ناصرالحارثي.. ملك السيارات في أمريكا



15 يناير,2015


واشنطن – محمد الأميرعندما وصل ناصر الحارثي إلى الولايات المتحدة قبل عشر سنوات تقريبا في أولى دفع برنامج خادم الحرمين للابتعاث بأمريكا لم يكن يتوقع أن هذا البلد سوف يكون سببا في تحول كبير في حياته بأن يصبح واحدا من كبار المصدرين للسيارات إلى السعودية ودول الخليج خلال زمن وجيز، لكن الطريق لم يكن مفروشا بالورد، كما أن عوامل كثيرة ساهمت في أن ينجز هذا الشيء، منها ثقافة ناصر التي تمتد لجذور الطفولة في عائلة تدربت على العمل التجاري، وانتباهاته الذكية للمجتمع السعودي وخصائصه وكذلك وعيه التام بما يدور في أمريكا في عالم السيارات وصناعتها وكل أسرارها تقريبا، ليس هذا بالسهل أبدا أن تكون في القمة.. لأنه لابد من عمل دائب وتحفز مستمر ومعلومات متجددة وثقة بالنفس وبالمجتمع الذي أنت جئت منه، فناصر يحب أهله السعوديين جدا وهذا واحد من أسرار نجاحه، وفي هذه المقابلة التي أجرتها معه خليج بوست فإننا سوف نخترق عالما مكتنز بالتجربة والخبرة لشاب سعودي استطاع أن يصبح ملكا بحق في أمريكا.طفولة.. عائلة وخبرات مبكرة

يأتي ترتيب ناصر الثاني في أسرة تتكون من عشره أخوة، ستة منهم كانوا مبتعثين بأمريكا وهم الآن في المملكة العربية السعودية، وقد كانت طفولته كما يروي عادية جدا كطفل يتنقل مع والده من مكان لآخر، ففي سن مبكرة سافرا من بيشة حيث مسقط رأسه إلى المدينة وهناك درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، حيث تخرج في ثانوية طيبة بالمدينة المنورة، وهي من المدارس العريقة المعروفة بقوتها والتي تخرج منها سفراء ووزراء معروفون الآن. ومن بعدها انتقلت الأسرة إلى جدة بسبب دراسة ناصر بجامعة الملك عبد العزيز حيث تخصص في مجال المحاسبة بكلية الاقتصاد والإدارة.يقول ناصر إنه ينتمي لعائلة أو بيت تجاري فوالده كان يعمل في مجال الأعمال الحرة والمقاولات وعزز ذلك بأن تخصص في تجارة الحديد والأخشاب، وفي المدينة استطاع أن يفتح محلات “سوبرماكت” وأخرى للسباكة والنجارة، ولاشك أن كل ذلك عزز من خبرات ناصر وفي وقت مبكرمنذ أن كان عمره خمس سنوات وهو بجوار والده، والأمر الطبيعي أن يتعلم منه، وأن يكون مجال التجارة بالنسبة له محببا وسهلا فـ “التجارة ليست غريبة عني”.ويعود بذاكرته للطفولة ليقص لنا كيف أنه كان يقضي الإجازات المدرسية في شراء بعض البضائع ثم بيعها في الأكشاك بالمدينة المنورة، كان ذلك عملا موسميا فيه شيء من المتعة والخبرة، وكذلك في بعض المواسم عمل ناصر في محلات المجوهرات حيث اكتسب خبرة جيدة في هذا المجال لكنه لم يصبح تاجر مجوهرات بل سيارات، لأن للأقدار كلمتها طبعا. والأن بقوة يتذكر عمله في إجازة الصيف كموظف بمحلات مجوهرات الشريف فؤاد عبد الله بالحرم، ومن ثم بمصنع للمجوهرات في جدة.