بوالعلاء المعري

[محمودى]

::: أركانُ دُنيانا غَرائزُ أربَعٌ :::


واللَّهُ صيّرَ للبِلادِ وأهلِها جُعِلَتْ لمنْ هوَ فَوقَنا أركانَا


والدّهرُ لا يَدري بمن هوَ كائنٌ ظَرْفَينِ: وَقتاً ذاهِباً، ومكانا

والمرءُ ليسَ بزاهدٍ في غادَةٍ، فيهِ، فكَيفَ يُلامُ فيما كانا؟

والحيُّ تُخلِقُ جسمَهُ حرَكاتُه، لكنّهُ يَتَرَقّبُ الإمكانا

نبكي ونضحكُ، والقضاءُ مُسلَّطٌ، فيكِلُّ وهوَ يُحاذِرُ الإسكانا

نَشكو الزّمانَ وما أتَى بجنايةٍ، ما الدّهرُ أضحَكَنا ولا أبكانا

متَوافقينَ على المَظالم، رُكّبَتْ ولَوِ استَطاعَ تكلّماً لشَكانا

يمضي بنا الفَتَيانِ، ما أخَذا لنا فينا، وقارَبَ شرَّنا أزكانا

وأرى الجدودَ حبتْ قُرَيشاً مُلكَها نَفْساً، على حالٍ، ولا تركانا

وذوتْهُ، عَمداً، عنْ بني مِلْكانا

[محمودى]

::: إذا ما شئتمُ دَعَةً وخَفْضاً :::


فعيشوا في البريّةِ خاملينا إذا ما شئتمُ دَعَةً وخَفْضاً،


وبيتوا للمُهَيمِنِ آملينا ولا يُعقَدْ لكمْ أمَلٌ بخَلقٍ،

غَدَونا بالجَميلِ مُعامَلينا ورِفقاً بالأصاغِرِ كَيْ يَقولوا:

يُرَوْا، يوماً، رجالاً كاملينا فأطفالُ الأكابرِ إنْ يُوَقَّوْا

وعادوا للثّقائلِ حاملينا ونُودوا في إمارَتِهمْ، فجفّوا

أتَوكم، في الحَياةِ، مُجاملينا ولا تُبدوا عَداوَتَكمْ لقَومٍ

وتَسعَوا بالأقارِبِ ناملينا ولا تَرْضَوْا بأنْ تُدعَوْا وُشاةً،

بأيسَرِ نَظرَةٍ، متَحاملينا وقد جارَ القُضاةُ، إذا أشاروا

بما كانوا، قديماً، عاملينا
لعلّ معاشراً، في الأرض، جُوزوا

[محمودى]

::: العيشُ ثِقلٌ، وقاضي الأرضِ ممتحَنٌ :::


يُضحي ونصفُ خصومِ المِصرِ يشكونَه العيشُ ثِقلٌ، وقاضي الأرضِ ممتحَنٌ،


واستَعملَ الحقَّ، عادوا لا يزكّونَه زكّوْهُ دَهراً، فلمّا صارَ قاضيَهمْ،

ويَغتَذونَ بلَحمٍ لا يذكّونَه يصومُ ناسٌ عن الزادِ المباحِ لهمْ،

[محمودى]

::: لك الله بالنصر العزيز كفيل :::


