فكرة الموضوع أجراها الله على لسان أحد العلماء الأفاضل ممن أحسبهم على خير ولا أزكيهم على الله,
هات ورقة وقلم وارسم على الصفحة البيضاء قلبا ,
ثم هات قلمين أحدهما سنه رفيع والآخر سميك ,
وتخيل أنك مع كل ذنب صغير تضع في القلب الأبيض نقطة بقلمك ذي السن الرفيع ومع كل كبيرة ففعلها تضع فيه نقطة كبيرة بقلمك ذي السن العريض ,
مع الوقت هل يبقى من بياض القلب شيء ؟
طيب كيف نبرر لأنفسنا فعل الذنوب بحجة أنها صغيرة ؟
لو ظللنا نضع نقاطا صغيرة داخل القلب فسيسود كله مع الوقت,
فعلينا أن لا نستهين بالذنب وإن صغر في عيوننا , فليس العبرة بحجم الذنب ولكن بقدر من نعصيه ,
وقبل هذا المثال وأفضل منه بمراحل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين قال :::

(((" إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ (4) الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] "))).
وجاء في شرح علي القاري لرواية قريبة من هذه الرواية : :
النكتة: الأثر ,
صُقِلَ قَلْبُهُ : نَظُفَ وَصَفِيَ مِرْآةُ قَلْبِهِ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْقَلَةِ تَمْحُو وَسَخَ الْقَلْبِ وَسَوَادَهُ.
وَإِنْ زَادَ: يعني في الذنب بعينه (يعني بنفس الذنب) أو بغيره من الذنوب ,
زَادَتْ: أَيِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ أَوْ يَظْهَرُ لِكُلِّ ذَنْبٍ نُكْتَةٍ ,
(كَلَّا) أَيْ: حَقًّا (بَلْ رَانَ) أَيْ: غَلَبَ وَاسْتَوْلَى (عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أَيْ: مِنَ الذُّنُوبِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا خَيْرٌ قَطُّ.
(منقول من شرح علي القاري بتصرف كبير)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ::

« تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». قَالَ أَبُو خَالِدٍ فَقُلْتُ لِسَعْدٍ يَا أَبَا مَالِكٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا قَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِى سَوَادٍ. قَالَ قُلْتُ فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا قَالَ مَنْكُوسًا.
رواه مسلم
__________
معانى بعض الكلمات :
المجخى : المائل عن الاستقامة والاعتدال
المرباد : المتغير سواده بكُدْرَة
الصفا : جمع الصفاة وهى الصخرة الملساء.
أُشْرِبَهَا: قال النووي : دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا,
قال النووي : أَنْكَرَهَا: رَدَّهَا,
قال النووي: قال القاضي عياض: لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ ,
مقال النووي عن قوله عليه الصلاة والسلام ( لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا): قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ,
انتهى النقل بفضل الله ,
والله أعلم
فلا ستصغر الذنوب فإن معظم النار من مستصغر الشرر ,
انشر لغيرك