كانت الشمس تميل للرقاد على حدود السماء الغربية ..
أشعتها الواهية تتسلل باستماتة لتصل إلى تلك الصالة الصغيرة ،،
يضحكن بصوتٍ عالٍ و الأولى تصفق يد الثانية بمرح .. فيما تنظر الاثنتين إليهن بحقد .. زفرت هي بضيق ..
- مالت عاليكن .. ما شي يضحك ..
و لكنهن استمررن بالضحك دون مبالاة .. عقدت الأخرى جبينها ..
- يا الله عااد .. عيدن التوزيع .. دورج فطوم ..
توقفت فاطمة عن الضحك .. و هي تنظر لنورة التي لا زالت تضحك ..
- لا هب دوري ..!! دور حور ..
لا زالت حور تنظر لهن بغيظ ..
- عفاري منوه وزع قبلج ..؟؟
أجابت عفرا بسرعة ..
- انتي ..
رفعت حور حاجبها ..
- يا الله فاطمة خانوو .. وزعي حبيبتي ..
أمسكت فاطمة بالأوراق ترتبها بسرعة و هي تبتسم لسخرية نورة ..
- متأكدات ما بتنسحبن .. عنبووووه .. غسلناكن غسال ههههه ,, طالعي ويه حور كيف غادي من القهر ..
نفخت حور مجددا ..
- جب ..
نظرت لها فاطمة بضحكة مكتومة ..
- تيكت ايزي حواري .. ليش زعلانه .. هاي هند .. ربح و خسارة ..
عقدت عفرا جبينها و هي تنظر لهن بتشكيك ..
- و الله انكن تغشن أنا متأكدة .. و الا من يلسنا و انتن تربحن ..
فاطمة توزع الأوراق بسرعة ..
- مس ناقة .. ان بعض الظن اثم .. عيب هالرمسة .. نحن لعبنا لعب شريف .. صح نوري..؟؟
لا زال الضيق من الخسارة ينفث من حور ..
- وزعي و انتي ساكته ..
ضحكت فاطمة بأريحية ..
- ههههه .. حور بلاج محترقة ..
لوحت بيدها بانزعاج ،،
- ما يخصج .. افففف .. وينها هاي دانوووه .. حشى هب نسكافيه .. ذبيحه .. - رفعت صوتها ليصل للمطبخ القريب - دااندااااان ..
أتاها الرد الفوري من المطبخ و صوت دانة يصيح بعصبية ..
- دندن فعينج .. و الله ما ييب النسكافيه ..
اتسعت عينا عفرا بارتياع ..
- حوووه حور .. شوه دندن انتي بعد .. آخر هالمذلة ما بتييب شي ..
عقدت جبينها و هي تجيب ،،
- هب ع كيفها بتييب .. - صاحت بقوة في وجه فاطمة - ايييييه انتي وياها .. شفتكن ..شفتكن .. رديها .. ردي الورقة ..
رمت نورة أوراقها مع رؤيتها لدانة تحمل صحنا صفت عليه أكواب القهوة و صحن بسكويت .. و هبت واقفة لتجلس بجانب المها التي كانت تجلس بهدوء لا تنصت لضجيجهن .. و كتاب ضخم استقر بين يديها ..
صاحت فاطمة بها ..
- بلاج شردتي .. دانة ما تبى تلعب ..!
لوحت بيدها و هي تلتقط كوبا من الصحن الذي وضع أمامها ..
- يختي ملينا .. خلاص بنات يسدنا لعب خلنا نسولف ..
رحن يلتقطن أكواب القهوة على التوالي .. و سألت فاطمة بفضول ..
- وين نايف و مزوون و هندووه .. مالهم شوف اليوم ..
أجابتها عفرا و هي تقضم قطعة بسكويت ..
- ساروا ويا أمايا أبويه موديهم قدا خالوووه ..
ضحكت فاطمة و هي تقول بمكر ..
- و أنا أقول لعب ورقة في الصالة و أصواتكن شاله البقعة ..
سألتها دانة و هي تضيّق عينيها على عنوان الكتاب الذي بين يدي أختها ..
- أقول فطوم .. من وين تييبين هالكتب ..
- من عند عمتيه .. هي مديرة مدرسة و وايد تحب تقرا .. و الكتب لي ما تباها أنا يبتها للمها عسب تقرا فيها و تتثقف اروحها ..
رفعت حور حاجبا و هي تقول بتشكيك ..
- الصراحة أنا أخاف على ختيه .. تخيلي تكون لعمتج هاي معتقدات غريبة و تقرأ فيها و انتي تفرين كتبها ع المها و تلوثين تفكيرها ..
- ههههههه .. جب زين .. معتقدات أونه .. عفاري متى حفلة التخرج ..؟؟؟
نظرت عفرا للأعلى مفكرة ..
- آمممم .. ثلاث أسابيع تقريبا ..
قالت حور بحماس ..
- يبالنا نسوي بروفا للميك أب قبل الحفلة ..
سألت فاطمة ..
- منوه لي بيعدلها ..
أجابت دانة بسرعة ..
- حور ..
نظرت لها نورة باستفسار ..
- فطوم متى بتداومين في التوطين ؟؟
- شهر 9 ان شا الله .. أنا و حور لو غيرت رايها ..
و نظرت لها بأمل .. لكن حور هزت رأسها رفضا ..
- انتي ما تيأسين ..
.
.
تجاذبهن لأطراف توافه الأمور في الحديث ..
و تلك المزاحات الخفيفة ..
و هدوء تلك الجلسة الخالية من التعقيد ..
.
.
بساطة في الذاكرة لن تزول ..!

