إليك كتاباً من محب متيم يترجم عما في الفؤاد تقررا
تضمن من نيران شوقي مجامراً وأودعت فيه من سلامي عنبرا
إلى معاليك ينمى المجد والحسب ومن معانيك طيب المدح يكتسب
وفي ظلالك للآمال منتجع تجوده من ندى راحاتك السحب
يا خير ملك قد اعتز السرير به تبذخاً وتباهت باسمه الخطب
ومن أعاد شباب الدهر فاتبسمت به الليالي وردت صفوها الحقب
بقية السلف الغر الذين مضوا ومن به قد حيوا من بعدما ذهبوا
وخير من جاءنا من بعدها خلفاً يحيا به الفضل والعرفان والأدب
أنت العماد لأقوام بك اعتصموا تيمناً وحوالي عرشك اعتصبوا
ذخر لنا الدهر أبقاه يلوذ به من لم تدع غيره ذخراً له النوب
من سادة العرب العرباء قد فخرت به السيادة وأعتزت به العرب
نفس لما طاب ماء المزن طاهرة وحر أصل كما قد أخلص الذهب
تعنوا له أوجه السادت صاغرة ويستكين لديه الجحفل اللجب
ساس البلاد بأطراف اليراع ولو يشاء ناب القنا الخطي والقطب
طود على أرض زنجيبار قد شخصت له البحار بطرف غضه الرهب
عم الجزيرة ظل منه قد وسعت أطرافه البيد واستندرت به الهضب
فدى لحمود أملاك كأنهم متى يقاسوا به الأوثان والخشب
هم الملوك ولكن لا يرى لهم من عدة الملك إلا البأو والحجب
لا يبتغون لكسب الحمد من سبب ولا إليهم لمن رام الثنا سبب
الآخذين زكاة الشعر لا حمدوا عنها ولا هي عند الله تحتسب
وكيف يعرف قدر الشعر في نفر ليسوا بعرب ولا عجم إذا نسبوا
إليك تزجى قوافينا ولو قدرت طارت إلى حيث يزهو ربعك الخصب
فأنت أفضل من يثنى عليه ومن ينحى إليه ويرجى عنهده الأرب
جاراك في الفضل أقوام ففتهم شأوا وفضلك ممن أمه كثب
فلا تزل للعلى بدراً تضيء به دهم الليالي وتخفى عنده الشهب
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
فيم التعلل بالآمال تخدعكم وأنتم بين راحات الفنا سلب
الله أكبر ما هذا المنام فقد شكاكم المهد واشتاقتكم الترب
كم تظلمون ولستم تشتكون وكم تستغضبون فلا يبدو لكم غضب
ألفتم الهون حتى صار عندكم طبعاً وبعض طباع المرء مكتسب
وفارقتكم لطول الذل نخوتكم فليس يؤلمكم خسف ولا عطب
لله صبركم لو أن صبركم في ملتقى الخيل حين الخيل تضطرب
كم بين صبر غدا للذل مجتلباً وبين صبر غدا للعز يحتلب
فشمروا وانهضوا للأمر وابتدروا من دهركم فرصة ضنت بها الحقب
لا تبتغوا بالمنى فوزاً لأنفسكم لا يصدق الفوز ما لم يصدق الطلب
خلوا التعصب عنكم واستووا عصباً على الوثام ودفع الظلم تعتصب
لأنتم الفئة الكثرى وكم فئة قليلة تم إذ ضمت لها الغلب
هذا الذي قد رمى بالضعف قوتكم وغادر الشمل منكم وهو منشعب
وسلط الجور في أقطاركم فغدت وارضها دون أقطار الملا خرب
وحكم العلج فيكم مع مهانته يقتادكم لهواه حيث ينقلب
من كل وغد زنيم ما له نسب يدرى وليس له دين ولا أدب
وكل ذي خنث في الفخش منغمس يزداد بالحك في وجعآئه الجرب
سلاحهم في وجوه الخصم مكرهم وخير جندكم التدليس والكذب
لا يستقيم لهم عهد إذا عقدوا ولا يصح لهم وعد إذا ضربوا
