في ذات شتاء بارد الملامح...
ضبابي القسمات...
وعند الغروب بالذات..
كانت هناك..
تقف على حافة الأفق..في وجه الريح..
وحيدة .. شامخة..
صامده.. ترقب الموت بعينيها.. وتصيح..

قد تناثرت خصلات شعرها في كل مكان..
وسافرت في كل الاتجاهات..
واكتسح الجليد كيانها...
واجتاح الشتاء البارد أعماقها..
وكان الألم.. يخنق الانفاس بصدرها..
كانت تقف مكابرة.. وتصرخ للريح..
ان لملميني من اعماق الضياع..
قد هدتني قسوة القدر..
وكل ما في الكون اصبح ضدي..
حتى انت يا ريح.. عاندتني..
يكفيك تحدي..

لقد احببته حتى النخاع..
وادمنته حتى الجنون..
وأسكنته في روحي..
وبين أجزائي.. وجروحي..
ووهبته قلبي.. وكل مشاعري..
وعيوني...
وكان روحي وهوى روحي..
وفي القلب مستودعه..
وكان دوا لجروحي..وشريان دافق لنبضي..
يحي القلب .. الذي يحيا به..

وكنت أعشقه..
واعشق عينيه..
وأبحر بعييييدا في عينيه..
في حضن الليل اليه..

في زورق الحب ...
ولا ادري اين سيرسيني..
وموج هواه المتلاطم..
في بحر العشق يشقيني...
ومجدافي متكسر..
لا يقوى على حمل حنيني..
تعتصر دموعي في عيني..
وأهيم بوجهي أتسول..
ونظرة.. حب تكفيني..
ونظرة عشق .. تنهيني..

نبت الشوك في روحي
انحسر المد جزرا في عيوني
تصدعت أقدامي..
وما عدت قادره أن أكمل مسيري...

قد أحببته بنزقي الجميل..
بجنوني العذب..
بصفائي..
بصفاتي الطفولية ..
عشقته كما يعشق الأطفال..المطر..
و اللعب تحت المطر..
وكما قطرات الندى تعشق الزهر..
كما يعشق الليل طلوع القمر..
كما يعشق هذا الزمن القسوة..
كما يعشق الرسم على الجباه القدر..

وتعلقت به..
وهربت بمشاعري الحالمة..
من قسوة الواقع..
والتقاليد الظالمة... اليه..
فبالله يا ريح .. خذيني اليه..
فلدي ما يكفي من حب..
كي افني عمري بين يديه..



خذيني الى عينيه..
وشرديني فيهما..
وأمنحيني فرصة واحده..
واعدك اني ..لن اطلب غيرها....
كي اثبت أني استحقه..
واني لم اخلق الا له..

أيتها الريح.. التي هبت عليّ..
وكسرتني.. وبعثرتني..
ورميتني على الرصيف حطاما..
ترفقي بي .. وارحميني..
وكفي عني ولا تلوميني..
قد تعبت الملاما..

اني اخاف عليّ منك..
أخاف على حلمي منك..
فلكم كسرت لي احلاما..

قد جردتني من كل شيء..
من شموخي .. من صمودي..
من كبريائي.. وحتى من نفسي..
والقيتني ولم يبق مني الا العظاما..

وأصبحت لاجئة..بين مئات اللاجئين..
في وطن الغربة.. مع الاخرين..
ذوي الملامح المتعبة.. والوجه الحزين..
اعيش النفي في مدن المنافي.. منذ سنين..
وأبحث عن وطن جديد..
عن حلم جديد..
عن أمل.. عن فرح وعيد..
وما وجدت لي وطنا .. الا وطني الاول..


كان وطني..
كان حلمي.. كان أملي .
كان ألمي..
كان كل ما لي في حياتي..
وهاجر ..
وكيف يهجر من في القلب سكناه..!!
قلبي..



أحزاني باتت تقذفني..
من نهر الحزن الى آخر..
تعصف بقلبي... تصفعني..
رياح لها وجه ناخر..
تنحر بجرحي ... تفزعه..
تحمله من موت الى آخر..
تقصف بملامحي ترعدني..
تشعل نيراني .. تحرقني..
وتنثرني..كشظايا بركان ثائر..

