المحور الأول: ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ ﻭﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ
1- تعريف الثورة الرقمية
تعددت ﻤﻔﺎﻫﻴﻡ اﻠﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ، إلا أن أقربها ﻟﺨﺩﻤﺔ ﻫﺩﻑ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻴﺘﻤﺜل في أن الثورة الرقمية هي القدرة على تحويل كل ﺃﺸﻜﺎل ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺭﺴﻭﻤﺎﺕ، وﺍﻟﻨﺼﻭﺹ ﻭﺍﻟﺼﻭﺕ ﻭﺍﻟﺼـﻭﺭ ﺍﻟﺴـﺎكنة ﻭﺍﻟﻤﺘﺤﺭكة لتصبح في صورة ﺭﻗﻤﻴـﺔ، ﻭﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﻴـﺘﻡ ﺍﻨﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﺨﻼل ﺸﺒﻜﺔ الإنترنت ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺃﺠﻬﺯﺓ ﺇﻟﻜترونية ﻭﺴﻴﻁﺔ (الهاتف، وﺍﻟﻜﻤﺒﻴﻭﺘﺭ) ﺤﻴﺙ يمكن ﺨﻼﻟﻬﺎ ﺘﺨﺯﻴﻥ ﻭﺘﻭﺯﻴﻊ كم ﻫﺎﺌل من المعلومات الرقمية بصفة ﻤﺴﺘﻤﺭﺓ (عبد القادر،2008: 82 ). وقد ﺒﺩﺃ ﺘﺄﺜﻴﺭ الثورة الرقمية ﻴﺘﻀﺢ ﻓﻲ كافة الأنشطة الحياتية ومنها التعليم، حيث ساعد على ظهور الكثير من ﺍﻟﻤﺼﻁﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﺃﻭﺠﻪ ﺍلأنشطة التعليمية ﻤﺜل: ﺍﻟمدرسة الذكية ﻭ الفصول ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀـﻴﺔ، ﻭﺍﻟتعليم ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀﻲ، والتعليم الإلكتروني، والإدارة الإلكترونية، والمدرسة المحوسبة، وكلها تعتمد على فضاءات ﺍﻓﺘﺭﺍﻀﻴﺔ ﺨﺎﻟﻴﺔ من القوانين الفيزيقية ﺍﻟﻤﻭﺠﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻭﻴﻨﻌﺩﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻻﺤﺴﺎﺱ ﺒﺎﻟﺒﻌﺩ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻲ ﺍﺫ أﻥ ﺍلإﺤﺴﺎﺱ ﺍﻟﻭﺤﻴﺩ ﺒﺎلأبعاد ﻭ ﺍﻟﻌﻨﺎﺼـﺭ ﺍﻟﻤﻜﻭنة للفضاء يكون إحساسا سيكولوجياً ( حسين، 2009).
ولقد تأثرت ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ التعليمية بهذه ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ الرقمية، فتخطت ﺃﺴﻠﻭﺏ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠيم التقليدي الذي يقضي بذﻫﺎﺏ ﺍﻟﻁﺎﻟﺏ ﻭﺍلمعلم إلى مقر الدراسة في مواعيد محددة، و بالتالي فإن الحضور هنا مكاني و زماني، وفيه ﻴﺤﺩﺙ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋل الحقيقي ﺍﻟﻘﺎﺌﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻨﺩﻤﺎﺝ بين المعلم والطالب في ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻭﺠﻬﺎﹰ ﻟﻭﺠﻪ، ﻤﻤﺎ ﻴﺠﻌل العلاقة ﺒﻴﻥ المعلم ﻭﺍﻟﻁﺎﻟﺏ أكثر تأثيرا في تحقيق الأهداف عبر الوسائط التقليدية المتاحة.
ﺃﻤﺎ ﻋﻥ بيئات التعلم الافتراضية المعتمدة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻭﺴﺎﺌﻁ ﺍﻟﻤﺭﺌﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤﻭﻋﺔ في ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴم والتعلم، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻁﺎﻟﺏ ﺴﻴﺘﻤﻜﻥ خلالها ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺼﻭل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺭﺍﻤﺞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ و اجتياز ﺍﻻﻤﺘﺤﺎﻨﺎﺕ من ﺃﻱ ﻤﻜﺎﻥ، فيما ﻴﻌﺭﻑ ﺒﺎﻟﺘﻌﻠﻡ عـﻥ ﺒﻌﺩ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﺘﻭﻗﻊ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻴﺅﺩي ﺇﻟـﻰ ﺘﻐﻴﻴـﺭ ﺍﻟﻨﻅﺭﺓ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ عن أماكن ﺍﻟـﺘﻌﻠﻡ ﻭﻤﻜﻭﻨﺎﺘﻬـﺎ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻭﻤﻜﻭﻨﺎﺘﻪ، ﻓﺴﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺩﺍﺭﺱ ﺒﻼ ﺃﺴﻭﺍﺭ ﻭﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﺒـﻼ مدرجات ( ردنه، 2015: 47 ) وﺒﺎﻟﺘﺎلي فإن الحضور سيتغير من حضور مكاني إلى حضور لامكاني، كما ﺃﻥ ﺍﻻﺘﺼﺎل ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻋل ﺴﻴﺘﺤﻭل ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺯﺍﻤﻥ ﻋﻥ ﻗﺭﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺯﺍﻤﻥ عن ﺒﻌﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﻼ ﺘﺯﺍﻤﻥ . ﻭ ﻫﺫﺍ ﺍلأﻤﺭ قد ﺤﺩﺙ ﺒﺎﻟﻔﻌل ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺩﻭل فيما ﻴﺴـﻤﻰ ﺒﺎﻟﻤـﺩﺍﺭﺱ ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀـﻴﺔ، وهي ﻤﺩﺍﺭﺱ ﻭﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﺒﺩﻭﻥ ﻤﺒﺎﻥ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ تقدم خدماتها التعليمية ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍلاعتماد على خدمات الحوسبة السحابية في التعليم.
2- سمات وملامح الثورة الرقمية
تميزت الثورة الرقمية بسمات وملامح خاصة، ومن أهم هذه السمات ما يلي:
١- تلاحق الاكتشافات التكنولوجية المتداخلة
فالثورة الرقمية تمثل عدة ثورات متداخلة ومتكاملة في آن واحد، فقد تمثلت الثورة الأولى في ظهور الحاسب الآلي الشخصي (الكمبيوتر)، والثورة الثانية مثلتها شبكة المعلومات (الإنترنت)، والثورة الثالثة هي ثورة الوسائط المعلوماتية (الإنفوميديا)، أما الثورة الرابعة فهي طريق المعلومات السريع (سالانترنتز)، والتي تعد الإنترنت فيها مجرد حارة صغيرة مقارنة بذلك الطريق هائل الاتساع (العسكري، 2001: 9) حيث تحل الألياف الضوئية محل الأسلاك النحاسية. ويرى المهتمون بالتكنولوجيا أن الإنترنت ما هي إلا مجرد البداية التي مهدت لطريق المعلومات السريع في القرن الواحد والعشرين (كاكو، 2001: 69).
٢- أنها ثورة يصعب السيطرة عليها
إن الطبيعة التي تميز الثورة الرقمية من حيث الاعتماد على تحويل أي معلومات وأي تعاملات إلى أرقام يسهل نقلها والتعامل معها، يجعل من الصعب التحكم في هذه الثورة أو في تحديد أو حجب تطورها. وإذا كان الغرب هو الذي أبدع هذه الثورة الحديثة، فإنه يلهث وراءها حتى لا تسبقه كالمارد الذي أطلق من سجنه ولا يمكن التحكم فيه، وقد أشار ” توفلر” إلى أن القوة في القرن الواحد والعشرين لن تكون في المعايير الاقتصادية أو العسكرية، ولكنها تكمن في قوة المعرفة (معاش، 2000: 73)
٣- أنها حتمية التغيير
تتوقف قدرة الدول في تحقيق التقدم على مدى قدرتها على إيجاد التغييرات اللازمة لتطوير حركتها التصاعدية، وعلى نوعية استجاباتها للتغيرات الخارجية التي تهب عليها من جهات أخرى، لذلك فإن الأمم التي لا تستجيب للتغيير تحكم على نفسها بالتخلف عن ركب الحضارة، فانحطاط أغلب الحضارات وانقراضها بدأ عندما عجزت عن تغيير واقعها استجابة للمستجدات التي واكبت الحركة الإنسانية المتصاعدة ( البغدادي، 2001) . وتعد الثورة المعلوماتية واحدة من أكبر التغييرات التي شهدها العالم، فهي ثورة تختلف عن غيرها من الثورات السابقة، لها طبيعتها وجوانبها الخاصة، لأنها ترتبط بالمعلومات ولأن المعلومات تمثل العصب الأساسي في جميع أوجه الحياة. فهكذا الثورة الرقمية بقوتها وقدرتها الفائقة أصبحت تمثل العصب الرئيسي لكل التغييرات الممكنة في مختلف نواحي الحياة الحضارية.
و لقد انعكست الثورة الرقمية على مؤسسات التعليم فتأثرت المدارس بما حدث من تغييرات مصاحبة للثورة الرقمية، وظهرت مصطلحات جديدة للمدارس مثل المدرسة الذكية School Intelligent التي ارتبط اسمها بمحاولة إكساب المبنى صفة العقل الإنساني، التي على أساسها يمكن لهذا الأخير أن يفكر، وذلك من خلال أجهزة خاصة تسمى الأجهزة الذكية، وتعتمد فكرتها على تركيب جهاز ذكي ضمن شبكة الكهرباء في المبنى ويمكن من خلاله التحكم في إطفاء وإضاءة اللمبات في أوقات محددة، كأن يحدد سلفاً الوقت المطلوب فيه إطفاء جميع وحدات الإضاءة في المبنى أو بعضها. كذلك يمكن ربط شبكة التكييف ومنظومة النوافذ والأبواب بالشبكة الذكية ويصبح بالإمكان تشغيل أي جهاز في وقت محدد وفقاً لبرمجة الجهاز الذكي على ذلك، وهذا هو الفارق بين المنظومة الذكية في المبنى وذكاء الإنسان، فالإنسان معد للتعامل مع احتمالات غير متوقعة الحدوث بالنسبة له، أما المبنى وعناصره فهو يتعامل مع أحداث سبقت البرمجة عليها.
المفضلات