• دخول الاعضاء

    النتائج 1 إلى 2 من 2

    الموضوع: لا أحد يصغى إلى ما تقول

    1. #1
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية نسمات الجنة
      تاريخ التسجيل
      Nov 2014
      المشاركات
      10,474
      معدل تقييم المستوى
      60

      افتراضي لا أحد يصغى إلى ما تقول

      لحظــة هـدوء من فضـلك ! . . .

      الباحث عن لحظة هدوء في هذا الزمان لا يجدها ..
      إذا فتح الراديو .. تنهال عليه تشنجات قادة إسرائيل ، و أخبار الزلازل و السيول و الأعاصير ..
      و إذا فتح التليفزيون .. تنهمر عليه مسلسلات العنف و الباتمان و حرب النجوم ..
      و إذا طالع صحف الصباح .. تفاجئه أخبار انهيار البورصة و جنون البقر و الإيدز ..
      و إذا بحث عن موسيقى يريح عليها أعصابه أو أغنية تهدأ لها عواطفه .. نزلت عليه لقطات الفيديو كليب تتقافز صورها و تتشنج رقصاتها و تتسارع إيقاعاتها في إزعاج متواصل ..
      و إذا فتح الشباك .. قرقعت في آذانه أبواق السيارات و أصوات الميكروفونات و صراخ الباعة ..
      و إذا أغلق الشباك و نزل إلى الطريق .. خنقه الزحام ..
      و إذا انطلق هارباً إلى الأتوبيس .. لم يجد موقعاً لقدم ..
      و إذا حمل أوراقه و شهاداته و أسرع ليتقدم لوظيفة .. وجد طابور طلاب الوظائف يسد الشارع ..
      و إذا بحث عن شقة .. لم يجد ثمنها ..

      و لا إحتمال قريباً في عمل .. و لا أمل في زواج .. و لا أمل في حل سريع يأتي من السماء ..
      و في آخر المشوار يسقط في يده .. و لا يجد حلاً سوى أن يعود أدراجه إلى البيت إلى فراشه أو إلى ستين سنة إلى الوراء .. إلى ماضٍ بعيد و إلى جيل انتهى ..
      إلى الشَدو الهادئ في صوت أم كلثوم ..
      و إلى الحنان الرخيم في صوت عبد الوهاب ..
      و إلى دندنة هادئة مع العود .. بدون فيديو كليب ..
      و إلى الجمال البِكر بدون إفتعال ..و إلى البساطة العذبة بدون صنعة ..

      و إذا مس زرار الراديو في ذلك الزمان البعيد ، فإنه سوف ينقله إلى شوبان .. إلى الحلم .. و الخيال الناعم .. و السماوية الرحبة .. و الشوارع أيامها خالية .. و المواصلات مريحة .. و شقق للإيجار تتدلى لافتاتها من النوافذ .. و المرتب يكفي و زيادة ..
      و جلسة على شاطئ النيل هي كل المراد .

      ماذا حدث للدنيا ؟! .. و لماذا يصرخون المغنون .. و لماذا يتشنج الراقصون ؟! .. و لماذا هذه الإيقاعات المزعجة و الموسيقى النحاسية التي تخرق الآذان ؟!

      هذه الأمور تُفصِح عن فقر فَني .. و ذوق فاسد .. و بلادة سمعية .. ما ضرورتها لصوت جميل بالفعل ؟!

      و هذا التسويق الفَج .. ما الداعي إليه .. لولا سوء البضاعة و رخص الموهبة ؟ ..

      و اضحكوا معي على الغلاء الطاحن .. مع رُخص الناس .. و رخص الفن .. و انعدام القيم .. و تفاهة البضاعة .

      إننا معاقبون يا سادة بهذا الضنك ..

      و تأملوا كلمات ربكم :
      { وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } ( طه - 124 )

      أليس عالَم اليوم قد تلخص كله في هذه الكلمة البليغة .. " الضنك " .. " و الإعراض " ؟!
      أليس العالَم قد أعرض تماماً عن كل ما هو رباني و غرق تماماً في كل ما هو علماني و مادي و دنيوي و شهواني و عاجل و زائل .. و الكلام على مستوى العالَم كله !

