► الخطـــــــــــــــوة التاسعـــــــــــــــــــة و العشـــــــــــــــــــرون◄
║ خطوات على الثلج ..! ║
زاخرة خطواتها بالحذر ،،
نظرة التوجّس .. و الإقتراب الهادئ ..
الترقب الصامت ..
كل خطٍّ من خطوط جسدها كان يصرخ بالتيقّظ التام من هذه الدخيلة الجديدة ..
رغم مبادرة السلام التي حملتها بين كفّيها .. تختصرها في وجبة خفيفة أعدتها بنفسها رغم ارهاقها لإطعام هذه الشابة ..!
انتصبت أنظار القعيدة عليها بمجرد تجاوزها عتبة بابها المفتوحة بقرعٍ هادئ ..
النظرة الحزينة ذاتها لم تتزعزع من وجهها .. إلا أن غيث جمع بين كفيّه ضياعها .. و شتاتها ..
و ستر فجوتي الفراغ التي كانت تظلم في محاجر جاحظة .. ملأها بأمانٍ كان أشد ما تفتقد ..
ذاك الحزن في مآقي صاحبة الكرسي كان غريبا عليها ..
حزنٌ أجنبي .. يخالف أوجاعها ..
لا يشبه سواد تلك الفضاءات السرمدية المخيفة في داخلها ..
هذه المراة تبكي وجودها هنا .. و فرار كل التماسٍ للثبات من بين اناملها ..
لتجد أنها ليست سوى وحيدة .. مهملة ..
فيما يمزّقها هي أن تكون موجودة و لم تعد تنشد سوى أن تندس في ثقبٍ من اللاوجود ..
لتختفي إلى الأبد ..
فيتسنى لها أن تزهق ذاك الوجع الكاسح الذي راح يملأ نفسها .. و الذل الذي أمسك بها من رأسها .. لينحدر به .. و يدفنه في قاعٍ من إهاناتٍ لا زالت تصرخ في أذنيها بصوته ..
صوت رنين كل ما تهشّم بينهما بالأمس لا زال يتردد داخلها ..
و قد أيقنت أنه بينها و بينه لم يعد من رابطٍ سوى المرارة ..!
لا شيء ..
لم يتبقى حتى الفتات في جوفها .. و قد أضحى كل ما بين أضلعها خراباتٍ من ألم .. هدتها عجرفته ..
و عاثت عنجهيته فيها دمارا لا يحتمل ..
و غدا كل وجه لذاك الرجل غريبا عنها ..
بعيدا كل البعد ..
و مؤلما لروحها الواهنة ..
و الآن تقف هنا .. و تحمل بين يديها بادرة اللطف لهذه الغريبة التي لا تفقه من أحاسيسها شيئا ..
طائعة أوامره ..
و في رأسها تتصدر صورة وجهه المتكبر .. و صوته البارد .. و هو يأمرها بأن تعتني بها جيّدا ..
فيما تستجيب لجفاف أوامره بذات البرود الذي راح يجمّد أوصالها ..
و قد شعرت بأنها قطعت فجأة شوطا طويلا ..
أبعدها عن كل دفءٍ قد يجمعها و اياه ..!
من حنجرتها نبشت هدوء كلماتها الحيادية ..
و لا شيء يتملكها سوى الشفقة على هذه المرأة التي شهدت انكسارها بين ذراعي زوجها ..
و راقبتها ترتشف طوفانا من الحنان راح يتدفق من بين حناياه .. لها .. دونها ..!
- السلام عليكم ..
الوجه الشاحب امتلأ بتوجس طفلة .. خالف سن المرأة الذي زودها به غيث ليلة أمس أثناء قدومهم إلى هنا ..
بدت ضئيلة .. و ضعيفة ..
غير قادرة حتى على الاتيان بنفسٍ واحد ..!
صوتها ملؤه الخشية .. و هي تخفض أبصارها بتوتر ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
فيما تتقدم حور نحو أقرب طاولة لتضع الصينية من بين يديها ..
و صوتها الرسمي المؤدّب لا يتجاوز حدود خفية بينهما ..
- يبت لج لقمة تاكلينها ..
عمّتها ..!
و لا تكاد السنوات تفصل بينهما ..
انما هناك جهلٌ يسكن الأنفس ..
بخفاياها ..!
صوت ضعيف أصدرته الشابة و هي تشيح بدمعة معلّقة بين أهدابها ..
- مااا بااا شي ..!
نظرت لها حور بحذر ..
لم ترد التطفل على أحزانها .. لكن عليها إطعامها قبل كل شيء ..!
هذه أقل عناية يمكنها أن تقدمها للفتاة ..
ليس إكراما لغيث و أوامره ..
انما هذا ما كان يمليه ضميرها و الشفقة ..
اذ تبدو الفتاة أضعف من أن تكون قادرة على ادارة أمورها ..!
- بس لازم تاكلين .. انتي من أمس ما كلتي شي ..
لكنها وجدت أنها لا تكلّم إلا جانبا موجوع من وجهها الذي صرفته بعيدا ..
سحبت الطاولة الصغيرة قرب الكرسي المتحرّك .. و هي تشعر بشيءٍ من الإضطراب ..
هذه الشابة مهما ادعت غريبة تماما عنها رغم القرابة المتينة التي تربطهما الا أنها لا تعرفها ..
و لا تعرف بأي طريقة قد تفكّر ..
و ما الذي قد ينتشلها من مستنقع الحزن لثوانٍ فقط لتجدد قوتها بلقمتين ..
- غيث وينه ..؟!
كان الصوت الضعيف هو ما أطلق السؤال مجددا ..ليخترق قلبها كالرمح ..
فيشجّه بقسوة ..
جلست على طرف السرير الذي أعد لها في الغرفة الأرضية بجانب المكتب ..
هذا السرير الذي لقيت عجبا من وجوده هنا .. في غرفةٍ صغيرة معدّة للمبيت ..
ما دفعها للتفكير بأنه كان ينشد هجرها لو لم تكتشف خداعه لتقلب الطاولة على رأسه ..
و تستفز غضبه .. فيصبه عليها بأتعس الطرق ..
زفرت و هي تنحي مشاعرها السوداء بعيدا ..
و تكشف عن وعاء الطعام المغلق كاشفة عن - الخمير - الساخن الذي تصاعد من البخار ..
ترتدي الهدوء و ستار من برود يستر النيران المحرقة داخلها ..
- غيث راقد .. جاهي و الا حليب ..؟
لم تردّ عليها ميعاد و هي تتأمل وجهها .. شعرت حور بنظرات ميعاد الحذرة المثقلة ..
لتقول بشبه ابتسامة صغيرة اغتصبتها بصعوبة لتزيل التوتر و هي تلتقط ابريق الحليب و تصبّ لميعاد كوبا ساخنا ..
- أنا حور بنت حمد .. لاازم نزقرج عموه أحسج صغيرة ع الكلمة ..؟!
التواء طفيف طفا على طرف شفتيها لجزءٍ من الثانية قبل أن تقول الفتاة بصوتها المتهدّج .. و هي لا تستطيع ابعاد الدموع عن صوتها ..
- لاا هب لاازم .. أعرفج .. هب أول مرة أشوفج ..
توقّف دفق الحليب الذي كانت تملأبه كوبا راح البخار يتصاعد منه و هي ترفع رأسها بحذر ..
- شوه ..؟ تعرفينيه ..؟ ما أذكر انيه قد شفتج ..!!
- تلاقيت أنا وانتي مرة في المستشفى .. كانت المها وياج ..
ضيقت حور عينيها بتوتر .. تحاول التذكر ..
- ما أذكر و الله .. متأكدة انها أنا ..
نظرة مريرة تعلّقت بملامح حور البسيطة الصافية و هي تقطب بهدوء ترتقب الإجابة ..
قبل أن تقول ميعاد بصوتٍ موجوع ..
- يمكن ما تحيدينيه .. لكن انا أذكرج من بد خواتج .. لنج الوحيدة لي قد كلّمتج من هليه غير ابوية و غيث .. يومها كنت حيا الله وحدة غريبة تقزّر وياج دقيقتين في قاعة الانتظار بالنسبة لج .. لكن انتي كنتي بنت خوية لي أشوفج أول مرة .. خوية لي فقدته قبل لا أعرفه و انحرمت فرصة انيه أشوفه مرة ثانية .. كنت أول وحدة أشوفها حقيقة عين من هليه كلهم .. عقب غيث ..
كانت حور تنظر بصدمة لها .. عينيها الواسعتين تبرقان بعدم تصديق فيما تستعرض في رأسها كل الأوجه الغريبة التي قد تكون التقتها يوما دون فائدة ..
لم تستطع تذكّرها ..
لم يكن منها إلا أن تكسر صوتها بخجل .. و تقول بلا حيلة ..
- ما أذكر ..!
ابتسامة ألم هي ما حفرت على وجه ميعاد و هي تراقب حور التي ذبلت ملامحها أمام الخيبة الجلية في عينيها ..
قبل أن تلتقط كوب الحليب لتمدّه لها ..
و هي تقول بمرح مهزوز ..
- يعني أروم أغايض النوري و دندن و أقول انيه أول وحدة تعرفت عليج في العايلة ..!! أسميهن بينقهرن ..!!
تبخّرت ابتسامة ميعاد حين لوى اليأس ملامحها بقسوة ..
فعضّت شفتيها .. بألم ممزق .. متجاهلة كوب الحليب الممدود لها ..
و خرج صوتها محرقا .. ألهب حنجرتها .. فيما تُسدل ستارة ثقيلة من دموع أسدالها على عينيها الفاتحتين ..
- ما ظنتيه ..!! لي شفته أمس ما يقول الا ان العرب عايفين شوفتيه .. عاد كيف يتعرفون عليّه ..!!
و طرفت عينيها لتسقط قطرة ملوحة على خدّها .. فيما تيبّست ملامح حور .. و تبخّر من رأسها كل مبرر ..
ما الذي تقصده بقولها ..؟! ما الذي رأته ..؟!
أعادت الحليب للصينية بهدوء قبل أن ترفع عينيها لها .. و هي تقول بصوتٍ وجدت أنها تجتره من داخلها ..
- الوضع أمس كان صدمة .. كيف تتوقعين العرب يصدقون في ثواني الموضوع و يتقبلونه في نفس الوقت ..؟! أنا ما ألومج .. من لي قلتيه أمس لغيث عرفت انج ما كنتي تدرين بالموضوع .. لكن انتي ما ترومين تلومينهم ..! كل انسان يتصرف بالشي لي يمليه عليه احساسه وقت الصدمة .. ما ظنج اتوقعتي انهم يرحبون بج في اللحظة لي يعرفون انج بنت ابوية سيف لي داسنها عنا من السنين ..!! اقولج انيه الين الحين هب مصدقة الموضوع .. هذا ما يعني انيه أكذبج .. لكن شي من رفض الفكرة في داخليه .. أحس انها ما تستوي حتى في أخس الأفلام الهندية ..
المفضلات