جزاك الله خيرا
يأتي رمضان في كل عام لينتشل الغارقين في مستنقعات الشهوات
الغافلين المنغمسين في أوحال المادّة ويخلصهم مما هم فيه من ارتكاس وتخبط
ويعيدهم عبر قيام ليله وصوم نهاره إلى أصالة فطرتهم وصفاء قلوبهم وسموّ أرواحهم
ملعناً في آفاق وجودهم أنهم لم يُخْلَقُوا عبيداً لشهواتهم وأرقاء لأهواء نفوسهم
وإنما خُلِقوا عبيداً لله وحده لا شريك له الذي أعلن قائلاً في كتابه الحق : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
( 56 - الذاريات )
قمن استنكف عن عبادة الله عز وجل وآثر عليها عبادة الدنيا ،
فلتهالك على شهواتها الخاسرة وزينتها الفانية
واستحب الفسوق والعصيان على الهداية والإيمان
لن يجني من ذلك سعادة منشودة وطمأنينية مقصودة
وإنما سيقطف ثمار ذلك شقاء وتعاسة وخيبة وخسران مبين
وذلك هو واقع المجتمعات المادية القابعة في ظلمات الحضيض البهيمي
لا يزال يحدثنا عن اسنانه الذي وقع فريسة شهواته وحب دُنياه وملذاته
وحرص على تضخيم جانبه المادي على حساب كيانه الروحي
فانحصر تفكيره وطافته وعواطفه واتجاهاته في دائرة طعامه وشرابه وأمواله ونزواته ولذائذ حياته
فلم يجنِ نتيجة ذلك سوى مرارة الشقاء والنكد
حيث عصفت به ظلمات الشرور ، وسحتقته رحى المادّة
رغم ما أحرزه ن تقدم باهر في مجال العلوم العصرية والاكتشافات العلمية والدراسات الكونية
وتمثل شقاء انسان تلك المجتمعات المادية الخاسرة في:
- أزمات نفسية أخذت تحطم كيانه تحطيماً .
- أمراض خطيرة راحت تأكل جسده أكلاً .
- دمار في سلوكه وأخلاقه .
- صراع دائم لا يهدأ بين أفراد مجتمعه .
- وتمزق في أواصره وروابطه الأسرية والإجتماعية والإنسانية .
ولا ريب في أن من فقد اتزانه النفسي والفري والاجتماعي وارتكس في حضيض المادية الجارفة
لن تعرف السعادة سبيلاً إلى قلبه ، ولا يجد الأمن طريقاً لحياته
وليس له في سبيل الخلاص مما هو فيه إلا أن يلتفت إلى العناية بروحه
وذلك عندما ينطلق بها في معرراج عبادة الله عزوجل
ويترقى بها في مدارج طاعته ، ويسمو بفكره وقلبه ومشاعره ،
مجتازاً بذلك كل الحدود والشهوات الرخيصة ، والنزوات النفسية الهابطة
ليعيش في رحاب العبودية المطلقة لله رب العالمين ينعم بجلال الخضوع لوجهه الكريم
ويتذوق حلاوة مناجته في الأسحار ، والإقبال عليه في الليل والنهار
ما بين ركوع وسجود ، وتضرع لله وخضوع ، ومناجاة ودموع
يتمثل في واقعه معنى قول رب العالمين في وصف عباده المؤمنين : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (16- السجدة ) وقوله تعالى :
( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )
(17 ، 18 الذاريات )
ينبغي علينا أن نعلم أن انتعاش الجانب الروحي في كيان العبد بطاعة الله تعالى
يفضي إلى تطهّر جانبه المادي من لوثات الشر والفساد
وبذلك يسمو بشهواته ورغباته وميوله بعد ذلك إلا فيما يحب الله سبحانه وتعالى ويرضى
فيصبح ذلك الإنسان مصدراً من مصادر الخير في مجتمعه ومنبعاً للطهر والنقاء في سلكوه ومواقفه
وهذا يوضح الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " ( صحيح البخاري )
إخوتي الأكارم أخواتي الفضليات
اغتنوا فرصة شهر رمضان بالعناية بأرواحكم في ظل طاعة ربكم وحسن الاقبال عليه
في قيام الليل وصوم النهار وكثرة ذكره الله وتلاوة القران
وتمثلوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " صحيح بخاري ومسلم
واخلعوا عنكم نفوساً رثّة بالية ، غارقة في مستنقعات الشهوات ومهابط العصيان
واستبدلوا بها نفوسا طاهرة زكية تعشق طاعة الرحمن وتنبذ الشيطان وتهفوا إلى موائد الخير والهداية ،
وتتلمّس أُنْسَها وطمأنينتها في مناجاة ربّها في الأسحار والخلوة معه في غضون الليل وأوصال النهار
واذكروا قول ربكم :
( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
(28 - الرعد )
جزاااااااااااااااكِ الله الفردوس الاعلى
إذا لم تجد عدلاً في محكمة الدنيا .. فارفع ملفك لمحكمة الآخرة .. فإن الشهود ملائكة .. والدعوى محفوظة .. والقاضي أحكم الحاكمين
اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً
و
اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً
جعله الله بموازين حسناتك
اللهم بلغنا رمضان ونحن في أحسن الأحوال
وجعلنا ممن يقومه أيمانا وأحتسابا
جزآآآك الله عنا كل خير
وجعله في موازين حسناتك
ونفع بك ورحم والديك
ربي يجزاك الجنة ويرحم والديك ويسعدك
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات