~*¤®§ ][^*^] بدء إسلام الأنصار [^*^][ §®¤*~


لما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول

الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه نفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل

العرب ، كما كان يصنع في كل موسم ، فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله

بهم خيرا ، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ،

وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم

قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم :

إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم .

فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم

لبعض يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه .

فأجابوه فيما دعاهم إليه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام ، ثم انصرفوا عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا ، وبعث رسول

الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وأمره أن يقرئهم القرآن

ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين .

وفي السنة الثانية خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم

من أهل الشرك حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، من

أوسط أيام التشريق حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته والنصر لنبيه وإعزاز الإسلام

وأهله وإذلال الشرك وأهله ، واجتمعوافي الشعب عند العقبة ، وكان عددهم ثلاثة

وسبعون رجلا ، وامرأتان .





~*¤®§ ][^*^] العهد الجديد و بناء المجتمع الاسلامي [^*^][ §®¤*~



~*¤®§ ][^*^] هجرته صلى الله عليه وسلم [^*^][ §®¤*~


أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن

يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن

إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما.

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له أصحاب من غيرهم

بغير بلدهم وأصابوا منه منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم

وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم ، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيها ما يصنعون

في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .

فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش فقال

بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما نأمنه على الوثوب

علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا فتشاوروا .

قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ، ثم قال قائل منهم نخرجه من بين

أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب.

فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ، أرى أن نأخذ

من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ،

ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه ، فإنهم إذا فعلوا

ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ،

فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم .

فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

لا تبت هذه الليلة على فراشك .

فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى

رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي، ثم

وتسج ببردي ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم .

ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال

وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم

وهو يتلو الآيات من سورة يس إلى قوله تعالى :

(( فأغشيناهم فهم لا يبصرون )) ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب .

فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا ؟

قالوا : محمدا

قال : خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على

رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم ؟

فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على

الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ،

عليه برده ، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش .

عن عائشة رضي الله عنها قالت :

كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار

إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم

في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى

الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث ، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس

رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي

بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أخرج عني من عندك .

فقال : يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي .

فقال : إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة .

فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله .

قال : الصحبة .

قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر

يبكي يومئذ ثم قال : يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .

فاستأجرا عبد الله بن أريقط يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده

يرعاهما لميعادهما .

فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج خرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر

بيته ثم عمد إلى غار بثور فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع

لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من

الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما ، يأتيهما

إذا أمسى في الغار ، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست

بما يصلحهما .

أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول الله صلى الله عليه وسلم

صباح ليلة تنفيذ المؤامرة‏ ، فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة ‏تحت المراقبة

المسلحة الشديدة , وجدت الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب ، وانتشروا

في الجبال والوديان ، والوهاد والهضاب ، ووصل المطاردون إلى باب الغار

وأحاطوا به ومعهم السيوف المصلتة والقلوب الحاقدة يريدون روحه صلى الله عليه

وسلم بأي ثمن، وهو أعزل من السلاح ؟

فلما رأى صلى الله عليه وسلم تخوف أبي بكر رضي الله عنه عليه قال :

" يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما "




~*¤®§ ][^*^] قصة سراقة بن مالك [^*^][ §®¤*~


لما أيس المشركون منهما جعلوا لمن جاء فيهما دية كل واحد منهما ، لمن يأتي

بهما أو بأحدهما ، فجد الناس في الطلب ، والله غالب على أمره ، فأراد أن

يكون الظفر له ، فأخذ رمحه و ركب فرسه ، فلما قرب منهم ، وسمع قراءة النبي

صلى الله عليه وسلم وأبوبكر يكثر الالتفات ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم

لا يلتفت قال أبو بكر : يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا ، فدعا عليه

رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض .

فقال : قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما ، فادعوا الله لي ، ولكما أن أرد

الناس عنكما .

فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخلصت يدا فرسه ، فانطلق .

وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا ، فكتب له أبو بكر

بأمره في أديم وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة ، فجاء به ، فوفى له

رسول الله صلى الله عليه وسلم .




