الفصل الرابع عشر <<<بقايا حرب >>>
------------
لتجلس علي مكتبها ، وتخرج ورقة وقلم وتكتب ...
" الجراح التي لم تلتئم جيدا رغم مرور الكثير من السنوات ، قد تعاود النزيف و كأنها جراح البارحة ، نتلقى الصدمات من اشخاص كنا نعتقد ان الحياة ستتوقف من دونهم ! ولكن مع الوقت اكتشافنا انها كانت لن تتحرك بهم من الأساس ، عندما نتذكر ما كنا نظنه نشعر كم كنا حمقي ، كما انه نندم علي ظننا هذا ...
تتنهد تنهيدة طويلة ثم تقول بصوت قوي وثابت كعسكري بالجيش يطلق النار علي ارهابي قتل اسرته بأكملها :حسبي الله ونعمة الوكيل ...
ذهبت إلي فراشها تاركة كل شيء علي وضعه ولكنها لم تستطع النوم ، لترجع مرة اخري إلي جهاز الحاسب الآلي وتبدأ في القراءة مرة اخري كمحاولة من الهروب من واقعها الغريب !
**************************
تستفيق شيماء من نومها علي شكل جديد ، فزوجها نائم بجانبها لتطبع قبله علي جبينه ، وتهم بالذهاب إلي الحمام ثم تذهب لتحضر الفطار ، ومن ثم احضرته إلي غرفة نومهم...
شيماء برقة : جاسر ...جااااسر يلا اصحي عشان تفطر
جاسر وهو يعدل من جلسته في تكاسل : خلاص جهزتي الفطار
شيماء : اه جهزته ... اية دا انتا كنت حاسس بيا
جاسر : بصراحة اه وكسلت اقوم كنت عايز انام
لتشعر شيماء بالضيق وهي تقول : انا كنت فاكراك هتقوم وتيجي من ورايا في المطبخ وتبوس قفايا وبعدين تحضني من وسطي وتتكلم معايا برومانسية وكدا
جاسر : المفروض بعد قفايا دي متكلمش معاكي اسبوعين وابوس قفاكي ليه انا ! وبعدين فوقي يا شوشو من الفيلم الهندي الحمضان دا ، انا عمري مهاعمل كدا
شيماء بضيق : ليه بئا ان شاء الله عمرك مهتعمل كدا
جاسر ببرود : لانو انا مش كدا شخصيتي مش كدا ويوم امبارح كان يوم وعدي متحوليش تفكري فيه انو هيتكرر لأنه مش هيحصل تاني ويلا يلا تعالي افطري
لتقوم وتجلس امامه تأكل دون كلام ، فقد نظرات عدم الاستيعاب مع عدم الفهم ممزوجة بالاستغراب مجموعة من المشاعر المختلطة التي شعرت بعدها ان فعلا هذا اليوم لن يتكرر مرة اخري والشخص ايضا الذي كان موجود فيه ، وان جاسر قد عاد جاسر التي اعتادت عليه المتكبر والمغرور ...
******************************
في منزل رانيا ، يدق عصام جرس المنزل المتواضع ، مع اتخاذه لبعض القرارات التي سيتم تنفذها بعد قليل ، كان يشبه شاب في مقتبل العمر يدق باب مكتب احدهم ليجري معه احدي مقابلات العمل الهامة ، يرسم معالم الجدية علي وجهه ولكن من الداخل يشبه طالب ينتظر نتيجة الثانوية العامة التي ستحدد مصيره ...
لتفتح له رانيا الباب ، كان يتوقع انها ستقابله بفتور مثل كل مرة ولكنه تفاجأ ! فتاة في بداية العمر ترتدي تنورة ذات ورود واسعة طويلة مع قميص سادة ، وهذه الضحكة علي وجهها ، جعله يستغرب منذ متي وانت تقومي بهندام نفسك لهذه الدرجة لمقابلتي ؟
رانيا بفرحة : اتاخرت ليه
عصام بتوتر : ااااه الطريق كان واقف
رانيا : طب ادخل
ثم تنادي علي والدتها : عصام جه يا ماما ثم تنظر له في سعادة وهي تقول : انتا مش عارف انا مبسوطة قد اية النهادرة ، كنت هتصل بيك بس قلت لاء لما يجي
عصام مبتسما : خير
رانيا بفرحة : اتقبلت في الشغل بس مش اي شغل فاكر الشركة اللي قولتلك عليها
عصام : اه
رانيا بنفس النبرة : اتقبلت فيها ... انا فرحانه اوي
كان ينظر لها مبتسما ،بل سعيدا لأول مرة يراها تتحدث معه بهذا الحب ، كان صامتا يسمعها تتحدث فقط ...
رانيا بتساؤل : انتا مش بترد عليا ليه
عصام بخفوت : تحبي نخرج
رانيا بإستغراب : دلوقتي
عصام : حلوتها في حموتها
رانيا مبتسمة : طب قول انتا لماما
عصام وهو يغمز لها : ثواني واجيلك
******************************
جلست أمامه في صمت ، تضع عينيها في الأرض ، في حين أنه كان يجلس أمامها بتوتر بالغ لا يعرف من أين يبدأ ...
