• دخول الاعضاء

    النتائج 1 إلى 5 من 5

    الموضوع: تتبع اثار العظماء

    1. #1
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية نسمات الجنة
      تاريخ التسجيل
      Nov 2014
      المشاركات
      10,474
      معدل تقييم المستوى
      60

      افتراضي تتبع اثار العظماء

      تأملت آثار العظماء في العصور الغابرة، والتي لا تزال ماثلة للعيان؛ من تراث الفراعنة في مصر, والرومان في أوربا والمغرب والشام وليبيا، والآشوريين في شمال العراق والبابليين في جنوبها؛ فوجدت معماراً هائلاً, يقف المرء حياله متضائلاً، مع ذهاب الكثير من هذه الآثار وانْدراسها.. إنك حين تقف أمام عمود ضخم أو مدرج هائل، أو مقبرة مهيبة، أو تمثال كبير تشعر بالعجز، وتشعر في الوقت ذاته بضعف وعجز أولئك الذين شيّدوه, ثم لم يدفعوا عن أنفسهم المرض والهزيمة والموت والفناء! وتأملت سير المبدعين من أساطين الأدب واللغة وأساتذة الصناعة، وأهل الفلسفة وأعمدة الفن، وجهابذة العلم عبر عصور التاريخ؛ فرأيتهم كانوا ملء عصورهم, ذِكراً ورفعة وترديداً لأسمائهم ولهجاً بفضلهم، أو نقداً وتمحيصاً لأعمالهم وآرائهم ونظرياتهم، ثم مضَوا وانطوَوا كأن لم يكونوا، وأخذوا حجمهم الحق في قائمة طويلة لا تنتهي من الأسماء بمختلف تخصصاتها, وإنجازاتها ولغاتها وبلدانها.. وتأملت سير الأثرياء والسّاسة ورجال الإعلام الأحياء, الذين يجري ذكرهم على كل لسان، وتزدحم حولهم الشخوص، ويحتدم عنهم الجدل، وهم ملء سمع الدنيا وبصرها.. ورأيت أن الحياة الحاضرة مرهونة ومدينة للعديد من الإنجازات العلمية, والابتكارات التقنية, والمعارف والآداب التي وضعت بصمتها على الأفراد والأسر والجماعات والقرى والمدن والحركة والعلاقة؛ كما نجد أثر اختراع السيارة أو الطائرة أو الهاتف أو المذياع أو التلفاز.. ومع ذلك فالقليل منّا مَن يتذكر هذه الأسماء التي أبدعت وأنتجت وصنعت, ثم اختفت في الزحام, أو كادت. يكون العظيم في حياته فاعلاً هائلاً كبيراً، ثم يُطوى فلا يكاد يُذكر إلا في الموسوعات والمدونات والبرامج الوثائقية..


      قَدْ تَسـَاوَي الْـــكــُلُّ فِي هَذَا الـــمَــكَانْ وَتَلَاشَى فِي بَقَايَا العَبْدِ رَبُّ الصـَّوْلَجَانْ
      وَالْتَــقَى العــَاشِقَ وَالقــَالِي فَلَا يَفـْتَرِقَانْ مَنْ هُوَ الْمَيّتُ مِنْ عَاٍم وَمِنْ مِلْيونِ عَامْ

