السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






**************************





لطالما تأملتها كثيراً ، وهي تجلس بهدوء خلف تلك الطاولة ، في الزاوية المقابلة ليّ ..

نادراً ما أسمعها تتحدث , وتمازح رفيقاتها ، وتتجاذب أطراف الحديث , أو تبدي رأيها في شيء ما

يجذبني الحزن الذي يكسو محياها , والإنكسار الذي يسبق نظرتها ,

والإبتسامة الباهتة التي تعانق نظر أي أحد تلتقي عينيها به ،

تسألت مراراً بيني وبين ذاتي ما سرتلك الأنثى ؟؟

ولم أجد الجراءة الكافية للبت في موضوعها مع زميلاتي كوني حديثة العهد بهن

فهو مقر عملي الجديد , ولم أجد فتحةً أدخل منها إليها لما يلفها من أسوار الصمت والجمود ..

في ذات يوم بينما الكل مشغول بما بين يديه , والعدد قليل كون غالبية المعلمات في حصصهن

كنت وهي وبعض الزميلات تجمعنا غرفة واحده ..

وفي لحظة واحده اثناء وقوفها , صرخة يتلوها إغماء لها , هرعنا ناحيتها لمحاولة إفاقتها ولكن كان الموضوع يتطلب

تدخل طبي , و كنت اول من عرض مرافقتها , وحصل ...

في تلك الغرفة وعلى السرير ممدة تتلقى كميات من المغذيات وسط شحوب وذبول يُعطيها فوق عمرها سنوات

تهلوس بكلمات بسيطة لاتُفهم وتغرق وسط دموعها وأناتها , أوجعني كثيراً حالها وتيقنت أنها في كرب عظيم ...
وبعد هذا الحدث أخذت إجازة , وكنت اطمئن عليها يومياً بالهاتف , وكلما حاولت زيارتها تتعذر , وعندما اسأل الزميلات
يتعذرن بظروفهن عن عدم الزيارة وقلة السؤال !!!

وقلت في نفسي لعلها فرصة للتقرب منها ومعرفة مايطالها من ضيق ؛
ومع الأيام وكثرة المهاتفة لها تقربنا من بعضنا , وبعد عودتها للعمل تقربت منها اكثر , رغم أنني أجد
نظرات الأخريات تمنعني !!
وفي آحدى الأيام كان لدينا برنامج دراسي مفتوح والكل منشغل , وجدتها فرصة للمكوث معها اطول وقت
وتجاذب الأحاديث ..

