• دخول الاعضاء

    النتائج 1 إلى 3 من 3

    الموضوع: المرء لا يشعر بالاخرون

    1. #1
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية نسمات الجنة
      تاريخ التسجيل
      Nov 2014
      المشاركات
      10,474
      معدل تقييم المستوى
      60

      افتراضي المرء لا يشعر بالاخرون

      هاتفني البارحة معبراً عن رقيق المشاعر، ونبيل الإحساس؛ أسميه زميلاً ويأبى إلا أن يصف نفسه بأنه تلميذ بسيط، تسعفه ذاكرته بأدق التفصيلات عن الأيام الخوالي، ورفاقها، وفوائدها.. حتى يتذكر من كان يجلس إلى جواره، ومن كان يقرأ الدرس و..و..

      بعده وافت رسالة تطلب الرد، ولديها إشكالات، وتساؤلات، واستفهامات، وتُقدِّم بأنها تحبك، وتدافع عنك في كل مكان، وتذبُّ عن عرضك، وكأنك مسبوب في كل مجلس! ولا تدري أن قضيتها تتعلق بنوع الجليس الذي تختاره، وتقضي معه سحابة نهارها، وبعض ليلها؛ إما محباً لا يرى إلا الحسن، أو معرضاً لا شأن له بالناس والقيل والقال، أو شانئاً همّه الوقيعة والترصُّد، يستغرق ذلك مجلسه وحياته، ويستولى على عقله وقلبه ولسانه، وهو ميدان جهاده في يقظته، ومادة أحلامه في منامه.

      قبل أيام كان المرسل (ولعلها المرسلة) يقذف بالحِمَم، ويُهاجم من لا شأن لهم من الأحياء والأموات!

      المرء عادة لا يحس بما يتعرض له الآخرون، بل بما يمسُّه هو، ولذا تجدك كثيراً ما تحاول مواساتهم، وكأنك بمعزلٍ عن الأذى.

      حتى الكلمة المفردة التي تؤذي الإنسان يمرّ بها أو تمر به؛ يحملها ويسهر معها، وتكون هي أول ما يصافح ذاكرته بعد الاستيقاظ، وتظل أياماً تأكل وتشرب معه، ولا ينساها إلا بجهد، وبعد وقت.

      وربما ظن أن هذه الكلمة باقية أبداً يتداولها الناس عنه، ولا يدري أنها ماتت قبل أن تولد، وأن الناس عندهم من المشاغل والمتاعب ما يلهيهم عنها ولو تداولوها لوقت وجيز، وأنها لم تأخذ من الأهمية والشأن عندهم كما أخذت عنده، وأنها تخصُّه وتعنيه دون سواه.

      وهذا الفرق بين الكلمة الطيبة الباقية (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(إبراهيم: من الآية24)، وبين الكلمة الخبيثة الزائلة حتماً، ولو دفعها أناس قدر طاقتهم إلى السماء، فهي ترتد عليهم، ويبقى شؤمها عليهم (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)(إبراهيم: من الآية26).

      في صِغَري كنت معجباً بالشيخ الأديب "علي الطنطاوي"، وقرأت كتبه، فشدَّتني بأسلوبها الأدبيّ الأخَّاذ، وعاطفتها المشبوبة، وموسوعيتها، وعمَّقت حبي للتديُّن، والعروبة، والتاريخ، والأدب.. وصادف أن وقعت عيني على كتاب يذمه وينتقصه، ونسبه إلى الجهل والضلال؛ فصدمني هذا، وخدش براءة طفل لا يريد أن يختلف الناس على محبوبه، وبقيت لأيام حزيناً مطرقاً لم تنقص مكانة الشيخ عندي، ولكن تألمَّت وعتبت على من ناله بغير حق، وفي قضية جانبية لا تستحق كل هذا ولا بعضه!

      كانت تلك من أوائل ما رأيت، ثم تعرَّض شيخي "صالح البليهي" لذلك، وأوذي، ولم تراع منزلته العلمية ولا شيبته!

      ثم علمت بالمجالسة والتجربة والرصد أن من اليقين حين ترى شخصاً حظي بقدر من الشهرة؛ بعلم، أو وزارة، أو إمارة أو، مال، أو حضور إعلامي؛ كرياضي، أو مذيع، أو كاتب، أو ممثل، أو فنان.. الخ، وسواء كان في خير أو شر إلا والناس منقسمون عليه بين مادح وقادح، ومحب ومبغض، وحسن الظن وسيء الظن؛ سنة الله في عباده لا تبديل لها ولا تحويل!

