أشواق وحنين



جاءني متخما شوقا وحنينا، ودقات قلبه تسمع عن بعد ميل، وحبات العرق تتلألأ على جبينه النادي.

تأملته وتشبعت كل خلايا عيني برؤياه، وقد غاص القلب في الأعماق وعاد وارتفع إلى الحنجرة، فأفرد شوقي إليه القلوع، ورفع مرساته وأبحر في شرايين دمي والعروق.

وجيب القلب يدعوني للارتماء في أحضانه، وكبرياء الأنثى وخِدرها يمنعاني، وأنا بين قلبي وعقلي تمزقني الآهات.

تسمّرت في مكاني محاولة استرجاع مرارة لقائي الأخير معه، وعدم استجابته لتوسلاتي ودموعي، وكيف لملمت أشلاء كرامتي وسحبت حبال خيبتي، وقد أشاح بوجهِه عني.

عليّ أن أحاول استحضار تفاصيل حزني، ودموعي، ووجعي، ومرارات علّمت قلبي أسى حينها. ولم يكن ذلك بإمكاني، فما برح القلب خافقا بحبه ولا يتذكر إلا فرحة اللقاء.
وأنا ما فتئت أحثه وأؤنبه: "ما بك لا تتذّكر الجفاء والوجع وما فات من أحزان؟" ولكني يئست من أن يفعل قلبي ذلك.

رأيته يدنو، فإذا بقلبي يكاد يثب من بين الضلوع، ودقاته تتسارع وتضج تمردا وأنينا. حاولت الهروب. كم وددّت ذلك! بيد أن قدميّ لم تطاوعاني.

اقترب مني دون أن ينبس ببنت شفّة، بل اقترب أكثر وأكثر، حتى استنشقت أنفاسه اللاهثة، ويا لعذوبتها!

تلاقت النظرات، وبالكاد كنت أتنفس؛ غرقت في بحر عينيه اللجيّ. أمسك بيدي فسلبني كل مقاومة، وبدأت كل معاقلي تنهار واحدا تلو الآخر. فتراجعت ونسيت خطبتي العصماء.

قربني إليه، فتهاويت في أحضانه، فتلاشى كل ما حولي. انتحر الوقت. تكسرت الساعات. توقف الزمان ولم أعد أسمع إلا وجيب قلبينا وهمس روحينا.

تمتمت: "إذا كان حضنه لي، هو كل الدنى، فما حاجتي للعتب والخصام وإعلانِ العصيان؟"