صراع الورثة

قليل من الناس من يعتبر في هذه الدنيا ويتدبر ويتفكر في الموت والحياة وبجولة بسيطة على شوارع ينبع والسؤال عن أصحاب بعض العمارات التي تحتل مواقع متميزة وطوابق متعددة تجد من يقول لك يا شيخ الله يرحمه ويحسن إليه 00بناها ومات وهو ما سكن فيها ولا استلم إيجارها 00
فالرجل مات وانتهى وشبع موت أي ان جسده كان من نصيب الدود و لن يجد أمامه إلا عمله الذي قدم ان خيرا فخير وان عكس ذلك فاللهم رحمتك وغفرانك
وعند باب كل عمارة تسمع قصص عجيبة عن الورثة وكيف إنهم يتصارعون على الميراث ويتقاتلون على ما تركه المرحوم ويتواعدون في المحاكم ويتقاطعون في الارحام
هذا المرحوم ان شاء الله الذي أكرمه الله بالمال الوفير في حياته لم يترك خلفه الا المشاكل بين الأبناء والورثة ولم يتلمس بماله الفقراء ولم يحسب هذا الحساب الواقعي بقلم ومسطرة
ولو طلبت منه حينها ان ينشئ ملجأ للأيتام او مساكن للفقراء والأرامل او يوقف شيئا لله لقال لك (بعدين بعدين لمن تتسهل)
وقد يباغته هادم اللذات في لحظة وينزع من يده الله كل هذه الثروة وتتفتت إلى أجزاء بسيطة بين يدي الأبناء من بعده وربما تذهب الى اشد الناس عداوة له في حياته من الورثة ويعيش بهذه السيولة الضخمة التي خلفها المرحوم مبسوطا هانئا يلعنه صبح مساء ويطلق عليه الشائعات
لان المرحوم لم يحسن إليه في حياته وأذاقه الأمرين وجاءه الفرج بعد ان شارك بشهية مفتوحة في وجبات العزاء ووصلته ( الفلوس ) باردة مبردة
مررت ذات يوم أمام عمارة جميلة مهجورة وسألت عنها فقالوا تخاصم عليها الورثة فقرروا تركها خالية نكاية في بعضهم البعض وهم ورثة مؤدبون محترمون لا يؤمنون بالشكاوي والمحاكم وبعضهم في اشد العوز
وبعضهم يرفل في النعيم فلا هم أجروها وتقاسموا عائد الإيجار ولا باعوها وتقاسموا الثمن إنما أصبحت مدمرة على حالها خراب في خراب من شدة أدبهم واحترامهم للمرحوم وحسدهم لبعضهم وخوفهم من كلام الناس00 فهم لا يحسنون اكثر من ( القرص ) من تحت لتحت
أتصور ان الكثير منا يستطيع ان يقدم لنفسه ماينفعه في أخرته خاصة من الموسرين من إخواننا والذين فتح الله عليهم الدنيا بأسرها بعد ان كانوا فقراء معدمون في شبابهم وبعضهم نشأ يتيما وجرب الفاقة وهذا بلا شك اختبار من الله عز وجل لقلوب البشر ونفوسها ومدى مقدرتها على التعامل مع المال وتسخيره في الوجه الصحيح
وبعض الناس مقتر للآسف بخيل ( ناشف ) على أهل بيته وأولاده ولا ينفق عليهم الإنفاق الشرعي وعاش حريصا على كل ريال يدخل عليه ويقسم للريال بأنه بعد ان لف وتعب وطاف الدنيا لن يخرج من جيبه
وهناك الكثير من الخيرين الذين نراهم يحسنون التعامل مع المادة وينفقون في السر والعلن ابتغاء وجه الله عز وجل
وبعض منهم محسن لمن حوله وجماعته وجيرانه كريم على المسلمين حتى ان رجلا مات من ينبع واكتشف الورثة انه كان ينفق على عائلات شهريا ويدفع عنهم مصاريف الإيجار والكهرباء والمعيشة
الموت حق لكن يجب ان نتعظ وننفق قبل ان يزورنا هادم اللذات
فلا تدع أبناءك يتمنون لك الموت وأنت حي وابذل من مالك قبل الوداع
فالموت اقرب شيء في الواقع ابعد شيء في الخيال