السلام عليكم ..










من كثرة ما ألحظه من هجوم غاشم ومنظم على جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة المستميتة بإغلاقه وطرد رجاله ، إلا ويخيّل لي سريعاً أن هذا البلد المعطاء لم يعد يملك إلا حلّ جهاز الهيئة لكي يكون صافياً مصفى من الأخطاء !
لم يعد أمامنا إلا حل أخطاء رجال الهيئة وسيصبح عهد الصحابة والسلف قد تمثل فينا حق التمثل !

ولن يبقى إلا أن نهدم برجي المملكة والفيصلية ونغلق فندقي الموفنبيك والهيلتون ونردم شاطئي الهاف مون والسنسيت حتى نصبح نسخة مصورة للحياة في أوج العهد الإسلامي العباسي المجيد أيام ماكان أبناء الكفار يهطلون علينا لينهلوا من معين علمنا وجامعاتنا !

هل من المعقول أننا اكتفينا ذاتياً في بناء المستشفيات المتخصصة المجهزة وتوفير السرر الكافية المناسبة الفايف ستارز لكافة المواطنين حتى لانجد من يتحدث عن مثل هذا إلا خطأً ، وهل قمنا بحل مشاكل المواعيد التي تمتد إلى شهرين وثلاثة أشهر في الأمراض الخطيرة التي بتأخيرها يموت المريض قبل أن يصل دوره !

هل من المعقول أن المدارس في بلادي أصبحت مدارس نموذجية تتوفر فيها جميع مستلزمات الطالب والأستاذ من كل شئ ؟
هل حلت مشاكل البنايات المستأجرة والمتهالكة ومشاكل تعيين سكان الشرق في مدارس الغرب ، وساكنات الغرب في مدارس الشرق ، هل توقف الموت جرّاء سفر المعلمين والمعلمات ، هل قمنا بحل مشاكل النقل لكي لايركز الجلّ الغير جليل منا حديثه ومقالاته وتحقيقاته إلا في الفظائع التي يقترفها متخلفو الهيئة ؟!

أين من يتحدث عن أخطاء وزراة المالية وتعدي رجال البلديات و أقسام الشرطة على المواطنين الأبرياء ، لماذا لم نقرأ يوماً عن قضية العقيد فلان الفلاني الذي عذّب المواطن البرئ علاّن العلاني لكي يجبره على الاعتراف في جنحة لم يرتكبها ، لماذا لا نقرأ عن السرقات التي يرتفع عددها كل يوم عن اليوم الذي قبله !

بلادي العزيزة تحتل مركزاً متقدماً على مستوى العالم في جرائم سرقة السيارات والسطو على المنازل ، ليس هذا فحسب ، بل إننا و بلا فخر نحتل المركز الأول في فشلنا الذريع في القبض على السارقين !

سمعت قبل فترة ليست قريبة أن إحدى المجموعات المراهقة سطت على منزل كان أهله مسافرين ، و سرقت صحن الدش عندما كان بستة آلاف ريال و تاجوري المجوهرات وكل ماخف وزنه وغلا ثمنه ، بما يعادل قيمته المئة ألف ريال ، ولما ذهب صاحب المنزل لتقديم الشكوى ، أجابه العسكري : لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، الشيطان الأكبر في بيتك وجاي تشتكي !! لاحول ولاقوة إلا بالله !
انسَ مسروقاتك و روح اطلب الله ! وأنصحك يامسلم ، إياك واقتناء مثل هذه الأجهزة التي تدعو إلى المنكر والرضيلة ..
يعترض بحزن : والمئة ألف الأخرى يا عسكري يا مؤمن ؟!
يجيب : اعتبرها كفارة !
بيأس : ستة آلاف قيمة الدش حرام ، والمئة ألف كفارة .. الله مايرضى بالظلم يا مؤمن ؟!

حينها ذهب هذا الرجل لكي يسجل اعتراضه هذا في جريدة ، و كان يقَابل بأنه يمنع منعاً باتاً التشهير بوزارة الداخلية ؟!


هل يصدق أحد أن عهد عمر بن عبدالعزيز قد عاد كرّة أخرى فلايوجد بيت فقير في وطننا المعطاء !
نعم يعقل ، فلم أعد أقرأ عمّن يتحدث عن الفقر في بلادي و لاعن الرأسمالية المتجذرة بين الشعب !
الشعب ياقوم لم يعد إلا صنفين فقط لاثالث لهما : إما غني فاحش الثراء ، وإما فقير شديد الفقر !


