فِي الْنُّصُوص الْشَّرْعِيَّة دُرُوْس، وَفِي الْتَّارِيْخ عَبْر..



فَكَم مَضَى مِن عُمُر الْحَيَاة، وَكَم سَلَف مِن الْعُصُور..



وَكَم تُقَلَّب مِن الْدُّهُور، أُمَم عَلَى إِثْرِهَا أُمَم..



وَأَجْيَال تُعُقِّب أَجْيَالا..



أَحْوَال مُتَبَايِنَة, وَصُوَر مُتَغَايِرَة, وَأُمُوْر تُدَار..



وَالْلَّه يَخْلُق مَا يَشَاء وَيَخْتَار، لَا مُعَقِّب لِحُكْمِه، وَهُو شَدِيْد الْمِحَال.



لَقَد نَطَق رَسُوْلُنَا -صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- بِالْوَحْي عِنَدَمّا قَال:



((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة))



نَحْفَظ هَذَا الْحَدِيْث عَن ظَهْر قَلْب ..



لَكِن تَعَامَلْنَا مَع الْوَاقِع وَالْحَيَاة فِيْهَا بَعْد كَبِيْر عَن الْمَعَانِي الّعَظِيّمَّة الَّتِي يَحْمِلُهَا..



فَكَم مِن امْوَاج الْشَّدَائِد تُحِيْط بِنَا ..



وَكَم مِن اكُف ارْتَفَعَت تُنَاجِي رَبِّهَا بِظُلْمِه لَيْل بِكَشْف الْضُّر ..



وَلَكِن هَل عَرَفْنَا رَبَّنَا فِي الْرَّخَاء حَتَّى يَعْرِفُنَا فِي الْشِّدَّه !!



فَالَنَّاس فِي رَخَائِهُم مِن يَقُوْل الْلَّه جَل شَأْنُه عَنْهُم:



[تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ[[السجدة:16].



وَمِن الْنَّاس مَن لَا يَعْرِف الْلَّه إِلَّا فِي الْشِّدَّة, أَمَّا فِي الْرَّخَاء فَلَهْو وَغَفْلَة وَمَعَاصِي



[َإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ][العنكبوت:65].



وَيَقُوْل جَل شَأْنُه:



[فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ]
[غافر:84، 85].





●●●





هَذِه الْنُّصُوص الْشَّرْعِيَّة الَّتِي تُبَيِّن حَال الْمُسْلِم وَغَيْرِه..



الْكُل مُضْطَر إِلَى رَبِّه، لَا غِنَى لَه عَنْه..



[ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ ] [فاطر:15].



فَرِيْق ذَاكِر لِلَّه مُحَافِظ عَلَى طَاعَتِه..


فِي رَخَائِه مُصَل..


فِي رَخَائِه مُتَصَدِّق..


فِي رَخَائِه مُتَذَكِّر لِأَهْل الْحَاجَة وَالْفَاقَة..


فِي رَخَائِه كَثِيْر الْدُّعَاء .


وَفَرِيْق فِي لَهْو وَغَفْلَة..


فِي صَلَاتِه مُتَكَاسِل، أَو مُتَهَاوَن..


لَا يُعْرَف فِي مَالِه حَقّا لِمِسْكِين أَو فَقِيْر أَو قَرِيْب..


لَا يَعْرِف الْدُّعَاء وَلَا صِلَة لَه بِه .




●●●





فَمَاذَا كَانَت نَتِيْجَة الْغَافِلِيْن عَن الْلَّه جَل شَأْنُه؟



وَمَا كَانَت نَتِيْجَة مَن كَان ذَاكِرَا لِلَّه جَل شَأْنُه؟



لَنَا فِي هَذِه الْمَسَاحَه قَبَسَات نَنْظُر فِي تَارِيْخ قِصَص الْقُرْان ..



وَنَتَأَمّل حَال كَلَّا مِّن الْفَرِيْقَيْن ..



فَهَذَا يُوْنُس بْن مَتَّى نَبِي الْلَّه يَسْقُط فِي لُجَج الْبِحَار..



فَيَبْتَلِعَه الْحُوْت فَهُو فِي ظُلْمَة جَوْف الْحُوْت..



فِي ظُلْمَة جَوْف الْبَحْر..



فِي ظُلْمَة الْلَّيْل..



فِي ظُلُمَات ثَلَاث..



فَلَا أَحَد يُعَلِّم مَكَانِه وَلَا أَحَد يَسْمَع نِدَاءَه..


وَلَكِن يَسْمَع نِدَاءَه مَن لَا يَخْفَى عَلَيْه الْكَلَام, وَيَعْلَم مَكَانَه مَن لَا يَغِيْب عَنْه مَكَان..


فَدَعَا وَقَال وَهُو عَلَى هَذِه الْحَال:



[ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ] [الأنبياء:87],



فَتَأْتِي الْإِجَابَة مِن مُجِيْب الْدُّعَاء كَاشِف الضَّرَّاء



[فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ] [الأنبياء:88].



وَيَقُوْل تَعَالَى:



[فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ] [الصافات:144,143].





قَال الْحَسَن الْبَصْرِي:



"مَا كَان لِيُوْنُس صَلَاة فِي بَطْن الْحُوْت, وَلَكِن قَدَّم عَمَلَا صَالِحا فِي حَال الْرَّخَاء فَذَكَرَه الْلَّه فِي حَال الْبَلَاء, وَإِن الْعَمَل الْصَّالِح لِيَرْفَع صَاحِبُه، فَإِذَا عَثَر وَجَد مُتَّكَأ".




وَهَذَا تَصْدِيْق كَلَام الْمُصْطَفَى:



((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).




●●●





وَفِي الْبَحْر قِصَّة أُخْرَى فِيْهَا الْعِبْرَة وَالْعِظَة..



فَهَذَا الْطَّاغِيَة فِرْعَوْن يُدْرِكْه الْغَرَق فَيَدْعُو بِالْتَّوْحِيْد..


[ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ][يونس:90]..



وَسَمِعْت الْمَلَائِكَة دُعَاءَه فَنَزَل جِبْرِيْل إِلَيْه سَرِيْعا لِيَأْخُذ مِن حَال الْبَحْر ..



وَوَحَلِّه فيَدُسِه فِي فِيْه خَشْيَة أَن تُدْرِكَه الْرَّحْمَة..



لما أغرق الله فرعون قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل .



فقال جبرئيل : يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر وأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة



الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا] - المصدر: [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا] - الصفحة أو الرقم: 3107


خلاصة حكم المحدث: حسن




●●●




يَا تُرَى!



مَا الْفَرْق بَيْن الْحَالَيْن, وَالْكَرْب وَاحِد, وَالَصُّوْرَة وَاحِدَة؟!



إِن الْفَرْق وَاضِح..



فِرَق بَيْن مَن عَرَف الْلَّه فِي الْرَّخَاء وَمَن ضَيَّعَه..



فِرَق بَيْن مَن أَطَاع الْلَّه فِي الْرَّخَاء وَمَن عَصَاه.



فَيُوْنُس رُخَاؤُه صَلَاة وَدُعَاء وَدَعْوَة.



وَفِرْعَوْن رُخَاؤُه ظُلْم وَفِسْق وَكَفِّر وَجُحُود.



واللَّه جَل شَأْنُه يَقُوْل:



[ فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ]




وَرَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يَقُوْل:



((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).



دَعُوْه الَى الْتَّعَرُّف الَى الْلَّه فِي الْرَّخَاء


لَنَجِد أَثَر هَذَا الْإِحْسَان يَوْم الْشِّدَّه ، يَوْم ضِيْق، يَوْم بَلَاء.



فَلَابُد لَك مِن ضِيْق وَشَدَّه فِي هَذِه الْدُّنْيَا، وَالْدُّنْيَا مَمْلُوْءَة بِالْفِتَن وَالْهُمُوْم..



فَاجْعَل لَك فِي رَخَائِك مِن الْطَّاعَة مَا يَنْفَعُك يَوْم شَدَّتِك..


وَإِنَّك وَإِن نَجَوْت مِن كَثِيْر مِن شَدَائِد الْدُّنْيَا ..


فَاعْلَم أَنَّك لَا بُد لَك مِن شِدَّة يَوْم يَنْزِل مَلَك الْمَوْت وَلَا بُد لَك مِن شِدَّة يَوْم الْفَرْع الْأَكْبَر..


وَكُل فِي وَقْت الْشِّدَّة يَدْعُو..


فِفِئَة كَانَت مَع الْلَّه فَيُسْتَجَاب لَهَا..


وَفِئَة يُقَال لَهَا


[ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ] [المؤمنون:100].



تُعْرَف عَلَى الْلَّه فِي الْرَّخَاء يَعْرِفْك فِي الْبَلَاء!



يَعْرِفْك يَوْم الْفِتَن!



يَوْم الْشَّدَائِد!


وَمَا أَكْثَرَهَا فِي عَصْرِنَا بَل فِي أَيَّامِنَا.


أَسْأَل الْلَّه ان يَجْعَلَنَا مِمَّن يَعْرِف الْلَّه فِي رُخَاءَه طَمَعَا فِي جِنَانِه وَرِضْوَانُه ..


وَرَغَّبَه فِي دُخُوْل جَنَّاتِه جَنَّات الْنَّعِيم ..