وخلاصة هذه التجارب من الطفولة إلى النضوج إن العمل التجاري بات سهلا بالنسبة له باعتباره شيئا يوميا يمارسه ويعشقه، والوالد كان رأس الرمح في كل ذلك.يؤكد مجددا كيف أن والده كان يرسله لقضاء أمور عديدة وبهذا عليه أن يجتاز اختبار أن يقوم بالأشياء بنفسه.. كما أن المجتمع السعودي كما يرى ناصر يتيح لك من وقت مبكر الاحتكاك بالشارع والحياة العامة، وهذا أمر جيد يستفيد منه الإنسان أكثر مما يتعلمه من الكتب.وبعد تخرجه عمل ناصر الحارثي أولا في شركة كوكا كولا حيث تدرج من محصل إلى محاسب ثم كبير محاسبين في مدة ثلاث سنوات، وكذا عمل بجامعة الملك عبد العزيز بجدة في مجال المحاسبة بمعهد البحث العلمي وإن كان براتب مقطوع، غير أن محصلة هذه الأمور كان مفيدا جدا.عالم أمريكا ونظرة جديدة

في أبريل 2006 وصل ناصر إلى الولايات المتحدة بهدف دراسة الماجستير وكان قبلها قاب قوسين في طريقه إلى استراليا للهدف ذاته عبر قرض من شركة تويوتا يتم تسديده لاحقا أثناء العمل، وقد كان برنامج الابتعاث الملكي في أول دفعة له فرصة غيرت اتجاه البوصلة، ليدرس ناصر تخصص التجارة الإلكترونية الذي يعتبر تخصصا جديدا نوعا ما وقتها، فعوالم الشبكات والإنترنت بدأت في التوسع واختراق العالم، واستطاع في نيويورك أن يواصل تعليمه كما كان يحلم من قبل أن يكون ذلك حتى لو لم يتوفر الدعم الحكومي.يرى ناصر أن التخصص الذي درسه أفاده في عمله كثيرا، وإذا لم يكن قد فكر في البداية أن يصبح تاجرا في أمريكا إلا أنه استغل المكان والزمان وحاجة الشعب السعودي لسلعة معينة هي السيارات لتكون انطلاقته الحقيقة في مجال الأعمال، وقد سار في الطريق وهو يعي ويؤمن تماما بأن أبناء بلده يحتاجون إلى من يخدمهم بصدق وأمانة، ولكن القاعدة التي تعلمها وكان يكررها: “شعبنا يحب ان يتعامل مع ابن بلده حتى لو كان عنده أخطاء أو أغلى.. وهذا شجعني”.كيف أصبح ناصر تاجرا؟

عن الظروف التي جعلت من ناصر الحارثي يتجه الى العمل في تجارة تصدير السيارات.. يقول إن ذلك كان مجرد صدفة، ففي عام 2009 طلب منه أحد الأقارب بالسعودية أن يشتري له سيارة موديل 2002 من أمريكا بمبلغ بسيط ويرسلها إليه في المملكة، وقد فعل ذلك رغم أن التجربة مرت بمخاطر وعقبات ولم تنته بالتصور المطلوب.. لكن رب ضارة نافعة، فوراء ذلك كان أن تحقق حلم آخر ونمت فكرة تاجر السيارات في ذهنه. فما حدث أن السيارة تأخرت في الوصول ومكثت وقتا طويلا في الميناء وكان أمر تخريجها معقدا ويرجع ذلك كما يصوره ناصر لعامل الخبرة وغياب المعلومات الوافية، ومقابل ذلك كان أن زعل قريبه وتراجع عن الطلب، ليتورط ناصر مع السيارة التي استطاع أن يخرجها بعد ذلك من الميناء ولحسن الحظ باعها بسعر كان مجزيا وأعلى من التكلفة، إذن فقد ربح. لكن الربح الأكبر أو المكسب كما يقول: “انني تعلمت من ذلك اشياء كثيرة”.الخطوة الثانية كان أن وضع ناصر إعلانا لمن يريد المساعدة في شراء سيارة، أراد أن يستفيد من تجربته مع السيارة الأولى ليحصل ربحا جديدا. وكان أن اتصل به شخص كان مشرفا على التجارة الإلكترونية بموقع اسمه بوابة العرب الرقمية وكلمه أنه يريد سيارة موديل 2004، وقد نجح ناصر هذه المرة وأرسل السيارة واستلمها الرجل ليكتب بعدها هذه التجربة في موضوع على الإنترنت مدعوما بالصور. وكان ذلك داعما معنويا وحقيقيا لناصر الحارثي، ومن هنا كانت الانطلاقة وأصبح الناس يتصلون به يوميا يسألون عن شراء السيارات. وقد كرر الرجل نفسه العملية من جديد وطلب سيارة أخرى كما طرح التجربة مرة أخرى في موضوع آخر، كنوع من التشجيع لناصر وإيمانه بموهبته.يقول ناصر إن ذلك الشخص كان يعمل أيضا في الاستيراد ولكنه في مجالات أخرى غير السيارات، وأنه كان يتحرى كل شيء بدقة من أجل أن يتأكد من مصداقيته وأمانته، فقد كانت أسئلته كثيرة: “كان يهدف منها إلى أن يعرف صدقي وأنني لست نصابا ولم يكن ثمة سجل لي في الوقت ذاك.. حيث كنت أحوّل الأموال في حساب الوالد”.بالطبع لابد أن تمر التجارب الأولى بهذا المسار، ومن ثم كان الضغط والاتصالات والطلبيات المتلاحقة، لكن ليس أيضا للطريق أن يكون سهلا، فالبعض كان ينسحب قبل نقطة النهاية وقبل أن يستلم السيارة بقليل، وكان ذلك يعوق العمل لكنه بنظر ناصر لم يكن مؤثرا بدرجة كبيرة، “لأنه دائما هناك أناس جادين بدرجة كبيرة”.لماذا السيارات؟

يشرح ناصر أسباب اتجاهه للتخصص في تجارة السيارات، بالإضافة للقصة المذكورة، وأن له أيضا خبرة قصيرة في مجال بيع وشراء السيارات في السعودية قبل الابتعاث ولكن لا يؤخذ بها كسبب حقيقي.. يشير إلى أن النواحي العملية برأيه تكمن في تعطش المستهلك السعودي للحصول على سيارة نظيفة بسعر معقول، خصوصا قبل أن يصدر قانون المنع أو التقنين بخمس سنوات لدخول السيارات إلى المملكة. “فقبلها كانت السيارة نشتريها بـألفي دولار من أمريكا لتصل إلى المملكة بحدود 25 ألف ريال سعودي بعد أن تجتاز الجمارك وتعيش مع صاحبها من 5 إلى 7 سنوات، وهناك سيارات من تلك الفترة لا زالت مستخدمة إلى اليوم” كما يؤكد. كانت الأمور أفضل وثمة خيارات وأسعار مغرية ومناسبة.. ولكن!!يرى ناصر أن قرار المنع كان غير مفيد للمستهلكين، ولم يكن في الصالح العام لأن الناس كلها ليس عندها المال الكافي لشراء سيارة فارهة أو مكلفة، فأقل سيارة يصل سعرها إلى مائة ألف ريال وهذا كثير جدا في ظل ضعف السيولة في السوق بالإضافة إلى أن معظم المستهلكين من شرائح الشباب والمقبلين على الزواج وحديثي التوظيف وهذا كثير بالنسبة لهم، وإذا ما توفر لأحدهم هذا المبلغ فلن يفكر في المستورد بل سيتجه مباشرة إلى الوكالة داخل المملكة، فالقرار بنظره أضر الشعب وخدم الوكلاء فقط كذلك أضر المصدرين أمثاله، ولهذا يدعو ناصر إلى إعادة دراسة الموضوع بشكل أشمل بأن تكون هناك استثناءات لفئات الضمان الاجتماعي والأرامل واليتامى وذوي الاحتياجات. وعموما فإن قرار المنع جعل ناصر يتجه للتصدير بدلا عن التركيز على المستعمل فحسب وبطلبيات محددة لأفراد بعينهم.بوابة المصدر

