى بأنه قد حان الوقت لاستقرار بني إسرائيل، ودخولهم الأرض المقدسة (فلسطين). ففرح موسى بذلك فرحًا شديدًا. ولكن بني إسرائيل جبناء خائفون، حيث إنهم أعلنوا ذلك لموسى فقالوا: (إن فيها قومًا جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) [المائدة: 22].
      وهنا قام رجلان مؤمنان منهم، فقالا لهم: (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)[المائدة: 23]، فما كان رد بني إسرائيل إلا أن قالوا: (يا موسى إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)[المائدة: 24].
      فاشتد غضب موسى على هؤلاء القوم الذين ينسون نعمة الله عليهم، فأخذ يدعو ربه أن يباعد بينه وبين هؤلاء الفاسقين.
      فجاءه الجواب من الله عز وجل، قال تعالى: (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين).[المائدة: 26]
      وهكذا حكم الله على بني إسرائيل أن يتيهوا في الأرض مدة أربعين سنة؛ نتيجة اعتراضهم على أوامر الله، وعدم امتثالهم لما أمرهم به موسى، وراح بنو إسرائيل يسيرون في الصحراء بلا هدى واستمروا في التيه حتى دخلوا الأرض المقدسة بعد ذلك على يد يوشع بن نون بعد أن جمع شملهم.

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. اكثر الانبياء صبرا
      بواسطة زمن النسيان في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 11
      آخر مشاركة: 17-05-2021, 08:16 PM
    2. اسطوانة قصص الانبياء
      بواسطة نسمات الجنة في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 07-06-2015, 10:23 AM
    3. من هو اكثر الانبياء صبراً
      بواسطة شمس ألاحلام في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 23-01-2012, 02:45 PM
    4. سلسلة قصص الانبياء
      بواسطة عبوودي في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 102
      آخر مشاركة: 17-07-2011, 04:54 AM
    5. سـلسلة قصص الانبياء
      بواسطة بروفيسور ينبع في المنتدى القصة والرواية
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 21-07-2010, 09:26 PM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com