إذا طلبت إلى ود لهم سبباً فما إلى ودهم غير الخنى سبب
والحق والبطل في ميزانهم شرع فلا يميل سوى ما ميل الذهب
أعناقكم لهم رق وما لكم بين الدمى والطلا والنرد منتهب
باتت سمان نعاج بين أذرعكم وبات غيركم للدر يحتلب
فصاحب الأرض منكم ضمن ضيعته مستخدم وربيب الدار مغترب
وما دماؤكم أغلى إذا سفكت من ماء وجه لهم في الفحش ينسكب
وليس أعراضكم أغلى إذا انتهكت من عرض مملوكهم بالفلس يجتلب
بالله يا قومنا هبوا لشأنكم فكم تناديكم الأشعار والخطب
ألستم من سطوا في الأرض وافتتحوا شرقاً وغرباً وعزوا أينما ذهبوا
ومن أذلوا الملوك الصيد فارتعدت وزلزل الأرض مما تحتها الرهب
ومن بنوا لصروح العز أعمدة تهوى الصواعق عنها وهي تنقلب
فما لكم ويحكم أصبحتم هملاً ووجه عزكم بالهون منتقب
لا دولة لكم يشتد أزركم بها ولا ناصر للخطب ينتدب
وليس من حرمة أو رحمة لكم تحنوا عليكم إذا عضتكم النوب
أقدراكم في عيون الترك نازلة وحقكم بين أيدي الترك مغتصب
فليس يدرى لكم شأن ولا شرف ولا وجود ولا اسم ولا لقب
فيا لقومي وما قومي سوى عرب ولن يضيع فيهم ذلك النسب
هب أنه ليس فيكم أهل منزلة يقلد الأمر أو تعطى له الرتب
وليس فيكم أخو حزم ومخبرة للعقد والحل في الأحكام ينتخب
وليس فيكم أخو علم يحكم في فصل القضاء ومنكم جاءت الكتب
أليس فيكم دم يهتاجه أنف يوماً فيدفع هذا العار إذ يثب
فأسمعوني صليل البيض بارقة في النقع إني إلى رناتها طرب
وأسمعوني صدى البارود منطلقاً يدوي به كل قاع حين يصطخب
لم يبق عندكم شيء يضن به غير النفوس عليها الذل ينسحب
فبادروا الموت واستغنوا براحته عن عيش من مات موتاً ملؤه تعب
صبراً هيا أمة الترك التي ظلمت دهراً فعما قليل ترفع الحجب
لنطلبن بحد السيف مأربنا فلن يخيب لنا في جنبه أرب
ونتركن علوج الترك تندب ما قد قدمته أياديها وتنتحب
ومن يعش ير والأيام مقبلة يلوح للمرء في أحداثها العجب
رواية قد روت عن أمة العرب ما ليس ينسى على الأيام والحقب
مآثر في سجل المجد قد كتبت لو أنصفت خطها الراوون بالذهب
هم الرجال رجال الفخر ذكرهم باق على الدهر في الأفواه والكتب
أهل المزية في بأس وفي كرم وسادة الشعر والأقوال والخطب
كم غص ناد بهم قدماً وكم عمرت آثارهم نادياً في العجم والعرب
ظلنا نطارح عنهم كل نادرة لم تخل من أدب للمرء أو طرب
حتى تبدت لنا أشخاصهم فقضى من أجلها كل وهم أعجب العجب
في ليلة لم يكن للحلم منتجع فيها ولا في الكرى للطرف من أرب
بتنا نرى من خلا من معشر درجوا كأنهم أنشروا من دارس الترب
ثم انقضوا وإلى الله المصير وما يبقى سوى وجهه الميمون في الحجب
لله ناشر هذا البرد من رجل وفي النجابة حق الفضل والأدب
قد جددت يده وشي القديم لنا وإن في الخمر معنى ليس في العنب
رواية جاد منشبها اللبيب بما أجاد من وشي الطاف وآداب
راقت محاضرها انساً وقد أخذت من حاضريها بأسماع وألباب