قل كثيراً جداً الحديث عن نقص المياه وتكثّف الحشّ في رجال الهيئة !
هل من المعقول أننا نسبح في أنهار مصفاة من المياه المحلاة حتى لاتعود مدينة في بلادي يحتاج مواطنوها إلى دفع سبعمئة ريال قيمة ( وايت ) الماء على رأس كل أسبوع !



وهل حلت مشاكل التوظيف والبطالة والعطالة وجفت المحابر التي تتحدث فيها ، حتى لم يبق إلا الحبر الذي يرمي سهامه السامة على أخطاء الهيئة ورجالها الغير كويسين !

وهل اقتصادنا وتخطيطاتنا الخمسية والعشرمية والإلخية صارت ميّة ميّة حتى لم يعد لاقتصاديينا بعد أن تخطى سعر السوق حاجز الثلاثين ألف خيبة مجال إلا في الحديث عن بورصة رجال الهيئة وطول لحاهم وقصر ثيابهم ؟!

وهل حازت فرقنا الرياضية كأس العالم في كرة القدم والسلة والطائرة وتنس المضرب والشطرنج حتى لايجد كتاب الرياضة غير الهيئة لكي يشتهروا ويمشي سوقهم بين القراء ؟!


من كثرة ما أقرأ من إرهاب منظم و انتقادات تُصوَر الأخطاء فيها على أنها فظائع يقوم بها أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا ومخيلتي تنصب على أن هؤلاء وحوش حشرت من جهنم الغبرا !

يخيل لي أحياناً أن رجل الهيئة ماهو إلا شيطان في صورة إنسان ليس له إلا مطاردة الناس مثل رجال الشوارع ! رجال دمويون لاهم لهم إلا الانقضاض على الأبرياء ونشر فكر التوحش !

و أحياناً أقرأ صراخ البعض : ولقد قام بعض الوحوش الملتحين بالتهجم عليّ وضربي وركلي بدون رحمة ، ثم جرّوني من تلابيبي من دون أن أرى إلا صورة أشباح .
بينما هذا الذي يصرخ يصور الشيخ سالم أبو فلوس و المثقفة المتحررة سلمى ياااي على أنهم ملائكة نزلت من السماء لتنشر العدل والحب والجمال بيننا !

و من كثرة ما أقرأ من بطولاتهم الجارفة في كشف أوكار الخمور ، و نتيجة للعقل الباطن الذي تشكّل فيّ جراء تركيز الإعلام على فظائع الهيئة يخيّل لي أن مصانع الخمور التي يساهمون في كشفها ماهي إلا مصانع لتصنيع العود الكمبودي والبخور !!
وإنه لكابوس جثم على عينيك حين تقرأ أن الهيئة قد ضبطت : 20 برميل خمر و39 قارورة عرق في فيلا سكنية
فالصحيح هو : 20 تولة دهن عود كمبودي و 39 قارورة ورد طايفي !!
و أن السبعمئة ألف ريال هي قيمة علب ويسكي مهرب عبر الخليج ماهي إلا علب سنتوب استوردت لتوزيعها على طلاب المدارس مجاناً !

و لما أقرأ عن ضبط رجال الهيئة المتوحشين للسحرة والمشعوذين أحسب أنهم قد ضبطوا أحدهم و هو ساجد في بيته يقرأ بخشوعٍ دعاءَ الاستخارة !
و لما نسمع عن كشفهم لجرائم ترويج منظمة للممنوعات نفكر أنهم ربما قد أمسكوا شنط عائلة بريئة راحت تقضي إجازتها في إحدى المصائف !


ثم إن أكثر جملة قد تتكرر عليك حين تصفح أي جريدة بعد : حقوق المرأة المسلوبة في المجتمع و كيفية تحصيلها ...
هو : انتهاكات جهاز الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر السافرة .. أغلقوووووه !



حين يكتب الكاتبون مقالاتهم وتحقيقاتهم وسبقهم الصحفي عن الأخطاء الصحية والتعليمية والخدمية والـ إلخ إلخ ، وجرّاء ذلك تحل و تنقضي مشاكل الصحة و الفقر و الظلم .. إلخ إلخ إلخ ، إضافةً إلى توفير بئر نفط خام لكل بيت في بلدي المعطاء ، و حين لن تنقطع الكهرباء و المياه عن بيوتنا ربما حينها سنوافق مايكتب ضد االهيئة ، و قد نطالب بإغلاقه !

أما الآن و مع مانحن فيه :
سيبقى جهاز الهيئة بأخطائه و بجرائم منسوبيه شامخاً مابقيت الأخطاء و الجرائم في باقي الأجهزة الحكومية !