الوقاية من أمراض الكبد الفيروسية.. ضرورة ملحة، وهدف ممكن التحقيق


د. أحمد حلمي سالم*

تعتبر الإصابة بفيروسات الالتهاب الكبدي مشكلة صحية عالمية، ومما يؤسف له أن بلاد المسلمين، ومنها المملكة العربية السعودية، لم تسلم من هذه الفيروسات التي تتسبب في أمراض الكبد المزمنة وأورامه، وللإصابة بهذه الفيروسات أبعاد سلبية من النواحي الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ونركز في هذا المقال على الفيروسات «ب» و«ج» و«د»، نظرا لمضاعفاتها الخطيرة وطبيعتها المزمنة وارتفاع كلفة وصعوبة علاجها.
يمكن منع الإصابة بهذه الفيروسات بعدة وسائل: أولها حماية عدم المصابين بواسطة التطعيم الفعال والمتوافر ضد الفيروس الكبدي النوع «ب» والمصنوع بالهندسة الوراثية بجرعاته الثلاث وهو أيضا يحمي ضد الفيروس «د» حيث أن الفيروس «د» لا يكون فعالا إلا في وجود الفيروس «ب». وثانيها التعرف على حاملي الفيروس وتثقيفهم وتحديد الحالات المرضية منهم وعلاجهم حيث أنهم يمثلوا مصدر العدوى لغيرهم. وثالثها نشر الوعي الصحي في المجتمع خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للعدوى والتعريف بطرق انتشاره وإشاعة العادات الصحية السليمة والنهي عن الممارسات الخاطئة ومن ذلك ما يلي:
1. ارتداء القفازات الواقية عند لمس أو تنظيف أي دم، وفي حال عدم توفر قفازات ينصح عند تنظيف أي منطقة ملوثة بدم لشخص آخر باستخدم قطعة من القماش وكثير من الماء بعد التأكد من عدم وجود جروح في الأيدي.
2. تجنب استعمال أدوات الحلاقة (مثلا الأمواس) وفرش الأسنان أو أقراط الأذن ومقص الأظفار وأدوات الحجامة والوشم الخاصة بالآخرين.
3. يجب ألا يقوم المصاب بالفيروس بالسباحة في المسابح في حالة وجود جروح في جلده.


4. استخدام العازل الطبي عند المعاشرة الجنسية إن كان أحد الزوجين مصابا بالفيروس أو حاملا له إذا كان الآخر ليس لديه مناعة ولم يتلق التطعيم بعد.
5. التأكد من تعقيم الإبر والمعدات الطبية ذات الاستعمال المشترك مثل معدات طبيب الأسنان والمناظير والأدوات الجراحية وأجهزة الغسيل الكلوي وغيرها.
وتعتبر الوسائل السابق ذكرها هامة وضرورية أيضا لمنع الإصابة بالفيروس “ج” فيما عدا عدم وجود تطعيم ضد هذا الفيروس رغم الجهود العالمية الكبيرة التي نرجو لها التوفيق. ومن فوائد الوقاية من الالتهاب الكبدي الفيروسي أنها تؤدي بالتبعية إلى الوقاية من الإصابة بجميع الميكروبات التي تنتقل بنفس الطرق ومنها فيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز.
مطلوب إعلان مشروع قومي للوصول لأقل معدلات الإصابة العالمية والتركيز على الأطفال واليافعين والإناث في مرحلة الخصوبة والإنجاب والفئات الأكثر عرضة وكذلك راغبي الزواج. يشمل المشروع محاور متوازية ومتكاملة منها توسيع دائرة برنامج التطعيم ليشمل الذين ولدوا قبل بداية التطعيم الإجباري، وفحص المنتجات الوافدة التي يتم حقنها عن طريق الوريد، والرقابة الدورية على إجراءات السلامة والتعقيم بالمراكز الصحية المختلفة ، وزيادة الوعي الصحي لدى العامة وتغيير العادات والتصرفات والممارسات التي تساعد على انتشار مثل هذه الفيروسات، وإدخال مادة التربية الصحية في مراحل التعليم المختلفة، كما يجب أن يشمل المشروع ضرورة الاكتشاف المبكر للحالات المصابة وسرعة علاجها في مراكز متخصصة ومجهزة، وإنشاء جمعيات ومؤسسات حكومية وغير حكومية لخدمة وتوعية المواطنين والمقيمين، ودعوة القطاع الخاص للمساهمة والقيام بدوره في دعم جهود التوعية والبحث العلمي في هذا المجال، والبدء في انجاز قاعدة قومية للبيانات يكون تسجيل الحالات فيها إجباريا - دون المساس بخصوصيات المرضى أو الحاملين للفيروس – لخدمة أغراض التقييم والمتابعة والبحث العلمي.


ولقد حققت كثير من البلدان نجاحات مبهرة في القضاء على هذه الفيروسات، ولا أرى المملكة أقل منهم إن أحسن التخطيط والإعداد، وارتفعت الهمم والإرادات، ووسد أمر القضاء على هذا الفيروس إلى أهله الثقات من كوادر متخصصة ومخلصة ومتفرغة، وتم توفير الوسائل والإمكانات، وجدير بالذكر أننا نرى في السنوات الأخيرة جهود مشكورة ونتائج ملموسة ومبشرة في طريق القضاء على هذه الفيروسات نرجو لها الدوام وتمام النجاح. والدليل على ذلك الدراسة التي قام بها الأستاذ الدكتور فالح الفالح وفريقه الطبي وتم نشرها في مجلة دولية متخصصة أثبتت أن نسبة الإصابة بالفيروس «ب» بين الأطفال قد انخفضت من 6.7% إلى 0.3% بعد ثماني سنوات من تطبيق المملكة لنظام التطعيم الإجباري للأطفال مما يبشر بانحسار المرض في المستقبل المنظور. وجدير بالذكر أن المملكة كانت في طليعة الدول التي سارعت بتطبيق برنامج التطعيم للمواليد. والمطلوب هو الاستمرار في هذا النهج بالإضافة إلى توسيع نطاق التطعيم كي يشمل أولئك الذين ولدوا قبل 1989 خاصة الإناث والفئات الأكثر عرضة للإصابة.
* قسم أمراض الكبد


لمسة ناعمة

:34: