يريح أصابعه على خدّه و الشرود بادٍ في عينيه ،، وجهه المريح بدا غارقا و هو يتخلخل لحيته بأصابعه بين الفينة و الأخرى ..
ارتشف هو فنجان القهوة الذي بيده قبل أن يقول بصوت عالٍ مازح ،،
- بعطيك عشر ربية و سر الحلاق قصر هاللحية لا يشلونك ،،
.
.
اخترقت الكلمات مسامعه بقسوة .. و لها وقع الشوك في قلبه .. كيف لأبيه أن يقول هذا ..
اعتاد على سخرية أبناء عمه من التزامه و إعفاءه للحيته .. و لكن أبوه ..
نظر له بعتب ..
- أفاا يا بو سيف .. تبانيه أحلق لحيتيه ..؟؟!!!
.
.
شعر هو بالحرج ،، و كأنما صغّرته الكلمات التي رماها بلا اهتمام منذ لحظة في عيني ابنه ,,
ليبرر له بابتسامه ..
- خايفك عليك يا بويه ما تسمع كل يومين و هم شالين حد ..
لم يجبه سيف .. أخفض عينه صامتا .. يلفه الغموض الهادئ .. تمنى أبوه للحظات لو أنه لم يتلفظ بالكلمات ،،
بدا ذاك بعيدا ..
بعيدا للغاية ..!
دقائق تمر و لا صوت يخدش جدران السكون ..
- سيف ..
التفت له باهتمام ..
- عونك يا ابويه ..
- عانك الرحمن .. بلاك هب ويانا ..
ابتسم بحلم ،،
- اسمحليه يا الغالي .. أفكر في الدورة لي طالبينيه فيها ..
هز أبوه رأسه ،، يخفي الضيق الذي يخالجه كلما تذكر ابنه الذي خرج عن نطاق عمل العائلة ..
- لو انته كافي عمرك الشر و تشتغل ويا اهلك هب أخيرلك ..؟؟
لم تختفي ابتسامته الهادئة ..
- ما عليه يا بويه .. أنا مرتاح في شغليه .. و التجارة ماليه فيها و لا في معاملاتاا ..
عقد أبوه جبينه ..
- الحين مرتاح .. باكر بتعرس .. و بتتلعوز ويا شفتات الشرطة .. يوم مظهرينك الفير .. و يوم تالي الليل .. شتبابها المغثة و الراحة عندك ..؟؟
أجبه مجددا ،،
- أنا مرتاح في دواميه يا بويه و ما به مغثة ..
انفتح الباب لتتوجه أعين الاثنين نحوه ،، دلف هو بتعب و توجه رأسا نحو أبيه يسلم عليه ،، ثم التفت نحو أخيه الأكبر الذي هب واقفا ليبادله السلام ..
- السلام عليكم ..
ردوا سلامه بصوت واحد ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ..
جلس على الجلسة المنخفضة و هو يفرك عينه بارهاق .. يسأله أبوه ..
- هاا يا بو سلطان .. علومك ..
نظر له هزاع بابتسامة ،،
- ابد و الله يابو سيف ما به علم .. كسرتنااا هالجامعة ..
أومأ أبوه برأسه ينقل بصره بين ابنيه الذين بدآ بتبادل الأخبار بحديث سريع ،، كم هما مختلفان ..
رغم ذلك بدا أن سيف يلعب دور الرقيب على أخويه أكثر منه هو ..!!
انتشله صوت سيف الذي قال لأخيه وهو يصل للباب بحزم ،،
- لا ترقد .. ما بقى شي ع صلاة المغرب ..
* * * * *
- اماااااه .. - ثم أشارت بيدها و هي تجمع رؤوس أصبعها لفهما و ترفع الصوت - عشاا عشاا ..
نظرت أمها بوهن للصحن الذي وضعته للتو أرضا قبل أن تشيح وجهها و هي تشير رافضةً الطعام ..
- لاااا .. بس ..
ألحت عليها و هي تعقد جبينها ،، لا يمكن أن تستمر أمها في الإضراب عن الطعام بهذا الشكل ..
- أمااا - و تربت بيدها على صدرها - عشانيه ..؟؟
لكن أمها لم تطاوعها ،، شعرت بالهم يغزو روحها و هي ترى هذه الحبيبة تزداد نحولا .. ما خطبها ..؟؟
هي قلقة للغاية .. تخشى أنها مصابة بمكروه فيما هم غافلون عن ذلك ..!!
.
.
لم تكن تلك الليلة كغيرها من الليالي ،، منذ خرجت خالتهم قرابة المغرب مع ابنها لبيتهم ..
انشغل الجميع في ترتيب أمورهم .. و لكن بدا واضحا لأخواتها أنها تتحرك بآلية دون توقف.. عيناها المركزتين لا يمكن أن تكون أكثر دلالة على شرودها ..
كانت تشعر بتزاحم خواطرها يشتتها ،، حالما أوت هند و مزنة و نايف للنوم ،، و دخل والدهن لغرفته لينام ..
تجمعن ليجلسن على عتبة مدخل الصالة .. حور تسند ظهرها لإطار الباب و تجاورها المها التي بدا أنها تتأمل هذا الشرود الذي سكن عيني أختها .. عفرا تقابلهن و هي تجلس على الأرض الحجرية للباحة .. فيما قابلت نورة حور لتستلقي دانة و تريح رأسها فخذها .. و هي تقول مازحة ..
- حوووووه حووووور .. لي ما خذ عقلج يختي ..!! ليكون تفكرين في اللقاء ..
نظرت لها حور شزرا ..
- قالولج ما عنديه سالفة ،،
قالت عفرا و هي تمرر يدها على النقش القديم في اطار الباب الخشبي ..
- صدق حور شعندج .. من الصبح و انتي سرحانه .. كل عسب سالفة الروحه ..؟؟
تدخلت نورة بسرعة ..
- ما يرزا عليج يختي .. خفي ع عمرج .. بنسير خمس دقايق و بنرد ،، و لا تخافين - و شدت ذراعها تبرز عضلات وهمية - خواتج الوحوش وياج .. مستعدات للدفاع عنج ضد أي هجوم يشنونه الأشرار ..
تنهدت حور باحباط ..
- أقول انتن لي ما عندكن سالفة .. أنا الروحه ما تهمنيه .. و باكر سايرة عسب خاطر ابويه .. و هب خايفة و لا حتى متوترة .. بس ..
مدت يديها بعجز ..
- انتن ما تشوفن أمايا كيف غادية ..؟؟ عنبوه بتموت .. قدها عظام .. و الله انيه خايفة واايد عليها ..
سرعان ما بدأ القلق و الضيق ينتقل لوجوههن جميعا و حور تقلب مخاوفهن .. قالت دانة بصوت تعيس ..
- فدييتج يا أميه ،، حتى الرمسة ما فيها الحيل ترمس .. و لا العيشة تباها ..
تنهدت نورة ..
- خالوه تقول نصبر الين يوم الأحد و بتشلها الدختر .. حور بتسيرين وياهم ..؟؟
هزت حور رأسها بلا ..
- وين أسير و منوه بيتم هنيه .. خالوه أكيد بتيي الصبح .. انتن في المدرسة و مهاوي اروحها ..
أومأت عفرا برأسها ..
- الله يشفيها و يسوقلها العافية .. الله يخليها لناا ..
قلن معا ..
- آمين ..
صمتن للحظات قبل أن تعود دانة لتقلب موضوع الحديث ..
- الحين نحن باكر بنشوف يدووه ..؟؟
أومأت حور برأسها بهدوء .. لتعود دانة فتسأل بحيرة ،،
- تهقونها طيبة و الا عوفة ..؟؟
عقدت نورة جبينها و هي تنظر لوجه دانة في الأسفل ..
- مادري ليش أتخيل شكلها ضخمة .. و سمرا .. أحسها بتيي عودة شرات أبوية ..!!
ابتسمت حور في وجه المها التي بدا أنها تراقب شفاههن بتركيز كي تلتقط الحديث ..
- ابويه ريال لازم يي جسمه كذيه .. بس هاي عيوز يمكن غير الحين ..
قالت عفرا بهدوء ..
- أحسها متكبره شويه أو قاسيه .. كذيه أحسبها لنها تقول طرشوليه البنات ..!!!
الآن تتسع ابتسامة حور ..
- سبحان الله نفس الشعور يوم أبوية يخبرنيه .. بس ما علينا منها .. نحن هب سايرات نطلب بيت شعبي .. بنسلم عليها .. و شحالج .. انتي بخير .. و ردينا البيت و نسينا السالفة ..!!
قالت دانة بمكر ..
- يمكن مسوية هاييك العيوز خطة و مواعدة ولد ولدها عسب يشوفج ..!!
ارتعشت أطراف حور و هي تفكر بذلك ..
- فال الله و لا فالج يا السبالة ..
قالت نورة مفكرة ..
- صدق حور تخيلي باكر تكون يايبه عريس الغفلة و تباه يشوفج ..
سدت حور أذنيها بكفيها ..
- انتن بتنطبن .. عنلاتكن لا تروعنيه الحين ..!!
تثاءبت عفرا بشدة و هي تقول بارهاق ..
- طبيهن يختي .. لا تخافين و لاعندج خبر .. و اذا كان موجود .. ما يخصج فيه ارقعيه طاف و بنرد البيت .. أنا بسير أرقد ..
قالت حور و هي تقف في مكانها و تمط يديها بتعب ..
- كلنا بنرقد .. الساعة عشر و نص الحين ..
هزت دانة رأسها بخبث ..
- هيه عسب ننش و ويوهنا راويه ،، هب حلوة ويه حور يي تعبان و ريلها بيشوفها ..
نظرت لها حور بغل و نورة تشارك دانه الضحك .. مدت الأولى يدها لتنهض المها و يتوجهن الى غرفتهن و هي تقول بخفوت كي لا يزعجن الراقدين في هذا البيت ..
- أقول شكلج ما بتنطبين الا لو ياج كف مرتب ..
.
.
المفضلات