[read]




كثير من الناس يعتقدون أن للسعادة طرُقا، و لكن ما لا يُدركونه أحيانا هو أن لها أيضا حدودا و درجات و مذاقات و جَوْهرا و مؤشرات (علامات) و مجموعا:



طريق السعادة




يتعلق الأمر هنا بتعَـلُّم الحكمة أو العلم النافع. قال الله تعالى: ﴿ يؤتي الحِكمة مَن يشاء و مَنْ يُؤْتَ الحِكمة فقد أوتيَ خيرا كثيرا(269)﴾ (سورة البقرة). و قال تعالى: ﴿ و أنزلَ اللهُ عليكَ الكتابَ و الحكمةَ و عَلّمَكَ مَا لمْ تكنْ تعْلمُ و كان فضلُ الله عليك عظيما (113)﴾ ( سورة النساء). و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: مَنْ َسلكَ طريقا يلتمـُُس فيه علما سهل الله طريقا إلى الجنة (*) . و قال أيضا:" مَنْ يُــِرِدِ الله ُ به خيرًا يُفَقـِّـهْــهُ في الدين[...]". (*)
"حدود" السعادة من حيث المكان و الزمان

هناك سعادة مؤقتة فوق الأرض، و سعادة بين الموت و البعث في القبر، و سعادة دائمة في الجنة. قال الله عز و جل: ﴿ و أما الذين سُعِدُوا ففي الجنة خالدين فيها ما دَامَت السماوات و الأرض إلا مَا شَاءَ رَبكَ عَطاءً غير مجذوذ ﴾ (سورة هود: 108).
درجات السعادة


كما أن الناس يتفاضلون في المنازل في الدنيا، فإنهم سيتفاضلون في الآخرة بدرجات كبيرة كل على قدر عمله. قال تعالى: ﴿ أنْظر كَيْفَ فضلنا بعضَهُم على بعض و للآخرة أكبرُ دَرَجَاتٍ وَ أكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾ (سورة الإسراء). و قال تعالى ﴿ وَ مَنْ يَأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولائك لهم الدرجات العُلى (75)﴾ (سورة طه).
مذاقات السعادة


قال الله عز و جل: ﴿ و إذا أذقنَا الناسَ رحمة مِنْ بَعْدِ ضراءَ مَستْهُمْ إذا لهُم مَكْرٌ فِي آياتنا (21)﴾(سورة يونس). و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلا :" ثلاثٌ مَنْ كُن فيه وجد حلاوة الإيمان أنْ يكون اللهُ و رسوله أحبَّ إليه مما سواهما، و أن يُحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله، و أن يكره أنْ يعودَ في الكفر كما يكرهُ أنْ يُقذفَ في النار". (*)
جوهر السعادة


يمثل الجانب الروحي جوهر السعادة الرئيسي الذي يعتبر مفتاح جميع اللذات الروحية والمادية أو الجسمانية. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله. ألا و هي القلب" (*) . و عن "كمال اللذة و الفرح و السرور" كتب ابن قيم الجوزية:
" و ههنا أمر عظيم يجب على اللبيب الاعتناء به[...]. اللذة بحصول المحبوب بحسب قوة محبته، فكلما كانت المحبة أقوى كانت لذة المحبة أكمل[...] و إذا عُرف هذا، فاللذة و السرور و الفرح أمر مطلوب في نفسه، بل هو مقصود كل حي و عاقل[...].
[و] أعظم نعيم الآخرة و لذاتها: هو النظر إلى وجه الله جل جلاله، و سماع كلامه منه و القرب منه، كما ثبت في الصحيح في حديث الرؤية:"فو الله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه[...]. و [...] عن النبي صلى الله عليه و سلم في دعائه:" و أسألك اللهم لذة النظر إلى وجهك الكريم، و الشوق إلى لقائك"[...].
و إذا عُرف هذا، فأعظم الأسباب التي تحصل هذه اللذة بها هو أعظم لذات الدنيا على الإطلاق، و هو لذة معرفته سبحانه و تعالى و لذة محبته، فإن ذلك هو جنة الدنيا و نعيمها العالي [...]، فأطيب ما في الدنيا معرفته سبحانه و محبته، و ألذ ما في الجنة رؤيته و مشاهدته، فمحبته و معرفته قرة العيون، و لذة الأرواح، و بهجة القلوب، و نعيم الدنيا و سرورها". (*)
مؤشرات السعادة





يمكن أن نذكر على سبيل المثال في هذا الصدد ما يلي:
  • سعة الرحمة


    قال تعالى: ﴿ و رحمتي وسِعَتْ كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة و الذين هُم بآياتنا يؤمنون (156)﴾ (سورة الأعراف). و قال تعالى:﴿ قُلْ بفضل الله وَ برَحْمَتِهِ فبذلك فليَفْرَحُوا هو خيرٌ مما يَجْمَعُون (58)﴾ (سورة يونس).


  • انشراح الصدر




  • جاء في التنزيل العزيز: ﴿ أفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإسْلام فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبه فَوَيْلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله (22)﴾ (سورة الزمر). و قال تعالى: ﴿ فمنْ يُرد الله أن يهديَه يشرح صدره للإسلام و َمن يُـِرد أن يُضله يجعل صَدْرَِه ضَيقا حَرَجاً كأنما يَصَّعَّدُ فِي السمَاء (125)﴾ (سورة الأنعام).


