رابعة بنت إسماعيل العدوية

رابعة هى بنت إسماعيل العدوية البصرية ، ولقبها ابن خلكان بأم الخير، وذكر أنها مولاة آل عتيك ، فخذ من قبيلة الأزد
صوفية كبيرة وعابدة شهيرة تمكنت في معرفة دقائق التصوف مكاناً علياً، واستفتاها في دقائق التصوف كبار المتصوفة في عصرها. قال سفيان الثوري:
مروا بنا إلى المؤدبة ولا أجد من أستريح إليه إذا فارقتها. وروي أن سفيان الثوري قال بحضرتها: واحزناه. قالت: لا تكذب وقل واقلة حزناه.
كانت كثيرة العبادة تلبس الصوف وما إليه من ثياب الشعر، زاهدة فى الدنيا، ولعل أظهر ما تميزت به كلامها فى الحب والمحبة كما فى كتاب "مدارج الساكين" لابن القيم ، ومن شعرها المأثور فى ذلك :

أحبك حبين ، حب الهوى * وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى * فشغلى بذكرك عمن سواكا
وأما الذى أنت أهل له * فكشفك لى الحجب حتى أراكا
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى * ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا

ذكر الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "أن محمد بن سليمان الهاشمى والى البصرة أرسل إليها كتابا يخطبها وذكر فيه مقدار غناه وأن مهرها سيكون كبيرا فردت عليه بعد المقدمة : اعلم أن الزهد فى الدنيا راحة القلب والبدن ، والرغبة فيها تورث الهم والحزن ، فإذا أتاك كتابى هذا فهيئ زادك ، وقدم لمعادك وكن وصى نفسك ولا تجعل الناس أوصياءك فيقتسموا تراثك ، وصم عن الدنيا وليكن إفطارك على الموت . وأما أنا فلو أن أعطانى ما أعطاك وأمثاله ما سرنى أن أشتغل طرفة عين عن الله .
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى دائرة المعارف الإسلامية "مادة تصوف"
وقال ابن الجوازي: كانت رابعة فطنة ومن كلامها الدال على قوة فهمها قولها أستغفر الله من قلة صدقي في قولي أستغفر الله.
وقال ماسينيون عن رابعة العدوية ورابعة القيسية: هاتان الزاهدتان وكلتاهما من أهل المذهب البصري كان تحمسهما لحياة الزهد مؤدياً إلى معالجة أحوال صوفية مختلفة وإلى البحث في فروض دقيقة في العمليات والعقائد. ورابعة تعتبر عند الباحثين في أُمور الولاية والأولياء أعظم ولية.
وقال مصطفى عبد الرازق: وعندي من التعسف أن ينسب إلى رابعة العدوية وصاحبتها التصدي لمعالجة دقائق المسائل الفقهية والكلامية والصوفية. وقال: السيدة رابعة هي السابقة إلى وضع قواعد الحب والحزن في هيكل التصوف الإسلامي، وهي التي تركت في الآثار الباقية نفثات صادقة في التعبير عن محبتها وعن حزنها، وأن الذي فاض به بعد ذلك الأدب الصوفي من شعر ونثر في هذين البابين لهو نفحة من نفحات السيدة رابعة العدوية أَمام العاشقين والمحزونين في الإسلام.
ومن كلامها:
محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن مع محبوبه.
ومن وصاياها:
اكتمو حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم.
وقالت: إني لأرى الدنيا بترابيعها في قلوبكم، إنكم نظرتم إلى قرب الأشياء في قلوبكم فتكلمتم فيه.

وكانت رابعة كثيرة البكاء فقرأ رجل عندها آية من القرآن فيها ذكر النار فصاحت ثم سقطت. وكانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر. وأتاها رجل بأربعين ديناراً فقال لها:

تستعينين بها على بعض حوائجك. فبكت ثم رفعت رأسها إلى السماء فقالت:
هو يعلم أني أستحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها فكيف أريد أن أجدها ممن لا يملكها.
وكان لها منتحب من قصب عليه أكفانها وكانت إذ ذكرت الموت انتفضت وأصابتها رعدة، وإذا مرت بقوم عرفوا فيها العبادة.
ثم أمست رابعة بعد أن بلغت الثمانين كأنها شن بال تكاد تسقط إذا مشيت. وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها.
وكانت رابعة إذا وثبت من مرقدها ذلك وثبت وهي فزعة تقول:
يا نفس إلى كم تنامين وإلى كم تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور.

ولما حضرتها الوفاة دعت خادمتها عبد ة وقالت لها: يا عبد ة لا تؤذني بموتي وكفنيني في جبتي هذه وهي جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون. فكفنتها عبد ة في تلك الجبة وفي خمارصوف كانت تلبسه ثم دفنت في بيت المقدس، كانت فى أول أمرها تعزف بالمعازف ثم تابت وقضت حياتها بالبصرة كأنها مسجونة وماتت بها فى سنٍّ لا تقل عن ثمانين سنة وذلك فى عام 185 هـ (801م) ولم تكن وفاتها سنة135 هـ (752 م ) لأن محمد بن سليمان الذى ولى البصرة من قبل العباسيين منذ سنة145 هـ- 172 هـ قد خطبها فأبت وتفرغت للعبادة، وقالوا : إنها .ولدت فى العام الذى بدأ فيه الحسن البصرى مجالس تعليمه ، وذلك سنة95 هـ أو 96 هـ ، فأكثر الذين كتبوا عنها قالوا : إنها ولدت وعاشت فى القرن الثانى من الهجرة وماتت فى أخرياته