تداعت الهياكل حين طفحت في الأسطح خلايا البنية الهشة الضعيفة .. وأكدت الساحات أنها بعيدة جداَ عن تلك الأمنيات العالية التي تعشش في الأذهان .. تلك الأمنيات التي تعني الرقي والتقدم .. وتعني الحياة العصرية حيث الرخاء والسخاء ونعمة الأحوال .. وأصبح البرهان كالشمس فالتقدم بالخطوات الواثقة إلى الأمام لا يكون بالثورات والفورات .. ولا يكون بمجرد الأقوال باللسان وبمجرد التطاول في البنيان .. ولا يكون بصيحات الغوغاء ولا بأحلام الصغار .. ولكن التقدم والرقي يكون حين يترقى إنسان المجتمعات .. وحين يبلغ ذلك العنصر نضوجاً واكتمالاَ وعقلا وإدراكاً وثقافة وسلوكاً .. والتجارب كانت قاسية وقاتلة ومريرة للغاية في أكثر الساحات .. تلك الساحات التي انتفضت فيها الإنسان الهش قبل الأوان .. ذلك الإنسان الجاهل الذي ما زال في عصور الظلام .. وهو ما زال أقل إدراكاً من إنسان القرون الوسطى .. انتفاضات وثورات وفورات جاءت قبل أوانها .. والشعوب فيها ما زالت تحبوا كالطفل الصغير .. وما زالت بعقليات الفطرة الخالية من الثقافة العالية والخالية من مكتسبات التجارب والخبرة .. هنالك الأحداث التي جرت في دول نعرفها قبل مواسم الربيع العربي .. ولعشرات من السنين ظلت تلك الدول في حالة من الفوضى التي يرثى لها .. مظاهر غبية يندي لها الجبين .. مظاهر فوضوية تامة .. وشللية بغير هيبة وبغير دولة بالمعنى الذي يسر الصديق أو العدو .. دول أصبحت في خانات الصفر بكيد شعوبها .. تلك الشعوب التي مثلت البدائية والهمجية في تصرفاتها .. حيث الجماعات المسلحة المتنافرة هنا وهناك .. وحيث الحروب الأهلية الهابطة الساقطة في أهدافها .. وحيث الشتات والفتات .. وحيث أعمال القرصنة والبلطجة .. وحيث الدويلات التي خرجت من أرحام الدولة الواحدة التي كانت بمقدار ذات يوم .. ثم هنالك الجديد من تجارب الأحداث التي جرت وما زالت تجري في ساحات الربيع العربي .. فجاءت النتائج والمحصلات كذلك مخيبة للآمال .. إرهاصاتها قاتمة مظلمة خائبة وخيمة قاتلة .. بذلك القدر الذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك في فشل وعدم كفاءة الإنسان في دول العالم الثالث .. والصور في كل الساحات هي تلك الكئيبة الكالحة والبعيدة كل البعد عن مظاهر الرقي والتقدم .. والأسباب كما أسلفنا تكمن في ذات الإنسان الذي لم يكتمل نضوجاً وإدراكاَ وعقلاً .. مجريات ومهازل تجري في ساحات الربيع العربي وفي غير ساحات الربيع العربي .. وكلها تمثل صور السواد والعذاب التي تجلب الغثيان .. وتجري في الساحات شرعة الغاب وشرعة الفئات والشللية .. حيث التطفل المتسلط على منهاج الديمقراطية المغلوبة على أمرها .. وكذلك تلك الصور القاتمة حين تتحدث المناطق ولا تتحدث الدول .. ويتحدث الشتات ولا يتحدث الإجماع .. وتتحدث الأسلحة ولا يتحدث المنطق والعقل .. صور كالحة مؤلمة من المظاهر الغوغائية حيث أنانية الإنسان البدائي الجاهل البعيد عن إنسان العصر الراقي .. وكل المعطيات تؤكد تلك الحقيقة القاسية حين يتجلى إنسان المجتمع بصورة ( الطفل ) الذي ما زال في بدايات المهد .. تلك الصورة القاتمة التي تبعدنا عن العالم المتقدم المتحضر من حولنا بآلاف السنين .. والتصرفات في الساحات المتعددة كلها توحي بأننا صغار في حركاتنا وسكناتنا .. وتؤكد بأننا شعوب جاهلة بدرجات كبيرة .. تلك الشعوب التي لا تعرف العمق في معاني الوطن والمواطنة .. ولا تعرف أهمية المصلحة العليا للبلاد التي تشمل وتغطي الجميع .. ولكن دائما أمامنا ذلك الإنسان البدائي المهرجل الذي ينادي بالفئوية أو بالعشيرة أو بالمنطقة أو بالجهوية أو بالقبلية .. أو بالفئوية العقدية .. أو بالفئوية المهنية .. أو الفئوية الفكرية المتطرفة .. ويندر في ساحاتنا من ينادي بالدولة ذات السيادة وينادي بالمصلحة العليا لشعب الدولة .. علة قاسية كامنة في إنسان المجتمعات .. تلك العلة التي أشبعتنا نكالاً ووبالاً عبر المئات من السنين .. فمتى يكون ذلك الإنسان الراقي العالي المثقف ؟؟؟ .