يحدثنا ناصر عن البداية وكيف تطورت التجربة من العمل الفردي إلى أن تعززت في شكل شركة شاملة باسم “بوابة المصدر” والتي تعتبر اليوم أكبر جهة تصدر سيارات من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية والسعودية والخليج، يقول إن من أول العوامل التي ساعدته على النجاح في هذا المشروع وجود صاحب العمل في أمريكا، حيث يكون التعامل المباشر مع ملاك السيارات بالولايات المتحدة وفحصها بدقة والتأكد من سلامتها وغيرها من النواحي الاشرافية، ومن ثم تنقل السيارة لجدة حيث يتسلمها أخوان ناصر في مكتبهم هناك، ويسلمونها لطالبها في السعودية فثمة متابعة من الجانبين هنا وهناك والأقارب يقومون بالعمل بشكل جيد وأمين فـ ” هم صاحب الحلال وهذا شيء مطمئن” كما يؤكد ناصر.ولكن مع توسع العمل بحيث صارت الشركة كبيرة والطلبيات عالية فإن الوضع لابد أن يتجه إلى المؤسسية بشكل أوضح، وهنا صار للشركة الكثير من الموظفين وفتحت المكاتب بأكثر من موقع، وهنا لم يعد الكثير من العملاء يتواصلون كما في السابق مع ناصر مباشرة رغم أن أغلبهم يفضل ذلك. لكن ناصر من جهته يفضل أن يلعب الموظفون أدوارهم إلا أن تكون ثمة أمور تتطلب المناقشة مع الإدارة فـقاعدته هنا هي: “إذا لم تصل لما تريد كلمني او اترك لي رسالة” ويوضح ذلك بشكل مهذب.ويشرح ناصر أن عمله لا يعتمد على الدعاية والإعلان بقدر ما يقوم على التسويق عبر العلاقات الاجتماعية، فأغلب العملاء جاؤوا عن طريق توصيات من عملاء أقدم وهكذا، وهذا أسس قاعدة كبيرة من العملاء كل يشرح تجربته لمن حوله وتوسعت الدائرة هكذا يوما بعد يوم، ونتج عن ذلك أن تم افتتاح مكاتب أخرى، بعد أن نشأ الطموح بالتوسع، وكان اختيار موقع المكتب يعني أن تدرس المجتمع وحاجته في المكان المعين، وهنا يقول ناصر إنه مثلا لم يفكر في فتح مكتب بالمنطقة الغربية كذا الشرقية “لأن الناس هناك لها المعرفة والتعلم الذي يمكنها من أن تحضر لأنفسها سيارات من أمريكا مباشرة دون الحاجة لخدمة من طرف آخر، وذلك بخلاف المنطقة الوسطى فالغالبية من البدو الذي يريدون سياراتومعهم أموال ولكن لا أحد يحضرها لهم، ولهذا كان مكتبنا في الرياض والذي مثل نقطة تحول بحق…فالرياض بها أموال راكدة تحتاج التحريك… ومن ثم جاءت عروض من دول أخرى مجاورة لفتح فروع”، لكن ناصر لم يكن مرتاحا للأمر ولا متعجلا، وفي الأخير اقتنع بأن يفتح مكتبا في الكويت وقد كان.واليوم يعمل في “بوابة المصدر” قرابة 26 موظفا، تسعة منهم موزعين على مكاتب السعودية ثلاثة بكل مكتب، واثنين بمكتب الكويت، بالإضافة إلى من يعملون في مجال التسويق من على البعد بدوام كامل، وهم من دول مختلفة لفارق التوقيت بحيث يتم الاحتفاظ باستمرار الإعلان والتواصل على مدار الساعة، وهؤلاء تخصصاتهم في مجال تقنية المعلومات والكمبيوتر وهم مسوقون محترفون في مجالهم.