قد أنشأت للنهى فيما أرت عبراً وأطربت كل سمع أي إطراب
أمسى بها النقد نقاداً لمالكه فهو المحك لأخلاق وأحساب
وأظهرت لمروءات الكرام يداً يبقى ثناها على تكرار أحقاب
سدت مفاقر ذي البؤسى وقد فتحت للأجر عند سواه أيما باب
لله منشئها الندب الخطير فقد فازت يداه بأخطار وأنداب
عصن نمى في رياض العلم حيث سما بالفضل ما بين أتراب وأضراب
لا زال يهدى إلينا بالجميل ولا زلنا نقرظه في كل محراب
قف بي نحيي رباها أيها الحادي فتلك أبياتها في عدوة الوادي
قد خيمت باللوى الغربي ضاربة عليه أطنابها من غير أوتاد
مقيمة لم تقم إلا على سفر ما ينقضى بين تأويب وأساد
تمشي الهويني كما مر النسيم ضحى في هودج من شعاع النور وقاد
يحجب البعد سيماها فإن قربت صدت دلالاً فزادت غلة الصادي
يسارق الطرف عين الشمس منطرها فالشمس من دونها حلت بمرصاد
حتى إذا هجعت في ليلها ظفرت منها العيون بلمح الميسم الباد
فنبئينا رعاك الله جارتنا بل أنت سوغ لنا من عهد ميلاد
قد انقطعنا فما أن بيننا صلة ولا سبيل لملاح ولا حاد
ولم يكن بيننا سد وقد ضربت أيدي الفضا دون لقيانا باسداد
ما أن ينالكم للبرق منطلق ولا يقرب منكم سير منطاد
وإنما رسلنا الأنوار حاكية نار الصليب تبدت فوق انجاد
تهدي لنا عنكم رمزاً تعود لكم بمثله بين اصدار وايراد
يا ليت شعري هل تدرين موضعنا وهل لديك رجال أهل ارصاد
وهل رأوا ركبنا النوري منطلقاً في ليلهم بين تصويب واصعاد
وهل أقاموا لنا مثل الذي رفعت آباؤنا لك من تكريم عباد
فذي هياكلك الشماء قد شخصت هاماتها في الذرى أمثال أطواد
رأوك للحسن معبوداً وما وهموا فالحسن معبود عشاق وزهاد
لعل للأرض هذا الحظ عندكم وأنها لو علمتم دار افساد
وعلك اليوم خلو من مفاسدها وأن نكن قد خلقنا خلق انداد
أنت الفتية لا تدرين مفسدة أين المفاسد من أخلاق أولاد
ضل الجميع وتاهوا في غوايتهم فما أهتدى حاضر منهم ولا باد
وأصبح الزور مرفوع اللواء بهم وقائل الحق موصوفاً بالحاد
قام الخصام بما لا يعلمون له كنها ولم تره أبصار أشهاد
شغب تفاقم في الأجيال واضطرمت به العداوة دهراً بين أكباد
أما كفاكم بني الإنسان شقوتكم وأنكم للمنايا جد وراد
وما تعانون من جهد الحياة وقد أمست كوقر ثقيل فوق اكتاد
ومن تقلب أطوار الزمان بكم كإنما هو حرباء بأعواد
ومن مراغمة الأقدار طاردة لكم كتيار يم حول طراد
ومن مزاولة الأرزاق بغيتها تزاحمون بأقدام واعضاد
ومن مكابدة الأدواء ساطية ومن نوازل لا تحصى بتعداد
فما لكم تسعدون الدهر بعضكم لكيد بعض به يا شر اسعاد
وإنما أرضنا دار السلام لمن يبغي السلام ودار الحرب للفادي
وكلنا فوقها رهن الزوال فلا أضل بعد الكفى من سعي مزداد
نسيمات نجد هل تحملت من نجد إلي سوى حر الصبابة والوجد
وهل فيك للعاني الشجي تعلة سوى الشوق والتذكار والدمع والسهد
يعيد ويبدي الحب عندي شجونه فوا حرباً مما يعيد وما يبدي
مللت الليالي ساهراً ومللنني فلا عندها نومي ولا صبحها عندي
وألقى علي السقم سابغ برده فليم يبق من جسمي سوى ذلك البرد
فيا نفس هل من عاشق نال قبلنا نصيباً ولو كالكحل في الأعين الرمد
ويا شوق هل حد ويا سقم هل شفا ويا صبر هل تدنو ويا دمع هل تجدي
ويا حب لم يصحبك مثل حشاشتي فلا عاشق قبلي ولا عاشق بعدي
وما قاتلي إلا العيون فإنها رمتني فلم تخطيء ولم ترم عن عمد
وكان الهوى في مهجتي قبل لحظها كميناً كمون النار في الحجر الصلد
لقد طبعت هذي القلوب على الهوى ولست أحاشي صاحب النسك والزهد
وارشد أهل الحب من عشق العلى فرقته منها ذروه العز والمجد
ومن هام في كسب المحامد أنها حياة المعالي بعد منتجع اللحد
هوى شف مولانا الوزير من الصبى فلم يشتغل عنه بخصر ولا نهد
همام على لبنان قام فخيمت مهابته العظمى على الغور والنجد
هو الغيث قد سألت عليه بنانه فانبتن فيه طيب الكشر والحمد
جميل صفات لوحكتها رياضه لما فضلتها في البها جنة الخلد
أجل رجال الحزم رأيا وحكمة وارشد أهل الحكم في الحل والعقد
تقلد من بيض الصوارم مرهفاً بغزم يديه كاد يقطع في الغمد
يؤدب طغيان العصاة بعد له فتى لم يجد من طاعة الله من بد
ويرهقه دمع الكسير إذا همى فتى لم يرع احشاءه الصارم الهندي
مهابته تغني عن السيف في الوغى وهمته تغني عن الخيل والجند
إذا ارعدت غبر الخطوب وزمجرت تخيل بشرى الفوز من ذلك الرعد
رأيناه بدراً في السرير قد استوى وليثا على متن المضمرة الجرد
وبحراً خصماً في المجالس فائضاً من الحكمة الغراء بالجوهر الفرد
وطوداً على أطراف لبنان مشرفاً بظل على تلك السباسب ممتد
تباشر سهل الأرض والحزن عندما أتى بحلول الخصب والزمن الرغد
وبشرت السمع العيون فحدثت بما لم يغد نطق الرواة على بعد
وما جحد الراوون فضل صفاته ولكن لعمري أنها غاية الجهد
وداع وما يغني الوداع من الوجد ولكنه زاد المشوق على البعد
وما هي إلا وقفة عند فائت تمازج فيها مطعما الصاب والشهد
نثبط أخفاق المطي استزاده للحظة عين قبل منقطع العهد
كأن لم يكن دهر الوصال الذي مضى ولم نتمل الصفو في عيشه الرغد
نفكر في ترك المغاني ومن يلي بموضعنا أن جدت العيس في الوخد
مغان قضينا في حماها ليالياً من الدهر عزت أن تجدد من بعد
أرق حواش من برود نسيمها وأعذب مما في النسيم من البرد
وأصفى من الماء القراح إذا جرى يسيل على وجه الصفا طيب الورد
فيا لك أياماً تقضي نعيمها كما يتقضى الحلم في غفلة الرقد
إلا عللاني ساعة باذكارها ولا تصحياني أن سكرت من الوجد
فكم من منى دانت لدينا وقد دنت بكل رواق وارف الظل ممتد
أويقات ورق الروض من جلسائنا واكؤسنا ثغر الشقائق والورد
تظللنا بيض السحائب في الضحى ويشملنا عرف النسائم في برد
وتنثر كف النهر بالدر فوقنا ونحن من الزهر النضير على مهد
كذلك كنا ثم بنا وقبلنا نبت بأبينا آدم جنة الخلد
كذلك شأن الدهر في كل معشر ينيم مآقيهم وعيناه في الرصد
وأن قصارى الأمر ما شاءه القضا فكل بصير عنده ضائع الرشد
أردد شجوي بالوداع صبابة وهيهات ترديد الصبابة ما يجدي
ومن عجب أني أطارح صبوتي روابي صماً لا تعيد ولا تبدي
بلى ما عدت حالي فكل رباوة وقد بهتت للبين سامدة الفند
تداعت بها الغربان تهتف بالنوى فصدق فيما رده هضمها المعبد
ومر نسيم في الخمائل مخبراً فململ منها معطف البان والرند
وهبت حمامات الرياض فرددت حنين الثكالي فوق أغصانها الملد
لئن طاب هذا الشيق نفساً ببعدنا فإن فؤاد الغور أحفظ للود
ستنهل منه كل عين الذكرنا بدمع جرى من مهجة الحجر الصلد
وتبدي رياض الزهر في كل غدوة نواصي شعثاً لحن في الشعر الجعد
وتغدو غمامات الضحى بعد بيننا بردن ندي واكف الهدب منقد
وتذكرنا هذي الديار وأهلها إذا افتقدنا مقدم الوفد فالوفد
وتعجب هذي الأرض بعد براحنا إذا التمستنا من صدى الغور والنجد
تمتع قبيل الظعن من روضها الندى ومن عرفها الشافي ومن مائها العد
فعما قليل أنت في متن سابح توقل في هضب وتهبط في وهد
ورب يسير يحسب الحط كله إذا لم تجد فيه سبيلاً إلى الرد
عيد به للهنا والبشر تجديد وللبشائر في الآفاق ترديد
تحققت فيه آمال الألي درجوا قدماً وقد سعدت فيه المواليد
فافتر آدم بعد النوح مبتسماً واهتز تحت حجاب الرمس داود
هذا الذي ألمعت في الكتب صادقة إليه من أول الدهر المواعيد
في الأرض سر خلاص طاب عنصره وفي السماوات تسبيح وتمجيد
إليك نهدي التهاني فيه خالصة يا من به كل يوم عندنا عيد
أنت الذي قام فينا بعد صاحبه يسمو به لمباني الدين تشييد
عليك من نوره تاج وقد دفعت إليك من يده العليا المقاليد
ترعى رعيته في الأرض محترساً من أن يلم بها في القفر تبديد
سارت بهديك لا تخشى بصائرها تيهاً إذا اتسعت في وجهها البيد
أوردتها الخير في الدارين حيث غدت وحظها بك في الحالين مسعود
لقد فتحت لها سبل الرشاد فما يفوتها منك تسديد وتأييد
فذي المدارس في الأمصار شاهدة وفصلك الجم في الأقطار مشهود
نالت بسعيك تشييداً وما برحت لها بسعيك إنماء وتوطيد
فاسلم ودم وليدم فيك الثنا أبداً له على صفحات الدهر تخليد
وأقبل تهانيء قوم في ذراك سموا وحظهم بك في الأقوام محسود
لا زلت تستقبل الأعياد باسمة دهراً وجدك بالأقبال معقود
فكلما مر عيد جاء يردفه عيد به للهنا والبشر تجديد
دع عنك ذكر المنحنى وزرود ومسارح الآرام وسط البيد
واترك حداة العيس واقفة على طلل الأحبة بالنياق القود
تدعو رسوم ديارهم ويشوقها نظر المرابض والأثافي السود
ويروعها صوت الغراب وقد دعا فقضى بوشك البين والتبديد
عهد طوى مر الزمان قديمة والدهر مفتون بكل جديد
تتناسخ الأطوار فيه وينسخ المشهود منها أرسم المعهود
سل مشرق الغبراء عما فاته من حسن طالع غربها المسعود
أرض لقد خفقت بيارق مجدها في الخافقين على الفضا الممدود
بهرت عقول العالمين بما أرت من كل فضل في الورى مشهود
هرمت بمن سبقوا العصور وجئنها بعد المشيب بنضرة الأملود
أحيت تلاد الأولين وفوقه قد جاء طارفها بألف تليد