      الكل متعجل يريد أن يغنم شيئاً و أن يلهف شيئاً .. لا أحد ينظر فيما بعد .. و لا فيما وراء ..

      الموت لا يخطر ببال أحد .. و ما بعد الموت خرافة .. و الجنة و النار أساطير .. و الحساب حدوتة عجائز .. و الذين يحملون الشعارات الدينية .. البعض منهم موتور و البعض مأجور ..

      و المخلِص منهم لا يبرح سجادته و يمشي إلى جوار الحائط .. فهو ليس مع أحد .. و ليس لأحد ..
      و إنما هو مشدود و منفصل عن الركب .. و مشفق من العاقبة .. و هو قد أغلق فمه و احتفظ بعذابه في داخله .. و اكتفى بالفُرجة .

      و الناس في ضنك .. و كل العالَم أغنيائه و فقرائه .. كلهم فقراء إلى الحقيقة .. فقراء إلى الحكمة .. فقراء إلى النُبل .

      و أكثر الأنظار متعلقة بالزائل و العاجل و الهالِك .

      و الدنيــا ملهــاة .

      و هي سائرة إلى مجزرة ..

      فالله في الماضي كان يوقظ خلقه بالرسل و الأنبياء .. و اليوم هو يوقظهم بالكوارث و الزلازل و الأعاصير و السيول ..
      فإن لم تُجْدِ معهم تلك النُذُر شيئاً ، ألقَى بهم إلى المجازر و الحروب يأكل بعضهم بعضاً و يُفني بعضهم بعضاً .

      و حروب المستقبل حروب فناء .. تأكل الأخضر و اليابس و تدع المدن العامرة خراباً بلقعا .

      و نحن على حافة الرعب و الصصراع المُفني .. و ماذا يهم ؟! ماذا يهم ؟!

      فالمغنية تغني و تتلوى على المسرح .. في إيقاع أفعواني .. تحت بقعة الضوء .. و الألوف يرقصون كالأشباح في الصالة دون وعي ..

      ماذا تقول .. ؟!

      لا أحد يصغى إلى ما تقول .. و إنما الكل يصرخ و يصفق و يهتف و يتلوى كأفاعٍ مسحورة .. و الطبول و الدفوف و الإيقاع الهمجي قد حوَّل الكل إلى قِطعان بدائية ترقص في شبه غيبوبة .
      و لا تملك و أنت تستمع معهم إلا أن تفقد إتزانك و قدميك ثم تصبح جزءاً من هذا اللاوعي المفتون .. و قد خيَّم على الجو إحساس الكهوف البدائية .

      هل انتهت الحضارة فجأة .. و عدنا إلى كهوف الإنسان الأول ؟!
      هل تبخر العقل .. و لم تبقَ إلا غرائز تعوى و تتلوى على الطبول و الدفوف ؟! .. يا سادة .. تلك هي نهاية علمانية اليوم .

      و تلك هي احتفالية العالَم بنهاية الإيمان .
      إحتفالية بالعقل الذي أسلم نفسه للهوى .. و الحِكمة التي نزلت عن عرشها للغرائز .. و الإنسان الذي أسلم قياده للحيوان .

      و ماذا يهم .. ؟!

      لا شيء يهم .. !!

      إننا نرقص اليوم للفجر .. و ليكن غداً ما يكون .

      هكذا تعلمنا في سهرات " الدِش " و إبداعات مادونا و جاكسون و فنون الموجة الشبابية الجديدة و برامج الأقمار و الفضائيات القادمة علينا من أمريكا و أوروبا .

      و ذلك هو العصر العجيب الذي نعيش فيه ..

      أمريكا - القطب العملاق الذي يحكم العالَم - تخصصت في صناعة الغيبوبة لشباب هذا العالَم ..

      عن طريق أفلام الحب و العنف و الرعب و أساطير الخيال العلمي ..
      و عن طريق الرحلات الفضائية و الصواريخ المنطلقة إلى القمر و المريخ و زحل و المشترى ..
      و عن طريق ترسانة كيميائية تُنتِج عقاقير الهلوسة و إكسير الشباب و الفياجرا .