وتقدم “بوابة المصدر” مجموعة من الخدمات المتعلقة بالسيارات وهي شحن جميع انواع السيارات والقوارب والمعدات الثقيلة داخل امريكا وإلى اي ميناء بالعالم، بالإضافة إلى فحص السيارات لدى مراكز متخصصة وأيضا الوكالات وإصدار تقرير بذلك وتخليص جميع السيارات والشاحنات والبضائع من ميناء جدة وشحنها لمكان العميل، بالإضافة إلى إرسال عروض بشكل مستمر للمشتركين بالقائمة البريدية، ومن الخدمات تقديم شرح مفصل ومبسط للعملاء عن كيفية البحث في أفضل المواقع لبيع السيارات في العالم على قناة الشركة في اليوتيوب، أيضا الجانب الإنساني في تقديم خدمات بدون مقابل لذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى لتلقي علاج بأمريكا. ويتيح موقع الشركة على الإنترنتfromusatoksa.comكلالعمليات المذكورة، خاصة كل يتعلق بالسيارات والمعدات الثقيلة من شحنها وتخليصها من أمريكا للسعودية، وفي الموقع نجد كل الخدمات من تخليص ومتابعة وشحن جوي، أيضا إجراء العمليات نفسها داخل أمريكا وبأسعار مناسبة جدا للطلبة السعوديين هنا.
ناصرالحارثي.. ملك السيارات في أمريكا
الصعوبات والتحديات

“ما هي الصعوبات التي واجهتكم خلال تجارة تصدير السيارات؟”، يجيب ناصر على هذا السؤال بالقول إن الأعنف والأقوى كان قرار تقنين السيارات لخمس سنوات والذي صدر بعد سبعة أشهر تقريبا من بدئه العمل في هذا المجال، فكان أن شكل تحديا وأضر بالعمل حيث حد من الكميات التي يتم تصديرها وقتذاك، ففي السابق كان مبلغ 30 ألف ريال كافيا لشراء سبع سيارات من موديل سنة 2000 والسنوات التي تليها، وكان الكل يستفيد، وصار الوضع الجديد أن أقل سيارة يصل سعرها 85 ألف ريال فما فوق، لأن التركيز بات على السيارات الجديدة.يرى ناصر أن ذلك بالطبع انعكس سلبيا على الشباب والمقبلين على الزواج، ورافق ذلك صعوبات أخرى مثل التضييق على نظام الضمان ورقم الهيكل وغيرها من أمور تقنية تفرضها القوانين المتغيرة من فترة لأخرى في السعودية، وهذا كان ولا زال أمرا مزعجا للعمل في مجال التصدير.فعلى سبيل المثال فمن الصعوبات أن الكرفانات موديل 2010 عندما وصلت إلى السعودية قيل إنها موديل 2008 وكادوا أن يرفضوا إدخالها بحجة تعدى مدة السنوات الخمس.. والسبب أن الهيكل يتم تصنيعه أولا ومن ثم السيارة وهذا ما يجعل هناك فارقا في التاريخ، وقد كان من الصعب إقناع الجهات المسؤولة في السعودية بذلك، عن سبب الاختلاف بين الرقم في الهيكل وتاريخ التصنيع الذي وصلت السيارة على أساسه، يقول ناصر: “هذه المشكلة وبسببها تتعطل السيارة وتمنع من الدخول”، ويضيف: “هذه بعض القرارات العقيمة التي لا تصب في مصلحة أحد حيث يعملون بالنص وليس روح القانون”. وأشار في هذا الخصوص إلى معضلة الفساد التي باتت تنخر في جسد المؤسسات بالمملكة: “فالجمرك يعاني في هذا الجانب فلكي يحصل الموظف على المال من تحت الطاولة يعيدك إلى القانون وبشكل حرفي، وإلا على الأقل يحسبها جميلة عليك إن لم يأخذ مبالغ منك”، وهذا بات من أشهر الصعوبات بتقديره.