أجد مقام أم أجد رحيل لك الله بالنصر العزيز كفيل


إليك وأما صنعه فجزيل هو الفتح أما يومه فمعجل

بهن عمايات الضلال تزول وآيات نصر ما تزال ولم تزل

وخيل يجول النصر حيث تجول سيوف تنير الحق أنى انتضيتها

وضل به في الناكثين سبيل ألا في سبيل الله غزوك من غوى

فسيف الهدى في راحتيك صقيل لئن صدئت ألباب قوم بمكرهم

فأحجار داود لديك مثول فإن يحيى فيهم بغي جالوت جدهم

وحق بدفع المبطلين كفيل هدى وتقى يودي الظلام لديهما

إليه ومن حق اليقين دليل مجمع له من قائد النصر عاجل

يروع بها أمواجه ويهول تحمل منه البحر بحرا من القنا

وقد حملت أسد الحقائق غيل بكل معالاة الشراع كأنها

خيولا مدى فرسانهن خيول إذا سابقت شأو الرياح تخيلت

أنافت بأجياد النعام فيول سحائب تزجيها الرياح فإن وفت

وزرق حمام ما لهن هديل ظباء سمام ما لهن مفاحص

بها الموج حيث الراسيات تزول سواكن في أوطانهن كأن سما

غداة استقلت بالخليط حمول كما رفع الآل الهوادج بالضحى

بما حملت دون الغواة مقيل أراقم تقري ناقع السم ما لها

فويل له من نكزها وأليل إذا نفثت في زور زيري حماتها

وخيم على نفس الكفور وبيل هنالك يبلوا مرتع المكر أنه

شآبيب في أوطانه وسيول كتائب تعتام النفاق كأنها

سوى الموت في حمي الوطيس مثيل بكل فتى عاري الأشاجع ماله

ولكن على صدر الكمي ثقيل خفيف على ظهر الجواد إذا عدا

وكشحان من ظبي الفلا وتليل لها من خوافي لقوة الجو أربع

فلولا وما أزرى بهن فلول وبيض تركن الشرك في كل منتأى

ويرجع عنها الطرف وهو كليل تمور دماء الكفر في شفراتها

بهن إلى شرب الدماء غليل وأسمر ظمآن الكعوب كأنما

لصرف الردى نحو النفوس رسول إذا ما هوى للطعن أيقنت أنه

لعاصيك أوتار لها وذحول وحنانة الأوتار في كل مهجة

صاده نجيب في العدى وعويل إذا نبعها عنها أرن فإنما

فكل عزيز يممته ذليل كتائب عز النضر في جنباتها

يسير عليه الخطب وهو جليل يسيرها في البر والبحر قائد

ومن شيم الفضل المبين حجول جواد له من بهجة العز غرة

وغالت غوايات الضلالة غول به أمن الإسلام شرقا ومغربا

به السيف في ضنك المقام يصول يصول بسيف الله عنا وإنما

وظل على الدين الحنيف ظليل حسام لداء المكر والغدر حاسم

فقد آن من يوم الضلال أصيل إذا انشق ليل الحرب عن صبح وجهه

ولكن إلى صوت الصريخ عجول كريم التأني في عقاب جناته

نوافل من معروفه وفصول ليزه به بحر كأن مدوده

من المركب الحاوي سناه بديل ويا رب نجم في الدجى ود أنه

وخد من البحر الخضم أسيل تهادت به أنفاس روح من الصبا

وحن من الغر الجياد صهيل وقد أومت الأعلام نحو حلوله

خوافق رايات له وطبول فجلى سناه العدوتين وبشرت

وقد أمه الليث الهصور هبول وأيقن باغي حتفه أن أمه

ولا دون سعي المروتين قفول فواتح عز ما لها دون زمزم

إليك تسامى أو إليك تئول وهل عائق عنها وكل سنية

وأرض إلى البيت العتيق ذلول سيوف على الجرد العتاق عزيزة

حزون لمهوى مرها وسهول فقد أذنت تلك الفجاج ودمثت

وشام سناها شامة وطفيل وقام بها عند المقام مبشر

عوائده صنع لديك جميل فيهنيك يا منصور مبدأ أنعم

من المجد في الترب الزكي أصول وفرعان من دوح الثناء نمتهما

وعز مدال منهما ومديل عقيبان بين الحرب والملك دولة

غنى وغناء مبرم وسحيل مليكان عم السالم الحرب منهما

بأنك بر بالصيام وصول ويهنيك شهر عند ذي العرش شاهد

مساعيك فوز عاجل وقبول
فوفيت أجر الصابرين ولا عدا

[محمودى]

::: باهَى رجالٌ، وفي جَهلٍ يباهونا :::


لاهونَ في النّسكِ، إن ألغاهُ لاهُونا باهَى رجالٌ، وفي جَهلٍ يباهونا،


والآمرونَ بسُوءِ الفعلِ ناهونا ناهُوكَ عن حسنِ فعلٍ آمِروكَ به،

أو السُّهَى قال: أهلُ الأرضِ ساهونا خِلتُ النّجومَ تنادي: أنجمُوا فِرَقاً،

عن أن يكونَ له، في الأرضِ، طاهونا طهَتْ لك الشّمسُ ما يُغني أخا دَعَةٍ

ذَرّاً تُعَدّونَ، أو نَمْلاً تَضاهونا ذُرّيّةَ الإنسِ! لا تَزْهوا، فإنّكُمُ

وأهْوَنُ الخَطبِ أنّ القومَ واهونا
تأبَى الحَوادثُ نَقصَ الدّهرِ توْمنةً،

[محمودى]

::: ستُرْعى، إذا أُلفيتَ، للّفظِ، خازِناً :::