      فأدركت أن هذا المجد الذي نالوه هو عاجل عدل الله تعالى لعباده، إذ يرزق من أحسنوا ذكراً أو شهرة أو عافية أو غنى، أو يحقق لهم بعض ما يتمنون من أمر الحياة الدنيا. وأن حظ المؤمن في هذا السياق يجب أن يكون موفوراً، فهي غنيمة له فيها سهم، وها هم الأنبياء يُعَدّون أشهر البشر على الإطلاق وأذكرهم، ولا يُذكرون إلا بخير وثناء, إلا عند المرضى والمأفونين؛ ممن لا شأن لهم ولا عبرة بهم. ليس الإيمان بالله واليوم الآخر حاجزاً دون الإبداع والتفوق والعطاء والمجد الكبير في دار الدنيا, ما دام لم يقم على ظلم العباد، ولا على محادّة الله في شريعته، ولم يستهدف تدمير القيم والمبادئ والأخلاق. وأدركت أن المجد الكبير السهل متاح لآحاد الناس وأفرادهم, ممن آمنوا بربهم، واهتدوا إلى سبيله، فسجدت له جباههم، وعنت له وجوههم، ولهجت بذكره ألسنتهم، وأخبتت له قلوبهم, وذلّت لعظمته رقابهم، فسبحوا بحمده وذكروه، ووحدوه، وعبدوه، وآمنوا بلقائه، فالمجد الأعظم هو مجد الله " المجيد " الذي "لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" [البقرة:255]. وأمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. في صحيح البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ". وفي البخاري أيضاً عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْراً، بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ". ثُمَّ قَرَأَ "فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[السجدة:17]. وفي الصحيحين أن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ فِى الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ "بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ". إن هذا المجد العظيم الذي هو في متناول يد كل فرد من البشر، ولا يفتقر إلى عبقرية العقل، ولا كمال الجسد، ولا وفرة المال، ولا اتساع النفوذ؛ يمنحك ملكاً كبيراً.. وكأنك تملك أفلاكاً بل مجرّات، ولا غرابة أن يكون المضاف لرجل من أهل الجنة هو بحجم نجم سيّار أو يزيد، وما يعلم جنود ربك إلا هو. وبالمقارنة بهذا الملك الشخصي المخلّد لمؤمن من أهل الجنة؛ ستكون حضارات البشر في الدنيا لُعباً كلعب الأطفال تثير الشفقة. وأدركت أن ذاك المجد الدنيوي الصغير يصلح أن يكون تحصيله مدرجاً وسبيلاً إلى هذا الخلود العظيم, لمن جمع بين خيري الدنيا والآخرة, وقال: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [البقرة:201].

      د سلمان العودة

    2. #2
      مديرة قسم ينبع الصورة الرمزية زمن النسيان
      تاريخ التسجيل
      Nov 2014
      المشاركات
      12,199
      معدل تقييم المستوى
      64

      افتراضي رد: تتبع اثار العظماء

      شكرآ جزيلا على الموضوع الرائع و المميز

    3. #3
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية نسمات الجنة
      تاريخ التسجيل
      Nov 2014
      المشاركات
      10,474
      معدل تقييم المستوى
      60

      افتراضي رد: تتبع اثار العظماء

      نورتي عزيزتي موضوعي ربي يسعدك

    4. #4
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية شعاع الاكوان
      تاريخ التسجيل
      May 2015
      المشاركات
      2,612
      معدل تقييم المستوى
      43

      افتراضي رد: تتبع اثار العظماء

      جزاك الله خيرا
      انار الله قلبك ودربك
      وجعله في ميزان حسناتك
      دمت بود

    5. #5
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية دلوعة الخليج
      تاريخ التسجيل
      Dec 2014
      المشاركات
      9,578
      معدل تقييم المستوى
      58

      افتراضي رد: تتبع اثار العظماء

      دمتم على طاعة الرحمن
      وعلى طريق الخير نلتقي دوما

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. مميزات أجهزة تتبع السيارات birqsa
      بواسطة ضيااء التركي في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 21-10-2021, 08:29 AM
    2. لا تتبع الهوى في رمضان
      بواسطة زينة في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 15-06-2015, 03:56 AM
    3. التأمل .. طريق العظماء..
      بواسطة اتعبني غيابك في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 14
      آخر مشاركة: 07-09-2014, 05:12 PM
    4. تتبع عورات الناس
      بواسطة آهــات طــفلهـ في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 16
      آخر مشاركة: 05-08-2010, 06:53 PM
    5. كتاب العظماء مائه واولهم محمد صلي الله عليه وسلم
      بواسطة الصريح في المنتدى استراحة المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 09-05-2010, 02:36 PM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com