وبالنسبة لعدد السيارات التي يتم تصديرها من أمريكا إلى السعودية ودول الخليج سنويا يقول ناصر إن العدد في تصاعد مستمر خصوصا في السنوات الأخيرة، فبعد إنشاء المكاتب والاستعانة بالموظفين، يقدر عدد السيارات المصدرة بـ 300 إلى 400 سيارة سنويا، ولكن في بعض المواسم ينخفض العدد كما في أزمنة الحروب فهناك صعوبة في الشحن، فكثير من البواخر ألغت الحجوزات وهذا لايشجع بالطبع.كذلك يشير إلى أن من الصعوبات التي واجهتهم أن بعض السيارات الأكثر استهلاكا مثل جراند ماركيز وسيارة فكتوريا ونسبة لتوقف تصنيعها منذ 2011 فإن ذلك جعلها قليلة في السوق الأمريكية ما يعني شح في تصديرها على الرغم من الاقبال عليها في السعودية، وبالتالي فمثل هذه الأنواع ترسل حسب الطلب وليس بكميات كبيرة كما في الأمس القريب.إزاحة الكبار وعالم المنافسة

إلى عهد قريب كان تصدير السيارات من أمريكا الى المملكة العربية السعودية محصورا بتجار أمريكان وعرب.. فكيف أزاح ناصر الحارثي كثيرا من التجار وأصبح اسماً لامعاً؟، هذا السؤال يجيب عليه ناصر بعبارة بسيطة وهي أن تفهم كيف يفكر المستهلك، حيث يقول إنه بحكم أنه سعودي يفهم كيف يفكر المستهلك السعودي، وهذا ما لا يعرفه الأمريكان ولا العرب الآخرون مثله تماما: “فنحن شعب نفكر بطريقة مختلفة، وتطغى عندنا النواحي العاطفية.. فأنا ومن الممكن بمجرد أن أتصل عليك وأعرف عائلتك لا أسأل عن أشياء أخرى”.ويرى “أن مسألة وعي المستهلك تتضمن أمورا كثيرة منها مثلا طريقة الحديث مع العميل وبالنسبة للسعودية فعندما يتصل بك أي فرد من جهة معينة في المملكة فإنك تحتاج إلى لغة وحوار مختلف حسب المنطقة التي ينحدر منها، كذلك لابد من انتقاء المصطلحات وهذا ضروري في علم سلوك المستهلكين، فأهل المنطقة الغربية يميلون للمرح وربما دخل معك أثناء الكلام في أمور أخرى غير التجارة، هذا على سبيل المثال. والأخذ بهذه الأمور ضروري”.ويضيف: “بشكل عام في إطار استطاعتي أو قدرتي على أن آخذ موضعي في السوق، لكن الجنسية تلعب دورا هنا كما أشرت، فالناس ترتاح لابن بلدها.. وبالنسبة لي ففي البداية كان بعض الناس يحتاجون لأن يسألوا عني ولكن الآن وبمرور السنوات فبمجرد سماع اسم الشركة يصبح كل شيء واضحا، فقد صارت هناك ثقة عند الكثيرين حتى دون عقود بعد أن توطد الاسم والسمعة الحسنة، وهنا أشير إلى هناك من عملوا معي بملايين الريالات دون أي عقود وعندي الاسماء، والسبب هو الثقة ببعضنا”.