لباس المراة امام النساء

بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:



فقد شرع الله سبحانه الحجاب وفرضه على النساء رفعة لأمرهن وصيانة لهن من التبذل والتهتك، وحماية للمجتمع من المفاسد والرذائل، فكان أمر النساء قائما على وجوب الستر والحماية من موجبات التبرج والسفور، فأمر الله سبحانه النساء بأن يدنين عليهن من الجلابيب، وأن يغطين وجوههن، وأن لا يبدين زينتهن لغير محرم، وأمرهن بالقرار في البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وحرم عليهن الخلوة مع الرجال أو الاختلاط بهم،أوالسفر بدون محرم، وغير ذلك مما هو مشهور عند العامة والخاصة، وكل هذا صيانة للنساء والرجال من الفتن وحماية للمجتمع من السقوط.



ولم يزل هذا الأمر - حجاب المسلمات واستتارهن - عزيزا ظاهرا مشهورا منذ وقت النبي صلى الله عليه وسلم إلى القرن الرابع عشر - حتى في فترات ضعف المسلمين وانحلال كثير منهم– حيث استمر التمسك بالحجاب عمليا بين النساء لا يتركنه، حتى سادت دعوات ما يسمى بتحرير المرأة فانطمست معالمه وخفيت في كثير من البلدان.



وبقي الحجاب في هذه البلاد - ولله الحمد - ظاهرا لم يصبه ما أصاب البلدان الأخرى، إلا أن بداية انحلاله بدأت تظهر، وتهاون كثير من النساء به لا يخفى على كل ذي عينين.



وإن من أعظم ذرائع ترك الحجاب ونبذه ما انتشر في الآونة الأخيرة من ألبسة دخيلة وأزياء فاضحة، ليست من لباس المسلمات العفيفات ولا من أزيائهن، جلبت من ديار الكافرين، فأصبح التباهي بها بين النساء مشهورا، والتسابق على اقتنائها منتشرا، كالثياب القصيرة والعارية والرقيقة الشفافة واللاصقة (ستريتش) والبناطيل ونحوها، فأصبحن يتباهين بها ويلبسنها في المحافل والمجامع النسائية بحجة أنه لا يراهن الرجال،والله المستعان.



وكل ما حصل إنما هو تصديق لما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال - (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع) فقيل: يا رسول الله كفارس والروم فقال: (ومن الناس إلا أولئك).



وما ثبت في الصحيح أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: (فمن).



ومثل هذه الألبسة والأزياء حرام قطعا، لا يجوز لبسها أمام النساء أو الرجال، والأدلة على ذلك كثيرة منها.



الدليل الأول



عموم أدلة الشرع الدالة على أن النساء عورات يجب سترهن، ومن ذلك ما رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المرأة عورة)، فدل هذا الحديث على أن الأصل في المرأة أنها عورة فلا يستثنى إلا ما دل الدليل عليه، وقد دل عمل الصحابة أن للمرأة أن تظهر للمرأة ما يظهر منها غالبا كالوجه واليدين والقدمين والشعر والجيد ونحوها، أما عدا ذلك فلم يرد دليل على جواز إظهاره للنساء أو المحارم بل هو على الأصل في المنع، وهذا الذي تدل عليه أقوال الصحابة فيما تظهره المرأة أمام المحارم.

قال أبو الحسن ابن القطان رحمه الله تعالى:



(مسألة: المؤمنة، هل يجوز لها أن تبدي للمؤمنة الأجنبية من جسدها ما ليس بعورة كالصدر والعنق والظهر ومراق البطن أم لا ؟

منهم من يقول: لا يجوز، وهي عورة كلها في حق المرأة، كما هي في حق الرجل، وبه قال القاضي عبد الوهاب.

ومنهم من يقول: يجوز لها أن تبدي من نفسها ما تبديه لذوي رحمها من الزينة ومواضعها وذلك الوجه والكفان والقدمان سواءا كانت المنظور إليها حسناء أو غير حسناء، فهذا هو الأظهر) انتهى.



وقال أيضا: (أما امتناع إبداء المرأة للمرأة ما زاد على ما تبديه لذوي محارمها فلما تقرر عادة من ولوع بعضهن ببعض، ولما يحصل من استحسان جالب للهوى موقع في الفتنة) انتهى.



الدليل الثاني



ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن أمثال أسنمة البخت المائلة , لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها , ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس).



ومن لبست مثل هذه الأزياء فإنه يصدق عليها وصف النبي صلى الله عليه وسلم لها بأنها (كاسية عارية)، ويترتب عليها الوعيد العظيم الوارد في الحديث.



ودخولها في هذا الحديث يكون على أحد وجهين:



الوجه الأول: أن تكون (كاسيات عاريات) صفة عامة، تشمل من اتصفت بها مطلقا سواءا من خرجت أمام الرجال على هذه الهيئة، أو كان هذا لبسها أمام النساء، لأن الوصف يصدق عليها في كلا الحالين، وإن كان ذنب من خرجت (كاسية عارية) أمام الرجال أعظم وأغلظ، إلا أن التي تكون كذلك أمام النساء يلحقها قسط من الذم والوعيد بحسب ما اتصفت به، وتخصيص الحديث على صورة واحدة لايصح لعدم وجود الدليل على التخصيص،ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه (رؤسهن أمثال أسنمة البخت المائلة) وهذه الصفة ليست خاصة بكونها أمام الرجال.



الوجه الثاني: أن يلحقها الوعيد من جهة التشبه ب (النساء الكاسيات العاريات)، ففي الحديث الصحيح (من تشبه بقوم فهو منهم).



فعلى أي الوجهين فإن الوعيد عظيم، مما يدل على عظم هذا الذنب، نسأل الله العافية والثبات.



الدليل الثالث



أن هذه الألبسة والأزياء كلها - أو أكثرها - قد أتت من الكافرين، وهي من أزيائهم وألبستهم، فلبسها تشبه بالكفار، والتشبه بالكفار محرم ومنهي عنه عموما، وخاصة التشبه بهم في اللباس:



ففي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له - وقد رأى عليه ثياب كفار - (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها).



وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل إلى المسلمين في خراسان (إياكم والتنعم وزي أهل الشرك).



وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من تشبه بقوم فهو منهم).



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - عن هذا الحديث - : (وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ) انتهى.

والتشبه بالكفار لا يلزم من فعله أن يكون قَصْدُ المتشبهِ أن يتشبه بهم، ولكن مجرد الوقوع فيه كاف في إلحاق الوعيد ما دام عالما بأن هذا من فعل الكافرين.



قال شيخ الإسلام أيضا: (والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير) انتهى.



والوقوع في التشبه بالكفار كما أنه محرم لذاته، فإنه مؤد أيضا إلى مفسدة أخرى وهي المحبة والموالاة الباطنة لمن تشبه بهم في الظاهر كما قال شيخ الإسلام: (أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة) انتهى.



وهذا هو الواقع، فإن النساء اللائي يحرصن على هذه الأزياء تجدهن مفتونات بالكافرات في الغالب، والله المستعان.



الدليل الرابع



أن كثيرا من هذه الأزياء فيها تشبه بالرجال، وقد ورد الوعيد الشديد على من تشبه من النساء بالرجال:



فقد روى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء).



وروى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة , والمرأة تلبس لبس الرجل).



وروى أبو داود عن عائشة أنها قالت: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء).



وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه رأى امرأة متقلدة قوسا وهي تمشي مشية الرجل فقال: من هذه ؟ فقيل: هذه أم سعيد بنت أبي جهل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء).



وهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن هذا الأمر من الكبائر لأن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ولا يكون إلا على أمر عظيم.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وكذلك ايضا ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال بل الفرق أيضا مقصود حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا فيما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهوا عن ذلك... ولهذا جاءت صيغة النهى بلفظ التشبه بقوله (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وقال لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء)،والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يفضى ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل وتطلب ان تعلو على الرجال كما تعلو الرجال على النساء وتفعل من الأفعال ما ينافى الحياء والخفر المشروع للنساء وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة وإذا تبين أنه لابد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يتميز به الرجال عن النساء وان يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة وإذا كان ساترا كالفراجى [نوع من الألبسة الساترة التي يلبسها الرجال] التى جرت عادة بعض البلاد أن يلبسها الرجال دون النساء، والنهى عن مثل هذا بتغير العادات وأما ما كان الفرق عائدا إلى نفس الستر فهذا يؤمر به النساء بما كان أستر ولو قدر أن الفرق يحصل بدون ذلك فإذا اجتمع فى اللباس قلة الستر والمشابهة نهى عنه من الوجهين والله أعلم) انتهى.