أحمد بتوتر : اللي حصل دا كان غصب عني ، لما روحت ابارك لجاسر موظف عندنا كان عزمني علي فرحه ، اتفاجأت ان العروسة هي اللي أدهم شافها و بيدور عليها و عايز يتجوزها ...
رفعت حاجبيها لأعلي من الصدمة ولكنها ما زالت ناظرة إلي الاسفل ...
سارة بهدوء : طب هتعمل اية
أحمد : والله مش عارف ، احنا كام يوم كدا واقوله اتخنقنا ومش عارفين نتعامل مع بعض هيسأل في اي وكدا كل واحد يقوله مش عايز افتح الموضوع دا
سارة بصوت منخفض : ماشي
أحمد بتردد : خلاص انا مضطر استأذن دلوقتي
سارة : اتفضل
ذهبا تجاه باب المنزل وقبل نزوله ينظر لها مرة اخري
أحمد بحزن : أنا اسف بجد يا سارة فعلا مكنش قصدي ازعلك او اديقك ، كنت عايز اطلع من الخوار دا و مديقش أدهم
سارة مبتسمة وهي تنظر في جميع الاتجاهات عدا عينيه : مش زعلانه ، وحصل خير
أحمد بقلة حيلة : تمام ، سلام
سارة : سلام
ينزل أحمد و ويدلف إلي سيارته في ضيق يحمل الهاتف ويجري اتصالا هاتفيا
أحمد : ايوة يا ادهم انتا فين ... اه صح دا انهاردة السنوية ... طيب أنا جاي في الطريق ... سلام .
علي النقيض سارة التي جرت إلي غرفتها تبكي ...
**************************************
يقف أمام احد القبور ينظر له بأسي وحزن ، تكاد دمعته تسقط ولكنه يمنعها بكل ما اتي من قوة ، يتذكر اخر موقف جمعهم بهم ...
أدهم بغضب : أنتا اية اللي بتقولهولها دا احترم نفسك دي امك
باسم بغضب مماثل وصوت مرتفع : مانتا متعرفش حاجة امك يا بيع يا محترم كانت .....
ليقاطعه صوت والدهم إبراهيم : باااسم ، خلاص
كان إبراهيم ذو الستين عاما يقف في ثبات وشموخ ليكمل : هتيجي معايا ولا هتقف تزعق هنا
باسم بغيظ مكتوم وهو يحدق بوالدته التي كانت تبكي وتنظر إلي الارض بأسف : لاء جاي معاك
إبراهيم بثبات : وانتا يا أدهم جاي ولا لاء
أدهم ينظر إلي والدته في تردد ثم إلي أبيه : فهموني اية اللي حصل طيب لدا كله اكيد سوء تفاهم ويتحل
إبراهيم يعيد سؤاله مرة اخري بثبات : هتيجي ولا لاء
أدهم ينظر إلي أمه التي قالت وهي تبكي : متسبنيش
لينظر إلي والده بنفس الثبات : لاء انا هفضل معاها
باسم بعصبية : يا غبي انتا مش فاهم حاجة
إبراهيم وهو يهم بالذهاب : يلا يا باسم
ليتركهم باسم ويذهب لينظر أدهم إلي والدته التي مازالت تبكي ، ليحتضنها ويهدئها قليلا ، بعد أن هدأت
أدهم بحنو : اهو ياستي هدينا احكيلي اية اللي حصل واية اللي جاب بابا وباسم هنا الغردقة
نورهان (الأم) بحزن : ابوك بئا مهمل فيا أوي ، بئا ناسيني واهم حاجة شغله ، يجي تعبان زهقان فرحان في شغله يبقي ليه وبس و ميحكليش أي حاجة ، علاقتنا بقت باردة ، مينفعش اساسا تبقي اسمها علاقة دي ولا حاجة ، ابوك مش دا اللي حبيته ايام الكلية و استنيته و اتجوزته مش دا ، خلاص تعبت وزهقت ، انتا قبل متيجي هو طلقني فاكر كدا انو بيعقبني مش عارف اني فرحانه اساسا...
أدهم بهدوء : انا مقدر و حاسس بكل اللي بتقوليه ، وعارف اللي بابا بيعمله ، بس بردو إيه اللي حصل لدا كله انا لغاية دلوقتي مش عارف
نورهان بتلعثم : ااااااا... أنا اتعرفت علي واحد في النادي ، و حبينا بعض ...