وتُدهى، إذا حسّنت، للذهب، الخَزْنا ستُرْعى، إذا أُلفيتَ، للّفظِ، خازِناً،


يديك، بما أُوتيتَ وَزْناً ولا وَزنا فأنِفقْ، بميزانٍ، مَقالَكَ، وابتعثْ

فحُزْنَ بما أمكَنّ من وَلَدٍ حُزنا
وكم نسوَةٍ رَبّينَ، كالنّخلِ، فِتيَةً،

[محمودى]

::: أقمتُ برَغمي، وما طائري :::


براضٍ، إذا ألِفَتْهُ الوكونُ أقمتُ برَغمي، وما طائري


وحالٌ كأقصرِ سَهمٍ يكونُ ولي أمَلٌ كأتَمّ القَنَا،

حَراكاً، فَما لكِ إلاّ السّكون
فَيا ألِفَ اللّفظِ لا تأمُلي

[محمودى]

::: صاحبُ الشّرْطةِ إن أنصَفَني :::


فهوَ خيرٌ ليَ من عَدْلٍ ظَلَمْ صاحبُ الشّرْطةِ إن أنصَفَني،


فعلَيهِ لذَوي اللُّبّ عَلَم مَن أرادَ الخَيرَ فليَعمَلْ لهُ،

حكمَتْ، قبلُ، حصاةٌ وزلَم حكَمَ النّاسَ، غُواةٌ، مثلَ ما

فقَديماً كسرَ الرّمحَ القَلَم لا تُهاوِنْ بصغيرٍ من عدًى،

فمن البيعِ قِياضٌ وسلَم وترَقّبْ، من سَليلٍ، صُنعَهُ،

كحَديدٍ، منهُ سَيفٌ وجَلَم يجمَعُ الجِنسُ شَريفاً ولَقًى،

ومنَ الأشجارِ نَخلٌ وسلَم خالدٌ غاوٍ، ونصرٌ صالحٌ،

فمتى لم يُقصَصِ الظُّفُر كَلَم فازجرِ النّفسَ، إذا ما أسرَفتْ؛

سُبُلِ الحَقّ، غلامٌ ما احتَلَم رُبَّ شَيخٍ ظلّ يَهديه، إلى

وكذا النّورُ حديثٌ في الظُّلَم وكأنّ الشرّ أصلٌ فيهِمُ،

كلَّ، أو صادَفَ بؤساً، فانثلمْ أعجَبَ الغَضْبُ لِمَا هَذّ، فقد

ومعَ النّفعِ شَكاةٌ وألَم
ومعَ الضّيرِ بُلُوغٌ للمُنى؛

[محمودى]

::: سَلي اللَّهَ ربَّكِ إحسانَهُ :::


فإنّكِ إن تَنظُري تألَمِي سَلي اللَّهَ ربَّكِ إحسانَهُ،


ولا مَذْهَبي قِدَمُ العالَم وليسَ اعتقادي خُلودَ النّجومِ،

[محمودى]

::: علمي بأنّي جاهلٌ متَمكّنٌ :::


عندي، وإن ضيّعتُ حقَّ العالِمِ علمي بأنّي جاهلٌ متَمكّنٌ


ومحلُّ نَقمتِهِ بنَفسِ الظّالم والظلمُ يمهِلُ بعضَ من يَسعى له،

قفرٍ، وطالبُ غيرِهِ بمعالم؟ ما بالُ من طَلبَ الهُدَى بمفاوزٍ

يَرنو إلى الدّنيا بمقلَةِ حالم والمرءُ في حالِ التّيَقّظِ هاجِعٌ،

فتراهُ، وهوَ مُحاربٌ، كمُسالم وأخو الحِجَى أبداً يُجاهد طبعَه،

يَرْجو سلامَتَهُ، وليسَ بسالم سألَ الطّبيبَ عن الشكايةِ مُدْنَفٌ

[محمودى]

::: أدُنيايَ! اذهبي، وسواي أُمّي، :::


