السر الذي احتفظ به السلطان عبد الحميد

أبو البراء عبد العزيز بن محمد

ما هو السر الذي احتفظ به السلطان عبد الحميد طوال حكمه (33) سنة ، ولم يبح به لأحد ؟

ما هو السر الذي كان يؤمل عليه رجوع الدولة العثمانية دولة كبرى ؟ ما هو السر الذي احتفظ به وهيأ الظروف له حتى اتهمه الصديق بالضعف والعدو بالظلم والغدر ؟ لنستمع إليه حيث يقول في مذكراته (17 مارس 1333) :

(منذ أربعين عاماً وأنا أنتظر أن تشتبك الدول الكبرى مع بعضها البعض -
روسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا - كان هذا كل أملي ؛ كنت أرى أن سعادة الدولة العثمانية مرتبطة بهذا وجاء ذلك اليوم الذي كنت أنتظره ، ولكن ... هيهات فقد أبعدوني عن العرش ، وابتعد الذين حكموا البلاد بعدي عن العقل والتبصر ، والفرصة العظيمة التي ظللت أربعين عاماً في انتظارها ولت وأفلتت من يد الدولة العثمانية إلى الأبد .

جاهدت لكي لا يعزلوني عن العرش طوال ثلاثين عاماً ، وجهادي هذا كان من أجل هذه الفرصة . حبست الأسطول في الخليج ولم أخرجه ولو للتدريب ، وحبسي له كان من أجل هذه الفرصة . تجاهلت الحرب اليونانية لكي لا أدع للإنجليز منفذاً للاستيلاء على كريت ، وتجاهلي هذا كان من أجل هذه الفرصة ، بمعنى آخر : إن كل مجهودي قرابة ثلاثين عاماً ، بصوابه وبخطئه ، إنما كان من أجل هذه الفرصة .

وحفظت هذا السر في نفسي أربعين عاماً . وسأوضحه لأحفادي لكي يعرفوا أني لم أفاتح فيه أحداً ، حتى مع أكثر صدوري العظام ثقة ، لأني تعلمت بالتجارب أن شيئاً يعرفه اثنان يخرج عن كونه سراً ، ولذلك كان من ألزم الأمور ألا يعرف مقصدي هذا أحد ، وألا تحس به الدول الأجنبية .

كان تقديري أن استخدام العثمانيين لفرصة كهذه في وقتها ، وبتبصر كفيل بأن ينقذهم ، فيعيدون لدولتهم مكانتها في مصاف الدول العظمى .

كان الواضح أن التنافس بين الدول الكبرى سيجرها أخيراً إلى التصارع
والتصادم فيما بينها ، وعلى هذا فإن الدولة العثمانية أمام تصارع وتصادم كهذا تصبح بعيدة عن أخطار التمزق والتقسيم ، ويوم التصادم سيوضح قيمتها بين الدول . هذا هو سر سياستي التي استمرت 33 عاماً) .

رحم الله السلطان عبد الحميد الذي هُضم قدره من قبل مثقفينا ، والذي كان يفكر بقوة وإرادة أجداده سلاطين بني عثمان ، وقاتل الله أدعياء العلم والتحرر ، كيف جروا هذه الأمة إلى ويلات وإلى نكبات عظام لها أول وليس لها آخر ، حتى أصبحت دولة عظيمة من دول الإسلام ، تمتد عبر قارات ثلاث ، أصبحت في مدى عشر سنوات حفنة من تراب .

المصدر : موسوعة مجلة البيان الإلكترونية ( قرص ليزري ) التي يصدرها المنتدى الإسلامي في لندن العدد 37 الصفحة 98 .