بوالعلاء المعري

[محمودى]

::: يَقولُ النّاسُ: إنّ الخَمرَ تُودي :::


بما في الصّدرِ من هَمٍّ قديمٍ يَقولُ النّاسُ: إنّ الخَمرَ تُودي


لَكُنتُ أخا المُدامَةِ والنّديم
ولَوْلا أنّها باللُّبّ تُودي،

[محمودى]

::: لقد كَرُمتْ عليكَ فتاةُ قومٍ :::


شَرِبتَ، بفضلِها، فضَلاتِ كَرْمِ لقد كَرُمتْ عليكَ فتاةُ قومٍ،


وأنتَ مُعَلَّلٌ بسويقِ جَرْم وسُقتَ إليكَ سوءَ الجُرمِ عَمداً،

وإن كانَ الصّليبُ كنَبتِ هَرْم أرى هَرِماً يُعيدُ نَباتَ نَبعٍ،

سَفاهَةَ عَقلِهِ، بأذًى وغَرْم لقَد خابَ الذي حلَبَتْ يَداهُ

ونبأةُ باغمٍ، وهديرُ قَرْم سيُخفِتُ، كلَّ صوتٍ، زأرُ ليثٍ،

وكَفّي والسّهامُ، فكيفَ أرمي
رَماني مَن لَهُ وتَري وقَوسي،

[محمودى]

::: ليسَ اغتِنامُ الصّديقِ شأني :::


فلا تكنْ، شأنُكَ اغتِنامي ليسَ اغتِنامُ الصّديقِ شأني؛


فَجامدٌ بَينَنا ونَام في الأرضِ حيٌّ وغيرُ حيٍّ،

عَينٌ سِوى رُؤيَةِ المَنام غُيّبَ مَيْتٌ، فَما رأتهُ

في مَنسمٍ حَلّ، أو سَنام فَلا يُبالِ اللّبيبُ مَنّا

حَدّثَ بالنّايِ عن زُنام نأيُ زُنامٍ، أوانَ يُدْهَى،

فاحتَرزي قَبلَ أنْ تَنامي والغَدْرُ، في الآدَميّ، طبعٌ،

فليَنتَسِبْ في سِوى الأنام مَن ادّعَى أنّهُ وَفيٌّ،

[محمودى]

::: كم بادَ في حَدَثانِ الدّهرِ من ملإٍ؛ :::


وسادَ في دُوَلِ الأيّامِ من قُزُمِ كم بادَ في حَدَثانِ الدّهرِ من ملإٍ؛


لأهلِها، وهيَ لم تُشْدَدْ إلى الحُزُم والسعدُ فوق سروجِ الخيلِ، يُمسكُها

ألقَى الفَريسَةَ من أنيابِهِ الأُزُم واللّيثُ، إنْ ولجَ الحرْمانُ منهُ، فما

[محمودى]

::: إذا لم يكنْ للمَيتِ أهلٌ، فقَلّما :::


يَزُورُ أناسٌ قَبرَهُ للتّذَمّمِ إذا لم يكنْ للمَيتِ أهلٌ، فقَلّما


لها ناصرٌ، إلاّ بحُسْنِ التّغَمّم وإنْ مَسّتِ الأرزاءُ نَفسَكَ لم يكنْ

نكيرُ علِيٍّ، أو بُكاءُ متَمّم؟ وهَلْ رَدّ حَيّاً مالكَ بنَ نُوَيْرَةٍ

تُنالُ المَعالي بالمَطي المزَمَّم زَمَمتُ المَطايا للوَجيفِ، ولم تكن

وضَرْبِ الهَوادي بالحَديدِ المُسَمَّم ولكنْ بأطرافِ القَنا وكعُوبِهِ،

لتَعميمِ رأسِ الهِبرَزيّ المعَمَّم وجَذبِ رداءٍ، يَدرجُ النّملُ فوقَهُ،

إذا لم تَعِشْ عيشَ الغبيّ المذَمَّم رويدَكَ! لم تَبلُغْ، من الدّهرِ، لذّةً،

فَلا رَوْحَ إلاّ بالحِمامِ المصَمَّم وتَسمَعَ فيهِ ما يُصِمُّ ذوي النُّهَى،

إلَيها نأتْ عن أنفِهِ بالتّشَمّم وحَظُّكَ فيهِ نُبذَةُ الفيل، إنْ دَنا

فصارَ أديمي كالسّقاءِ المرمَّم وأخلَقَني مَرُّ الزّمانِ وكَدُّهُ،

إذا صِرْتَ تَقضي الفرْضَ عند التيمّم فعُدْ، جسدي، للعُنصرِ الطّهرِ تسترحْ

[محمودى]

::: أجَمَّ رحيلي ما أجَمّتْ مَوارِدي :::


وكانَ دخولي في ذَوي العدد الجَمِّ أجَمَّ رحيلي ما أجَمّتْ مَوارِدي،


فهل لك من خالٍ، فيُعرَفَ، أو عمّ؟ أشمسَ نهاري! كم خلَتْ لك حجّةٌ؛

بغيرِ أبٍ عند القياسِ ولا أمّ لعمري! لقدماً صاغكِ اللَّهُ قادراً

حياتُكِ موتٌ، والمَطاعمُ كالسّمّ رَحِمتُكِ يا مَخلوقَةَ الإنسِ إنّما

وإنْ تُرْزَقيهِ، فهوَ مُبتَعَثُ الهَمّ فإنْ تُحرَمي عَقلاً سَعِدْتِ لغبطةٍ؛

على الحمدِ، لكن يُجمِعون على الذّمّ ولنْ يُجمِعَ النّاسُ، الذينَ رأيتُهم،

[محمودى]

::: قالَ المَنجّمُ والطّبيبُ كِلاهما :::


لا تُحشَرُ الأجسادُ؛ قلتُ: إليكما قالَ المَنجّمُ والطّبيبُ كِلاهما:


أو صَحّ قولي، فالخَسارُ عليكما إن صَحّ قولُكما، فلستُ بخاسرٍ،

طُهرٌ، فأينَ الطّهرُ من جسديكما؟ طَهّرْتُ ثَوْبي للصّلاةِ، وقبلَهُ

خَلَدي بذاكَ، فأوحِشا خَلَديكما وذكرتُ رَبّي، في الضّمائرِ، مؤنساً

منهُ، ولا تُرَعانِ في بُرْديكما وبكرْتُ في البَردينِ أبغي رَحمَةً

آتي، فهلْ من عائدٍ بيَدَيكما؟ إنْ لم تَعُدْ بيَدي مَنافعُ بالذي

خيرٌ بعلمِ اللَّهِ من بُرديكما بُرْدُ التّقيّ، وإن تَهَلّلَ نَسجُه،

[محمودى]

::: وجَدْتُ المَوتَ للحَيوانِ داءً، :::


وكيفَ أُعالِجُ الدّاءَ القَديما! وجَدْتُ المَوتَ للحَيوانِ داءً،


ولستَ على إساءتها مُقيما وما دُنياكَ إلاّ دارُ سَوْءٍ،

لقدْ سَعِدَ الذي أمسى عقيما أرى وَلَدَ الفتى عِبْئاً عليهِ،

يَؤُمُّ طَريقَ حَتْفٍ مُستَقيما؟ أما شاهَدْتَ كلَّ أبي وليدٍ،

وإمّا أنْ يُخَلّفَهُ يَتيما
فإمّا أن يُرَبِّيَهُ عَدُوّاً

[محمودى]

::: نَفَضْتُ عَنّي تُراباً، وهوَ لي نسبٌ :::


وذاكَ يُحسَبُ من قطعِ الفتى الرّحِما نَفَضْتُ عَنّي تُراباً، وهوَ لي نسبٌ،


إن صارَ جسميَ في تحريقهِ فَحما يا هُونَ ما أوعدَ اللَّهُ العبادَ بهِ،

تَمضي الدّهورُ وَصالي النّارِ ما رُحِما
وإنّما هوَ تخليدٌ بلا أمَدٍ،

[محمودى]

::: يَدعُو الغرابَ أناسٌ حاتماً سفهاً :::


لأنّهُ بفِراقٍ عندَهمْ حَتَما يَدعُو الغرابَ أناسٌ حاتماً سفهاً


ولا يُبالي أنالَ المَدحَ أمْ شُتما هذا التكذّبُ ، ما للجَوْنِ مَعرِفةٌ،

ولا يَبوحُ بسرٍّ، عندَهُ، كُتِما السّيّدُ البَرُّ مَن لا يستَجيزُ أذى

أو ابنَ مِريَةَ من أُمّاتِهِ يَتِما الغامِرُ، الطّارِقُ المُحتاجَ نائِلُهُ،

ولا يَدِبُّ إلى جاراتِهِ عَتَما لا يرفعُ الصّوت بالقولِ الهَراءِ ضُحًى

له كعوبٌ، ولكنْ بالرّدَى خُتِما
والعمرُ كالذّابلِ الخَطّيّ، قد بُسطتْ

[محمودى]

::: قد صَحِبْنَا الزّمانَ بالرغمِ منّا، :::


وهو يُردْي، كما علمتَ، الصّحابا قد صَحِبْنَا الزّمانَ بالرغمِ منّا،


لو دامَ ترْكُنا والرّحابا وحللنا المضيقَ، ثمّ أتينا الرّحبَ،

فلهذا قلنا: سُقيتِ السّحابا والجسومُ الترابُ تَحيا بسقُيا،

ـرِ يَرضْى، للأوجه، الإشحابا قد رضينا الشّحوبَ لوكان صرفُ الدّهـ

ـكَ، لدينا، بل ما يَهيجُ انتحابا وضَحِكنْا، وليس ما يوجِبُ الضحـ

بعدما حابَ، في الحياة، وحابا كم أميرٍ أميرَ في عاصفاتٍ،

[محمودى]

::: يُلامُ المُمسِكُ الإعطاءَ، حتى :::


جُفونٌ ما تُساعِدُ بانهِمالِ يُلامُ المُمسِكُ الإعطاءَ، حتى


فقَد جرّبتِ صَبري واحتمالي أسيئي في فِعالٍ، أو كلام،

فَما فَضل الأنيسِ على النِّمال؟ إذا الحَيوانُ فُضّ العقلُ منهُ،

فسبحانَ المهَيمِنِ ذي الكمال أرى زَمَناً تقادمَ غيرَ فانٍ؛

بما يُرْبي على كُثُبِ الرّمال قدِ اكتحلتْ عيونٌ للثّرَيّا،

صُحاةً، مثلَ شُرّابٍ ثِمال غَدَوْنا سائِرينَ على وِفازٍ،

أوِ الجَمَلينِ، لَيسا كالجِمال على الفَرَسَينِ، لا فَرسَيْ رهانٍ،

فإنّ القُبحَ يُطوى، كالجَمال فلا يُعجَبْ، بصورته، جميلٌ

بتَفضيلِ اليَمين على الشِّمال؟ وما غَضبي، إذا جَرَتِ القَضايا

وريحٌ من جَنوبٍ أو شمال كذاكَ الدّهرُ إظلامٌ وصُبْحٌ،

وصُعلوكاً خَرجتُ بِغَيرِ مال
بلا مالٍ، عن الدّنيا، رحيلي،

[محمودى]

::: قَبيحٌ مَقالُ النّاسِ: جئناهُ مَرّةً :::


فكانَ قَليلاً خَيرُهُ لم يعاونِ قَبيحٌ مَقالُ النّاسِ: جئناهُ مَرّةً،


لهُ منكَ وجهُ المُعرِضِ المتهاون إذا أنتَ لم تُعطِ الفَقيرَ، فلا يَبِنْ

ترُدُّ ليوثَ الغابِ مثلَ الضّياون
ولا تأمَنَنّ الحادِثاتِ، فإنّها

[محمودى]

::: أفدْتُ، بهِجرانِ المَطاعمِ، صِحةً :::


فَما بيَ من داءٍ يُخافُ، ولا حِبنِ أفدْتُ، بهِجرانِ المَطاعمِ، صِحةً،


كجُزْءٍ بَسيطٍ أولٍ مُسّ بالخَبنِ وإنْ ألقَ شَكوِي ألقَهُ تحتَ خِفيَةٍ،

فأعقَيتُ نَسلي من أذاةٍ ومن غَبنِ وأصبَحتُ، في الدّنيا، غَبيناً مُرَزَّأً،

ولا لفِراخي، مثلَ طائِرها، أبني فلَستَ تَراني حافراً مثلَ ضَبّها،

فلن تَحْكُميهِ في بَناتي، ولا في ابني فإنْ تَحكُمي بالجَوْرِ فيّ وفي أبي،

سناكِ بطَرْفي، بل سِنانَكِ في ضِبني وأوقدتِ لي نارَ الظّلامِ، فلم أجِدْ

بما هوَ راجٍ، في الصّباحِ، من اللَّبْنِ وما قامَ لَبنُ الضّيفِ إذْ جاءَ طارِقاً،

[محمودى]

::: أشَمِمْنا لُبنَى، فقلنا: لُبَينَى :::


بعدَما أزمَعتْ صدوداً وبَينا أشَمِمْنا لُبنَى، فقلنا: لُبَينَى،


هُ، وآبَتْ لزَوْرَةٍ، فأبَينا عارضَتْنا بوُدّها، فكَرِهنا

وقعَدْنا عن شُغلِها فاحتَبَينا قد تركنا لأهلِها أُمَّ دَفْرٍ،

ـبي الفتى في حياضهِ، وجبَينا وصروفُ الأيّامِ فَرّقنَ ما يجْـ

وكم شُقْنَ زاهداً واطّبَينا نسألُ اللَّهَ أن يُخَلّصَ منهنّ،

ها، ولا من ذوي الأمورِ سَبينا لم نكنْ من ذوي الخمورِ سَبَأنا

واجتَهِدْ في تَوَسّطٍ بينَ بَيْنا لا تَعِشْ مُجبِراً ولا قَدَرِيّاً،