      و من أمريكا خرجت أكذوبة الميلاتونين .. و من أمريكا خرج الديسكو و الجاز و نوادي الشواذ .. و من أمريكا انتشرت صنلعة الغيبوبة لتصبح صناعة مقررة في أكثر الحكومات و سلاحاً مشروعاً تحارب به الأزمات و تشغل به الشعوب عن متاعبها .

      سلاح إسمه " الهروب اللذيذ " .. على أنغام الموسيقى و الديسكو و على رقصات المادونا .

      و لا أحد يكره أن يهرب من مشكلة في ساعة لذّة و إغماء غيبوبة .. بل كل مراهق يحلم بهذا الهروب اللذيذ و يسعى إليه .
      و هذه الفكرة الإبليسية هي التي يدير بها الكبار العالَم .

      و حرب الخليج كانت هي " النهب اللذيذ " لبترول الخليج و ثرواته .. و لكن الإسم المُعلَن لهذا النهب كان شعارات مبهرة عن تحرير الشعوب و نجدة الضعفاء و نصرة الديمقراطية و إعادة الشرعية .. إلخ .. إلخ .. إلى آخر الأسماء الجذابة الخلابة التي تدير الرؤوس و تُسكِر النفوس .

      و الإعلام هو دائماً الأداة الإبليسية لهذا النهب اللذيذ .. و الإستعمار اللذيذ .. و الهروب اللذيذ ..

      { ن وَ الْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } ( القلم - 1 )

      و ما أعجب ما يصنع القلم .. و ما أعجب ما يسطر ذلك القلم الذي يُميت و يُحي ، و يُسحِر و يَفتِن ، و يوقِظ و يُنيم ، و يبني و يُخَرِّب ، و يهدي و يُضِل .

      و هناك الآن أقلام عظيمة تجيد صناعة هذا " التـيـه " .

      و مؤسسات عالمية تصنع للشعوب الدوار .. و تتفنن في تسمية الأشياء بغير أسمائها ، و تسبغ هالات المجد على تفاهات .. و تروج للجريمة و الشذوذ و فنون الغيبوبة .

      و أصبح من لزوميات هذا العصر أن يكون في أذن كل مستمع " فلتر " .. و في عين كل مشاهد " فلتر " .. لكشف الزيف في الكلمات و المرائي و المَشاهد .. خاصة في المشاهد العسل .. و الكلمات العسل .. و الوعود العسل .. التي يُقصَد بها النوم في العسل ..

      و إذا فتحت الـ c.n.n. أو أي محطة .. إجعل هدفك هو البحث فيما وراء ما تسمع .. البحث فيما وراء المقاصد .. و فيما وراء الأهداف من كل كلمة و كل خبر .. و لا تُحسِن الظن .. فإن سوء الظن الآن هو من حُسن الفِطَن .

      و لا تنَم على الشعارات و الأماني و الوعود الطنانة .. فقد لا تصحو و لا ترى تحقيق تلك الوعود أبداً .. و قد تفاجأ بها تنقلب إلى ضدها ..

      مثل وعود نتانياهو و اتفاقات أوسلو و مدريد و شعارات حقوق الإنسان التي يطلقها القطب الأمريكي الأوحد ..

      و ضع كل الكلام في سلة المهملات و انظر في الأفعال و سوف ترى ..

      الأرض في مقابل السلام .. تصبح : الأمن في مقابل السلام .. ثم السلام في مقابل السلام .. ثم السلام في مقابل لا شيء ..
      و هذا هو الفيديو كليب السياسي .. و اتفاقات " القص و اللزق " كل يوم على مقاس الوعي العربي .. و الصف العربي .. و اللي مش عاجبه يشجب .

