غريزة الثأر:
الثأر غريزة مهمة جداً في تطور الإنسان حيث أننا مستعدين أن ندفع ثمن أكبر من الضرر الأساسي في سبيل الإنتقام. لماذا نقوم بالإنتقام رغم أن العملية خاسرة في جميع الأحوال؟ الضرر الأصلي عادة يكون قد وقع و الإنتقام لن يغير شيئ من الواقع بل على العكس قد يزيد الوضع سوء و مع ذلك نجد أنفسنا مندفعين للإنتقام.
هذه الغريزة ضرورية في اقامة ردع بين الأفراد في المجموعات. البشر الذين لا يثأرون انقرضوا بسبب عدم وجود روادع بين أفراد مجموعاتهم مما أدى إلى انهيار هذه المجموعات و انقراض أفرادها. طبعاً القوانين في يومنا هذا ما هي إلا ثأر مؤسساتي لما فيه فائدة و ضمانة في التماسك الإجتماعي. بشكل عام يوجد في علم الأحياء نظرية اسمها استراتجيات الإستقرار التطوري Evolution Stable Strategy والتي تنص أن أي تجمع حيوي فيه أفراد متفاعلة مع بعضها سيتواجد في هذا التجمع أفراد تخالف القوانين السائدة ضمن المجتمع و المجتمعات هذه ستقوم بشكل طبيعي في بناء استراتجيات انتقامية من هؤلاء الأفراد لضمان استقرارها و عدم السماح بمخالفة القوانين.
من أهم هذه الاستراتجيات و أكثرها انتشاراً بين الأحياء هي استراجية “تيت فو تات” أو Tit for Tat و التي تنص على المبدئ الشهير “العين بالعين”. لهذا لا أعتقد أن حامو رابي هو من وضع هذا القانون و أنه قانون اقدم من الحضارة البشرية أصلاً.
التضحية و حب الوطن:
لماذا يقوم شخص ما بالتضحية بنفسه مقابل الآخرين و لماذا يعتبر هذا العمل إجابياً من الناحية الأخلاقية؟
حب الوطن و الشعور الوطني يرتبط بشكل مباشر مع التقارب الجيني إذ أن المجتمعات المتواجدة ضمن مجال جغرافي محدد تكون عادة متقاربة جينياً. لذلك التضحية مقابل هذه المجموعة تكون مربحة جينياً للشخص الذي يضحي بنفسه. وجود الأفراد ضمن مساحة مشتركة يعني أن نسبة تشاركهم الجيني عبر الأجيال هي نسبة عالية جداً و خصيصاً عند الشعوب المتجانسة جينياً (محدودين جغرافياً بعوامل تمنعهم من الإختلاط).
الحرب:
اللإلتزام باحترام الحياة هو شرط أساسي عند جميع الأحياء، لكنه أيضاً مرتبط بعدم تأثير هذا الالتزام على حياة الشخص و المجموعة التي ينتمي إليها. هذا يعني أن جميع الأحياء تلتزم باحترام الحياة طالما أن هذا الإحترام لا يؤثر سلباً على جيناتها الشخصية (١٠٠٪ من نفسها). تماسك المجتمع أو الوطن يؤثر بشكل مباشر على جينات الشخص.
الأن الإنتشار الجيني عادة يكون مرتبط جغرافياً، لهذا نجد أن التعاطف الجيني بعد العائلة يصبح مناطقياً لأن هذا يجسد تقريب منطقي لانتشار الجينات المتشابهة بين الأفراد. أنا ثم عائلتي الصغرى ثم عائلتي الكبرى ثم حارتي ثم مدينتي ثم دولتي ثم قارتي ثم عرقي (تشابه فيزولوجي) ثم الجنس البشري. في حال الحروب يتم التقييم ضمن التقارب الجيني المناطقي. لهذا نجد أن الحروب الأهلية عادة تكون حروب إما ذو طابع عرقي (عقائدي أيضاً) أو طابع مناطقي. يوجد تأثير آخر و هو تأثير الإنتماء الديني لكني لن أتطرق له ضمن هذه المقالة و يمكن القراءة عن هذا التأثير في مقالة سابقة لي اسمها “غريزة الإيمان”.
