كيف نحول الاحتفاء باليوم الوطني إلى طاعةٍ؟

د. صالح بن علي أبو عـرّاد



ها هي الذكرى الثالثة والثمـانون (83) ليومنا الوطني تحلّ، وتُلقي بظلالها على مجتمعنا. ولا شك أن الاستعدادات المعروفة لمثل هذه المناسبة من كل عامٍ تجري - كالعادة - على أقدامٍ وسوقٍ في كل مكان للاحتفاء المستمرّ بهذه المناسبة بشتى الطرق والكيفيات التي اعتدنا عليها في الأعوام السابقة.

ولأن الحديث يكثُر حول هذا الموضوع بين مؤيدٍ ومعارضٍ، وقابلٍ ورافضٍ، ومادحٍ وقادحٍ.. إلخ، فإنني في هذه الأسطر لن أتطرق لكل ذلك، ولكنني سأطرح اقتراحًا، كان قد خطر ببالي حول كيفية الاحتفاء (الإيجابي) بهذه المناسبة التي علينا أن نستثمرها جميعًا في حمد الله تعالى وشُكره، والثناء عليه سبحانه وتعالى على ما أولانا في هذا الوطن الغالي من النعم الكثيرة الجليلة التي (لم، ولن، ولا) يُمكن أن نقدر على مجرد حصـرها وتعدادها فيمـا لو حاولنا ذلك مصداقًا لقوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} (سورة النحل: 18).

ويتلخص اقتراحي في أننا يُمكن أن نجعل احتفاءنا بهذه المناسبة السعيدة طاعةً لله تعالى، وعبادةً نُثاب عليها - بإذن الله تعالى - عندما نغتنمها في التقرّب إلى ربنا العظيم سبحانه وتعالى بمـا يُحبه ويرضاه من العمل الصالح الذي يتحقق من خلال صيام يوم (الاثنين) الموافق 17 / 11 / 1434هـ، وهو يومٌ نعلم جميعًا أنه يُستحب للمسلم الصيام فيه، وأن يكون صيامنا لهذا اليوم بنية حمد الله تعالى وشكره (جلّ جلاله) على ما نحن فيه جميعًا من النعم الظاهرة والباطنة التي يأتي من أبرزها نعم الأمن والأمان والاستقرار، والخير الكثير الذي أكرمنا الله به دون غيرنا في شتى مجالات ومناحي الحياة، التي نعلم جميعًا أنها نعمٌ يفتقدها كثيرٌ من الناس في أنحاء مختلفة من عالمنا المعاصـر، ولاسيّمـا أن هذا اليوم سيكون بإذن الله يوم (إجازةٍ رسميةٍ)؛ فلا ارتباطاتٍ وظيفية فيه، ولا أعمـال، ولا التزامات، ولا مواعيد مسبقة؛ الأمر الذي - لا شك - أنه سيُعين ويُشجع على القيام بفكرة الصيام الجمـاعي لأفراد كل أسـرة، وسيُتيح لهم فرصة الالتقاء عند ساعة الإفطار على مائدةٍ واحدة؛ فيكون لذلك اللقاء طابعه الإيمـاني ومذاقه الوطني المتميز.

يُضاف إلى ذلك أن صيام هذا اليوم سيُعدّ نمطًا جديدًا ومُتميزًا يُبادر به أبناء بلادنا للاحتفاء بمثل هذه المناسبة، والتعبير الفعلي عن المشاركة الإيجابية فيها من جميع أبناء المجتمع كبارًا وصغارًا، ذكورًا وإناثًا، أغنياء وفقراء.. إلخ، الذين يشتركون جميعًا في استشعارها والتفاعل معها بصورةٍ إيجابيةٍ ومتميزةٍ لا ضـرر فيها ولا ضـرار، ولا محاذير ولا سلبيات، ولا مشاهد مؤسفة، ولا مسيرات صاخبة، ولا حوادث أليمة..

وليس هذا فحسب، فإن في هذا الاقتراح ارتقاءً واضحًا بثقافة الاحتفاء بمناسبة اليوم الوطني عند أبناء المجتمع في بلادنا، وسموًا بها عمّـا جرت به العادة من تلك المظاهر البائسة العشوائية التي لا يُقرّها الشـرع، ولا يرتضيها العقل، ولا يقبلها المنطق، ولا يستسيغها الذوق. كمـا أن في هذا الاقتراح تميُّزًا وطابعًا اجتمـاعيًّا، قد ينفرد به الشعب السعودي المسلم دون غيره من الشعوب.

وختامًا: أتمنّى أن يحظى هذا الاقتراح بالقبول لدى أبناء وطننا الأفاضل الذين - لا شكّ - أنهم يُسارعون دائمـًا إلى كلّ خير، ويُبادرون دائمـًا إلى كل فضل. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.