فقَدْ ألَممْتِ، ليتَكِ لم تُلِمّي أدُنيايَ! اذهبي، وسواي أُمّي،


تُؤهّلُهُ العُقُولُ، ولا لذَمّ وكانَ الدّهرُ ظَرْفاً، لا لَحمدٍ

ببَينِ الحيّ، في صحراءِ زمّ وأحسبُ سانِحَ الإزميمِ نادى

فإنّ كِلَيهِما لأبٍ وأُمّ إذا بكرٌ جَنَى فتَوَقّ عمراً،

مجيءَ النّطحِ من رُوقٍ وجُمّ وخَفْ حيوان هذي الأرض، واحذَر

وليسَ جَميعُهُنّ ذواتِ سُمّ وفي كلّ الطّباع طباعُ نُكرٍ،

وصُيّرَ قُوتُها ممّا تُدمّي؟ وما ذنبُ الضراغمِ حينَ صيغتْ،

كما جُبِلَ الوَقودُ على التَنمّي فقد جُبِلَتْ على فَرْسٍ وضَرْسٍ،

وقَولٌ ضاعَ في آذانِ صُمّ ضِياءٌ لم يَبِنْ لعيونِ كُمْهٍ؛

ولا أضحَى، ولا بغَديرِ خمّ لعَمرُكَ، ما أُسَرُّ بَيومِ فِطرٍ،

لأجلِ تَنَسّبٍ ببلادِ قُمّ وكَم أبدَى تشَيُّعَهُ غويٌّ،

يُعِدُّ الجَدعَ للأنْفِ الأشمّ وما زالَ الزّمانُ، بلا ارتيابٍ،

أذاكِ، فأرضعي حنَشاً، وضُمّي أحاضنَةَ الغُلامِ! ذَممتِ منهُ

ولم تَضَعي الوَليدَ؛ ولم تُهَمّي فلَوْ وُفّقتِ لم تَسقي جَنيناً،

قيامُكِ عن خَديجٍ غيرِ تمّ لهَانَ، على أقارِبك الأداني،

ويَخشاكِ المُخبِّرُ أن تَنمّي سألتِ عن الحَقائقِ، وهيَ سرٌّ،

لَهُ من ربّهِ قَدَرٌ مُعَمّي؟ وكيفَ يَبينُ، للأفهامِ، معنًى،

من الجهّالِ، غيّبه، مُكِمّ وعندي، لو أمِنتُك، علمُ أمرٍ

يُراقبُ جَنّةً أن لا يسمّي وسُمّيَ، إنّ أراقَ الماءَ، جِبسٌ،

بلَجٍّ، من ضلالِ النّاسِ، جَمّ رأيتُ الحَقّ لؤلؤةً تَوارَتْ

على حُسنِ التعَبّدِ والتأمّي أحثُّ الخَلقَ: من ذَكَرٍ وأُنثى،

أعزَّ علَيكَ من خالٍ وعَمّ وقد يُلفَى الغريبُ، على نَواه،

لقَومٍ، تحتَ أخضَرَ مدلهمّ متى يتَبَلّجِ المُبيَضُّ يَرْعَى،

كأنّا عائمُونَ غِمارَ يَمّ ونحنُ ميمّمونَ مَدىً بَعيداً،

[محمودى]

::: لقَدْ هَجَمَ الزّمانُ على تميمٍ :::


بأجمعهمْ، فمَن آلُ الهُجَيمِ؟ لقَدْ هَجَمَ الزّمانُ على تميمٍ


ولا لُجُمُ الجِيادِ بني لُجَيم
فما حمتِ السّروجُ ظُبَى سُرَيجٍ

[محمودى]

::: عَيشٌ وموتٌ، وأحداثٌ تَبَدُّلها :::


يَنوبُنا، ومُهودٌ بَينَ أرحامِ عَيشٌ وموتٌ، وأحداثٌ تَبَدُّلها


ومثلُهُ لرُقادٍ واردٍ حامِ أمرٌ، حمى النومَ، بعد الفكر، صاحبَه،

[محمودى]

::: أرى جُزءَ شُهْدٍ بينَ أجزاءِ علقمِ، :::


ولُبّاً يُنادي باللّبيبِ: لتَعقُمِ أرى جُزءَ شُهْدٍ بينَ أجزاءِ علقمِ،


صحيحٌ، يَطُلْ مِنهُ العَناءُ ويَسقُم وأسقامَ دِينٍ، إنْ يُرَجِّ شِفاءَها

من السّرّ، في لَوْنيهما، بُرْدُ أرْقَم وصبحاً وإظلاماً، كأنّ مَداهُما

من العالَم: اجلس، أو دعا جالساً: قم وحُكماً لهذا الدّهرِ، صاحَ بقائمٍ

متى ما يكُنْ يُنكَرْ عليه ويُنقَم
كأنّ سرورَ النّفسِ من خطإ الفتى،

[محمودى]

::: رُويدَكَ! لو كشّفتَ ما أنا مُضمِرٌ :::


من الأمرِ، ما سَمَّيتَني أبداً باسمي رُويدَكَ! لو كشّفتَ ما أنا مُضمِرٌ


وقلبيَ أولى بالطّهارةِ من جسمي
أُطَهِّرُ جِسمي، شاتياً ومُقَيِّظاً،