الفصل 25
في مطار القاهرة انهى نجيب اجراءات الوصول ولم يكن معه شي يستحق الجمارك فلم يتم توقيفه للتفتيش ..بعدها خرج ليرى جمهرة السائقين اختار احدهم وتفاوض معه على الوصول الى امبابه بجوار الموقف ..وانطلقت السيارة ..وانطلقت افكار نجيب معها ..كان يظن ان رجعته الى القاهرة ستكون رجعه المنتصر ..لا رجعه الباحث عن الانتصار ..نجح في الغربة وجمع المال وفشل في ادارته ..مرتين ...لم يستطعم جو القاهرة وشعر كأنها تضحك عليه ..وعلى خيبته ..وعلى ثقته العمياء التى سرعان ما ينثرها في كل من حوله ..هواجيس وصور وتخيلات لا تنتهى لما هو آت ..تخيل سرور ينكره ..وتخيل سرور مريضاً ..وتخيل سرور مسجونا..ولم يستيقظ الا على صوت السائق ..وهو يقول له
- وصلنا ..
- نعم عند تلك العمارة ..
توقف السائق وحاسبة ونزل يتأمل هذا الشارع بصخبه وناسه وتذكر عندما جاء من بيت خطيبته ..تقدم وهو خائف من ما هو امامه ..وصل للعمارة بدون ان يشعر ..صعد الدرج والهواجيس عادت ..هل سيطرده سرور ..؟! هل سيقول ..لا مال لك عندى ...هل غيرته الدنيا ..وقف امام الباب ..وطرق ..وقلبه يسبق الباب بالطرق ..لم يفتح احد ..زاد من الطرق ..سمع صوت من اسفل السلم ..توجه اليه ..عرفه وصاحب الصوت لم يعرفه فسأل :
من هناك ؟
- انا يا عم ايوب ..وكان العم ايوب صاحب الشقة الارضيه ..نزل نجيب حتى وقف امام الرجل الذي عرفه واخذه بالحضن ..وبالكثير من عبارات السلام ..ودعاه للدخول
- اين سرور ياعم ايوب ..
لم يستعجل الاجابة العم ايوب بل قال : ماذا تشرب ..ساخن ام بارد ..
- لم تجبنى ياعم ايوب ..اين سرور ؟؟
جلس بجواره بعد ان اغلق الباب وقال
- لا ادري ماذا اقول لك ..
- هل هو مريض ؟؟
- لا ..الاستاذ سرور كان في احسن صحة ...
- كان ؟؟
- نعم يا بنى صديقك انتقل الى ربة ..
هنا نجيب لم يعد يشعر بالمكان ولا الزمان شعر ان الدنيا تدور ..وبعدها شعر بشي بارد على جبينه ..وهناك من يضرب على خده ..
- افق ..اصحى يا نجيب ..
وجد نفسه متمدد على الاريكه وامامه شخص بنظارات عرف انه طبيب ..وعرف انه فقد الوعي وبدا الطبيب بنهر عم ايوب على ما فعل ..وعم ايوب يحاول ان يبرر ..هنا نجيب اعتدل
وتذكر الخبر ..ولم يستطع كبح عينيه ودموعه ..فأنخرط في بكاء عميق كتب الدكتور بعض الادويه واعطاه مسكناً واوصى عم ايوب برعايته ..وغادر
نجيب بدا يسأل :
كيف .؟؟ ومتى ؟؟
قال عم ايوب : منذ ما يقارب الشهر يا بنى ..
- آه في نفس الوقت الذي انقطعت عنى مكالماته ..كيف مات ؟
- نزل من الحافلة مسرعاً ولم ينتبه لقدوم سيارة اخرى فصدمته ..هذا قضاء الله وقدره يابنى
- قل لي من اهتم بجنازته ..هل اقمتم له العزاء ..
- اعتقدنا انه مقطوع فقمنا بالترتيبات حتى جاء ابن خالة له وتولى كل الاجراءات حتى الشقة جاء ونظفها واغلقها ..وقبل يومين فقط باعها ..
- بهذه السرعة ..
- ومالذي في هذه الدنيا لا يسرع ..ونحن في الجنازة عرفت انه ما جاء الا للشقة ..وتوقعت ان يسكنها وعندما قلت له قال لي : انا لا اسكن في هذه الزبالة ..
- يالهى ..ما هذا الانسان ..!!
- نعم لم يراعى حرمة الميت ..
انتبه نجيب الى الوقت وقال وهو يهم بالنهوض : لقد تأخرت سوف اذهب ..واحضر غدا ..
- ابدا ياولدي ..نم ليلتك هنا ..وغدا لنا كلام آخر ..انت تعرف انى لوحدي ..الا اذا كنا لسنا في ذاك المستوى ..
- ومن انا ياعم ايوب ..انا ابنك كما كان سرور ابنك ..
- اذن نم وفي الصباح نكمل الكلام ..
- كما تشاء ..ياعم ايوب ..
استلقى نجيب في مكانه يحاول ان ينام ما تبقى من ساعات وغفى قليلاً حتى اذن الفجر فسمع صوت الماء وعم ايوب يغتسل ..فخرج واغتسل معه وتوجهوا الى المسجد ومن بعدها قال
- ياعم ايوب ..اريد ان ازور قبر صاحبي ..
- اذهب معك ..واذا شئت الآن لكن دعنا نفطر وبعدها نذهب ..
في الطريق مر عم ايوب على بائع الفول واخذ من عنده صحن فول ومر على محل للطعميه والبيض وذهبوا للبيت ..ووضع عم ايوب ابريق الشاي وجلسوا يأكلون ..هنا بدا نجيب بسؤال عم ايوب ..
- الم يكلمك سرور في موضوع شراء بيت او عمارة ؟؟
- لا ..مطلقاً ..انت تعرف نوعيه حوارى معه ..دائما مزح ..وضحك ..هل كان ينوى شراء بيت ؟؟
- نعم واشترى عمارة لي ؟
- غريبة ..!!
- وسجلها بأسمه لحين حضوري ..
- هذه مصيبة ؟!
- نعم مصيبة ب 160 الف جنيه حصيلة عملى لسنوات ...
توقف عم ايوب عن الاكل ..وقال : المصيبة ان الشقة وكل ما يملك ذهب لأبن خالته ..
- هل تعتقد ..
- لا تحتاج الى اعتقاد ..هل معك ما يثبت حقك من سرور ؟
- للأسف لا ..كانت المسأله ثقة ..
- اذن ليس لديك الا ان تكلمه ..لعله يصدق ..
- معي ايصال المبلغ المحول ..
- لا يثبت شي ..لكن لا تستعجل ..هل تريد الذهاب الى قبر صاحبك ام الى ابن خالته؟
- لا .. الى قبر صاحبي ..
اذن هيا بنا ..
وانطلقوا الى المقابر ..ومن طريق صلاح سالم دخلوا الى مكان بالقرب من مسجد برقوق حيث مدافن عائلة سرور ومرقد امه وابوه ..ولقد سبق لنجيب زيارته وكان في وسطه قبرين اصبحوا ثلاثه ..تقدم نجيب الى القبر .وبكى ..عندما اقترب من قبر صاحبه وهو يقول سامحنى يا اعز الناس ..انى شككت فيك يوما ..سامحنى يا اغلى حبيب ..انى لا استحق صداقتك ..لا استحق ..لا استحق ..وقام يدعوا له بالمغفرة والجنه ..وحسن الخاتمه ..وودعه وخرج لعم ايوب الذي بدا يخفف عنه ببعض الكلمات ..ومشوا قليلا بمحاذاه مقابر الشهداء ..الى طريق صلاح سالم ..حتى يأخذوا وسيلة الى محطتهم التاليه ..وقال نجيب :
- اين يسكن ابن خالته ؟
- في شارع السودان بجوار معهد القلب ..لقد اعطانى عنوانه لو جاء مشترى للشقة ..وهو يملك محل هناك حتماً سنجده مفتوح الآن ..
اخذوا تاكسي الى هناك وبجوار مسجد خالد بن الوليد نزلوا ..ودخلوا الى الشارع مشياً ..حتى توقفوا امام المحل ..وكان هناك رجل في العقد الرابع من عمره ما ان راى عم ايوب حتى خرج مرحباً وطلب من فتيانه احضار كراسي امام المحل وارسال صبي القهوة المجاورة لأخذ المشاريب ..قدم عم ايوب نجيب للرجل قائلاً :
- الاستاذ نجيب ..صديق سرور كان في الخارج ..
- اهلا وسهلا ..
- عظم الله اجركم ..قالها نجيب ..واكمل عم ايوب
- هناك موضوع نريد ان نطلعك عليه ..
قال الرجل : تفضلوا ...وهنا بدا نجيب الكلام
- قبل وفاة سرور اتصلت عليه من ايطاليا وطلبت ان يبحث لي عن عقار اضع فيه مالي
- نعم ..قالها الرجل وقد بدا عليه ان دفة الكلام لا تعجبه
اكمل نجيب : وقد ارسلت له المال ووكالة ولكنه لم يستطع ان يتمم البيع بأسمي فكتب العمارة بأسمه ..
هنا قام الرجل ..وقال : ماهذا الكلام ؟ والتفت الى عم ايوب وقال :
- يا ايوب الكلب كم اخذت لتؤدي هذه المسرحيه ..وامسك بعم ايوب وبنجيب وقال : يا نصابين سرقتم الرجل حي وتريدون سرقته ميت ..سأطلب لكم الشرطة ..
ويتعمد رفع صوته ..هنا نجيب خلص نفسه ..وقال مهاجماً وقد اخرج ورقة من جيبة :
- هذا ايصال بالمبلغ المحول ..وهذه صورة الوكالة ..فقال الرجل ضاحكاً
- اشرب من البحر ..ايصالك هذا يثبت انك سددت دين عليك لأبن خالتى ..فبالتأكيد هو الذي ساعدك ..لكي تسافر ..وتأتى لترد الجميل ..فتتهمه في شرفه ..
كاد نجيب يهجم على الرجل لولا ان عم ايوب سحبه وقال : اهدا ..وهيا بنا ..
- الى اين ؟؟ يجب ان اخذ حقي من هذا النصاب ..
- ليس بهذه الطريقة ..
- اذن كيف ..بربك يا عم ايوب ..هذا المال تعب سنين ..
- اعرف يا ولدي ..امامنا طريق واحد فقط
- ماهو.؟
- استشارة محامى وعرض ما لديك من اوراق ..
- اين .؟
- هناك بنايه خلف البنك ..فيها محامي ممتاز تعال نستشيرة ..
- هيا بنا ..
وصلوا ..ودخلوا البنايه ويبدو ان العم سرور يعرف طريقة ..دخلوا احد المكاتب وكان هناك شاب على مكتب ..طلب منه عم ايوب مقابلة المحامى ..طالبهم بالانتظار قليلا ..كانت دقائق صعبة على نجيب ..دخلوا وعرضوا الاوراق وكل الحكايه على المحامي الذي اوضح له انه اذا لم يكن لديه أي مستند من سرور او شهود بما يقول فلا فائده وان ايصال التحويل لا يعنى شي ويمكن ان يفسر كما قال ابن خالة سرور ..دين وتم سداده ..بعدها خرج نجيب وهو يشعر بخيبة امل لا حدود لها ..خروجه من عند المحامى منكسرا مهزوماً ..معلناً ضياع تعب سنين ..مرجعاً اياه الى خانة الصفر ..الى نقطه الانطلاق الاولى ..مع فرق واحد
موت طموحه ..خرج من عند المحامي الى بيت عم ايوب ومنه الى المطار كمحارب خسر معركته وجرد من سلاحه وقتل كل جنوده وبلا فرس ...هرب الى ايطاليا يجر اذيال الهزيمه وعار التجربه ..نجح في ظنه في سرور من صدق وآمانه ...وخسر في جوانب اخرى ...