* * * * *

يشعر بالتوتر الشديد و ذاك يسلط نظرته المتمعنة عليه .. كانا قد اتخذا زاوية في المكان يجلسان فيها .. فيما انخرط الجميع في الأحاديث متفرقين في وسع مجلس بيت الجد الكبير ،، قال بصوت هادئ يخالف ما يعتمر داخله ..
- و الله يا غيث .. أنا قلت أرمسك أول تشاورها .. قبل لا أخبر أبويه .. و يخبر أبوك ،، لو هي ما تبانيه نبند الموضوع بهدوء .. و لا تستوي امبينا حساسيات .. تعرف انه لو ابويه و عمي اتفقوا ما بيردون الشور لنا ..
توقف عن الحديث بعد أن شعر بانه أطال التبرير .. لا يزال غيث ينظر له بتلك النظرة الثاقبة .. شيء يزعزع هدوء النفس حين تكون في حضرة شخصية بقوة شخصيته ..و حدتها .. لن يعلم قط ما الذي يدور في ذهنه .. سرعان ما انفرجت عن شفتيه ابتسامة هادئة و هو يربت على كتفه بهدوء ،،
- خلاص يا سيف .. فالك طيب .. ازهل السالفة .. أنا بشاورها و برد عليك ،، روضة ما بتلقى أحسن عنك ..
كاد يتهاوى تحت تلك الراحة التي سرت في عروقه و هو يرى الرضا يشع في عينيه .. كان يجد الأمر صعبا عليه حقيقةً ،، فهو رغم ثقته الكبيرة بنفسه .. و طبعه الهادئ الذي يجعله دائما مسيطرا على نفسه .. إلا أن التوتر يتملكه كلما فكّر بهذا الموضوع الذي أخذ يؤرقه ..
ماذا لو أنها أجابت بالرفض ..؟؟ تنهد بقوة نافثا تلك الأفكار مع أنفاسه .. ليس له سوى الصبر ،،
سيأتي أخاها قريبا باليقين ..
.
.
بدا الشرود على وجهه ..و هو يتخلخل لحيته الوقور بأصابعه .. ابتسم هو في نفسه.. مر وقت طويل لم يرى سيف بهذا التوتر .. رغم أنه يصغره بستة سنوات .. إلا أنه كان الأقرب لغيث من أبناء عمّه .. دفء غريب يشع في عروقه كلما وجد نفسه جالسا معه .. شيء من السكينة يغرق روحه و هو يستمع لصوته الهادئ الرتيب الذي لا يحمل إلا الصدق ،، كان سعيدا باختياره لروضه .. لن تجد روضة أفضل منه ..
تمنى بصدق و هو يرى جبين سيف ينعقد بتفكير .. أن توافق روضة بهدوء ..
.
.
لأنها إن لم تفعل سيجبرها على ذلك ..!

* * * * *