كانا يبحثان عنه مذ شاهدوه يخرج من المجلس راكضا .. تقدم الأول بهدوء و هو يراه قد لف ذراعاه حول ركبتيه و هو يدفن وجهه فيها ..
كان منظره موجعا .. يفطر القلب ..
طفل أضاع طريقه .. لم يعد يدرك إلى أين تسوقه أقداره ..!
.
.
منظر صعيب ويقسم القلـب قسميـن
................لا قـام يمسـح دمعـة بكـف يـده

يمش ولا يدري طريقة علـى ويـن
...............لين التعب من كثـر مـا تـاه هـده

اثقل حـروف يشيلهـا فيـة حرفيـن
...............لا أب يـدريـبـة ولا أم تـــرده
.
.
بينما كسا التعاطف وجه الآخر .. اقتربا منه بهدوء فرفع رأسه حين شعر بوقوفهما فوق رأسه .. نظر لهما و وجه المغرق بالعبرات ينظر لهما متسائلا .. جثا الاثنين قربه قبل أن يقول أحمد بهدوء ..
- افاا يا بو حمد .. الرياييل ما يصيحون ..
تدفقت عبراتٌ جديدة على وجه ..يسهل عليه قول هذا .. تبادل الاثنان نظرة شفقة .. قبل أن يمد هزاع يده و يلتقط كف نايف .. و هو يقول بهدوء ..
- انته ما تعرفنا ..؟؟ نحن نعرفك ..!
هز نايف رأسه نفيا .. لا يعرفهم و لا يعرف ما يريدون ،، و لا يهمه هذا في غمرة وجعه ..!
.
.
في خطوته رحلـة ودمعـة وسكيـن
................وحـظ توسـد بالمراسـي مـخـده

جيت اسألـة بالله قللـي ولـد ميـن
...............وبغى يجاوب وختنـق صـوت رده

أنـا يتيـم ومـا لدربـي عنـاويـن
...............وجزر الحزن فينـي يسـاوي لمـده

وطعم الطفولة ما عرفته لهـا لحيـن
.............وثوب السعادة صـرت مانيـب قـده

ابكي إلى من شفت غيـري سعيديـن
................ليـن البكـا فينـي يوصـل لحـده
.
.
و لكن أحمد تبرع بتعريفه على أنفسهم ..
- أنا أحمد ولد عمّك علي ..
و ابتسم له ببساطة .. نظر له نايف من بين دموعه .. كان وجه أحمد مريحا للغاية .. رغم ذلك توجس منه نايف و لم يرد أن يقدم على حركة ..
استمر أحمد في الابتسام و هو يرى نظرات نايف المتمعنة .. ارتاح لأنه انشغل عن البكاء قبل أن يشير لهزاع ..
- هذا هزاع بطيخة ولد عمّك سعيد ..
امتقع وجه هزّاع و هو يسدد لكمه لصدر أحمد الذي قهقه بقوة و هو يتابع لنايف الذي بدأ ينشغل بهم ..
- ههههههه .. الحين يوم بيخوز الغترة شوف كبر راسه .. و بتعرف ليش يقاله بطيخة .. هههه ..
توقف عن الضحك و هو يرى دموع نايف تتدفق مجددا .. شعر بفظاظة و هو يضحك بهذه الطريقة أمامه .. اعتصر كتفه بحنان و هو يعتذر ..
- و الله كلنا زعلانين على عميه الله يرحمه .. بس شوه بنقول .. انته فكر انه الحين مرتاح عن الله .. بيدخل الجنة .. و بيودر الحر و الشغل و التعب ..
شعر بأنه يتلفظ بكلمات بلا معنى .. نظر لهزاع مستنجدا .. فحول ذاك عينه لوجه نايف بقوة و هو يقول بعمق ..
- الحزن في القلب .. هب عيب انك تصيح .. بس هذا ربك كاتبنه .. الحين انت ريّال و لازم تفهم ان خواتك و أمك محتايينك .. لو انته صحت و حطيت ايدك ع خدك امنوه لي بيوقف وياهن .. امنوه بيداريهن هاا ..؟؟
بكى نايف بشدة .. و تبين حقا أمام عينيهما كم هو طفل ..
و ضائع ..!
كان صوته يخرج مخنوقا من بين شهقاته ..
- أنا مـ .. مادري شوه أسوي .. أناا .. أبـ .. أبا أبويه .. ما با تم بروحيه في البيت .. أبا أبوية يرد ..
نظر له الاثنين بتعاطف شديد شعر هزّاع بقلبه يعتصر حزنا عليه .. التفت لأحمد بأسى .. ليصدم بقوة ،،
.
.
كانت دمعة صافية تنحدر على جانب وجهه الأسمر و هو يمسح شعر ذاك الطفل اليتيم بحزنٍ غريب ..!

* * * * *