لعل التعصب يعد من المفاهيم غير المرغوبة، حيث لا نفضل فى أن نتصف به لما يرتبط به من مفاهيم تناقض التحضر، وأن المتعصب غالبًا ما يكون ضيق الأفق، وشخصية غير مرغوبة.
كما أنه لا يمكن أن يكون التسامح علاجًا للتعصب، حيث أن المتعصب يكون فى حالة التسامح معه انتصار له. وإنما علاج التعصب يكمن فى إعمال العقل، والتفكير فى أننا لا نمتلك الحقيقة المطلقة وإنما امتلك الحقيقة فى حدود معرفتى وبمقدار تجاربى فى الحياة، بمعنى أكثر وضوحًا امتلك الحقيقة بالنسبة لى أنا فقط. وذلك لا يتعارض مع أن هناك من لديه القدرة على أن يمتلك نفس الحقيقة وربما أكثر منها أو أقل، وفقا لتاريخ كل شخص وتجاربه. وهنا يكمن العلاج الحقيقى للتعصب أن يدرك الإنسان أنه ليس وحده الذى يعرف كل الحقيقة، فالآخرون لديهم القدرة على امتلاكها أيضا، وإن كانت لا تتفق مع ما يعرفه المتعصب.
وإذا أدرك كل من يتوهم أنه يمتلك الحقيقة لوحده بأن الآخر يمكنه أن يمتلك جزءا من هذه الحقيقة، فإن ذلك يُعد بمثابة الخطوة الأولى لعلاج التعصب، لأن ذلك يسمح بوجود الآخر المختلف معه فى الفكر. أما الخطوة الثانية، والتى تعد خطوة متقدمة، فتكمن فى أن يتقبل المتعصب المختلف معه فى الفكر ويعترف به. علماً بأن التعصب لا يقتصر على فئة معينة أو طائفة دون غيرها فى المجتمع، وإنما التعصب يمثل منهجا للتفكير يعوق الاتجاه نحو المشاركة التى تعد الخطوة المحورية والجوهرية لتنمية المجتمع. فعندما ننزع عنا ثوب التعصب ونتعايش مع الآخرين ولو كانوا مختلفين معنا فإننا قادورن على التفكير معًا من أجل تحقيق المصالح العامة، وتذوب الفروق الفردية التى تعرقل كل خطوة يمكن أن تسهم فى تحقيق المصالح العامة....
ولعلنا نضرب مثالاً توضيحياً يوضح المقصود بما سبق: لنتخيل أن هناك مجموعة من المواطنين استقلوا سفينة للسفر، وكان الهدف الأول لكل فرد من الركاب ما يلى:-
1- أن يصل إلى السفينة فى الموعد المحدد دون النظر إلى الآخرين
2- يحاول أن يتعرف على من يشاركه الرحلة إذ أمكن ذلك
3- يدخل فى حوارات سطحية وإن كانت متعمقة إذا وجد من يتشابه معه فى المعتقدات
4- قد يتخذ موقفا شبه عدائى من الآخر لأنه مختلف معه فى المعتقدات
5- لنفترض أن السفينة تعرضت لمخاطر فماذا سيفعل لعله يتجاهل دون قصد أو عن عمد كافة الاختلافات بينه ذاك الآخر ليفكرا معًا فى مواجهة الكارثة وتحقيق الصالح العام وهو النجاة.

ومن خلال هذا المثل يمكن أن نوضح أن أى شخص يتعصب أو يتخذ موقفا عدائيا يساهم فى غرق السفينة "المجتمع" إلى مصير غير معروفة عواقبه، وإن كانت تبدو واضحة وهى الهلاك للجميع. ونحن بالفعل فى مصر نواجه كارثة حقيقة تقودنا إلى التهلكة، ولا سبيل إلى إنقاذنا منها إلا بالحوار والتفاهم، والتعايش مع الآخر. وذلك لا يتعارض إطلاقاً مع ما أؤمن به من معتقدات، ولكن كما أنى أعتقد أن ما أؤمن به يمثل الحقيقة فإن الآخر قد يكون لديه جزء من الحقيقة، وليس لى دور فى أن أجُبر الآخر على تبنى أفكارى ومعتقداتى. فهذه العلاقة لا يعلمها إلا الله وتمثل جوهر الإيمان، وكل منا لديه كامل الحرية فى أن يؤمن بما يعتقد أما على مستوى المجتمع ليس لى الحق فى أن أجعل الآخرين يتبنون نفس أفكارى فإن التنوع والاختلاف سمة الحياة. وهذا ما أراد الله أن يعلمه لنا من خلال التنوع فى الخليقة بل وفى الجنس البشرى الواحد، فليس كلنا نفس اللون أو نفس الجنس أو نفس اللغة، ولعل التنوع والاختلاف والتعايش مع الآخر المختلف يمكن أيضا أن يعطى معنى للحياة وأن نحقق هدفا نسعى من أجله، وأن يشارك كل منا فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا يغرق المجتمع فى المزيد من المشكلات والصعوبات التى ساهمنا فى إيجادها من خلال المواقف الفردية والسلبية ورفض التعايش مع الآخر فلنضع الله فى مكانه الصحيح وهو القلوب العامرة بالإيمان، ولنضع العقل فى وظيفته ونطلق له العنان فى التفكير والإبداع، ولا نتجاهل أن التمتع بالحرية لا يتطلب أن يكون لنا الحق فى أن نسلبها من الآخرين لأن حرية الآخر جزء من حرية مجتمعى الذى أنا فرد فاعل فيه.