      فإذا تأملت الملوك، والوزراء، والتجَّار، والعلماء، والقادة من الأحياء والأموات وجدت هذا جلياً ظاهراً للعيان، وهو يكثر ويتردد بحسب مكانتهم، وسعة نطاق الحديث عنهم؛ في المطبوعات، والفضائيات، والصحف، والمواقع الإلكترونية، والمجالس العامة، وسواها.

      على أن المرء يمرُّ عليها مرور الكرام، ولا يُعيرها اهتماماً إلا لماماً، وقلَّما تؤثر في نفسه، وتهزُّه إلا إذا كان هو المقصود بها.

      والغالب أن المدح أكثر وأشهر، ولكن الألسنة تتناقل الغريب، والنفوس تتساءل، فيبدو كأنه أوسع, وهو في الحقيقة ضيق محدود.

      ومن حكمته أن يتواضع الإنسان لربه، ويعترف بذنبه، ويعتاد على سماع النقد مكرهاً، ثم يتقبَّله مختاراً، ويدري أنه ضريبة النجاح والتوفيق.

      وحين يكون لغواً لا حقيقة له فهو وصل لما نقص أو انقطع من عمل العبد؛

      كما في حديث الصبي الذي تكلَّم في المهد وقال: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِثْلَهَا»، ففي الحديث: «وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ. وَهِىَ تَقُولُ حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ..» فقال الصبي: «وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ. وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ» (مُتَّفق عَلَيْهِ) واللفظ لمسلم.

      ولو لم تسمع الناقد والمعترض لأسرع إليك الغرور والكبر، وتعاظمت نفسك، وسكرت بخمر المادحين، ولكن كما جاء في حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ فَيَقُولُ « نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا ». رواه أبو داود، والترمذي، وهو صحيح على شرط الشيخين.

      وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ مَلأَ اللَّهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ خَيْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ وَأَهْلُ النَّارِ مَنْ مَلأَ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ شَرًّا وَهُوَ يَسْمَعُ ». رواه ابن ماجه، وهو صحيح.

      وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ» ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ: «وَجَبَتْ» فَقَالَ عُمَرُ: مَا وَجَبَتْ؟ فَقَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض». (مُتَّفق عَلَيْهِ)

      لي أن اختار الميل إلى حُسن الظن بالناس، وحملهم على المحمل الحسن، والتماس العذر لهم، وعدم تسحيبهم بالإلزامات والتقوُّلات والتُّهَم، ولأن أخطئ في ذلك فتنسبني إلى غفلة أو تواطؤ أحب إليَّ من أن أخطئ بثلب امرئ مسلم بغير حق.

      فاللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج:24).

      د سلمان العودة

    2. #2
      ...
      تاريخ التسجيل
      Aug 2008
      المشاركات
      10,163
      معدل تقييم المستوى
      87

      افتراضي رد: المرء لا يشعر بالاخرون

      جزاك الله خير

    3. #3
      فوضوي له مكانه الصورة الرمزية عذبه الصفات
      تاريخ التسجيل
      Dec 2014
      المشاركات
      3,179
      معدل تقييم المستوى
      46

      افتراضي رد: المرء لا يشعر بالاخرون

      جَزآكــ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ ..،
      جَعَلَ يومَكــ نُوراً وَسُروراً
      وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
      جَعَلَهُ الله في مُوآزيَنَ آعمآلَكــ
      دَآمَ لَنآ عَطآئُكــ ..
      دُمْت بــِ طآعَة...

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. بعد رمضان.. يُكرم المرء أو يهان..
      بواسطة ولد الربيعه في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 22-06-2016, 05:41 PM
    2. من حسن اسلام المرء
      بواسطة ضياء غالب في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 15
      آخر مشاركة: 23-04-2014, 01:25 AM
    3. حينما يتقابل المرء مع عمله
      بواسطة شمس ألاحلام في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 03-04-2012, 07:43 PM
    4. ارقى مايتعلمه المرء..........
      بواسطة بنت ابوها في المنتدى منتدى المواضيع العامة
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 12-11-2010, 06:26 PM
    5. المرء من جليسه. ..
      بواسطة سمو المشاعر في المنتدى من وحي الاسلام
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 01-07-2010, 09:11 AM

    المفضلات

    المفضلات

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    www.yanbualbahar.com