لا يخفى على المختصين والناشطين في مجال حقوق الانسان، ان الاهتمام الحقيقي بحقوق الانسان كان مع انشاء منظمة الامم المتحدة وان هذا الاهتمام الدولي تطور تدريجيا من الالتزام المعنوي الى الالتزام التعاقدي ،واخذ ينمو تدريجيا من العمومية الى التخصيص من حيث الموضوع او من حيث الاشخاص المخاطبين به،وكان للمرأة حيز كبير من هذا الاهتمام اذ كانت جهود الامم واضحة في اقرار وكفالة حقوق المرأة مقارنة بالحقوق التي يتمتع بها الرجال،اي ان هذا الاهتمام يرتكز على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء بوصفه معيارا لتلك الحقوق.
ففي عام 1946 انشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجنة خاصة بوضع المرأة والتي تعمل على اعداد التوصيات الخاصة بتحسين وضع المرأة على اساس مبدأ المساواة،وعلى ذات الاساس اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة لعام 1952،واعلان القضاء على التمييز ضد المرأة لعام 1967،واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 والتي دخلت حيز النفاذ 1981،والتي يشار اليها اختصارا (سيداو).وتتكون هذه الاخيرة من ديباجة وثلاثين مادة،وقد تضمنت هذه الاتفاقية وسيلة حماية تعاقدية من خلال انشاء لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة وفقا للمادة 17/1 من الاتفاقية، لمراقبة مدى التزام الدول الاطراف ببنود الاتفاقية. اذ تتعهد الدول الاطراف بأن تقدم الى الامين العام للامم المتحدة تقريرا عما اتخذته من تدابير تشريعية وقضائية وادارية وغيرها من اجل انفاذ احكام هذه الاتفاقية وعن التقدم المحرز في هذا الصدد كيما تنظر اللجنة في هذا التقرير، وعليها ان تقدم تقريرا سنويا عن اعمالها الى الجمعية العامة للامم المتخدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي ولها ان تقدم مقترحات وتوصيات عامة مبنية على دراسة التقارير والمعلومات الواردة من الدول الاطراف وتدرج تلك المقترحات والتوصيات العامة في تقرير اللجنة مشفوعا بتعليقات الدول الاطراف ان وجدت،وللجنة ان تدعو الوكالات المتخصصة الى تقديم تقارير عن تنفيذ الاتفاقية في المجالات التي تقع في نطاق اعمالها.وفي العام 1999 الحق بروتوكول احتياري باتفاقية (سيداو) والذي اقر باختصاص اللجنة بتلقي التبليغات المقدمة اليها من قبل الافراد او مجموعة افراد او نيابة عنهم بموجب الولاية القضائية للدولة الطرف والتي يزعمون فيها انهم ضحايا لانتهاك اي من الحقوق الواردة في الاتفاقية على يدي تلك الدولة الطرف .وتعد هذه الاتفاقية من اكثر الاتفاقيات اثارة للجدل بين معارض ومؤيد لها،فيرى المعارضون لها انها فرض نمط الحياة الغربية و نسخة ثقافتها على باقي الثقافات وانها تصطدم مع ثوابت المجتمعات الشرقية والاسلامية وخصوصية هذه المجتمعات الحضارية والثقافية وثوابت الشريعة الاسلامية ،خاصة ما تعلق منها بمساواة المرأة المطلقة مع الرجل.ولذلك نجد ان العراق عندما صادق على هذه الاتفاقية في عام 1986 تحفظ على اربع مواد هي:المواد (2 ،9و16 و 29).
ولدى اجراء مراجعة شاملة لهذه المواثيق نجدها خالية من الاشارة لموضوع تعدد الزوجات ولم تصرح ان حالات تعدد الزوجات تمييزا ضد المرأة او انتقاص من حقوقها.وعلى الرغم من ان اتفاقية (سيداو) تضمنت جزئيات مفصلة لمعالجة قضايا التمييز ضد المرأة في كافة الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،ونخص بالذكر المادة(16) المتعلقة بالزام الدول الاطراف ان تتخذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الامور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية والتي ذكرت تفاصيل عديدة في هذا المجال الا انها سكتت بخصوص موضوع تعدد الزوجات .
الا ان لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة كان لها اتجاها واضحا من موضوع تعدد الزوجات،اذ بينت في توصيتها الحادية والعشرون في عام 1992،بالنص على انه( تكشف تقارير الدول الاطراف عن ان تعدد الزوجات يمارس في عدد من البلدان.وتعدد الزوجات يخالف حق المرأة في المساواة بالرجل .وقد تكون له نتائج عاطفية ومالية خطيرة عليها وعلى من تعولهم الى حد يستوجب عدم تشجيع هذه الزيجات وحظرها وتلاحظ اللجنة بقلق ان بعض الدول الاطراف التي تضمن دساتيرها تساوي الحقوق ،تسمح بتعدد الزوجات وفقا لقانون الاحوال الشخصية او القانون العرفي وهذا ينتهك الحقوق الدستورية للمرأة ويخالف احكام المادة (5/أ) من الاتفاقية) ،مع العطف ان المادة (5/أ) تنص على انه ( تتخذ الدول الاطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق تغيير الانماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة،بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الاخرى القائمة على الاعتقاد بكون اي من الجنسين ادنى او اعلى من الاخر،او على ادوار نمطية للرجل والمرأة).
وتعود اللجنة لتؤكد مرة اخرى في البند 39 من نفس التوصية العامة اعلاه على انه( ينبغي على الدول الاطراف ان تمنع الجمع بين زوجتين وتعدد الزوجات).
اما على الصعيد العربي والاسلامي ،فأن وثائق حقوق الانسان نظرت الى حقوق الانسان من زاوية اخرى وفقا لموروثها الثقافي وثوابتها الاسلامية وكان ذلك واضحا من خلال الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي تم اعتماده من قبل جامعة الدول العربية 1997،والذي اكد في ديباجته على تمسكه بالمبادىء الخالدة التي ارستها الشريعة الاسلامية والديانات السماوية الاخرى في الاخوة والمساواة بين البشر.والامر ذاته في اعلان القاهرة لحقوق الانسان في الاسلام الذي تم اجازته من قبل مجلس وزراء منظمة المؤتمر الاسلامي 1990،والذي اكد في المادة الرابعة والعشرين منه على انه ( كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الاعلان مقيدة بأحكام الشريعة الاسلامية).
ويضح من ذلك،ان مواثيق حقوق الانسان الاقليمية الصادرة في نطاق العالم الاسلامي والعربي هي مع اقرار تعدد الزوجات وان لم تصرح بذلك لان هذه الوثائق اكدت على تمسكها بأحكام الشريعة الاسلامية ،وحيث ان تعدد الزوجات من ثوابت الشريعة الاسلامية ولذلك فأن منعها او حضرها يتعارض واحكامها.