  • الصحة





بخصوص القدرات الصحية، يمكن التمييز أساسا بين المَلـَـكَات العقلية و التوازن النفسي و اللياقة البدنية. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" من أصبح مِنكم معافى في جسده، آمِنـًا في ِسْربه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حِيزت له الدنيا" . (*)


الأمن(نقيض الخوف)




قال الله عز و جل: ﴿ الذين آمَنُوا وَ لَم يَلْـِبسُوا إيمانَهُم ِبظلم أولئك لهُمُ الأمْنُ و هُمْ مهتدون (82) ﴾ (سورة الأنعام). و قال تعالى: ﴿ و اتّـقوا فِـتْـنة لا تُصيبنَّ الذين ظلمُوا مِنْكُم خاصة و اعْلَمُوا أن اللهَ شَديدُ العقاب (25)﴾ (سورة الأنفال). و قال تعالى ﴿ وَ عَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَي القَيوِم وَ قَدْ خَابَ مَنِ حَمَلَ ظُلْماً (111) و مَنْ يعملْ مِنَ الصالحات و هو مؤمنٌ فلا يخافُ ظُلماً و لا هَضْماً (112)﴾ (سورة طه). و عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قـِل:" اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، و لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، و ارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم" . (*)

و قال الدكتور ابن عبود ـ رحمه الله ـ عن الظلم (بنوعيه: ظلم النفس و ظلم الغير) إنه يؤدي إلى كثير من الأمراض الجسمية و العقلية... (*) . و كتب الدكتور كاريل في هذا الصدد موضحا أنه" في استطاعة التفكير أنْ يُولدَ أمراضا عضوية. و يخلق كل مِنْ تقلب الحياة العصرية و القلق الدائم و انعدام الأمن، حالاتٍ من الشعور تُسبب اضطرابات عصبية و عضوية للمعدة و الأمعاء و اختلالا في التغذية و مرور الميكروبات المعوية إلى الدورة الدموية...". (*)
و سبق للماوردي ـ رحمه الله ـ أن كتب عن الأمن قائلا: إن الأمن العام تطمئن إليه النفوس، و يَسْكُن فيه البَـِريءُُ، و َيأنَسُ به الضعيف، فليْـََس لخائفٍ راحة، و لا لحاذر طمأنينة. و الخوف يكون تارة على النفس، و تارة على الأهل، و تارة على المال؛ و عمومه أن يستوعب جميعَ الأحوال، و لكل واحد من أنواعه حظ من الوهن [ الضعف]. و الخائف على شيء يظن أن لا خوف له إلا إياه، فيغفُل عن قدر النعمة بالأمن فيما سواه، فصار كالمريض الذي هو بمرضه متشاغل، و عما سواه غافل، و لعل ما صُـِرفَ عنه أعظمُ مِما ابتُلي به. و مَنْ عَمهُ الأمن كمَن استولت عليه العافية، فهو لا يَعْـِرفُ قَدْرَ النعمة بأمنه حتى يخاف، كما لا يعْـِرف المُعَافى قدْرَ النعمة بعافيته حتى يُصابَ. (*)




الـِّرفـق أو غياب العنف




قال الله عز وجل: ﴿ فـِبمَا رحمة مِنَ الله ِلنْتَ لهم و لو كنتَ فـّظاً غـليظ القلب لانفضوا مِنْ حَولك فاعفُ عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمْـِر (159) ﴾(سورة آل عمران). و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلا:

ـ " إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف[...]". (*)
ـ " َمنْ يُحْرَم الرفق يُحْرَم الخير". (*)
ـ " بَشرُوا و لا تُنَفروا. يَسرُوا و لا تُعَسروا". (*)




العَـدْلُ




قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إن المُقسطين، عند الله، على منابر من نور عن يمين الرحمان عز و جل. و كلتا يديه يمين؛ الذين يعدلون في حُكمِهم و أهليهم و ما َولُـو". (*)


المرأة الصالحة




قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: الجار السوء، و المرأة السوء، والمَرْكب السوء، و المسكن الضيق". (*)


غياب أو انخفاض نسبة حالات الانتحار




تعتبر نسبة حالات الانتحار في بلد معين مؤشرا جيدا على مستوى السعادة و الشقاء.


انخفاض نسبة الإدمان




فيما يتعلق بأبرز مصادر الإدمان، يمكن أن نذكر على سبيل المثال الإدمان على التدخين و الإدمان على الكحول و الإدمان على المخدرات.


الإحساس بـسعة الأرض




إن الإحساس بأن الأرض تـُـغَير حَجْمَها توسيعا و تضييقا يرتبط ارتباطا وثيقا بالحالات الروحية أو النفسية للإنسان.

جاء في الذكر الحكيم: ﴿ يا عِبَاديَ الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإيايَ فاعْبُدُون ﴾ (سورة العنكبوت:56) . و قال تعالى: ﴿ وَ عَلَى الثلاثة الذينَ خُلـِّـفُوا حَتى إذا ضَاقتْ عَلَيهمُ الأرْضُ بمَا رَحُبَتْ (118) ﴾ (سورة التوبة). و جاء في ديوان الشافعي:
وَ أرْضُ اللهِ وَاسِعة ٌوَ لكنْ إذا نزلَ القضاءُ ضاقَ الفَضَاءُ




سعة القبر




ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: إن المؤمن يُفسح له في قبره و إن الكافر يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه. (*)


سعة الجنة




قال الله عز و جل:﴿ و سَارعُوا إلى مغفرة مِنْ ربكم و جنة عرضُها السماواتُ و الأرضُ ُأعِدَّتْ للمتقين(133) ﴾ (آل عمران).


مجموع السعادة




هو مجموع اللذات الروحية (أو النفسية) و اللذات المادية أو الجسمانية. و تَعدُّدُ اللذات و تنوعها هو بتعدد نِعَم الله عز و جل و تنوعها، و هي نِعَمٌ لا تُعدُّ و لا تُحصى. قال الله عز و جل: ﴿ وَ إنْ تَعُدّوا نِـعْمَةَ اللهِ لا تُحصوها(18) ﴾ (سورة النحل).
[/read]