الحمد لله رب العالمين ،،،


مأساة أظنها تفوقت على جميع الماسي التي سمعنا بها في سنة الماسي والاحزان 2008 ،،،


انهيار ثمان كتل صخرية ضخمة يصل طولها إلى 15 مترا ، وعرضها إلى 9 أمتار ، من جبل المقطم على منازل الفقراء الذين يسكنون على سفح الجبل ،،،


الكارثة نتج عنها حتى الان مقتل 22 شخصا ،،، ولا يزال هناك عدد كبير من المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم ،،،


حسبنا الله ونعم الوكيل ،،،


حياة كيئبة ومأساوية عاشها هؤلاء الفقراء في هذه الأحياء التعيسة بين أكوام الزبالة ، والأوبيئة ، والملوثات ، والبهائم ،،، ومن ثم الموت والنهاية المأساوية تحت هذه الصخور التي هبطت عليهم وهم نيام ، لتقضي على ما كان لهم من حياة كلها شقاء وفقر وعوز وذل ،،،


حياة ليست كحياة بقية البشر ،،، وموت ليس كموت بقية البشر ،،، وحسبنا الله ونعم الوكيل ،،،


أسأل الله العظيم رب العرش الكريم ، في هذه الليلة المباركة أن يكتبهم من الشهداء ، وأن يعوضهم بجنات عرضها الأرض والسماء ، وأن يجازي من تسبب في مأساتهم بالذل والشقاء ،،،


حسبنا الله ونعم الوكيل ،،،


الماسي الطبيعية تحدث في كل بلاد العالم ، ولكن لدينا تكون المآسي أكثر مرارة ،،،


مآسينا - غالبا - غير طبيعية ،،، ماسي ناتجة عن تصرفات سيئة ، وتمييز بين الناس ، وتفضيل بعضهم على بعض ، كل بحسب ما يملكه من قوة في النصب والسرقة والاحتيال والضحك على الضعفاء ،،،


الحكومة الان تتقبل بصدر رحب تلك الانتقادات ، و تعد بتعويض من فقد منزله بمنزل جديد ،،،


من مات ذهب ولن يعود ، ولكن الأهم الان هم الأحياء ،،، والبحث عن رفع مستوى المعيشة لبقية الفقراء ، وتجنيبهم مثل هذه الكوارث ، هي أبسط الواجبات الإنسانية التي من المفترض أن يقوم بها كل مسئول له علاقة بهذه الكارثة لو كان لديه مثقال ذرة من إنسانية ،،،


جميع الأغنياء في مصر أو في غيرها ، لم يستمتعوا بهذا العز وهذا الثراء إلا من كدح وشقاء هذا الفقير المسكين ،،،


الفقير هو قاع الهرم ، وهو اللبنة الأولى في أي مجتمع ، وكل غني لم يحصل على عزه وجاهه إلا من مجموعة جهود مجموعة من هؤلاء الفقراء ،،،

مشكلة الفقير الذي يرى في جرة الفول أو عربة نقل النفايات أو مزرعته الصغيرة أنها مصدر ر**ه الوحيد ، أن طلبه للر** لسد رمقه ورمق أبنائه وكفايتهم قد أشغله عن معرفة حقوقه ، ومعرفة أهميته ، و معرفة مايجب له على ذلك الغني الذي أصبح مع الأيام والعوز وشدة الفقر يبالغ في تعظيمه وتسييده وتربيبه ،،،

لا يزال أغلب الفقراء من العرب والمسلمين ينظرون إلى الغني أنه صاحب الإحسان ، وصاحب الفضل ، ويتمنون فقط تقبيل يديه وقدميه لقاء صنيعه معهم عندما يكرمهم بقطعة خبز في أخر النهار ، وهم لا يعلمون أنهم هم أصحاب الفضل والمعروف عليه ،،،

ولا يزال الفقراء يرون كل كارثة تحيط بهم ، أنها بسبب تقصيرهم ، وذنوبهم ، واهمالهم ، وليست بسبب سوء تصرف قديم أو حديث من سيدهم المطاع ، فهو سيد مطاع له الفضل وبيده الاحسان ، لا تصل إليه التهمة ولا تحيط به الريبة ،،،

وفي المقابل لا يزال الغني يرى في الفقير سبب كل كارثة وكل بلاء ، وأنه لولا جوده وكرمه وعطفه وإنسانيته ، لازداد الفقير سحقا وعناء وشقاء ،،، وأنه لولا صلاحه وإحسانه وبره ، لكانت ذنوب ذلك الفقير سببا في زيادة شقائه التي قد تعم جميع الناس ،،،

دائما ينظر الغني إلى نفسه بأنه ذكي ، وملهم ، ويحسن التدبير والتصرف ، لذلك فضله الله على الفقراء ، لأنه يملك مالا يملكون من مميزات بشرية نادرة لا تكاد توجد إلا في عدد قليل من البشر هو منهم بلا شك ،،،

ولا يزال الفقير ينظر إلى نفسه ، أنه ضعيف مسكين ، قليل التفكير ، ضعيف الحيلة ، عاجز ، غبي ، وأنه لم يخلق إلا لتلبية طلبات ذلك الغني والسعي لراحته ،،،


والحقيقة أن كل هذا ترسب وأصبح يقينا مع الأيام ، بعد أن أصبح من أساسيات الثقافة التي تعيشها تلك المجتمعات ،،،


ولكن الحقيقة أن الجميع عباد الله ، لا فرق بينهم إلا بالتقوى والطاعة ، وأن الحياة فرص وغالبا ما يستغلها أقلهم ذمة وأسوأهم ضميرا ، أسوأ استغلال ، في حين يتورع عن ذلك من كان مثله من الفقراء البسطاء الذين يمنعهم ضميرهم الحي وذمتهم التقية ،،،


كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يحب المساكين ، ويعطف عليهم ، ويقربهم ، ويبتعد عن الأغنياء والأثرياء الذين غلب عليهم البطر والجشع ،،، ولو كان الفقراء والمساكين كما يتخيلون في أنفسهم ، وكما يتخيلهم بقية الناس ، لما قال عليه الصلاة والسلام : اللهم أحييني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين ،،،

لو كان الناس كلهم فقراء ، لعاش الناس في حب وتسامح وتاخي وتكاتف ، ولو كان الناس كلهم أغنياء لعاش الناس في حروب وماسي وكوارث لا تنتهي ،،،


كم أسأل الله أن تقتصر أسباب هذه المأساة على تقصير الحكومة وتحميلها المسئولية ، وكم أسأل الله أن تتدخل منظمات حقوق الإنسان العالمية في هذه الكارثة ،،،


وحسبنا الله ونعم الوكيل ،،،