وتقذف بي زوبعة الخوف..
ويومض بارق من حولي..
يشطرني الى نصفين..
يمزقني..
قد تمزقت ..
وتمزق حلمي اربا...
واستحلت انثى صفراء..
تلعب بها الريح..
وتلفها الصحراء..
لا تقوى على الحراك..
قد تكسرت بفعل القصف المتتالي..
الى شظايا متناثرة..
و أبتلعتها أرض جدباء..

جاء موسم الحصاد...قبل أوانه..!!
حصدت حلمها الريح..
وأخذت رائحة الحصاد من يديها تفوح...
والريح تتلاعب بخصلات شعرها..
وخفق قلبها الجريح...
أرادت أن تستبد بها...
أرادت أن تغتالها...
لم يا ريح...!!



جاءت مع الريح.. أجمل ريح..
عطر الاحباب..
وأي ريح ساقته اليها..
أشرعت للريح الباب..
مدت يدها ..
أرادت أن تقبل خدها..
كانت تسابق الريح اليه..
أحست بشيء يشدها..
رفعت راسها ..
صاحت يا ريح..أن هبي..
واقتربي...

اقتربت الريح..
لامست بيديها وجه الريح..
ارتعشت يديها...
وارتجف كل ما فيها..
لم يكن وجهه.. بل كان وجه آخر..!!
ولم يكن عطره .. بل كان عطرا آخر..!!
وألم آخر ..
وقهر آخر..
صرخت باعلى صوتها..
صااااااااااااحت..
تبا لك أيتها الريح..
انكفات على وجهها..
اثر هجمة الحقيقة..
عليها..
آآآآآآآآآآآآآآه
كم هي مثيرة للشفقة..!!!



أحست بأجزائها تتساقط..
كما تتساقط اوراق الخريف..
تحت أرجل التماثيل ..على الرصيف..
أبت أن تتساقط..
أبت الركوع..
ابت الوقوع..
من على حافة الأفق..
ابت الضياع..
ابت التشرد..
أبت أن تنكسر..
أو تفقد ألوانها .. أو تخسر..
كانت تصيح ..في وجه الريح..
وتقف في جلد..
رغم مسافات الخوف في عينيها..
وسياط من مواجع.. اغمضت عليها جفنيها..
وتلال من غربة.. تحجب الطريق اليه..
ورغم تغير ملامحها بفعل تبدل الفصول ..
و الظروف..

زرقة لونت شفتيها..
صبغتها رعشة.. هي بين جمر وبرد..
قد قست عليها الريح..
عصفت بها.. لم تستريح..
تلوّت ..
ترنحت..
تأرجحت..
وتأرجحت الدموع في مقلتيها..
وابتلعتها لحظات اليأس..
تمزقت أربطة جأشها..
وبكت...
ولكن بعد فوات الاوان بوقت..
بعد ان مات الحب في القلب..
بلا ذنب..
وهل تحيي انهار البكاء الميت..!!

ابت أن تتذلل للريح..
أو ان تئن..
أبت أن تشهق للركوع..
او ترضخ لها او تسجد....
أو ان تعلن الخضوع..
تعلمت داااائما أن تتمرد..

أحست بالتعب..
قدماها مثقلة بالعجز..
فهي تجر خلفها ذاكرة مرّة..
تتسلل من بين شقوقها..
أصوات تتردد..
وحلم مستحيل .. يتواصل..
وامل يتجدد..
تصطخب بها الاصوات..
تستوطنها....
وفي صدرها أحزان..
وآلام تعربد..
ودم حزين ينساب في عروقها..
والرياح تهب من كل صوب..
و الليل غارق في صمته..



وفي غفوة من الصمت..
و غفلة من الريح..
وفي لحظة غضب....
اعلنت الثورة..
والتمرد والعصيان..
رفعت يدها..بتعب..
نزعت الشمس من قلب السماء..
وجعلت في النهر يغني الماء..
وقاتلت بيديها الموت..

كانت أنثى مستحيلة..
تقف على حافة الأفق..
كنجمة في السماء تتعلق..
وقمة من القمم...لا تنحنى الا لله..
كانت انثى عنيدة..
كل ما فيها نزق..
فرس جموح ... يصعب ترويضها..
ومهرة برية.. تصهل بوجه الريح..
بحرية..
صامدة .. جامده..
لا ترتجف..
شامخة وتقف بكبرياء ...
بلا خوف..



وسحابات العدم .. تمر من حولها..
تبعثرها.. تنثرها..
تخلطها مع الوجع..
لتصبح فوضى ....
تذروها الريح..
كان فيها خمس وعشرون ذره..
وفي كل ذرة منها جرح..
وفي كل جرح الف وجع..

أنثى الالف وجع..
أنثى من نار..
في عيونها جمر يستعر..
ونظرات تحذر..
أن ممنوع الاقتراب..
فالقرب منها يعني ان تحترق..
كل عالمها .. يموج بالاضطراب..
اعماقها صاخبة..
خلاياها صاخبة..
نبضاتها.. افكارها..
وكل أنحائها صاخبة..
الدم في الشرايين يثور..
وعلى شفاهها الراعفة .. يفور..

والنبض في القلب يجن..
والمشاعر في الروح تئن..
تريد أن تنطلق..
تنتظر ان لحظة الانطلاق تحين..
فمتى تحين..

حملها الحنين اليه..
برغم القسوة.. والصد..
والهجران..
بالرغم من كل شيء..
كان ساكن في قلبها ..
ويستوطن كل مكان..فيها..



وبرغم الصعوبات ..
والمعوقات..في الحياة
كانت ترفض واقعا..
فرض المستحيل..
وكانت تبحر اليه بلا دليل..

بعد أن فاض بها الكيل..
من كل شيء..
ولم تعد تحتمل شيء..
أن تكون بلا هوية..!!
بلا ملامح..!!
بلا ماض.. أو حاضر.. أو مستقبل..!!

انتابها شعور بالملل..
وبدأت تلملم أشتاتها..
وبعثرة ذاتها..
وحلقت عائده اليه..على جناح الريح..
الى ذلك الأمل في عينية..
وحاولت أن ترتفع.... بعد الألم..
وأن تنسج أحلامها .. من العدم..

بدا الغضب يعربد في دمها..
والثورة تعصف بمشاعرها..
ووقفت عاجزة عن الحركة..
متهالكة..
ترمق الريح بعين دامعه..
وتردد ..
بلا أدنى ذرة أمل..
ان يا أنت.. أين أنت ..!!!
لم تسمع الا صدى صوتها يصدح..
في الارجاء..
وصوت الريح يعربد في الانحاء..
ولم يات أحد..



تداعت شمس الامل..
وتسلل الليل من خلف الافق..
جلست تنصت لشهقات الورد..
وزفرات العتمة حين تنساب من على الورق..
ولصرير نافذة الغربة....
ولتشقق جدار الروح...
ووقع أقدام التمني..
وخطى الدم في الأوردة..
وخفقات قلب مجروح..

حان الغروب..
وأسدل الستار..
ستار اليأس على عينيها..
بعد أن كانت النهاية الحزينة..
لمشهد الغروب..
كانت ترمق النهاية وهي ترتجف..
شق صوت البكاء حنجرتها..
فتمزقت كل نقطة فيه وحرف..
ضجت مسامات روحها الذابلة..
وبدأت ورود الحب في قلبها ترعف..
وتلفها زوابع الوجع من كل ناحية..
وتعصرها الاحزان..
والجرح في قلبها ينزف..

وهي ترتجف..
أرادت أن تعرف..
كيف ستواجه الحياة..
وقسوة الحياة..
والوحدة....والاغتراب....!!!
وهواه يجتاحها كل ليلة..
هاجسا وحلما مستحيلا..
كيف..!!

أرادت أن تعرف..
وأن تضع كل نقطة على حرف..
ارادت ان ترسم خريطة حياتها ..
نحو المستحيل..بلا حدود..
الى اقصى اقاصي الممكن...
بلا ظل لتقاليد وعادات وعرف..
بلا خطوط متقطعة او كلمات متقاطعة..
أو زيف..

أرادت... ولكن...
" لا تقل شئنا فان الله شاء "
و
" ربما تجمعنا اقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء "