د. فهد محمد بن جمعة

نطلب الكثير منك يا وطن ونتوقع الكثير وأنت تتوقع منا الكثير، لكننا لم نقدم لك إلا القليل بل خسّرناك الكثير. كل يوم نشتكي ونتظلم منك يا وطن، نحن نعرف اننا اساس بنائك يا وطن وإذا ما زرعنا ارضك حصدنا حبك وعطاءك. حفرنا ارضك فتفجرت نفطا وغازا فأضاءت بيوتنا وشوارعنا وسهل علينا تنقلنا فكلفناك الكثير، لأننا مبذرون لا نعترف بفضل ثرواتك فلا رشّدنا ولا حسّنا كفاءة طاقتك. علمتنا في المدارس والجامعات بل ابتعثتنا مجانا فلم يزدنا إبداعا ولا ابتكارا ولا معرفة اقتصادك، حافظت على صحتنا فكلفناك مليارات الريالات بشراهة التدخين إن لم يكن إدمان المخدرات والمؤثرات لنزيدك هما وعناء. اسكنتنا بيوتا عالية بعد ان كنا في خيام متناحرة فاحتكرنا اراضيك وبعنا ما منحتنا فضاعت مساكننا. لقد احزناك بقسوتنا يا وطن فعذرنا نحن مقصرون يا عيباه منا يا وطن.

اقتصادك ينمو ويزدهر ونحن نشارك بإهدار مصادر دخلك وننتظر نضوب نفطك سبعين عاما قبل تنويع مصادر دخلك. وفرت لنا الوظائف يا وطن ونحن نخجل من شغلها وجذبنا لك خمسة ملايين عامل لقد خذلناك يا وطن سامحنا. خلقت لنا قطاع الصناعة فهربت أموالنا غربا وشمالا فكنا منكرين لفضائلك. فتحت ابواب السياحة لنا فعطلنا قيمتها المضافة فلا فنادق ولا ترفيه ولا راحة، نتسابق الى مطاراتك افتخارا برحيلنا كل صيف وإجازة.

اراضيك شاسعة متنوعة وجميلة وجبالك شاهقة من الطائف الى أبها ونجران فحللنا ضيوفا على ضفاف بعدك. قلّت الامطار ومياه جوفك فجلبت لنا ماء عذبا من المالحة يا وطن فأسرفنا في استهلاكها لرخص اسعارك.

مهدت لنا البحر والجو والبر فقربت بيننا فتمردنا على انظمتك فخالفنا مرورك لنقتل واحدا وعشرين شخصا كل يوم. زرعت الاشجار والأعشاب على جوانب طرقك فمتعتنا بجمال طبيعتك وبعثت السعادة فينا فرمينا المخلفات وشوهنا جمالك.

قدمت لنا الحماية بالتأمين والتقاعد يا وطن فلما اشتدت سواعدنا وأصبحنا معلمين إلا ونتقاعد مبكرا فأنقصنا خدماتك. حميت منافذنا برجالك وحراسك المخلصين فساهمنا بتهريب سلع مقلدة ومغشوشة بل سلع بايرة. حفزت وحرصت على توظيفنا فتسترنا على من يخالفك ولم نرغب في وظائفك. استأمنتنا على أداء مهام وظائفنا فتأخرنا وضعفت إنتاجيتنا فعطلنا أعمالك. ومولت وشيدت مشروعاتنا فعطلنا تنفيذها هندسيا وزمنيا لنزيدك حزنا وخسارة. أعطيتنا ملايين بل مليارات الريالات وأعفيتنا من ضرائبك فلم نتحمل مسؤوليتنا الاجتماعية فشححنا عليك بأموالنا.

ورغم ذلك يا وطن عندما تساقطت أوراق ربيع غيرك، بقيت اوراقك ترفرف خضراء صامدة. فحققت لنا الأمن والأمان بنظام شرعك القرآن والسنة فوجبت علينا البيعة والطاعة لولي امرك فخرج عليك الداعشيون الضالون الهالكون.

لقد ذكرتنا يا وطن بمقولة كندي "لا تسأل ماذا قدم لك وطنك، بل اسأل ما الذي قدمته انت لوطنك " فآلمتنا فنحن دائما نتساءل عن ماذا قدمت لنا ونغض النظر عن ماذا قدمنا لك.

سامحنا يا وطن ووعدا علينا ان نقدم لك ارواحنا وأعمالنا حتى لا يطول حزنك، فاعترافنا بتقصيرنا بداية تغيير سلوكنا وأفكارنا لنحول تكاليفك الى فوائض، وندرة مواردك الى وفرة لها وعجز وارداتك الى فائض في صادراتك. كما هو وعد علينا ان نواجه عدم يقين مستقبلك بتنويع اقتصادك وتعظيم رفاهة مجتمعك فلا بطالة ولا فقر بل سعادة ورفاه.

ختاما قالها ملكنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين “لا أنام إلا سائلاً عن كل المناطق وحبكم لي لن أنساه وما أنا إلا خادم لكم".