اسئلة عادية عنها وعن اهلها ومن هذا القبيل , راقني ماتتمتع به من أدب وخلق عالي , وتربية رائعة
واسلوب جذاب ..
ومع تعمقي بالحديث , بدئت تبكي بلا سبب واضح , وتغالب دمعاتها , أحزنني الموقف ماكل هذا الألم والوجع ماكل هذا الحزن الذي تتسربل به هذه الأنثى!!
ورجوتها ان تُخرج مكنوناتها كي تأخذ نفساً من راحة لقلبها ..
قالت : كنت الإبنة المدللة لدى أهلي , وكنت متفوقة بدراستي , ومحبوبة للجميع , حققت حلمي , تخرجت وتوظفت
أثبت تواجدي بين زميلاتي بحب وعطاء وكان الجميع قريبٌ مني ..
مثل أي فتاة تقدم لخطبتي رجلٌ وتم الزواج بمباركة الجميع , وحدثت بيننا مواقف وتصرفات واحداث جعلتنا نصل
لقرار الإنفصال , وتم الإنفصال وكانت تلك البداية , قابلني أهلي بالرفض وانهم افرطو في تدليلي واخطئو في تربيتي
وانني لست ذات مسئولية وكان يجب علي التحمل والصبر , وتفويض امري لله والبقاء مع ذاك الرجل بإستسلام , فضلاً
عن أحمل لقب [مطلقة] تغير تعاملهم , اصبح الوجوم والقسوة والعبوس هو مايجمع ملامحهم بيّ , الصمت او الحديث المغتضب , والامر والنهي والعصبية هو اسلوب حديثهم , النفر مني هو سياستهم حتى تخيلت نفسي مرضٌ معدي يخشون إنتقاله لهم , وكل طالباتي مرفوضة , لا للخروج , لا للنزهة , لا للتجمعات العائلية , لاللمكالمات الهاتفية الطويلة ولا ولا ولا ..
اصبحت كل لحظاتي مرتبطة بــ لا , ابتعدت عني قريباتي , كونهن يخشون ان اسرق ازواجهن منهن , ومن لم تتزوج تخشى أن اجلب لها فال سيء , حتى اطفالهن لا يرحبون بحديثي معهم , وابعدوني عن كل مناسباتهن السعيدة , خوفا مني ومن حقدي وحسدي لهن حسب تفكيرهن ..
ولم يكن حالي في وظيفتي افضل , بدئت زميلاتي في الابتعاد , والانزواء عني , والرسميات في أحاديثهن وقلتها ,
يخافون على ازواجهن , يرفضن زيارتي , ولا يزوروني , بل بعضهن حاوت التلميح ليّ بعدم الإتصال ببيتها خوفاً مني .
اصبحت كــ وصمة عار في جبين الجميع بلا ذنب إرتكبته , فقط لإنني (مطلقة) حكموا عليّ بالإعدام وألبسوني كفناً رغم انني لازلت حية بينهما جسداً وروحاً بلا هوية لديهم , يفكرون كيف يتخلصون مني , أصبح الهاجس الوحيد لعائلتي توفير أي رجل كي يتزوجني ويرتاحون من همي , تقدم لخطبتي رجال ولكنهم يحملون شهادات سوء الخُلق معهم , وكنت ارفضهم , ولكن عائلتي توافق عليهم , ممازاد في قسوتهم وظلمهم وتعجرفهم ..
اصبحت وحيدة , منفردة , يخجلون مني , ويعتبرونني كربة , تزوجت أختي ولم احضر زفافها , وتزوج اخي وهو حانق عليّ , لإن من كان يُريدها رفضوه أهلها لإن أخته مطلقة , من سوء التفكير وضحالته لديهم , ليالي كثيرة تمر عليّ وأنا أتسأل أي جرم اجرمته؟؟
واي ذنب اقترفته ؟؟
واي عار جلبته معي وأنا احمل حقائبي بيد وباليد الأخرى ورقة طلاقي إلى بيت أهلي؟؟
ولما من كان زوجي لم يقابله المجتمع بمثل ما قابلوني به ؟؟
لم يرفضوه ولم يُعاقبوه ولم يتغير شيء !!
فقد ارتبط من جديد بزوجة جديدة , ويعيش حياته بسعادة ..
لما فقط الأنثى هي من يحل سخط المجتمع عليها ؟؟
ويحرمون عليها ما أحله الله لها ؟؟
لما تصبح كقطعة لحم ملوكه في فم كلب تشمئز النفس منها ؟؟
لما نسجن خلف أسوار أفكار مظلمة وظالمة ؟؟
لما يُضيق علينا الخناق حتى تتوقف أنفاسنا عن الحياة ؟؟
لما يجعلون لنا مساحات محدودة وخيارات مقننة؟؟
لما كانت ورقة طلاقي هي شهادة موتي في نظر المجتمع ؟؟
لما استعجلوا موتي بينهم ؟؟
لما وضعوا لافتةً على حياتي كتبوا فيها :
عفواً إنها مطلــــــــــقة ..


لا أعتقد أنني بالغت كثيراً في وصف الحال بل هناك ماهو اشد من صنوف الإهانة والتعذيب
لدى البعض الذين يفتخرون برقي المظهر والغناء المادي ويفتقرون العقل وينعمون بضحالة التفكير
والفراغ المعنوي , والظلم الحسي ..
هذه مجرد مثال من الأمثلة الكثيرة في مجتمعاتنا تختبئ وراء جدران الصمت وخلف أبواب
الوجع ..

يا مجتمعي ليست نهاية الحياة
أنتي طالق ؛
فـــــــ

[ رفـــــــــــــقاً بالقواريـــــــــــر]