سيبويه وفطنة العرب - رطانة اللسان - علماء عرب في النحو العربي








سيبويه ذهب ليطلب الحديث فتعلم النحو!
من أرض فارس قدم سيبويه إلى البصرة ، وقد كان شابا حسنا جميلا نظيفا مفرط الذكاء، إلا أنه كان فيه حبسة في عبارته.
ومع حداثة سنه فقد انطلق يصحب أهل الحديث والفقهاء حيث ميله ومراده، فكان يستملي على حماد بن سلمة في حلقته ليكتب الحديث ويرويه،
ويشاء الله أن يكون لغير ما طلب وما أراد أولا؛
فقد سأل يوماً حماد بن سلمة فقال له: أحدثك هشام ابن عروة عن أبيه في رجل رعُف في الصلاة، بضم العين، فقال له حماد: أخطأت، إنما هو رعَف بفتح العين، فانصرف سيبويه إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد، فقال له الخليل: صدق حماد، ومثل حماد يقول هذا، ورعف بضم العين لغة ضعيفة.
ثم يتكرر الموقف مرة أخرى، فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه، ليس أبا الدرداء"
فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء بالرفع، وقد خمنه اسم ليس، فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما ليس ههنا استثناء، فكان أن أنف سيبويه من ذلك وقد أخذ قراره فقال: "سأطلب علماً لا تلحنني فيه
فكانت هذه هي البداية! .
فلم يمل سيبويه مجالسة الخليل ولم يفتر أو يتكاسل عنه، حتى لقد قال ابن النطاح: كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه، فقال الخليل: مرحباً بزائر لا يمل، قال أبو عمر المخزومي - وكان كثير المجالسة للخليل: ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه.
وضرب مع كل أهل أدب بسهم، فبرع وساد أهل العصر، حتى إنه ليروى عن الزراري أبي زيد أنه قال: قال رجل لسماك بالبصرة: بكم هذه السمكة؟ قال: بدرهمان. فضحك الرجل، فقال السماك: ويلك أنت أحمق، سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان.
المناظرة العجيبة هل هي سبب وفاته
هل المناظرة العجيبة هي سبب وفاته ؟!
ولما كان عليه سيبويه من علو الهمة وتمكن الحال، وثقته بعلمه، فقد قدم إلى العراق على يحيى بن خالد بن برمك، وهو - كما قيل - ابن اثنتين وثلاثين سنة، فسأله عن خبره فقال: جئت لتجمع بيني وبين الكسائي (كبير النحاة الكوفيين)، فقال: لا تفعل؛ فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها، ومؤدب ولد أمير المؤمنين، وكل من في المصر له ومعه، فأبى إلا أن يجمع بينهما، فعرف الرشيد خبره فأمره بالجمع بينهما فوعده بيوم.
فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده إلى دار الرشيد، فوجد الفراء والأحمر وهشام بن معاوية ومحمد بن سعدان قد سبقوه، فسأله الأحمر عن مائة مسألة فما أجابه عنها بجواب إلا قال أخطأت يا بصري، فوجم سيبويه وقال: هذا سوء أدب.
ثم وافى الكسائي وقد شق أمره عليه ومعه خلق كثير من العرب، فلما جلس قال له: يا بصري، كيف تقول:
خرجت وإذا زيد قائم؟
قال: خرجت وإذا زيد قائم، قال: فيجوز أن تقول: خرجت فإذا زيد قائماً؟ قال: لا.
قال الكسائي: فكيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزُّنبُور (الدبور)، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، فقال الكسائي: لحنت؛ العرب ترفع ذلك كله وتنصبه، وخطأه الجميع، ودفع سيبويه قوله وأنكره، فقال يحيى بن خالد وكان وزيرًا للرشيد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما وهذا موضع مشكل؟
وكان الأمر قد دُبِّر بليل، فقد انتهز الكسائي هذه الفرصة السانحة وقال: هذه العرب ببابك، وقد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم.
دخل الأعراب وكان فيهم أبو فقعس، وأبو دثار، وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بينهما فأتت المؤامرة أُكلها، وتابعوا الكسائي على قوله بإجازة الرفع والنصب،
فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل؟ فانصرف المجلس على سيبويه، فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة التي مُني بها إمام البصريين.
وقال يحيى بن خالد أو الكسائي للرشيد: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن لا يرجع خائباً فعلت، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصرف وجهه تلقاء فارس، ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمداً، ويروى أنه ذربت معدته فمات، فيرون أنه مات غماً.
.
أغلب الظن أن وفاة سيبويه لم تكن طبيعية؛ فإنه حين علم أنهم (بعد مناظرة الكسائي) تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، خرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمداً، ويروى أنه ذربت معدته فمات، فيرون أنه مات غماً كما ذكرنا، وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلاف عريض، والراجح من الأقوال أن ذلك كان في سنة ثمانين ومائة من الهجرة.
وفي مرضه الذي توفي فيه قيل أنه تمثل عند الموت: (أبيات جميلة ومؤثرة)
يؤمل دنيا لتبقى له... فمات المؤمل قبل الأمل
يربي فسيلا ليبقى له... فعاش الفسيل ومات الرجل

وقيلت بأبيات أخرى
يؤمل دنيا لتبقى له*** فوافى المنية قبل الأمل
حثيثا يروي أصول الفسيل***فعاش الفسيل ومات الرجل

ويقال: إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه فدمعت عين أخيه فاستفاق فرآه يبكي فقال:
وكنا جميعا فرق الدهر بينن... إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا
وقال الأصمعي: رأيت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:
ذهب الأحبة بعد طول تزاور... ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا
تركوك أوحش ما تكون بقفرة... لم يؤنسوك، وكربة لم يدفعوا
قضيا لقضاء وصرت صاحب حفرة... عنك الأحبة أعرض وتصدعوا
.
ينبغي أن يوقف مع حياة هذا الرجل وقفات عظيمة...في كثير من الأمور.
وما ذكر في الموضوع يعتبر شيئٌ يسير في حياة هذا العالم.
على ضفاف الموضوع :



سيبويه طلب العلم فأجتهد, فوهبه الله .
هل صحيح كان موته بسبب المناظرة ؟
هل صحيح انه فشل ؟
ام ما هو الاصح ؟
خالص التقدير لكل من يشارك هنا , ويدلي بدلوه ؟