~*¤®§ ][^*^] غزوة خيبر [^*^][ §®¤*~


لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، مكث عشرين يوما ، أو قريبا

منها ، ثم خرج إلى خيبر ،.ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قال :

" قفوا "فوقف الجيش فقال :

"اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه ا

لقرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما

فيها، أقدموا باسم الله "

فأسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة، وكانت أرضا وخمة

شديدة الحر، فجهد المسلمون جهدا شديدا ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ،

فوعظهم وحضهم على الجهاد ، فحاصر يهود خيبر حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه

الصلح ، ونزل إليه سلام بن أبي الحقيق فصالحهم على حقن الدماء وعلى الذرية ،

ويخرجون من خيبر ، ويخلون ما كان لهم من مال وأرض ، إلا ثوبا على ظهر إنسان .

فلما أراد أن يجليهم ، قالوا : نحن أعلم بهذه الأرض منكم ، فدعنا نكون فيها .

فأعطاهم أياها ، على شطر ما يخرج من ثمرها وزرعها .

وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، ومعهم

الأشعريون ، أبو موسى ، وأصحابه .




~*¤®§ ][^*^] عمرة القضاء [^*^][ §®¤*~


خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة من السنة السابعة معتمرا

عمرة القضاء ، حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الحجف والمجان والنبل

والرماح ، ودخلوا بسلاح الراكب السيوف ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه

وسلم أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ، ليرى المشركون

قوتهم وكان يكايدهم بكل ما استطاع فوقف أهل مكةالرجال والنساء والصبيان

ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهم يطوفون بالبيت ، وعبد الله بن رواحة ، آخذ بخطام

ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز يقول :

خلوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير في رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله *** في صحف تتلى على رسوله

فأقام بمكة ثلاثة ، ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى ، فصاح

حويطب :

نناشدك الله والعقد، لما خرجت من أرضنا، فقد مضت الثلاث ، فأمر رسول الله

صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل .




~*¤®§ ][^*^] غزوة مؤتة في السنة الثامنة [^*^][ §®¤*~


وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك

الروم أو بصرى فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله ولم يقتل لرسول الله

صلى الله عليه وسلم غيره فاشتد ذلك عليه ، فبعث البعوث، واستعمل عليهم زيد بن

حارثة، وقال :

" إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة "

فتجهزوا ، وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ، ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله

عليه وسلم ، ثم مضوا حتى نزلوا معان ، فبلغهم أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من

الروم ، وانضم إليه مائة

ألف ،فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا :

نكتب إلى رسول الله فنخبره ، فإما أن يمدنا، وإما أن يأمرنا بأمره .

فشجعهم عبد الله بن رواحة ، وقال :

والله إن الذي تكرهون للذي خرجت تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بقوة ولا كثرة،

ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحسنيين :

إما ظفر ، وإما شهادة .

فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع ، فانحاز المسلمون إلى

مؤتة، ثم اقتتلوا عندها والراية في يد زيد، فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح

القوم ، فأخذها جعفر فقاتل بها، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها،

ثم قاتل حتى قطعت يمينه ، فأخذ الراية بيساره ، فقطعت يساره ، فاحتضن الراية

حتى قتل ، وله ثلاث وثلاثون سنة ، رضي الله

عنهم ثم أخذها عبد الله بن رواحة ، فتقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل

نفسه ، ويقول :

يا نفس إن لم تقتلي تموتي *** هذا حمام الموت قد صليت

وماتمنيت فقد أعطيت *** إن تفعلي فعلهما هديت

وتقدم ، فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ، فدافع القوم وخاشى بهم ،

ثم انحازوا ، وانصرف الناس .





~*¤®§ ][^*^] إنا فتحنا لك فتحا مبينا [^*^][ §®¤*~



~*¤®§ ][^*^] غزوة الفتح الأعظم ( فتح مكة ) [^*^][ §®¤*~


قال ابن القيم‏ رحمه الله :‏

هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به

بلــده وبيته الذي جعله هدي للعالمين ، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح

الذي استبشر بـه أهـل السمـاء، وضـربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل

الناس به فــي ديــن الله أفواجـا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا .

وكان ذلك في السنة الثامنة في رمضان وسببها أن بكرا أعتدت على خزاعة على

مائهم الوتير فبيتوهم ، وقتلوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم

بعضهم مستخفيا ليلا ، فخرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على

رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش

بني بكر عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس :

" كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، بعثته قريش ، وقد

رهبوا للذي صنعوا "

فقدم أبو سفيان وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ،

ثم ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه، فكلمه في أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ،

فقال: ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر رضي الله عنه ، فقال :

أنا أشفع لكم .. والله لو لم أجد إلا الذر ، لجاهدتكم به.

ثم دخل على علي رضي الله عنه ، وعنده فاطمة رضي الله عنها والحسن غلام يدب بين

يديها فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحما ، وإني جئت في حاجة ، فلا أرجعن خائباً ،

اشفع لي إلى محمد ؟

فقال : قد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ، ما نستطيع أن نكلمه فيه .

فقال لفاطمة : هل لك أن تأمري ابنك هذا ، فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى

آخر الدهر ؟

فقالت : ما يبلغ ابني ذلك ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : يا أبا الحسن ، إني رأيت الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني .

. قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة، فقم وأجر بين الناس ،

ثم الحق بأرضك.

فقال : أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟

قال : لا، والله ما أظنه ، ولكن ما أجد لك غير ذلك .

فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : يا أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس ، ثم

ركب بعيره ، وانصرف عائداً إلى مكة.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز ، وقال :

" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها "

فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا ، يخبرهم فيه بمسير رسول الله صلى الله

عليه وسلم ، ودفعه إلى سارة مولاة لبني عبد المطلب فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه

قرونها ، وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء ، فأرسل رسول الله

صلى الله عليه وسلم عليا والزبير رضي الله عنهما إلى المرأة ، فأدركاها بـ روضة خاخ ،

فأنكرت ، ففتشا رحلها ، فلم يجدا فيه شيئا ، فهدداها ، فأخرجته من قرون رأسها،

فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا حاطبا ..فقال : ما هذا يا حاطب؟

فقال : لا تعجل علي يا رسول الله والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما ارتددت ولا بدلت ،

ولكني كنت امرءا ملصقا في قريش ، لست من أنفسهم ، ولي فيها أهل وعشيرة وولد ،

وليس فيهم قرابة يحمونهم ، وكان من معك لهم قرابات يحمونهم ، فأحببت أن أتخذ

عندهم يدا ، قد علمت أن الله مظهر رسوله ، ومتم له أمره .

فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله ،

وقد نافق .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إنه شهد بدراً وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله أطلع على أهل بدر ، فقال :

أعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم "

فذرفت عينا عمر رضي الله عنه وقال : الله ورسوله أعلم .

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمى الله الأخبار عن قريش ، لكنهم على

وجل ، فكان أبو سفيان يتجسس ، وكان العباس رضي الله عنه قد خرج قبل ذلك بأهله

وعياله مسلما مهاجرا ، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة ، فلما نزل

رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الجيش فأوقدوا النيران ، فأوقد أكثر من عشرة

آلاف نار ، فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج يلتمس ، لعله يجد

بعض الحطابة ، أو أحدا يخبر قريشا ، ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه

وسلم قبل أن يدخلها عنوة .

قال : فوالله إني لأسير عليها، إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل ، فقلت :

أبا حنظلة ؟

فعرف صوتي ، فقال : أبا الفضل ؟ قلت : نعم ، قال : ما لك ، فداك أبي وأمي ؟

قال قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله .

قال : فما الحيلة ؟

قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة ، حتى آتيه بك ،

فأستأمنه لك ، فركب خلفي ، فجئت به ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه

وسلم ، ودخل عليه عمر فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان ، قد أمكن الله منه بغير

عقد ولا عهد ، فدعني أضرب عنقه .

فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فائتني به "

ففعلت ، ثم غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ "

قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، والله لقد ظننت أن لو كان بالله

غيره لقد أغنى عني شيئا بعد .

قال : " ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ "

قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أما هذه ففي النفس حتى الآن

منها شئ .

فقال له العباس : ويحك ، أسلم قبل أن يضرب عنقك .

قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم .

فقال العباس : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا .

قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل

المسجد فهو آمن .

فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها "

قال : فخرجت حتى حبسته ، ومرت القبائل على راياتها ، حتى مر به رسول الله صلى

الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها المهاجرون والأنصار

لا يرى منهم إلا الحدق ..

فقال : سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟

قلت : هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار

قال : ما لأحد بهؤلاء طاقة .

ومضى أبو سفيان ، فلما جاء قريشا صرخ بأعلى صوته :

هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .

قالوا : قاتلك الله ، وما تغني عنا دارك ؟

قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ؟

فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم

حتى دخل مكة من أعلاها ، وأمر خالد بن الوليد ، فدخلها من أسفلها وقال :

" إن عرض لكم أحد من قريش فأحصدوهم حصداً ، حتى توافوني على الصفا "

فما عرض لهم أحد إلا أناموه ، وتجمع سفهاء قريش مع عكرمة بن أبي جهل ،

وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، بالخندمة ليقاتلوا ، فلما لقيهم المسلمون من

أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من قتال ، فأصيب من المشركين اثني عشر،

ثم انهزموا ..

وركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون ، ثم نهض والمهاجرون والأنصار

بين يديه وخلفه وحوله ، حتى دخل المسجد ، فأقبل إلى الحجر فاستلمه ، ثم طاف

بالبيت ، وفي يده قوس ، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها

بالقوس ، ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "

" جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " والأصنام تتساقط على وجوهها .

وكان طوافه على راحلته ، ولم يكن محرما يومئذ ، فاقتصر على الطواف ، فلما أكمله

دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت ، فدخلها ، فرأى فيها

الصور ، ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام ، فقال :

" قاتلهم الله، والله إن استقسما بها قط "

وأمر بالصور فمحيت ، ثم أغلق عليه الباب ، هو وأسامة ، وبلال ، فاستقبل الجدار

الذي يقابل الباب ، حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك ، ثم دار

في البيت ، وكبر في نواحيه ، ووحد الله ، ثم فتح الباب ، وقريش قد ملأت المسجد

صفوفا ، ينظرون ماذا يصنع بهم ، فأخذ بعضادتي الباب ، وهم تحته فقال :

" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده،

وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة ، أو مال ، أو دم ، فهو تحت قدمي هاتين ،

إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج ،ألا وقتل الخطإ شبه العمد السوط والعصا ففيه

الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها ، يا معشر قريش

إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم

من تراب " ثم تلا هذه الاية :

(( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن

أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ))

ثم قال : " يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ "

قالوا: خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال :

" فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم

الطلقاء "

ثم جلس في المسجد ، ومفتاح الكعبة في يده فقال :

" أين عثمان بن طلحة ، فدعي له ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم

بر ووفاء"

وأمر بلالا أن يصعد على الكعبة فيؤذن وأبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد،

والحارث بن هشام، وأشراف قريش جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب :

لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا ، فقال الحارث : أما والله لو أعلم أنه

حق لاتبعته .

فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء .

فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد علمت الذي قلتم ، ثم ذكر ذلك

لهم ، فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان

معنا ، فنقول : أخبرك .

ثم دخل صلى الله عليه وسلم دار أم هانىء ، فاغتسل ، وصلى ثمان ركعات ، صلاة

الفتح ، وكان أمراء الإسلام إذا افتتحوا بلدا صلوا هذه الصلاة .

فلما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا ،

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

" أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى

يوم القيامة ، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، أو يعضد

بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له :

إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لك ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار "

وهَم فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

وهو يطوف ، فلما دنا منه ، قال : أفضالة ؟

قال : نعم فضالة يا رسول الله قال : ماذا تحدث به نفسك ؟

قال : لا شئ ، كنت أذكر الله ، فضحك صلى الله عليه وسلم ، ثم قال :

استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه ، وكان فضالة يقول :

والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شئ أحب إلي منه ..

