عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
اقتضت حكمة الله أنه ما ارتفع شيء مِن الدنيا إلاَّ وضعه الله
قال مَن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : حقٌّ على
الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلاَّ وَضَعَه . رواه البخاري .
واقتضت حكمته أنَ مَن اعتزّ بِغير الله ذلّ .
روى الإمام أحمد في " الزهد " من طريق عن جبير بن نفير
قال : لَمَّا فُتحت قبرص وفُرِّق بين أهلها ، فبكى بعضهم إلى
بعض ، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت : يا أبا
الدرداء ما يُبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال :
ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله إذا هُم تركوا أمره ،
بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمْر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى .
وقال جعفر بن محمد : مَن أخْرَجَه الله مِن ذُلّ الْمَعْصِية إلى
عِزّ التَّقْوى أغْنَاه الله بِلا مَال ، وأعَزّه بلا عَشِيرَة ، وآنَسَه بلا أنِيس .
وقال يحيى بن أبي كَثير : كَان يُقَال : مَا أكْرَم العِبَاد أنْفُسَهم
بِمِثْل طَاعَة الله ، ولا أهَانَ العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل مَعْصِيَة الله .
وقال الحسن البصري : أبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ أن يُذِلّ مَن عَصَاه .
قال القرطبي : فَمَن طَلَب العِزَّة مِن الله وصَدَقَه في طَلَبها
بافْتِقَار وذُلّ وسُكُون وخُضُوع وَجَدَها عِنْده - إن شاء الله - غير
مَمْنُوعَة ولا مَحْجُوبَة عنه . قال صلى الله عليه وسلم : مَن
تَواضع لله رَفَعه الله . ومَن طَلبها مِن غَيره وَكَلَه إلى مَن طَلَبها
عِنده . وقد ذَكَرَ قَومًا طَلَبُوا العِزَّة عند مَن سِواه ، فقال :
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ
عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، فأنْبَأك صَرِيحا لا إشْكَال
فيه أنَّ العِزَّة له يُعِزّ بِها مَن يَشاء ، ويُذِلّ مَن يَشاء .
وقال : فَمَن كَان يُرِيد العِزَّة لِيَنَال الفَوْز الأكْبَر ويَدخُل دَار العِزَّة
- ولله العِزَّة - فَلْيَقْصد بالعِزَّة الله سبحانه والاعْتِزَاز به ، فإنه
مَن اعْـتَزّ بالعَبْد أذَلَّه الله ، ومَن اعْـتَزّ بِالله أعَـزَّه الله . اهـ .
ومَن اعتزّ بالكفّار أذلّه الله ، وأذاقه الذلّ والصَّغار على أيديهم !
ذلك أن حكمة الله اقتضَت أن مَن أعان ظالِمَا سلّطه الله عليه .
قال الثعلبي : والذين آمَنُوا بألْسِنَتِهم مِن غَير مُوَاطَأة قُلُوبِهِم
كَانوا يَتَعَزَّزُون بِالْمُشْرِكِين ، كَمَا قَال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
المفضلات