المثليية الجنسية:
المثلية الجنسية هي توجه جنسي طبيعي موجود بنسبة بين ٧٪ إلى ٢٢٪ في الولايات المتحدة مثلاً بناء على احصاء قام به جالوب في عام ٢٠٠٢. بسبب تطور الحضارة البشرية و فهم الأبعاد البيولوجية للمثليية الجنسية بدأنا نرصد تبدل في التقييم الأخلاقي لهذه الحالة الطبيعية. لنعاين ما تغيير ضمن سياق الفرضية التي طرحتها. سابقاً:
في السابق كان الفهم الشائع للمثلية أنها معدية و تتسبب في تحول الأشخاص من أشخاص مغايرين جنسياً إلى مثليين.
إذا قمنا في تقييم هذه الفهم السائد عن المثلية سنكتشف أنه يعارض الشرط الأول في بناء النظم الأخلاقية و هو أن المثلية تتعارض مع دعم انتشار الحياة و الحفاظ عليها.
العلاقات العاطفية و الجنسية بين نفس الجنس تشكل تهديداً للنسيج الاجتماعي المتعارف عليه بسبب اعتبار أن مثل هذه التصرفات ستمنع الذكور و الإناث من زواج و هذا يشكل خرق للعادات و القوانين المتعارف عليها.
إذا قمنا في تقييم هذا الشق من الفهم السابق للمثلية سنجد أنه يتعارض مع الشق المتعلق بالترابط الإجتماعي.
إذاً الفهم الخاطئ لماهية المثليية الجنسية أدى إلى رفض هذا التوجه الجنسي و اعتباره لا أخلاقي.
اليوم في القرن ٢١:
تطور وسائل الاتصال و انتشار العلوم، أسس في بناء أرضية جديدة من الحريات. اليوم نحن لم نعد مرتبطين بمجتمعاتنا الجغرافية. هذا يعني أننا لسنا مجبرين على قبول جميع الأفكار المحيطة بنا جغرافياً لأننا قادرين على التواصل و الانتماء لمجتمعات آخرى عبر شبكات التواصل الاجتماعية و الأنترنت. ازدياد الوعي حول التوجهات الجنسية المختلفة و الفهم العلمي لتفاصيلها ساهم بشكل مباشر بقبول هذه التوجهات الجنسية إذا أنه تبين أنها حالة طبيعة غير معدية و تشكل خطراً على استمرار الجنس البشري و لا تشكل تهديداً للنسيج الإجتماعي إذ أن الأشخاص المغايرين جنسياً لن يتحولو لأشخاص مثليين لمجرد تعاطفهم مع حقوق المثليين و قبولهم كأشخاص طبيعين. لمزيد من المعلومات حول المثليية الجنسية و ماهية التوجهات الجنسية يمكنك قراءة مقالي “المثلية الجنسية” أو “الجنس و الحب”
الأشخاص الذين يعتبرون المثلية الجنسية عمل لا أخلاقي هم بأغلب ظني ضمن سياق الفهم المغلق السابق للمثلية باعتبارها حالة معدية خطرة على بقاء الجنس البشري.
البيودوفيليا أو ممارسة الجنس مع الأطفال:
ممارسة الجنس مع الأطفال أيضاً توجه جنسي مثلها مثل التوجه المغاير (ذكر و أنثى) لكننا نعتبرها عملاً لا أخلاقياً و جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات. لماذا؟
لنعاين هذه الحالة من خلال الفرضية التي وضعتها بين أيديكم. على الرغم من أن هذه الحالة هي حالة طبيعية إلا أن لها عدة تأثيرات سلبية على استمرار الحياة و الترابط الإجتماعي.
الإعتداء الجنسي على الطفل يتم دون موافقة الطفل لهذا يعصنف هذا النوع من التفاعل “بالإعتداء” و الذي يستوجب رداً ثائراً من قبل أهل الضحية الطفل. لهذا يتوجب وضع قوانين تضمن الثأر لأهل الطفل و مأسسة هذا الثأر بطريقة نبعد هذا النوع من الأشخاص عن الأطفال بشكل عام و التفاعل الإجتماعي بشكل خاص.
الأثار النفسية السلبية على الطفل تلازمه مدى الحياة و تؤثر على فعاليته في المجتمع. الطفل يشكل قيمة عالية جداً من حيث الاستثمار الجيني بالنسبة لأهله إذ أنه يمثل جسر العبور نحو الأجيال القادمة بالنسبة لأهلة و عندما يأتي أحدهم و يعتدي على ممر عبروهم الجيني المستقبلي فهذا يستوجب رداً على مستوى الحدث.
كما ذكرت سابقاً أن الأطفال و النساء لهم قيمة جينية عالية لذلك أي اعتداء عليهم يكون له تداعيات ثأرية عالية جداً و لذلك يتوجب وضع عقوبات قاسية تتناسب مع الجرم.
الملخص:
إذاً في النهاية أود أن أقول أن النظم الأخلاقية ما هي إلا قوانين بشرية تم ابتكارها لحماية المجتمعات البشرية من الإنهيار. اليوم و مع تطور تكنالوجيا الإتصالات، سنجد ثورة أخلاقية جديدة إذ أن الكثير من المعطيات تغيرت و لم يعد تأثير تلاحم المجتمعات ملح كما كان سابقاً. اليوم أنا لدي أصدقاء من كل أنحاء الكرة الأرضية و أتكلم معهم أكثر من جيراني المقيمين بالقرب مني. اليوم أصبحت الكرة الأرضية بمثابة مجتمع كبير واحد.أتوقع في المستقبل القريب انخفاض الحروب ذو الدوافع الوطنية و ارتفاع وتيرة الحروب المبنية على الاختلافات العقائدية. الشعور الوطني مهم في توحيد السكان ضمن قوالب جغرافية، و لكن و بسبب التواصل العالمي بين الأفراد لم يعد الشعور الوطني ذو أهمية ترابطية بين الأفراد و سنشهد تطور في الصراعات من صراعات وطنية إلى صراعات فكرية.
القتل و الكذب و السرقة و الإغتصاب و الخطف و الإختلاس و الخداع و الخيانة جميها أعمال لها تأثير سلبي معين على جودة الحياة عموماً و على ترابط المجتمعي خصوصاً و لهذا هي شريرة.
من المعلوم أن الأديان تدعي أنها مصدر الأنظمة الأخلاقية و لكني اليوم أجد نفسي مجبر أن أقول أن الأديان هي من أكثر العوامل المؤثرة سلباً على مستقبل الجنس البشري و هذا لأنها تجعل أتباعها يشعرون بوهم الوضوح الأخلاقي و لأنها تعمل على خلق “نحن” و “هم” في وجه مجتمعات تتجه نحو العالمية و التواصل المباشر. أيضاً، الأديان لا تقدم نظام مرن متغير مع التطور الحضاري و إنما أخذت عينة من الأنظمة الأخلاقية التي كانت مناسبة قبل ألاف السنين و ادعت أن هذه الأنظمة صالحة لكل زمان و مكان.
نعم نحن نشهد نوع جديد من التطور سيكُتب عنه في يومٍ من الأيام.
فهم خلفية الغرائز الأخلاقيه و من أين تأتي هذه القوانين و الأنظمة سيمكننا من تعديلها بشكل يتماشى مع تطور الجنس البشري و يساهم في ارتقاء مجتمعاتنا نحو مجتمع الكوكب الواحد، كوكب الأرض. لنجعل الأرض قبيلتنا.