      و هذا هو التياترو السياسي العالمي في هذا العصر ، و المسرح الإعلامي الآن يُضاء من جديد ، و الصالة تضج بالتصفيق و الهِتاف و المادونا الفاتنة تتهادى في ضباب الأضواء برقصها الأفعواني ..
      و الموسيقى تدير الرؤوس و تُسكِر النفوس ، و الطبول تدق بإيقاعها الهمجي ، و الدفوف ترتعش لتأخذ الكل في دوامة من الدوار اللذيذ .. إنها مونيكا .

      و جرعة أخرى من عقار الغيبوبة السحري تتسلل إلى العروق و تلف الكل في غلالة من النسيان .

      و بورِكَت ليالي الأنس يا صاح .. فما عاد أحد من الحضور يعرف نفسه ، و لا عاد أحد يدري بمكانه .. أو زمانه .. أو حضوره .. أو ماضيه .. أو مستقبله ..

      و لا شك أن التليفزيون جهاز خطير يدخل كل بيت و يفعل بنا أكثر من هذا .

      هذه العلبة السحرية .. و هذا الأصبع الذي اسمه الريموت كونترول .. تضغط على زرار فتستدعي فرقة راقصة من الفولي برجير تأتي لترقص لك شخصياً ..
      و تضغط على زرار آخر فتستدعي بها ألفيس بريسلي من قبره ليغني لك روائع أنغامه ..

      و ضغطة أخرى تستدعي بها كوكتيل من الأكاذيب السياسية في أحلى عبوات من الكلام على لسان أكبر الشخصيات العالمية .. يلبس فيها الباطل ثوب الحق .. و تختلط المفاهيم و تنقلب المعاني في عقلك و يُلقَى بك في متاهات من التزيف الحلو الجذاب الناعم .. و لا تعود تفهم شيئاً ..

      و هذا هو الإعلام الإبليسي في عصرنا ..

      و حينما تطفئ تلك العلبة الشيطانية .. تكون قد أصبحت رجلاً آخر دون أن تدري ..
      و هذا هو عصرنا .. و لا أحد مُحصَّن .. و لا أحد معفي من هذه المطاردة الخفية لتشكيل أفكاره .. و زلزلة نفسه .. و محو قِيَمه و مثالياته .

      و الفضاء حولنا يحتشد بهذه الجيوش غير المنظورة التي تهاجمنا صباح مساء و لكل دولة كبرى مصالح .

      و لكل دولة كبرى أغراض .

      و لكل دولة كبرى مطالب منك و من بلدك .. و أطماع فيك و في بلدك .

      و صناعة الغيبوبة و غزو العقل و الإستيلاء على الفكر قبل الأرض .. أصبحت صناعة العصر ..
      و التحكم عن بعد في الشعوب .. أصبح لعبة الكبار و الصغار .

      هل تجاوزنا السياسة .. أم أننا لا نزال فيها ؟!
      بل نحن في قلب " المطبخ السياسي " الذي تُطبخ فيه توجيهات الشعوب و اهتماماتها و تُطبخ فيه مصائرها .

      و اقرأ الفصل من جديد لتعرف أكثر .

      . .

      د. مصطفى محمود رحمه الله . .
      من كتاب : تاملات في دنيا الله . .

    2. #2
      • ريشـہ مـبـدع الصورة الرمزية بنت الحجاز
      تاريخ التسجيل
      Feb 2015
      المشاركات
      5,388
      معدل تقييم المستوى
      49

      افتراضي

      شكراً جزيلاً لموضوعك

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. لا تدع الحياة تقول لك !!
      بواسطة الحفاش في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 28-04-2014, 01:37 AM
    2. لو احد قالك ......... وش تقول؟؟؟
      بواسطة دلوعه وبس في المنتدى استراحة المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-02-2011, 07:52 PM
    3. اظحك لين تقول بس
      بواسطة مشـ ع ـل في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 13
      آخر مشاركة: 19-07-2010, 05:27 AM
    4. متى تقول البنت (..............)
      بواسطة الحقيقة بصمت في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 10
      آخر مشاركة: 19-12-2009, 01:31 AM
    5. عندما تقول اسف انظر لعين من تقول له...}
      بواسطة بنت المدينهـ|~ في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 11
      آخر مشاركة: 29-11-2009, 06:52 PM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com