ليقف أدهم في غضب : هو دا اللي جيتي معاه هنا
نورهان بتلعثم : اه .. بس والله محصل حاجة ... هو كان عايز ينتقم من ابوك فيا وهو اللي اتصل بيه يجي هنا ويشوفنا
لينظر لها بضيق شديد وغضب : خونتي ابويا ، وكمان بتكلميني بكل أنانية وتقوليلي متمشيش بتكلميني بسهوكة عشان تصعبي عليا
نورهان بعتاب وصوت عالي : احترم نفسك انا امك
أدهم بنفس النبرة : انتي متنفعيش تكوني أم ، الام بتحافظ علي بيتها مش تجبله العاار
ثم يتركها في غضب ، ويتصل بأخيه
باسم : ألو
أدهم بصوت اقرب للندم : انا والله مكنتش اعرف انا اتصدمت فيها أكتر منكم كلكم انتو مختونيش معاكم ليه
باسم : اهدي يا أدهم اركب وحصلنا علي مصر
أدهم بحزن : استني عند اقرب استراحة واتصل وقولي مش هاعرف اسوق لوحدي
باسم : خلاص ماشي خليك اتكلم معاك علي الخط لغاية متتقابل واجمد كدا يا أدهم كله بيعدي
أدهم بحزن ممذوج بنبرة تساؤل : ودي كمان هتعدي ؟
باسم يصمت لحظات ثم يكمل : خد أبوك هون عليه عشان شكله ماسك عينه بالعافية .
ثم يعطي الهاتف إلي والده
إبراهيم بهدوء : ايوة يابني
أدهم بحزن : أنا اسف يا بابا ، اسف اني خذلتك ومسمعتش الكلام
إبراهيم : متزعلش يابني وكل حاجة هنرجع احسن من الأول ان شاء الله وكش هسبكم أبدا
أدهم بحزن : ان شاء الله يا بابا ربنا يبارك في عمرك يارب
إبراهيم : ويباركلي فيكم ، باسم الموضوع صعب عليه اوي كل شوية يدمع ... ليقاطعه باسم وهو ينظر إليه بعصبية مكتومة وصوت مرتفع : انا كويس يا ادهم متشغلش بالك وخد بالك من الطريق احنا بليل ومتسرحش زي عوايدك
إبراهيم : طب ركز انتا في الطريق
باسم ينظر لواه في غضب : مينفعش اللي بتقوله دا وانتا عارف ان ادهم طايش
ابراهيم بخضة هو ينظر أمامه: حاسب يا باسم حاااااااااسب
أدهم بخضة وقد سمع صوت صدام: ألو الووووو يا باباااا
ليستفيق علي دامة حارة علي وجنتيه ، ليقول بآسي وبكاء : فعلا كله بيعدي ، بس اللي متعرفوش يا باسم انو لما بيعدي بياخد حاجة معاه ، ومش بنرجع زي الأول ، وحشتوني أوي ...
ليقاطعه صوت أنثوي يأتي من الخلف : ووحشوني أنا كمان
لينظر لها ليجدها نورهان لينظر لها باحتقار : أنتي اية اللي جابك هنا
نورهان : جاية اشوفهم دا ابني و جوزي لازم اكون موجودة في السنوية بتاعتهم
أدهم باستهزاء: لازم تكوني موجودة ! دا علي اساسا اية
ثم تتغير نبرة صوته للحدة بعض الشيء وهو يقول :كنتي فين لما كنت بكلم ابويا و حاسس بانكساره ؟ الراجل اللي دايما بنستمد منه قوتنا كان صوته ضعيف بسببك ؟ كنتي فين بئا ساعات لما العربية اتقلبت بيهم ؟ كنتي فين وانا بدفن ابويا بأيدي ؟ كنتي فين لما اخويا دخل غيبوبة 20 يوم ؟ كنتي لما دفنته وكنت لسة مكملتش شهر علي موت ابويا ؟ كنتي فين لما سندي وضهري الاتنين ماتوا ؟ كنتي فين لما روحت شهرين مستشفى للأمراض العصبية عشان اعرف اتأقلم مع اللي حصل ؟ كنتي فين لما ملقتش غير صحبي هو اللي طلعني وحاول يهون عليا ؟ كنتي فين ؟
كانت نبرة صوته تعلو كل مدي ،إلي أن تحولت كليا للعصبية وصوت مرتفع وهو يقول : انتي مكانك مش هنا ، انتي متجيش هنا تاني خلاص ، روحي شوفي حياتك وابعدي عنا عايزة اية تاني ، انتي المفروض اللي تبقي مكانهم دلوقتي ، دا كله حصل بسببك انتي ...
ليقاطعه صوت أحمد المرتفع قائلا : أدهم
لينظر له ليكمل : كفاية كدا
لينظر له أدهم ويتركه ويذهب ، مع كل كلمه خرجت من فاه ابنها كانت تبكي ، تبكي بحرقة كيف كانت بهذه الانانية ! ابنها الآن الذي من المفترض ان يكون سندها ، أصبح يمقتها ويتمني موتها !
هذه المرأة ذات التاسعة واربعين ربيعا ،تبكي كطفل رضيع جائع إلي حنان امه !
****************************
يتبع
رأيكم مهم جدا اقسم بالله ، وهي خلاص هانت قربت تخلص وكل حاجة تبان 😉 يس أهم حاجة رأيكم ^^