ويشير ناصر الحارثي إلى أن هناك من تعرضوا لعمليات نصب واحتيال بسبب التعامل مع جنسيات أخرى من غير السعوديين، حيث يصعب حل المشكلة او استرداد الأموال، وهذا بالطبع خدم كثيرا مشروعه التجاري، وضرب مثالا بقصتين الأولى حدثت مع كويتي أرسل مبلغ 700 ألف دولار لشراء سيارات من أمريكا عبر تكساس من رجل امريكي ووسيط من جنسية عربية، ومن ثم تعرض للنصب من كليهما، يقول: “الخلاصة أن الكويتي اتصل بي في النهاية وتابعت له الموضوع إلى أن توصلنا لحل وكسبت بذلك سمعة واستطعت أن أنشيء للرجل وكالة تجارية لثقته بي”. والمثال الثاني أن اتصالا جاءني (اليوم) من شخص سعودي في نيوجرسي تعرض لنصب من قبل عربي قام بتحويل أموال على حسابه لشراء سيارات والرجل قام بسحب “الفلوس” ولم يعمل شيئا.ويلخص ناصر المشهد بقوله حول قدرته على إزاحة الكبار: “الشاهد أن العرب خربوا على انفسهم وهذا في مصلحتنا”، ويؤكد أنه لم يسمع بسعودي في أمريكا عليه قضايا احتيال مالي من هذا النوع، مشددا: “نتمنى ان نكون كما يحسبنا الناس.. الناس لو سرقت يعرفوا يجيبوك.. ونتمنى ان نكون عند حسن الظن”.على صعيد آخر فإن عددا من السعوديين وبعد تجربة الابتعاث اتجه إلى تجارة تصدير السيارات من أمريكا، ويرى ناصر أن ذلك لم يؤثر على عمله، بل على العكس كان إيجابيا، فنجاح تجربة الآخرين في هذا الجانب اعتبرها نجاح له، ذلك لأن انتشار هذه الثقافة يرجع في الأصل أو المصدر إلى تجربته التي رأى البعض تقليدها بعد نجاحها، ولكن من زاوية نظر أخرى “فإن الناس في النهاية سوف تبحث عن الحقيقي ومن هو الأفضل وبالتالي تبدأ رحلة البحث عن المصدر فيصل الناس إلينا.. وهذا ما يحدث”، يؤكد ذلك ويضيف: “لقد فُتِحت مكاتب كثيرة ومثال على ذلك أن موظفا معي بالرياض ذهب وفتح مكتبا بنفسه ليصبح منافسا لي بعد ان اكتسب الخبرة معنا، لكن ذلك لم يضرني، بل أفادني بطريقة غير مباشرة.. والرجل بعد أن اشتغل لعامين قرر أن يبيع مكتبه، والسبب يرجع إلى أنه ليس لديه هنا في أمريكا من أحد ليقوم بعمليات الشراء والفحص وغيرها، وهذا ضروري، وإذا كان قد اعتمد على غير سعوديين فقد وقع ضحية مضاعفة الأسعار عليه وعيوب في السيارات وهذا أوقعه في قضايا مع وزارة التجارة في السعودية”.نصائح لموردي السيارات الجدد

إن الفشل الذي وقع فيه البعض ممن حاول السير في الطريق نفسه يقود إلى السؤال حول الأسباب التي تجعل النجاح ممكنا، أو ما هي النصائح التي يقدمها ناصر الحارثي لمن يريد أن يدخل مجال تصدير السيارات، هنا يقرر الآتي:أولا: أن أول شيء يجب أن يقوم به الشخص هو أن يكون له تواصل جيد مع موقع مصلحة الجمارك في السعودية بالاطلاع المستمر على الشروط والتجديدات في القوانين، ما الممنوع وما المسموح وغيرها من الأمور.ثانيا: يجب ألا يتعامل بـ “الكاش” وأن يقتصر تعامله على الـ “وير ترانسفير” أي المعاملات البنكية الإلكترونية، لكي يحمي نفسه من حركة الأموال الورقية، التي تثير الشبهات أحيانا. كما عليه الابتعاد عن التحويلات المالية الكبيرة إذا كان طالبا لأن ذلك يضعه في دائرة المراقبة وقد يعرضه للمساءلة أمام السلطات الأمريكية، وقد يغلق حسابه البنكي.