~*¤®§ ][^*^] بناء مسجد قباء [^*^][ §®¤*~


أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، يوم الاثنين

ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجد قباء .

ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة ، فأدركت رسول الله صلى الله عليه

وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة .




~*¤®§ ][^*^] طلع البدر علينا [^*^][ §®¤*~


سار النبي صلى الله عليه وسلم بعد الجمعة حتى دخل المدينة ومنذ ذلك اليوم سميت

بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويعبر عنها بالمدينة مختصرا وكان

يوما مشهودا أغر، فقد ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح، وتغنت

بنات الأنصار بغاية الفرح والسرور ‏:‏

طـلـع الـبــدر علـينا ** مـن ثـنيــات الـوداع

وجـب الشـكـر علـينا ** مـــا دعــا لـلـه داع

أيـهـا المبـعـوث فـينا ** جـئـت بـالأمـر المطاع

والأنصار وإن لم يكونوا أصحاب ثروات طائلة إلا أن كل واحد منهم كان يتمنى أن ينزل

الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام

راحلته‏ فكان يقول لهم ‏:‏ " خلوا سبيلها فإنها مأمورة‏ "

فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوى ليوم فبركت، ولم ينزل عنها

حتى نهضت وسارت قليلا، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول، فنزل عنها،

وذلك في بني النجار أخواله صلى الله عليه وسلم وكان من توفيق الله لها، فإنه أحب

أن ينزل على أخواله، يكرمهم بذلك، فجعل الناس يكلمون رسول الله صلى الله عليه

وسلم في النزول عليهم، وبادر أبو أيوب الأنصارى إلى رحـله، فأدخله بيته،فجعل

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏

‏ " المرء مع رحله‏ " وجـاء أسعد بن زرارة فأخـذ بزمام راحلته، فكانت عنــده‏.‏

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ، وأبا رافع رضي الله عنهما ،

إلى مكة ، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ، وسودة بنت زمعة زوجه ، وأسامة

بن زيد ، وأم أيمن رضي الله عنهم اجمعين .

وأما زينب رضي الله عنها فلم يمكنها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج ،

وخرج عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ، وفيهم عائشة رضي الله عنهم

اجمعين .




~*¤®§ ][^*^] المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين [^*^][ §®¤*~


آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وكانوا تسعين رجلا

نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، وعلى

أن يتوارثوا بعد الموت ، دون ذوي الأرحام ، فلما أنزل الله :

(( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ))

رد التوارث إلى الأرحام دون عقد الأخوة ، ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات

الجاهلية ، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن ، فلا يكون أساس الولاء والبراء

إلا الإسلام‏ ، وقد امتزجت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخيرفي

هذه الأخوة ، وملأت المجتمع الجديد بأروع الأمثال‏.‏




~*¤®§ ][^*^] تحويل القبلة [^*^][ §®¤*~


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ستة

عشر شهرا ، قبلة اليهود ، وكان يحب أن يصرفه الله إلى الكعبة ، وقال لجبريل

عليه السلام ذلك ، فقال : " إنما أنا عبد ، فادع ربك واسأله "

فجعل يقلب وجهه في السماء ، يرجو ذلك، حتى أنزل الله عليه :

(( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر

المسجد الحرام ))




~*¤®§ ][^*^] قائد عسكري فذ [^*^][ §®¤*~



~*¤®§ ][^*^] أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [^*^][ §®¤*~


لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأيده الله بنصره

وبالمؤمنين ، وألف بين قلوبهم بعد العداوة ، ومنعته أنصار الله من الأحمر والأسود ،

رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة ،

والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو والصفح ، حتى قويت الشوكة ، فحينئذ أذن

لهم في القتال ، ولم يفرضه عليهم ، فقال تعالى :

(( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ))

وهي أول آية نزلت في القتال ، ثم فرض عليهم قتال من قاتلهم ، فقال تعالى :

(( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ))

ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، فقال تعالى :

(( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ))




~*¤®§ ][^*^] خصائص رسول الله العسكرية [^*^][ §®¤*~


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه في الحرب على أن لا يفروا ،

وربما بايعهم على الموت ، وربما بايعهم على الجهاد ، وربما بايعهم على الإسلام ،

وبايعهم على الهجرة قبل الفتح ، وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله .

وبايع نفرا من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئا ، فكان السوط يسقط من

أحدهم ، فينزل عن دابته فيأخذه ، ولا يسأل أحدا أن يناوله إياه .

وكان يبعث البعوث يأتونه بخبر عدوه ، ويطلع الطلائع ، ويبث الحرس والعيون ،

حتى لا يخفى عليه من أمر عدوه شئ .

وكان إذا لقي عدوه دعا الله واستنصر به ، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله ،

والتضرع له .

وكان كثير المشاورة لأصحابه في الجهاد .

وكان يتخلف في ساقتهم ، فيزجي الضيف ، ويردف المنقطع .

وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها .

وكان يرتب الجيش والمقاتلة ، ويجعل في جنبة كفؤا لها .

وكان يبارز بين يديه بأمره ، وكان يلبس للحرب عدته ، وربما ظاهر بين درعين

كما فعل يوم بدر .

وكان له ألوية ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثاً ثم قفل .

وكان إذا أراد أن يغير ينتظر ، فإذا سمع مؤذنا لم يغر ، وإلا أغار .

وكان يحب الخروج يوم الخميس بكرة .

وكان إذا اشتد البأس اتقوا به ، وكان أقربهم إلى العدو .

وكان يحب الخيلاء في الحرب ، وينهى عن قتل النساء والولدان ، وينهى عن

السفر بالقرآن إلى أرض العدو .




~*¤®§ ][^*^] أول لواء [^*^][ §®¤*~


أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء حمزة بن عبد المطلب رضي

الله عنه في شهر رمضان في السنة الأولى ، بعثه في ثلاثين رجلا من المهاجرين

خاصة ، يعترض عيرا لقريش ، جاءت من الشام ، فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل ،

حتى بلغوا سيف البحر من ناحية العيص ، فالتقوا واصطفوا للقتال فحجز بينهم مجدي

بن عمرو الجهني ، وكان موادعا للفريقين ، فلم يقتتلوا .




~*¤®§ ][^*^] يوم الفرقان وقعة بدر الكبرى [^*^][ §®¤*~


في رمضان بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع

أبي سفيان ، فيها أموال قريش ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج

إليها ،فهذه فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة اقتصادية قاصمة، تتألم

لها قلوبهم على مر العصور، لذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا ‏:‏

‏‏" هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها‏ "

فخرج مسرعا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان ،

وكان معهم سبعون بعيرا، يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، واستخلف على

المدينة عبد الله ابن أم مكتوم .

ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، والراية إلى علي ، وراية الأنصار إلى سعد بن

معاذ رضي الله عنهم ، وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، وبعثه حثيثا إلى مكة ، مستصرخا قريشا بالنفير

إلى عيرهم ، فنهضوا مسرعين ، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، وخرجوا من

ديارهم ، كما قال تعالى :

(( بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ))

فجمعهم الله على غير ميعاد ، كما قال تعالى : (( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ))

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش ، استشار أصحابه ، فتكلم

المهاجرون ، فأحسنوا ، ثم استشارهم ثانيا ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا ، ثم ثالثا ،

ففهمت الأنصار أن رسول الله إنما يعنيهم ، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه :

كأنك تعرض بنا يا رسول الله وكان إنما يعنيهم ، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار

ترى عليهم أن لا ينصروك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم ،

فأمض بنا حيث شئت ، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا

ما شئت ، وأعطنا منها ما شئت ، وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت ، فوالله

لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا

البحر لخضناه معك وقال المقداد بن الأسود رضي الله عنه :

إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى (( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا

قاعدون )) ولكن نقاتل من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك .

فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم وقال :

" سيروا وأبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، وإني قد رأيت مصارع القوم "

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، وخفض أبو سفيان ، فلحق بساحل

البحر ، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ، فأتاهم الخبر ،

فهموا بالرجوع ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا ، فنقيم بها ، نطعم من

حضرنا ونسقي الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا تزال تهابنا أبدا

وتخافنا .

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر ، فقال الحباب

بن المنذر رضي الله عنه : إن رأيت أن نسير إلى قلب قد عرفناها كثيرة الماء عذبة ،

فننزل عليها ونغور ما سواها من المياه ؟

وأنزل الله تلك الليلة مطرا ، صلب الرمل ، وثبت الأقدام ، وربط على قلوبهم ، ومشى

رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيده ، ويقول :

" هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان إن شاء الله "

فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم .

فلما طلع المشركون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها ، جاءت تحادك ، وتكذب رسولك ، اللهم

فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة " وقام ورفع يديه ، واستنصر ربه ، وبالغ

في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه ، وقال :

" اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ، اللهم إن تهلك هذه العصابة

لن تعبد في الأرض بعد "

فالتزمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ورائه ، وقال :

حسبك مناشدتك ربك ، يا رسول الله فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك .

واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فأوحى الله إلى الملائكة :

(( أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق

الأعناق واضربوا منهم كل بنان )) وأوحى الله إلى رسوله :

(( أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ))

فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها ، وقلل الله المسلمين في أعينهم ، وقلل الله

سبحانه المشركين أيضا في أعين المسلمين ، ليقضي أمرا كان مفعولا .

وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دم أخيه ، فحمي

القوم ، ونشبت الحرب ، وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ، ثم انصرف

وغفا غفوة ، وأخذ المسلمين النعاس ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول

الله صلى الله عليه وسلم يحرسه ، وعنده سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وجماعة من

الأنصار على باب العريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ،

ويتلو هذه الآية : (( سيهزم الجمع ويولون الدبر))

وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة

من الأنصار ، فقالوا : أكفاء كرام ، ما لنا ما بكم من حاجة ، إنما نريد من بني عمنا .

فبرز إليهم حمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقتل علي

قرنه الوليد ، وقتل حمزة قرنه شيبة ، واختلف عبيدة وعتبة ضربتين ، كلاهما أثبت

صاحبه ، فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه ، واحتملا عبيدة ، وقد قطعت رجله .

ولما دنا العدو قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوعظ الناس ، وذكرهم بما لهم

في الصبر والثبات من النصر ، وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله ،

فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات من قرنه يأكلهن ، ثم قال :

لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، فرمى بهن ، وقاتل حتى قتل ،

فكان أول شهيد .

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه ترابا ، فرمى به في وجوه القوم ،

فلم تترك رجلا

إلا ملأت عينيه ، فهو قوله تعالى : (( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ))

ولما بردت الحرب ، وانهزم العدو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" من ينظر لنا ما صنع أبو جهل "

فانطلق ابن مسعود ، فوجده قد ضربه معوذ وعوف ابنا عفراء حتى برد ، فأخذ بلحيته

و احتز رأسه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قتلته .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آلله الذي لا إله إلا هو ؟ " ثلاثا ثم قال :

" الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه "

فانطلقنا ، فأريته إياه ، فلما وقف عليه ، قال : " هذا فرعون هذه الأمة "

وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف ، وابنه عليا ، فأبصره بلال وكان أمية

يعذبه بمكة فقال : رأس الكفر أمية ؟ لا نجوت إن نجا ، ثم استحمى جماعة من الأنصار ،

واشتد عبد الرحمن بهما ، يحجزهما منهم ، فأدركوهم ، فشغلهم عن أمية بابنه علي ،

ففرغوا منه ، ثم لحقوهما فضربوه بالسيوف حتى قتلوه .

ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين ، فتناولوهم قتلا وأسرا ، فقتلوا سبعين ،

وأسروا سبعين ولما انقضت الحرب أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على

القتلى ، فقال :

" بئس عشيرة النبي كنتم ، كذبتموني ، وصدقني الناس ، وخذلتموني ، ونصرني

الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس "

ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب ( قليب بدر ) ثم وقف عليهم ، فقال :

" يا عتبة بن ربيعة ! ويا شيبة بن ربيعة ! ويا فلان ، ويا فلان : هل وجدتم ما وعدكم

ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا "

فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟

فقال : " ما أنت بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا "

ثم ارتحل مؤيدا منصورا ، قرير العين ، معه الأسرى والمغانم ، فلما كان بالصفراء

قسم الغنائم ، وضرب عنق النضر بن الحارث ، ثم لما نزل بعرق الظبية ، ضرب عنق

عقبة بن أبي معيط ، ثم دخل المدينة مؤيدا منصورا ، قد خافه كل عدو له بالمدينة ،

فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ، ودخل عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأصحابه

في الإسلام .