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسيد الخزاعي ، فجدد أنصاب الحرم

وبث صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأوثان التي كانت حول مكة ، فكسرت كلها

منها اللات ، والعزى ، ومناة ، ونادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر

فلا يدع في بيته صنما إلا كسره .




~*¤®§ ][^*^] غزوة تبوك [^*^][ §®¤*~


كانت في زمان عسرة من الناس ، وجدب من البلاد ، حين طابت الثمار ، فالناس

يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج من

غزوة إلا ورى بغيرها ، إلا ما كان منها ، فإنه جلاها للناس لبعد الشقة ،

وشدة الزمان .

وقال قوم من المنافقين ، بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر ، فنزل قوله تعالى :

(( وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا ))

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى على النفقة ، فحمل رجال من

أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان رضي الله عنه ثلاثمائة بعير بأحلاسها ،

وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عينا ، وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحملون رسول

الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :

" لا أجد ما أحملكم عليه ، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، أن لا يجدوا

ما ينفقون "

وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ، فلم يعذرهم واستخلف على المدينة محمد

بن مسلمة الأنصاري ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تخلف عبد الله

بن أبي ومن كان معه ، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب ، منهم

الثلاثة ( كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع )

وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر ، ثم لحقاه ، وشهدها رسول الله صلى الله

عليه وسلم في ثلاثين ألفاً من الناس ، والخيل عشرة آلاف فرس ، وأقام بها عشرين

ليلة يقصر الصلاة ، وهرقل يومئذ بحمص .

ودخل أبو خيثمة إلى أهله في يوم حار ، بعدما سار رسول الله صلى الله عليه

وسلم أياما ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط ، قد رشت كل واحدة

منهما عريشها ، وبردت له ماء ، وهيأت له طعاماً ، فلما دخل قام على باب العريش ،

فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا ،

فقال : رسول الله في الضح ، والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام

مهيأ، وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف ، ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما

حتى ألحق برسول الله

صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لي زادا ، ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه

وسلم حين نزل تبوك .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما مر بالحجر من ديار ثمود قال :

" لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين

فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم "

وفي صحيح مسلم عن أبي حميد الساعدي ، قال :

انطلقنا حتى قدمنا تبوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستهب عليكم الليلة

ريح شديدة ، فلا يقم أحد منكم، فإن كان له بعير فليشد عقاله، فهبت ريح شديدة ،

وأصبح الناس ولا ماء معهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا

الله، فأرسل الله سحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا حاجتهم من الماء ،

ثم سار حتى إذا كان ببعض الطريق جعلوا يقولون : تخلف فلان ، فيقول :

" دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم

الله منه "

وتلوم على أبي ذر بعيره ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره ثم خرج يتبع أثر

رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في

بعض منازله ، فنظر ناظر المسلمين فقال : يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على

الطريق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن أبا ذر " ..

فلما تأملوه ، قالوا : يا رسول الله هو والله أبو ذر.

فقال : " رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده "

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة ، فصالحه

وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية ، وكتب لهم كتابا

فهو عندهم .

ثم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وقال لخالد : " إنك تجده يصيد البقر"

فخرج خالد ، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة وهو على سطح له

فبانت البقر تحك بقرونها باب القصر ..

ثم نزل فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته ، فلما خرجوا تلقتهم

خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته وقتلوا أخاه ، وقدم به خالد على

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله ،

فرجع إلى قريته .

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ، ثم انصرف إلى المدينة ،

ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، خرج الناس لتلقيه ، والنساء

والصبيان والولائد يقلن :

طلع البـدر علينا *** من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا *** ما دعـا للـه داع

وكانت غزوة تبوك أخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ،

وأنزل الله فيها سورة براءة .

وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة، لما كشفت من

سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم .




~*¤®§ ][^*^] وفود العرب إلى رسول الله [^*^][ §®¤*~


ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، وأسلمت ثقيف ، ضربت إليه

أكباد الإبل ، تحمل وفود العرب من كل وجه ، في سنة تسع ، وكانت تسمى

سنة الوفود .

وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى

الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهداتهم ، وأهل البيت والحرم ،

وصريح ولد إسماعيل عليه السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك ، وكانت قريش

هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما افتتحت مكة ، ودانت

له قريش ، عرفت العرب أن لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله أفواجا ، كما قال الله تعالى :

(( إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح

بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ))




~*¤®§ ][^*^] حجة أبي بكر بالناس [^*^][ §®¤*~


ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك بقية رمضان وشوال

وذي القعدة ثم بعث أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج ليقيم للناس حجهم ،

وأهل الشرك على دينهم ومنازلهم من حجهم ، فخرج أبو بكر في ثلاثمائة من

المدينة ، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة ، قلدها وأشعرها

بيده ، ثم نزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم

وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه ، فأرسل بها علي بن أبي طالب

على ناقته العضباء ، ليقرأ براءة على الناس ، وينبذ إلى كل ذي عهد عهده ،

فلما لقي أبا بكر قال له :

أمير ، أو مأمور ؟

فقال علي : بل مأمور .

فلما كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب ، فقال :

( يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ،

ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته )




~*¤®§ ][^*^] حجة الوداع [^*^][ §®¤*~


فلما دخل ذو القعدة ، تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج ، وأمر الناس

بالجهاز له ، وأمرهم أن يلقوه ، فخرج معه من كان حول المدينة وقريبا منها ،

وخرج المسلمون من القبائل القريبة والبعيدة حتى لقوه في الطريق ، وفي مكة ،

وفي منى وعرفات ، وكانت حجة الوداع ، فمضى رسول الله صلى الله عليه

وسلم ، وساق معه الهدي ، فأرى الناس مناسكهم ، وعلمهم سنن حجهم، وهو

يقول لهم ويكرر عليهم القول :

" يا أيها الناس خذوا عني مناسككم ، فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا "

ولما كان بمنى خطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين ، فحمد الله وأثنى

عليه ، ثم قال :

" أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي

هذا ، أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم وأغراضكم عليكم حرام إلى أن

تلقوا ربكم ، وكل ربا موضوع ، وأول رباً أضعه ربا العباس بن عبد المطلب ،

فإنه موضوع كله ، وإن كل دم في الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه

دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم

به ما لن تضلوا بعده كتاب الله وأنتم مسؤولون عني ، فما أنتم قائلون ؟ "

قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت ، فجعل يرفع إصبعه إلى

السماء ، وينكبها إليهم ، ويقول : " اللهم اشهد ثلاث مرات "

وكانت هذه الحجة تسمى حجة الوداع ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج

بعدها .

فلما انقضى حجه ، رجع إلى المدينة ، فأقام صلى الله عليه وسلم بقية

ذي الحجة والمحرم وصفر ، ثم ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم

وجعه الذي مات فيه .




~*¤®§ ][^*^] بعث أسامة بن زيد [^*^][ §®¤*~


ولما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة ، أمر رسول الله

صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم ، فلما كان من الغد دعا أسامة بن

زيد ، وأمره أن يسير إلى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة ، وأن يوطىء الخيل

تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة

المهاجرون والأنصار .

ثم استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في بعث أسامة وهو في وجعه

فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبروكان المنافقون قد قالوا في إمارة

أسامة أمر غلاما حدثا على جلة المهاجرين والأنصار .

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، وخرج عاصبا رأسه وكان قد

بدأ به الوجع فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

" أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة ، فلئن طعنتم في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه ،

وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان أبوه لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن

أحب الناس إلي من بعده "

ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم ، فاشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ،

وخرج أسامة بجيشه ، فعسكر بالجرف ، وتتام إليه الناس ، فأقاموا لينظروا ما الله

تبارك وتعالى قاض في رسوله صلى الله عليه وسلم .