تكره .. تكره بشدة حين يفعل ذلك ..
حين ينتهك حدودا رسمت بدقة منذ عمرٍ مضى .. حين يجد سهولة في أخذ ما لا يحق له في نظرها ..
حين يتعامل معها بهذه الطريقة الغريبة .. لتتشتت أفكارها .. و تتبعثر نفسها ..
ما الذي جرى لها ..؟! لما تبدو مستسلمة و طائعة هكذا ..؟!
أين صدها و قوتها التي كانت تتباهى بها .. أ لأنها تعلم أن لا سبيل للتمرد عليه ،،
لماذا يبدو غريبا عنها أكثر من قبل مع رحيل تلك الواجهة الحجرية التي اعتادتها ..؟!
شعرت بشعرها ينزلق للأمام ،، تكاد تحس باحتراق المكان الذي تسلط عليه نظراته القوية .. و هو يأمرها بهدوء ..
- طالعينيه ..
لا تريد .. تبا له .. انه يربكها ..
ارتعشت يدها بخفة و هي تحاول السيطرة على نفسها .. ما الذي دهاها لتصبح بهذه الغرابة ..
أين تماسك نفسها .. ابتلعت ريقها بقوة .. و أنامله الطويلة تلامس خدها الذي تديره له ..و هو يقول بدفء ،،
- ليش خايفة .. ما آكل أنا ..
سحبت نفسا مرتجفا و هي تهمس و تنظر للأمام مباشرة .. هذا أفضل من الاشاحة بوجهها فيضنها خائفة منه .. و أفضل من مقابلة عينيه ..
- أنا هب خايفة ..
- و ليش ما تطالعينيه ..؟
رفعت عينها تتظاهر بالهدوء .. هل يرى ذاك النبض المجنون في عنقها يا ترى .. اللعنة .. لما بدا قريبا هكذا ..؟!
أخفضت بصرها و هي تتحرك بسرعة واقفة قبل أن يمسك بها مرة أخرى .. تقدمت نحو الباب و هي تقول بصوت خافت بسرعة ..
- انا لازم أسير و ...
قاطعها بهدوء ..
- ما تبين شيلتج ..
شهقة خفيفة مدركة تصدر منها و وجهها يحمر حين أردف و هو يسترخي و يقلب الشيلة بين يديه بأريحية ..
- وديه انها اتم عنديه .. لنها فيها ريحتج .. بس شوه بيقولن خواتج و أمج لو انتي حادرة عليهن من دون شيلة ...!!
تجمدت في مكانها و هو يهب واقفا ليتقدم نحوها .. تراجعت خطوة للخلف .. و هو يسألها بهدوء ،،
- شوه تانسين الحين عقب الحمى ؟!
و مد يده بالشيلة لها .. لتلتقطها بتوتر و تضمها لصدرها ..
- الحمد الله أحسن ..
لحظات صمت و هي تقف بلا حراك .. يمرر عينيه عليها متأملا ..
التقط خصلة من كانت تتدلى على جبينها .. ليدسها بخفة خلف أذنها المتوردة خجلا ..
- ما كنتي بتسيرين ..؟! و الا بتمسن يالسة ويايه ..
انتفضت بغتة قبل أن ترفع عينيها المتسعتين نحوه بضياع وو ثانية فقط قبل أن تستدير لتختفي خلف الباب ..
أيقن أنه أمعن في تشتيتها هذه المرة ..!
لذلك ألقى بجسده المديد على سريره الضيق الذي بالكاد يتسع له .. و هو ينظر للسقف .. بدت غايته أسهل الآن ..
اعتلت شفتيه ابتسامة بارده .. و هو يوئد شعورا مختلفا انبثق في داخله و عيناها الموشحتان بالضياع تطالعه قبل هروبها ..
هل عليها حقا أن تبدو بهذه البراءة .. ستقتله احساسا بالذنب قبل أن يقدم على الزواج بها ..!
* * * * *
غطاء رأسها على كتفيها ،، و شعرها المقصوص تتلاعب به نسائم الصيف الساخنة فتبعثره .. وجهها المتجهم المختفي خلف تلك النظارة الشمسية الكبيرة ،، لا يفضح شيئا مما يدور من داخلها ..
و هي تحمل حقيبة الظهر الرياضية التي تحوي كتبها .. متوجهه نحو الكافتيريا الخاص بالطالبات ..
ستنتظر هدى هناك لبعض الوقت .. فرغم ثرثرتها و ازعاجها .. الا أنها تضل رفيقة يمكنها أن تمضي الوقت معها بدل التجوال وحيدة ..
ما إن وصلت الكافتيريا حتى دفعت بابه الزجاجي لتغمرها موجة من الهواء البارد المنعش فتنتزع نظارتها و ترفعها على رأسها ،، و هي تقطع المقهى متجاهله بعض النظرات الفضولية التي تتوجه للباب كلما فتح ،،
صوت خشيش عباءتها الخشنة كان مسموعا لها .. و هي تتقدم بخطوات واسعة ساعدها ذاك الحذاء الرياضي الذي ترتديه .. ألقت حقيبتها على أحد الكراسي الخالية لتجلس على الطاولة بتعب .. كانت جائعة للغاية ،،
فهبت مجددا لتتوجه نحو الطاولة التي صفت عليها أصناف الأطعمة فتلتقط صحنا تضع فيه بعض المعكرونة الساخنة و تلتقط زجاجة مياه باردة .. ثم تدفع للمرأة خلف طاولة الدفع .. قبل أن تعود لطاولتها ..
تقلب الطعام بالملعقة بشرود .. و مئات الأفكار تختلط في ذهنها .. الضجة التي أحدثتها أمها حين قصّت شعرها ،، الخبر الذي أبلغتها به روضة عن بنات ذاك العم و أشهر قليلة قد تصل قدومهم إلى هنا ..
و تلك الحبيبة .. الغادرة ..
شعرت بغصة تتضخم في حلقها لتعيد الشوكة إلى مكانها .. و هي تسحب نفسا عميقا حين شعرت بالدموع تندفع لعينها مجددا .. لن تبكي .. الخائنة لا تستحق الدموع حتى .. هي أقوى من أن تتحطم لأجلها .. ستواصل حياتها ..
عادت تملأ شوكتها مجددا بالمعكرونة لتدفع الطعام دفعا لحلقها و هي تبتلعه بقوة .. قبل ان يفتح باب الكافيتيريا بقوة لترتفع العيون نحو من وقفت خلفه ،،
تلك الوقفة اللامبالية الرجولية ،، و تلك العباءة المفتوحة تظهر ساقيها في بنطالها الواسع المتباعدتين غطاء الشعر على الكتفين و نظّاراتها المعلقة على أذنيها و تتدلى تحت ذقنها في حركة استعراضية و أنفها يشمخ في الهواء و هي تدير عينيها في الموجودين و كأنما تبحث عن أحد ما ..ما ان وقعت عيناها على ضالتها حتى تقدمت بمشيتها العسكرية .. تتبعها الفتاتين اللواتي رافقنها .. لا تكترث ببعض الأعين التي تنظر لها باشمئزاز .. و هزات الرأس .. و التجاهل من الأخرى ،،
كانت هي قد أعادت بصرها فور رؤيتها لها لطبق المعكرونة دون أن تهتم لها .. شعرت بقدومها نحوها حين رفست كرسيا وقف في طريقها تنحيه جانبا ..و شيخة ترفع الشوكة لفمها .. فتتوقف قبل أن تضعها في فمها حين التقطت تلك الكرسي المقابل لها و تقلبه فتجلس عليه و هي تريح ذراعيها على ظهر المقعد و تنظر لوجه شيخة بوقاحه .. قبل أن تلقي الأخيرة نظرة باردة و هي تدس الشوكة في فمها و تمضغ اللقمة دون مبالاة بوجود تلك الذي جذب الأنظار لهذه الطاولة .. الفتاتان المرافقتان لتلك لازلن يقفن عند رأسها قبل أن تقول بصوتها الغليظ و هي تميل برأسها لجانب واحد ..
- علومج الشيخة ..
وضعت شيخة الشوكة على طرف الصحن و هي تعود للوراء في مقعدها ..
- خير ..؟
رفعت تلك حاجبها بابتسامة قذرة و عيناها تتحركان على شيخة نزول و صعودا ..
- كل خير حبي ،، أبا أشوفج الليلة .. عـ ..
قاطعتها شيخة و هي تترك صحنا و تلتقط حقيبتها لترميها على كتفها ..
- آم سوري حمدة ..
قالت تلك بشراسة ..
- حمدان ..
- What ever .. عنديه كويز باكر ..
- عقب باكر .. ؟
أدارت لها شيخة ظهرها و هي تترك الطاولة ..
- أفكر ..
و لوحت بيدها تاركة المكان بثقة ..
لتسلط حمدة .. أو حمدان .. أيا يكن .. نظراتها على الطاولة بتصميم .. و هي تهس بصوت كالفحيح ..
- و الله ما ييب راسج غيري .. و الا ما كون حمدان ..
* * * * *
المفضلات