وأصاب نجم الشرق فيها مطلقاً فيه استبعاد سناه بعد خمود
وتجددت آثار من سلفوا وقد درجوا وفازت بعدهم بخلود
جهد لعمري لو أصاب رميمهم يوماً لعاشوا في الثرى الملحود
الله أكبر تلك همة مالك وسع الأنام بفضله المحمود
أبدا لنا وأعاد كل عظيمة فله الفدى من مبدىء ومعيد
ملك أحلته أسوج وذكره يطوى من الآفاق كل بعيد
ضم الصفائح والصحائف في يد ضمت من الأخطار كل مجيد
فأصاب في الأملاك أشهر موضع وغدا لأهل العلم خير عميد
وغدا يساق له الثثاء مبارياً من كل قطر عدو كل بريد
يا كوكب القطب الشهير ومن غدا قطب العظائم والعلى والجود
هذا شعاعك بات يهدى ضوءه تحت الدجنة طرف كل شريد
ولقد سنت لكل فضل منهجاً بك أهله تأتم هدى رشيد
ورفعت بند العلم فاحتشدت له العلماء تحت لوائك المعقود
نزلوا على كنف كريم عنده نعموا بظل من نداك مديد
وأنلتهم شرفاً به حمدوا الذي ألفوه من نصب ومن تسهيد
وتعرفت فيك العلوم بأنها فخر لكل مسود ومسود
ولقد كساني حسن رأيك حلة غضت محاسنها عيون حسودي
قلدتني فخراً غدا لي حجة فتناولوا البرهان من تقليدي
رسم رأيت به جلالك مائلاً فنكصت بين مهابة وسجود
شرف لصدري وهو أرفع منزلاً من أن يحل بلبة أو جيد
فلك الثناء على مدحة منعم ما إن يقابل فضله بجهود
قصرت في مدحك حتى تاح لي قدر الوفا فنشطت بعد قعودي
ورأيت وجهك في أجل مصور رسمتك فيه حكمة المعبود
فرع لدوحتك الشريفة قد أتى من عزك المرفوع تحت بنود
وريان تقدمه السعود إذا مشى ريحف من ملأ السماء بجنود
شخصت لموكبه العيون فأبصرت بدراً تألق في غمام وفود
ولقد أقول لثغر بيروت أبتسم بلقاء أبناء الملوك الصيد
وأفاك من طربت لمقدمة ربى لبنان فاتشحت ببيض برود
هذا ابن أسكار العظيم قد انجلت بالسعد غرة نجمة المرصود
نعشت بشائره المنى فتهلك قبل اللقاء بوفده الموعود
وافي فحياه سهيل ورفرف النسر المجيد مصفقاً في العود
هو صفوة الشرف العريق مسلسلاً من عهد آباء له وجدود
يبدو جلال الملك فيه ممثلاً كتمثل الصهباء في العنقود
ألف المعالي ناشئاً في حجرها فوفى لها بأواصر وعهود
وجرى على آثار أكرم والد أضحى بنوه فخر كل وليد
بيت لقد ورفت جوانب ظله ورنا على ركن أشم وطيد
بذلك لسؤدده القلوب ودادها طوعاً ونال قياد كل مريد
وإليك يا تاج الكرام عقيلة وقفت بعالي بابك المقصود
خجلت لتقصيري لديك وفاخرت بثناك عقد اللؤلؤ المنضود
عز الوفاء على الضعيف وأين من طور المعالي منك طور نشيدي
فإذا عذرت ففي أناتك مذهب وإذا اعتذرت فمبلغ المجهود
رعى الله مغنى بالعذيب ومعهدا غنمنا به الأوطار مثنى وموحدا
مراتع آرام وردنا بها المنى على حين لم يطرق لنا الدهر موردا
نغازل من غزلانها كل آنس ونهصر من أغصانها كل أملدا
ونرشف للأفواه جاماً ممسكاً ونلثم للجامات ثغرا منضدا
أويقات أعطاف الشبيبة غضة على نسمات اللهو مالت تأودا
وقد غفلت عنا الخطوب بليلها وقدماً عهدنا حادث الدهر أرودا