ثالثا: أن يحاول بأن يجعل عمله قانونيا عن طريق عمل سجل تجاري والابتعاد عن الفردية في العمل، فالناس تريد أن تتعامل بشكل رسمي يضمن لها حقوقها، لذا ابدأ بفتح سجل تجاري حتى تستطيع أن تصدر عددا كبيرا من السيارات بسهولة.رابعا: ابتعد عن إعطاء عنوانك بأمريكا لأكثر من شخص بهدف الشراء لأشياء معينة لصالح هؤلاء الأشخاص أو خدمتهم، فهذا يضرك ويضعك في مثار الشبهات كذلك، حتى لو أنك تفعل ذلك من باب الشهامة والنخوة.خامسا: ابتعد عن السيارات “الزيرو” الجديدة خاصة المرسيدس، لأن تسجيلها يحتاج فترة طويلة لا تقل عن سبعة أشهر ما يدخلها في قائمة الانتظار “اللست” وهذا يؤخر عملية التصدير للسعودية، وبالتالي سوف تجد أنك تخسر بدلا من أن تكسب، وقد تتعرض لأخطاء تقودك للمقاضاة.سادسا: تجنب شراء السيارات من الغرب الأمريكي لأن الشحن سيكون مكلفا ويضاعف التكاليف فالسيارة قد تكلفك 3 ألف دولار إضافية للشحن إذا ما جاءت من الغرب، لذا ركز على الشرق الأمريكي من فلوريدا إلى جورجيا ونيويورك حتى لو أن سيارة الأخيرة مشبعة بالصدأ لكنها ستظل أرخص وأفضل.سابعا: لا تشتري سيارة إلا ومعها “تايتل” وهي عبارة عن ورقة فيها بيانات السيارة وبيانات المالك تماما مثل الاستمارة في السعودية، كذلك عليك أن تتأكد من عدم وجود رهن أو قرض للسيارة، لان هذا سوف يعطلها في الجمرك.ثامنا: لا تشتري سيارات “سالفاج” كأن معرضة للضرر أو حادث وتم إصلاحها، كذلك السيارات الـ “ريبلد” أي المجمعة، لأن هذا سوف يخصم من القيمة ومن السمعة.تاسعا: ابتعد تماما عن سيارات التاكسي والليموزين والتأجير فهي لا تدخل السعودية.مشاريع مستقبلية

ينظر ناصر إلى المستقبل بآمال كبيرة، ويخطط للعديد من المشاريع، فذهنه بات يتحرك من أمريكا إلى الصين مرورا بأوروبا، فقبل سنة سافر للقارة الأوروبية لستة أشهر بهدف تعزيز التجارة مع أوروبا ونتج عن ذلك أن أنشأ موقعا جديدا هو “فروم يوروب” والذي خصصه فقط للشاحنات لأنها تأتي من هناك بدرجة أولى وأفضل، وقبل أيام عاد ناصر من اسبانيا ليجلس مع موردين من الصين، بإيمان أن ثمة عالم آخر يجب عليه اختراقه، يقول عنه إنه “عالم رهيب وتجارة لم نتبحر فيها نحن السعوديون”.ويتوقع أن يكلل فكرته بخصوص الصين بعد أن أسس المشروع الأوروبي بأن يفتح مكتبا في بكين خلال الشهور القادمة ليتاح له الاستيراد من الصين، ففي نظره أن أمريكا باتت مكشوفة للجميع واتسعت المنافسة بشأنها في حين لا تزال الصين تحمل غموضا وأسرارا وفرصا، ويقول على سبيل المداعبة: “قد يكون صعبا أن تشتري من الصين ومن على البعد فقد يرسلون لك حاوية فارغة ليس فيها شيء”.كذلك يفكر الرجل في اتجاهات أخرى مثل الاستثمار في مجال العقارات في فلوريدا، يقول إنه يمتلك بينا هنا ويريد شراء بيوت أخرى في مناطق ثانية، من أجل دخول هذا المجال ورغبة في تنويع العمل التجاري، وعلى العموم ليس ثمة ما هو نهائي في عالم التجارة.