أأحبابنا هل أورق الرند بعدنا وهل أفرشتكم روضة البان مقعدا
وهل مر للمشتاق ذكر بحيكم فما زال ذكر الحي عندي مرددا
ليهنئكم أن طاعكم بعدنا الكرى فمذ بينكم لم نوطىء الجنب مرقدا
ولا زارنا الصبر الجميل فليتكم أمام النوى شاطر تمونا التجلدا
أطعت بكم داعي التهتك ذاهباً بنفسي وخالفت العذول المفندا
وإني لأهوى منكم الظرف والوفا ولم أهو أعطافاً وخداً موردا
وبي جيرة ما بي من الوجد عندهم وأن بت أحيي بالسري ليل أنقدا
وربع هو الدنيا لدي وقلما ترى الشمل في دنياك إلا مبددا
تقطع حبل الوصل منا ومنهم سوى شجن الذكرى أقام وأقعدا
وما يعدم الإنسان في الأرض صحبة ولكن بعض الصحب أدنى إلى العدى
فما أكثر الألاف في كل بلدة وأكثر قول الزور ممن توددا
وفي الحب ما قد كان رائدة المنى فما الحب إلا ما أتاك مجردا
وفي الناس من تدعو سجاياه للهوى فيغدو عليها كل قلب مقيدا
تبارك من بث الشمائل في الورى فميزهم بعد التساوي وأفردا
وخص بأسناها النسيب فلم يزل إذا ذكرت أهل المناقب أوحدا
كريم تبدي من كرام مناصب لذاك تسمى بالنسيب فما اعتدى
جميل الثنا يستغرق المدح وصفه كما استغرق الألفاظ أحرف أبجدا
تناول إرث المجد قبل رضاعه وصاحب ترب المجد طفلاً وأمردا
وجد على إثر الذين تقدموا بهمة طلاع الثنيات اصيدا
فداس طريق المكرمات ممهداً وداس إلى العليا عقاباً وأنجدا
كذلك من رام المعالي فإنه يشق إليها في ذرى الخطب مصعدا
أحد رجال العقد ذهنا ونظرة وأصدقهم في الأمر رأياً ومشهدا
وأبعدهم جرياً إلى كل غاية وأطولهم في كل مكرمة يدا
كفاه سيوف الهند في كل غمرة له سيف آراء يفل المهندا
وهمة ندب خشن الدهر حدها وقد غادرت ناب الحوادث أدردا
نقي ثياب العرض طاب ثناؤه كما طاب أخلاقاً ونفساً ومحتدا
رصانة خلق كالجبال توقرت فلو خالطت بحراً لما جاش مزبدا
وعفة نفس لو ثوت قلب عاشق لما بات مجهوداً يعاني التسهدا
إذا اجتمعت أهل المعالي فإنما له الرتبة الأولى لدى كل منتدى
فلا بدع أن وافته من فيض نعمة أقرته في أهل المراتب سيدا
حباه بها عبد الحميد تفضلاً فكان كروض الحزن باكره الندى
حباء أتاه ناطقاً بمكانه فلو كان ممن ينشد المدح أنشدا
ومثل نسيب أهل كل مزية يزيد بها فخراً ويعتز سؤددا
هو العلم العالي بلبنان والذي يشار إليه بالبنان إذا بدا
من الجنبلاطيين من شم معشر بنوا شرفات المجد بالبأس والندى
لهم حسب المجد القديم وفوقه لهم حسب في كل يوم تجددا
فما منهم إلا أغر مسود أتى وارثاً منهم أغر مسودا
دعائم بيت شيد العز ركنه فحجته أخياف المطالب سجدا
تؤممه وفد القوافي قوافلاً فتهدى لمغناه وان كن شردا
ودونكها من آل عيسى خريدة تطاول بالابداع معجز أحمدا
لقد سفرت والليل أرخى سدوله فلم تبد إلاها الدجنة فرقدا
إذا انطلقت لم تأو بعد انطلاقها جداراً معلى أو طرافاً ممددا
وحسبي منك الود فضلاً ومفخراً مدى الدهر وأسلم فهو أكرم مجتدى
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات